أحتفل قبل يومين بافتتاح شارع النفق الجديد الذي يختصر الطريق بين (مستوطنة) معاليه أدوميم والقدس، وبين غور الأردن ووسط البلاد. والأصح القول أن هذا الشارع يختصر الطريق لليهود الذين يعيشون في هذه البلاد بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وبفضل الطرق السريعة التي جرى ويجري شقها أصبحت سائر المستوطنات المحيطة بالقدس قريبة ومتصلة بوسط المدينة، ومرتبطة ببعضها البعض بواسطة شبكة من الطرق الواسعة، والمريحة دون اختناقات مرورية، ودون عرب أو حركة مرور عربية. هنا لا وجود لـ "الخط الأخضر" ولا فرق بين حي ومستوطنة، بين مدينة وبلدة، ولا بين يافطات انتخابية تدعو للتصويت لصالح باروخ مرزل ولـ "حيروت" وليبرمان، على أحد الشوارع داخل إسرائيل وعلى أحد هذه الشوارع في الضفة الغربية، لا فرق بين مستوطنة وصفها إيهود باراك بـ "معزولة" وبين "كتلة مستوطنات".
إلى الشمال الشرقي من معاليه أدوميم تقوم مستوطنة "بسغات زئيف" كـ "جزء لا يتجزأ من عاصمة إسرائيل" (ما عدا أنها شيدت على أراض تابعة لشعفاط وحزما في الأراضي المحتلة من العام 1967). وتطل بسغات زئيف على مستوطنة "غيبع" (قائمة على أراضي قرية "جبع") التي تمتد بيوتها غربا وشرقا، لتغدو محاذية للمنطقة الصناعية "شاعر بنيامين" والتي لا يفصلها سوى شارع قصير عن مستوطنتي "كوخاب يعقوب" و"بسغوت" المتصلتين بشارع رئيسي مع بيت إيل وعوفرا واللتين ترتبطان بدورهما، بعدد من الطرق الخالية من العرب، بمستوطنة غفعات زئيف التي يمتد رأسها حتى "راموت" وأرجلها حتى مكابيم - رعوت أو العكس، وهكذا دواليك، لدرجة أنه يمكن للمرء أن يجوب أنحاء الضفة الغربية دون أن يعلم أو يلحظ مطلقا حقيقة وجود قرى ومدن فلسطينية، ناهيكم عن معرفة أسماء هذه القرى والمدن التي صودرت أراضيها بهدف إقامة الأحياء والمستوطنات اليهودية عليها. فأسماء معظم هذه القرى المدن الفلسطينية لا وجود لها على يافطات الطرق. وهكذا باستطاعة الشخص اليهودي الذي يسافر على طرق مواصلات الضفة الغربية شبه الخالية من حركة المرور الإعتقاد بأنه لا وجود للعرب في هذه المنطقة.
عدد قليل من الإسرائيليين الذين يعيشون داخل إسرائيل ذاتها، يسافرون على طرق الضفة الغربية، فقد كف هؤلاء عن التوجه إلى المنطقة حتى قبل تجدد النزاع الدامي الحالي، وهم بالقطع لا يفعلون ذلك اليوم بعد أن بلغ هذا النزاع أوجه. لذلك فهم لا يستطيعون معرفة إلى أي مدى يعتبر انطباعهم عن عملية اتخاذ القرارات في إسرائيل، طوال الـ 35 سنة الماضية، انطباعا مغلوطا. فالإسرائيلي المتوسط يحاكم تقديراته استنادا لما يحصل في محيط بيته، داخل حدود الخط الأخضر، حيث يجد الكثير من الفوضى والإهمال وانعدام التخطيط وتقليص الميزانيات.. إلخ. ولو كان الإسرائيليون يذهبون إلى مناطق الضفة وقطاع غزة، لكانوا قد امتلأوا إعجابا إزاء كفاءة التخطيط الإسرائيلي وبعد النظر ونجاعة التوظيف للمبالغ الطائلة المخصصة لأغراض تطوير وحماية المستوطنين الإسرائيليين في المناطق الفلسطينية، من خلال شبكات الطرق المريحة والإنارة المتطورة والدوريات العسكرية حول المستوطنات اليهودية. إن من يتأمل جيدا شبكة الطرق الطولية والعريضة التي أقيمت وتقام لخدمة المستوطنين اليهود في الضفة والقطاع، قد يظن أنها خططت قبل عشرين عاما أو أكثر بهدف منع الفلسطينيين من الثورة ضد المستوطنات اليهودية. بمعنى أن الذي باشر بتخطيط بناء عدد لا يحصى من المستوطنات الإسرائيلية في أنحاء الأراضي الفلسطينية، واستمر في دعمها وتوسيعها، كان يدرك أن "السكان الأصليين" لن يستطيعوا بمرور الزمن تحمل ما ينتج عن ذلك من قضم مستمر لأراضيهم وآمالهم بتحقيق حريتهم واستقلالهم.
كذلك فقد أدرك صانعو القرارات في إسرائيل، الذين خططوا بدقة طوال العشرين سنة الماضية موقع كل مستوطنة يهودية في الضفة الغربية وموقع كل أنبوب مياه وعامود كهرباء، أدركوا الحاجة إلى تخطيط ومد شبكة طرق واسعة تتحول إلى سلاح رئيسي ووسيلة عقاب جماعي في مواجهة الفلسطينيين.
(هآرتس، 22 كانون الثاني)
ترجمة: "مدار"