عاد الحديث في الحلبة الإسرائيلية، وفي وسائل الإعلام، عن احتمال أن لا تصمد حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة الجديدة لأكثر من عام، وقد تجد إسرائيل نفسها أمام انتخابات رابعة. وفي حين تقول تقديرات إن نتنياهو قد يختلق أسبابا وذرائع لحل الحكومة، وأن في خلفية هذا قد تكون مجريات محاكمته، وعدم رغبته بنقل رئاسة الحكومة لبيني غانتس، فإن تقديرات أخرى تقول إن كتلة "أزرق أبيض" برئاسة غانتس هي من ستبادر لحل الحكومة، ولكن هذه الكتلة ولأسباب شخصية أكثر منها سياسية هي أضعف من أن تبادر لتفكيك الائتلاف.
يواجه بنيامين نتنياهو تحديات مختلفة، من حيث مستواها ومضمونها، في كل ما يتعلق بمخططه فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة، منها على المستويين العالمي والإقليمي، وآخر على مستوى قادة كبار في الأجهزة العسكرية والأمنية، وأيضا في الأوساط السياسية التي تعترض على الضم، من منطلق أنه يضر باستمرار "إسرائيل كدولة يهودية". ولكن ثمة تحد آخر سيواجهه نتنياهو في الكنيست من كتل ونواب اليمين الاستيطاني، خاصة كتلتي المعارضة "يمينا"، بزعامة نفتالي بينيت، و"يسرائيل بيتينو"، بزعامة أفيغدور ليبرمان. وحتى أن المنافسة ستكون داخل كتلة الليكود، ولكن هذه سيبت بها نتنياهو شخصيا.
أثار قرار المحكمة العليا الإسرائيلية شطب "قانون التسوية"، بعد إقرار عدم دستوريته، نقاشاً واسعاً في إسرائيل، ليس في مستوى الجدالات والمناكفات السياسية ـ الحزبية فقط، وإنما في المستوى القانوني ـ القضائي أيضاً وأساساً، وتحديداً فيما يتعلق بأبعاد هذا القرار وانعكاساته على "خطة الضم" التي تستعد الحكومة الإسرائيلية لتنفيذها، من ناحية، كما فيما يتعلق برسائل القرار وإسقاطاته على مسألة مركزية أخرى هي موقف إسرائيل القانوني في دائرة القانون الدولي وبعض المساعي لوضع مسألة الاستيطان برمتها، بكونها جريمة حرب، على طاولة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لا سيما في ضوء إعلان المدعية العامة في هذه المحكمة، فاتو بنسودا، (في كانون الأول الماضي) أنها قد وجدت مسوّغات قانونية لفتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل في الأراضي
(1) تتراكم على نحو متواتر، يوماً بعد يوم، مزيد من الوقائع التي تثبت بما لا يدع أي مجال للتأويل أن الذاكرة الإسرائيلية، وأساساً فيما يتعلق بموقف الحركة الصهيونية وممارساتها إزاء الفلسطينيين، تمّ تشييدها كي تكون ذاكرة للتناسي أو لتكرار ما جرى توصيفه ذات مرة بأنه الكذب الإسرائيلي المتفق عليه.
ومن هذه الوقائع الجديدة، وهي ليست الأخيرة بالتأكيد، تلك المرتبطة بالماضي الأسود لمنظمة الهاغناه، أكبر ميليشيا مسلحة صهيونية قبل نكبة العام 1948، والتي حلّت مؤخراً ذكرى مرور 100 عام على تأسيسها في أواسط حزيران 1920. وكانت الهاغناه بمثابة الذراع العسكرية لما يُعرف بـ"حركة العمل" الصهيونية التي تعتبر "الجناح اليساري" للصهيونية.
وبالتزامن مع هذه الذكرى نشر محرر الشؤون التاريخية في صحيفة وموقع "هآرتس"، عوفر أديرت، مقالة استعادت جوانب من ذلك الماضي الأسود جرى إخضاعها لفريضة التناسي، تتمثل خلاصتها في أن هناك كتابة انتقائية لتاريخ هذه المنظمة، نظراً لهيمنة "حركة العمل" في الأعوام الأولى لإقامة الدولة، حيث جرى شطب الملفات القاتمة والإبقاء على واجهة مؤلفة من بطولات ومآثر ومزاعم "طهارة السلاح".
ولا بُدّ من أن نضيف إلى أن تلك الهيمنة التي تمارس الشطب والانتقاء ما كان من الممكن أن تنجح في تشييد تلك الذاكرة من دون أن يتلازم ذلك مع التعاون من جانب الكُتّاب والباحثين حيال فريضة الصمت في السيرورة الرامية في المحصلة إلى بناء "الوعي الذاتي للمجتمع" على أساس الكذب والاختلاق.
الصفحة 277 من 859