تشهد العلاقات الإسرائيلية- الروسية حالة من المدّ والجزر تِبعاً للظروف الجديدة التي نتجت عن تدخل الأخيرة عسكرياً منذ العام 2015 في سورية في سبيل سعيها لاستعادة مكانتها ودورها التاريخي كقوة عظمى، وكلاعب مُهم في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما فرض على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية إيجاد آليات جديدة للتعامل مع "الزائر الجديد" للمنطقة؛ آليات تضمن لها الاحتفاظ بحرية الاعتداء العسكري على سورية وغيرها كجزء من سعيها المتواصل لامتلاك أدوات القوة في رسم المسار الإقليمي ومواجهة إيران وحلفائها في المنطقة التي ترى فيهم إسرائيل خطراً حقيقياً على "أمنها القومي"؛ هذا التصنيف نرى تجلّياته بوضوح في الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة والمُتصاعدة على الأراضي السورية منذ اندلاع الأزمة فيها العام 2011.
أصدرت منظمة "يش دين" ("يوجد قانون") لحقوق الإنسان، حديثاً، تقريراً بعنوان "عالمٌ مقلوب: نضال أهالي برقة لاسترداد أرضهم التي كانت عليها مستوطنة حومش"، عرض أولاً تمهيداً تاريخياً لـ"المستوطنة" على أراضي برقة، متشابكاً مع الحالةِ القانونيّة، سواء كـ"مستوطنة عسكريّة أمنيّة" ثمّ تحوّلها لـ"مستوطنة مدنيّة". وناقشَ التبعات القانونيّة لهذا التحوّل وعدم شرعيّتهِ قانونياً، وانعكس ذلك في خطة الإخلاء ضمن "فك الارتباط" في عام 2005، لصالحِ الفلسطينيين وأصحاب الأرض.
يبدو العنوان أعلاه غريبا إلى درجة التناقض المطلق، فأين هي الدبلوماسية التي تتطلب أقصى قدر ممكن من الكياسة والحوار واللباقة وحسن الاستماع للآخر وتقدير مصالحه، من أجهزة الاستخبارات، وبخاصة الموساد الإسرائيلي، والتي اشتهرت وعرفت على مستوى العالم، بالاغتيالات، وانتهاك سيادة الدول، واستخدام جوازات السفر الأجنبية في تنفيذ سلسلة الأعمال المروّعة والمخالفة لكل القوانين الدولية والوطنية؟
رمال السياسة الإسرائيلية المتحركة تحفل بالكثير من المفاجآت والإتيان بنتائج تقلب كل التوقعات، لدرجة أنها قادرة في لحظة على انتشال ساسة قضوا ردحا من الزمن في الصحراء السياسية لتضعهم على رأس الهرم، وفي نفس الوقت إهالة التراب على آخرين كان يخيّل للمتابع أن حضورهم أبدي.
الصفحة 252 من 859