بموازاة العملية العسكرية- "المناورة البرية"- في قطاع غزة، تنشغل العديد من مراكز التفكير ومعاهد الأبحاث (Think Tank) في إسرائيل بوضع سيناريوهات وبدائل لمستقبل قطاع غزة تقريباً تحت شعار "اليوم التالي لحماس" من ناحية ما هو أفضل لإسرائيل أمنياً- عسكرياً وسياسياً كذلك. وفي مساهمات سابقة (للزميل وليد حباس) تم استعراض أبرز هذه المراكز والسيناريوهات التي أعدّتها، لكن في الناحية المقابلة، لا يبدو أن مستقبل حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بعيد عما يعتمِل في أروقة هذه المراكز بالتزامن مع التطورات الميدانية وتسريع عجلة الاستيطان والتهجير الداخلي للفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، وكل ذلك يحدث استجابة، أو ربّما، نتيجة لما بات يُعرف إسرائيلياً بـ "انهيار التصور" الذي حدّد على مدار أكثر من عقد (منذ تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة في العام 2009) طبيعة وشكل ومكانيزمات "إدارة الصراع" التي تستند بشكلٍ رئيس إلى مبدأ "العصا والجزرة" كما أرست قواعدها قيادة الحكم العسكري الإسرائيلي منذ الاحتلال العام 1967. في هذه المساهمة، نستعرض أبرز ما أوردته التقارير والتقديرات الصادرة عن معاهد ومراكز البحث والتفكير حول مستقبل الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية في "اليوم التالي للحرب".
قدّم مراقب الدولة الإسرائيلية ومفوض شكاوى الجمهور، يوم 19 كانون الأول الجاري، تقريراً خاصاً إلى الكنيست "بخصوص الأسابيع الستة الأولى للحرب" على غزة. ويستعرض التقرير مجمل الفعاليات التي قامت بها مفوضية شكاوى الجمهور خلال فترة التقرير ويصف التوجهات المتعلقة بحالة الطوارئ التي وصلت إلى المفوضية والعلاج المفصّل الذي قدمته المفوضية حيال عدد من الشكاوى.
دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة اليوم (18 كانون الأول 2023) يومها الثالث والسبعين. وقد بدأت في إثر الهجوم الذي قامت به حركة حماس في المنطقة الجنوبيّة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتوقفت مدة أسبوع بين 24 تشرين الثاني الفائت والفاتح من كانون الأول الحالي من أجل تنفيذ صفقات تبادل أسرى. وما ينبغي ملاحظته هو أن ثمة تركيزاً في الأيام القليلة الفائتة من جانب أبرز المراسلين والمحللين الإسرائيليين، السياسيين منهم والعسكريين، على ما تم الوصول إليه من نتائج لهذه الحرب حتى الآن بمقايستها مع ما وضعته الحكومة الإسرائيلية لها من أهداف (لعل أبرزها القضاء على مقدرات حماس العسكرية والسلطوية، وإطلاق الأسرى والمخطوفين، وأضيف إليهما هدف متعلق بمستقبل قطاع غزة في ما يوصف بأنه "اليوم التالي للحرب" فحواه كما جاء على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يكون قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح وأن تكون المسؤولية عن الأمن فيه بيد إسرائيل). وهذه المقايسة تهدف، من بين أمور أخرى، إلى أن تشي بقدرة أو عدم قدرة إسرائيل على أن تكون الجهة الحاسمة في ما يتعلق بمواصفات "اليوم التالي"، مع الأخذ في الاعتبار أن كل ما يجري التخطيط له يمكن أن يفشل بسبب تلك النتائج.
منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأول مرة العام 1996، عارض بنيامين نتنياهو اتفاق أوسلو، وعرقل التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية. لكنه في المقابل وجد نفسه "مرغماً" على العمل بموجب التزامات إسرائيل النابعة من الاتفاق. ووفرت الحرب الحالية، ونتائج هجوم حركة حماس غير المسبوق بالنسبة لإسرائيل، فرصة لنتنياهو لنقل معارضته لاتفاق أوسلو إلى مستوى آخر من الخطاب. في مساء يوم السبت 16 كانون الأول 2023 قال نتنياهو: "لن أسمح لدولة إسرائيل بالعودة إلى خطأ أوسلو المشؤوم". هذا التصريح لا ينطوي فقط على رفض إقامة دولة فلسطينية، وإنما يحمل في طياته أيضا إشارات إلى انتهاء العهد الذي يرى نتنياهو نفسه فيه "مرغماً" على العمل بموجب اتفاقيات أوسلو، والبدء بفرض تعديلات على طبيعة الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين وبشكل أحادي الجانب. هذه المقالة تقدم قراءة في هذه التعديلات التي يمكن رصدها بين ثنايا خطابات نتنياهو.
الصفحة 72 من 875