خلف شتى المواجهات السياسية بما في ذلك تجلياتها العسكرية، سواء على حدود غزة المحتلّة أو على حدود الجولان المحتلّ مع عمقه السوري شمالاً، شهد غاليري إسرائيلي في أواسط تموز المنتهي حدثاً يمكن القول إنه جسّد في العمق صورة مكثّفة جداً لفعل وفكرة السيطرة والتملّك عنوة بقوّة الذراع والبندقية والدبابة على ما ليس لك! لم تكن في الغاليري أسلحة لكنه اشتمل على كامل العدة التفكيرية- العقائدية للقيام بفعل سيطرة وتملّك قسري وعنيف مماثل في الماهيّة.
يتواصل في إسرائيل الجدل الداخلي حول "قانون القومية" وتبعاته الخطرة. وداخل هذا الجدل هناك من يرى أن القانون يمهد لمرحلة خطرة على مستوى تعدّد المجتمع اليهودي، وبالذات بالنسبة إلى الجمهور العلماني والليبرالي، إضافة إلى من يحذر من انعكاسات القانون على المواطنين العرب، ومبدأ المساواة، بما من شأنه أن يمس مكانة إسرائيل واليهود في العالم.
في كل مواجهة أو عملية عقابية ضد قطاع غزة وسكانه يتكرر الادعاء الإسرائيلي القائل بأننا (إسرائيل) "خرجنا من غزة".
وهكذا، مثلاً، تشمل الحملة الدعائية، التي تسعى إلى تبرير سياسة إطلاق النار في اتجاه المتظاهرين في منطقة الحدود مع القطاع، ادعاء فحواه أن الحديث ليس عن متظاهرين إنما عن مجموعة "غريبة" تحاول اقتحام الحدود.
ختم الكنيست الإسرائيلي، في منتصف الشهر المنتهي تموز، دورته الصيفية، وقد أسقط التوقعات بعدم انتهاء الدورة القصيرة من 12 أسبوعا، والتوجه إلى انتخابات مبكرة. وبالإمكان القول إن مفتاح قرار الانتخابات المبكرة ما زال بيد بنيامين نتنياهو، إلا إذا حدثت مفاجآت. فنتنياهو يعربد على ائتلافه، مسنودا بسلسلة استطلاعات للرأي، تعزز قوة حزبه الليكود، بينما تفتت أكثر قوة الأحزاب والكتل في الائتلاف، وخاصة تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، الذي عاد إلى حجمه الحالي، إذ فقد قفزات حققها في العام الأخير. وقد انعكست عربدة نتنياهو في المسار التشريعي، إذ أنه نجح في املاء أجندته على كامل الائتلاف، دون أن يشهد أي حالة تمرد.
أعاد "قانون القومية" (قانون أساس: إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي) الذي أقرّه الكنيست، بصورة نهائية، فجر يوم 19 تموز الجاري، إلى واجهة السجال الإسرائيلي ـ اليهودي العام، مسألة العلاقة بين دولة إسرائيل واليهود في مختلف أنحاء العالم (ما يسمّى "يهود الشتات")، إذ اعتبر كثيرون من المحللين والمراقبين الإسرائيليين، السياسيين والقانونيين، هذا القانون "تخلياً إسرائيليا، نهائيا وبوثيقة دستورية، عن يهود الشتات"، بدلا من "أن تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تقريب العالم اليهودي إلى دولة إسرائيل".
على الرغم من مرور قرابة أسبوعين على سنّ الكنيست "قانون القومية"، الذي يُعرّف إسرائيل بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويمنح أفضلية للغة العبرية على اللغة العربية، وللاستيطان اليهودي، كما يمنح حصرية تقرير المصير في إسرائيل لليهود فقط، ويعتبر القدس الموحّدة عاصمة أبدية لإسرائيل، فإن هذا الموضوع ما يزال الشغل الشاغل للأنباء المركزية في إسرائيل، ولكن بقدر أكبر لكتّاب المقالات وصنّاع الرأي وشتى المحللين.