تمهيد
يحملُ التطوّر التاريخيّ للجريمةِ المنظمّة في إسرائيل أبعاداً سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة، قد تعيننا لفهمِ ما يجري راهناً في المجتمع الفلسطينيّ داخل الخطّ الأخضر. هذهِ الأبعاد المتشابكة بينَ التحوّلات الاقتصاديّة والأمنيّة التي واجهتها الدولة الاستعماريّة الناشئة حديثاً في العام 1948، حفّزت نواةً للجريمةِ المنظمّة منذُ أعوامها الأولى، بما يفيد أن تأسيس هذهِ الدولة تحديداً على أساس العنف والسلب والعنصريّة إزاء الفلسطينيين أساساً، يشكل تربةً خصبة لنشوء الفعل الإجراميّ المتعلّق بالسوق السوداء والقتل والعنف وغير ذلك، في إثر الخدمات المتبادلة لكلّ من الجانبين في سياقات ومجالات سنأتي على ذكرها.
[فيما يلي ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي" لأجزاء واسعة من التحقيق الصحافي الذي أعدّه رينان نيتسر ونشره موقع "شومريم - (حرّاس) مركز الإعلام والديمقراطية"، وهو يعرّف نفسه كـ"هيئة إعلامية مستقلة"]
"هذه حالة طوارئ وطنية. نحن في ذروة حرب مستمرة - حرب كورونا. إنها حرب من أجل الاقتصاد، من أجل الصحة. هذه حرب من أجل الحياة". هذه التصريحات أدلى بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في 24 أيلول 2020، عشية دخول الإغلاق الثاني لكورونا حيز التنفيذ. من الصعب تفويت الكلمة التي تكررت أربع مرات في هذه الفقرة فقط: الحرب. كذلك، ففي دراسة أجرتها البروفسور عنات جيسر- إدلسبيرغ من جامعة حيفا، وفحصت سلوك رئيس الحكومة في أيام الموجة الأولى بين آذار وحزيران 2020، كان الاتجاه مشابهاً: خلط المصطلحات الطبية التي لم تعتد عليها إسرائيل وبين الجيش الذي تعرفه إسرائيل جيداً والذي يدير حياة المواطنين في حالات الطوارئ، بكلمات مثل الحرب والصراع والعدو وبالطبع مشتقات جذر "نصر" وصولاً إلى النتيجة المرجوة.
تمثل المنطلق الرئيس للمعارضة التي أبدتها جهات إسرائيلية حيال قرار لجنة إدارة "كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل) الذي يقضي رسمياً، لأول مرة، بشراء أراضٍ خاصة من فلسطينيين في الضفة الغربية بهدف توسيع المستوطنات، في فرضية وحيدة مؤداها أن تبعاته قد تكون ذات ضرر بالغ على المستوى الدولي، وفي مقابل الإدارة الأميركية الجديدة، وفي كل ما يتعلق بالعلاقات مع يهود الشتات. وهذا المنطلق يشمل كذلك حركة "السلام الآن"، التي تعارض توسيع المستوطنات القائمة. وينبغي القول إن هذه الحركة شكلت بمثابة "رأس حربة" ضد نشاطات سابقة لهذا الصندوق في أراضي 1967 جرت بطرف التفافية وبما يخالف سياسته العامة التي تنص على وجوب ألا تتجاوز هذه النشاطات "المناطق الخاضعة للحكومة الإسرائيلية" وألا تمتد إلى الأراضي المحتلة منذ 1967.
نشرت البروفسور مريام ألمان بحثا تفصيليا على موقع معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لتحليل ما أسمته "تصاعد وتيرة ومظاهر وتعبيرات اللاسامية الجديدة" ودعوات نزع الشرعية عن إسرائيل ونبذها ومقاطعتها من قبل طلاب وأكاديميين وهيئات تدريسية في الجامعات الأميركية.
الصفحة 248 من 880