المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

20 بالمئة من مكاتب الصرافة في إسرائيل تابعة لواحدة من عائلات الإجرام تقرير لوزارة العدل يوصي بإقامة قسم خاص في وزارة المالية لتشديد القيود على السوق السوداء وتطبيق القوانين عليها

هل إسرائيل وإيران دولتان متشابهتان؟ على الأقل من جانب واحد هما على ما ما يبدو متشابهتان جدا. إذ تُعد إيران إحدى الدولة الرائدة في تمويل الإرهاب العالمي، وقريبا إسرائيل أيضا قد يتم اعتبارها دولة تموّل الارهاب. وهذا ليس مستحيلا، وليس نكتة مهووسة، بل هذا تحذير حازم، نشرته حكومة إسرائيل في إطار التقرير الذي أعدته وزارة العدل الإسرائيلية.

وهذا ما ورد في التقرير الذي يُعد وثيقة رسمية لحكومة إسرائيل: "إذا ما تقرر أن الدولة لم تقم بعمل كاف، فقد تجد إسرائيل نفسها في مسار رقابة متعاظمة، وقد تجد إسرائيل نفسها في نهايته ضمن الدول التي لا تتعاون مع المتطلبات الدولية في مجال منع تبييض الأموال وتمويل الارهاب".

كيف تحولنا إلى ممولي ارهاب؟ كالعادة، بسبب الفشل الاجرامي في إدارة الدولة، بشكل عام.

وفي الحالة التي هي قيد البحث هنا، يجري الحديث عن اهمال مثير للقلق، لأن الحديث يجري عن بنية أساسية لتمويل كل الجريمة المنظمة في إسرائيل، والشرطة الإسرائيلية تعترف بهذا منذ سنوات، فالحديث هنا عن اختراق أساسي لعالم الضرائب، وسلطة الضرائب تعلم بهذا منذ سنوات عديدة، ويجري الحديث عن سوق تجذب اليها الشريحة الأكثر ضعفا في المجتمع الإسرائيلي، شريحة أناس غير منظورين تهملهم دولة إسرائيل ليكونوا بأيدي عائلات الاجرام.

وهذا اهمال يُقصّر عمر الكثير من حياة الناس، جسديا، وأيضا ماليا، ودولة إسرائيل على علم بهذا، ولكن ببساطة لا يهمها الأمر، ولا يهمها الأمر إلى درجة أن هذا قائم منذ عشرات السنين، من دون أن يبادر موظف حكومي أو سياسي لفعل أي شيء، ولو بسيط، من أجل تحسين الوضع، حتى وصلت الجهات الدولية إلى وضع تهدد فيه بالإعلان عن دولة إسرائيل كدولة تمويل الارهاب، ومن حظنا أنه توجد أطر دولية، تجبرنا على فعل ما كان يجب فعله منذ سنين.

بطبيعة الحال فإن القصد هو السوق السوداء، فقد نشرت وزارة العدل قبل أيام توصيات "طاقم فحص الجهات التي تقدم خدمات العملة الأجنبية"، برئاسة نائب المستشار القانوني للحكومة آفي ليخت، والتقدير الأبرز هو أن حجم التداول في السوق السوداء في إسرائيل 150 مليار شيكل (5ر38 مليار دولار- وفق سعر الصرف الحالي).

ونكرر القول: 150 مليار شيكل سنويا، وهذا ما يعادل أكثر من 10% من اجمالي نشاط البنوك سنويا في إسرائيل. لكن في حين أن بنك إسرائيل يراقب كل خطوة كبيرة أو صغيرة في البنوك، فإن كل النشاط في السوق السوداء يجري بدون أي مراقبة اطلاقا. أو لنقل أن هناك ما هو أشبه برقابة، ستة موظفين في قسم الرقابة على جهاز التأمينات، يتم تكليفهم هم أيضا بالرقابة على سوق الصرافة، في إطار واجب الصرّافين بأن يبلغوا السلطات بكل شبهة لمخالفة قانون منع تبييض الأموال. والموظفون الستة النشطون يراقبون لا أقل من 2200 مكتب صرافة مسجّل، وكما يبدو هناك بضع مكاتب صرافة آخرى لم تسجل نفسها لتحصل على ترخيص بموجب القانون.

ومهما كانت جهودهم مكثفة، فإن موظفي قسم التأمينات يجرون 30 عملية رقابة سنويا. ويقول تقرير وزارة العدل إن هذه الوتيرة تعني أن كل مكتب صرافة سيخضع لرقابة مرّة كل 70 سنة. ويؤكد التقرير أن هذا الموضوع حظي بالحد الأدنى من الاهتمام. ونقول إن الرقابة هنا تتركز فقط في حال تم الابلاغ عن التعامل بأموال كبيرة، بموجب ما يحدده قانون منع تبييض الأموال، ولكن لا توجد رقابة على القروض في السوق السوداء.

ولا يوجد تطبيق للقانون على صرافي العملات الأجنبية العاملين من دون ترخيص. كما لا توجد ضمانات على رأس المال الذاتي، ولا أحد يطلب تفسيرا لمصدر رأس المال الذاتي لصرّافي العملات، كذلك لا يتم فحص ما إذا من تسجّل على أنه هو صاحب مكتب الصرافة هو بالفعل صاحب المكتب، أم أنه شخص للتغطية على صاحب المحل الحقيقي. وبالمختصر لا يوجد أي تطبيق لأنظمة منع تبييض الأموال، ما يفسّر لماذا إسرائيل قريبة جدا من أن تتورط مع المنظمات الدولية، المختصة في مسألة تبييض الأموال وتمويل الارهاب.

كل صرّاف خامس متورط بتحقيقات

إن واقع الاهمال هذا سائدٌ، على الرغم من أن كل أجهزة التحقيق في إسرائيل تعرف أن السوق السوداء هي جوهر النشاط الجنائي في إسرائيل. وحسب تقديرات الشرطة، فإنه تقريبا في كل ملف تحقيق بالجريمة المنظمة، يكون صرّاف أموال أساسا للنشاط المالي للجريمة المنظمة. وفي 14% من التحقيقات بشأن التهرب من الضرائب، التي تجريها سلطة الضرائب كان صرّاف متورطا بشكل مركزي. كذلك فإن 17% من الصرافين المعروفين اليوم، متورطون بتحقيقات مع سلطة الضرائب، و11% من التحذيرات التي وجهتها سلطة الضرائب للشرطة، بشأن جرائم تبييض الأموال، كانت متعلقة بصرّافي أموال.

ومن التحقيقات التي أجراها الموظفون الستة تبين أن الصرافين أخفوا 70 مليار شيكل، فهل قرأتم جيدا 70 مليار شيكل (18 مليار دولار).

لكن لماذا تسمح دولة إسرائيل على مدى سنين بازدهار القاعدة المالية لعصابات الجريمة المنظمة، التي هي المصدر الاساس للتهرب من دوفع الضرائب؟، لا لشيء، هكذا فقط، لأنه لم ير أحد أنه من المناسب أن يشن حربا من أجل تطهير السوق السوداء، فكلهم يتحدثون عن الحاجة لمكافحة الاقتصاد الأسود، ووضع اليد على الأموال التي يجب أن تكون في الخزينة العامة لكن على أرض الواقع لا يفعل أحد شيئا.

المحزن في هذه القصة ليس تمويل الارهاب، وتبييض الأموال، وعصابات الاجرام المنظم، أو التهرب من دفع الضرائب، المحزن بشكل خاص هو أن السوق السوداء هي سوق هامة وشرعية، سوق مالية بكل ما في الكلمة من معنى، ومن شأنها أن تكون الجهة المنافسة المنظمة للبنوك الخمسة الإسرائيلية الكبار. وحسب تقديرات لجنة الفحص في وزارة العدل، فإن السوق السوداء تقدم سنويا قروضا لعائلات وحتى لمشاريع اقتصادية صغيرة ومتوسطة بنحو 30 مليار شيكل (ما يعادل 7ر7 مليار دولار)، وبالإمكان أن يكون المبلغ الاجمالي أكبر بكثير، كما أن السوق السوداء بإمكانها أن تكون منافسا أكبر مما هي الآن وأكثر أهمية للبنوك القائمة.

وفي هذه المرحلة، فإن السوق السوداء، هي الجهة المنافسة الأهم في مجال صرافة العملة الأجنبية، والجانب الوحيد المكشوف في عمل السوق في مجال العملات الأجنبية هو علاقتها بالبنوك، ولكن من أجل تنظيم هذه المنافسة كان يجب أن تكون السوق السوداء منظمة، وليست واقعة تحت سيطرة عصابات الاجرام المنظم، وألا يكون من لا يستحقون الاعتمادات البنكية عرضة لأخذ قروض من السوق السوداء.

جمهور واسع مستضعف لا يحظى بالحماية

الوضع القائم اليوم هو أن السوق السوداء هي عنوان القروض الوحيد للفئات الضعيفة، أولئك الذين لم تستوعبهم البنوك، أو خرجوا منها مضطرين، ويجد الدائنون الضعفاء أنفسهم في سوق من دون رقابة على القروض التي يحصلون عليها. فصحيح يوجد قانون ينظم مسألة الفائدة القصوى التي تستطيع السوق السوداء جبايتها، ولكن في ظل عدم رقابة على السوق، فإن القانون لا يطبق اطلاقا، فمثلا في حين أن القانون يقول إن الفائدة القصوى التي يمكن جبايتها هي ما بين 12% إلى 13%، فإنه حسب التقديرات تصل الفائدة الفعلية ما بين 100% إلى 150%، فهل هذه فجوة صغيرة جدا لا تستطيع دولة إسرائيل أن تلاحظها؟.

كذلك، فإن دولة إسرائيل لم تلاحظ الممارسات المرفوضة، التي يستخدمها أصحاب السوق السوداء من أجل جباية القروض، ضد من يستصعبون تسديد الأقساط بفائدة 150%، والممارسات المرفوضة تتضمن أيضا التهديد بالعنف، في حين أن حيتان المال يلتقون في المقاهي على طاولة مع "كولا دايت" وكعكة، مع مدراء عامين للبنوك، حتى وإن كان الحيتان لا يسددون أقساط ديونهم الضخمة. وفي المقابل نرى أن الدائنين في السوق السوداء يلتقون بالزعران الذين يهددونهم بسلامة عائلاتهم في ظلمات الليل.

ويؤكد تقرير وزارة العدل "أن الوضع القائم في السوق السوداء، وخاصة الأساليب المرفوضة، تجعل الدائنين من دون حماية، ولا تفعل الدولة شيئا للدفاع الضروري عن هؤلاء"، بينما الأقوياء يحظون بمراقبة وثيقة من أجهزة الدولة على البنوك. ويدعو طاقم وزارة العدل إلى تصحيح هذا الوضع الرهيب، من خلال اقامة قسم جديد في وزارة المالية للرقابة على السوق السوداء، أيضا في ما يتعلق بالجانب الجنائي في هذه الظاهرة، وقد التزمت وزارة المالية بالعمل على تطبيق هذه التوصية، وسيكون على الأحزاب المنافسة في الانتخابات دعم هذه التوصية إذا كان في نيتها الدفاع عن الناس المستضعفين.

(عن "ذي ماركر"- بتصرف)

المصطلحات المستخدمة:

المستشار القانوني للحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات