المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شرع الكنيست الاسرائيلي، عبر جلسة خاصة عقدتها لجنته القضائية يوم الخميس (2/9/2004)، في بلورة قانون عنصري جديد يعرف بـ "اخلاء الغزاة" يهدف الى الاستيلاء على الاراضي العربية في منطقة النقب بدعوى ان هذه الاراضي هي "ملك للدولة" وتابعة لدائرة "اراضي اسرائيل". ويمنح القانون هذه الدائرة صلاحيات واسعة للتحقيق مع المواطنين واصدار اوامر اخلاء قسرية لهم ولممتلكاتهم الثابتة والمنقولة الى جانب وحدة شرطية خاصة كانت انشئت مؤخرا لـ"معالجة" موضوع السيطرة على "ارض الدولة" في النقب. في الوقت نفسه حذّر رئيس "لجنة أور" من تكرار أحداث أكتوبر 2000 على خلفية استمرار التمييز ضد المواطنين العرب.

وخلال جلسة اللجنة القضائية البرلمانية دار نقاش طويل حول هذا القانون. وفي معرض مداخلته اكد رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي، النائب جمال زحالقة، معارضته له جملة وتفصيلا مشيرا الى انه ينضم الى اكثر من عشرين قانونا اعدت حتى الآن من قبل الكنيست لمصادرة اراضي العرب استولت سلطات الدولة من خلالها على اكثر من 80% من الاراضي التي يملكها المواطنون العرب في اسرائيل.

وفي تصريح لـ "المشهد الاسرائيلي" شدّد زحالقة على ان الغزاة الحقيقيين الذين احترفوا السطو المسلح على الاراضي كانوا ولا يزالون داخل "دائرة اراضي اسرائيل" التي استولت على اراضينا بحجة "الصالح العام" مشيرا الى ان المواطنين العرب يوضعون قبل او بعد مصادرة ارضهم، خارج اطار هذا "الصالح العام". واضاف "الارض تنقل دائما من العرب الى اليهود.. فمن هو الغازي؟ هذا القانون عنصري ولا يهدف الى "اخلاء المعتدين" وإبعاد "الغزاة" وإنما لغزو المزيد من اراضينا".

واعتبر النائب طلب الصانع، ابن النقب، من جانبه ان القانون الجديد جاء ليلغي دور المحاكم ومنح دائرة سلب الاراضي المعروفة بـ"دائرة اراضي اسرائيل" صلاحيات تعادل الصلاحيات الممنوحة للشرطة وترقية رئيسها لدرجة قاض سيكون مخولا بإصدار تعليمات اخلاء وغيرها مشددا على ان المشروع القانوني المذكور يجسد مخططا لترحيل بدو النقب الذين يكبرون اسرائيل بمئات السنين وورثوا اراضيهم ابا عن جد.

وأكد الصانع ان القانون الجديد، الذي أعد لحسم قضية ملكية الاراضي المختلف عليها منذ 50 عاما والعالقة في المحاكم، سيؤدي الى مواجهة دامية حتمية بين السكان الاصليين وبين السلطات الاسرائيلية التي تستعد لسلب ما تبقى من اراضيهم بدون سماع شكاواهم او طعوناتهم.

يشار إلى أن "دائرة اراضي اسرائيل" تسعى إلى نهب 700 الف دونم مما تبقى في أيدي المواطنين العرب من أراض (مليون دونم) بجريرة انها "ملك للدولة". ويعيش في منطقة النقب الصحراوية نحو نصف مليون يهودي ومائة وخمسين الف فلسطيني من البدو يقطنون في 45 مجمعا سكنيا اكبرها مدينة رهط، لا تعترف اسرائيل ب 40 منها فتحرمها من الماء والكهرباء وسائر البنى التحتية.

ويدور الصراع على ملكية الارض في النقب منذ عقود وعقب قيام اسرائيل بتهجير البدو من معظم اماكن سكناهم الاصلية حيث تزعم دائرة الاراضي انهم لا يملكون "الطابو" عليها. في المقابل يواصل البدو تأكيدهم ان عملية تسجيل الاراضي التي تمت في عهدي الانتداب والحكم التركي لم تصل الى النقب وان كل واحد منهم كان يعرف حدود الارض التي بحوزته وحتى اليوم يواظبون على زراعة مساحة واسعة منها رغم مواظبة الدوائر الظلامية الاسرائيلية على رش محاصيلها بالمبيدات.

من ناحية أخرى، حذر رئيس لجنة التحقيق في العدوان البوليسي الاسرائيلي على الجماهير العربية في الداخل، في اكتوبر 2000، القاضي المتقاعد ثيودور اور، من "احتمال عودة الصور القاسية التي شهدناها في اكتوبر 2000، جراء عدم تقليص سياسة التمييز ضد المجتمع العربي".

وتطرق اور، خلال محاضرة قدمها، الخميس، في مؤتمر عقد في جامعة تل ابيب، في اطار "برنامج كونراد للتعاون اليهودي - العربي"، إلى توصيات لجنته بشأن ذلك العدوان، وقال "لم يتم حتى الآن، عمل ما يكفي في مجال تقليص التمييز (ضد المواطنين العرب)، الامر الذي قد يؤدي الى تكرار الاحداث ووصولها إلى وضع خطير لا يمكن لأحد تقدير نتائجه".

يشار الى ان الحكومة الاسرائيلية قررت في حينه "تبني توصيات لجنة اور"، لكنها عينت لجنة لتطبيق التوصيات (لجنة لبيد). وضمت تلك اللجنة وزراء من الجناح اليميني المتطرف للحكومة الاسرائيلية ، أصبح بعضهم خارجها الآن، بسبب الأزمة التي تواجهها حكومة شارون.

وقد ترأس تلك اللجنة وزير العدل، يوسف لبيد، الذي اعلن مؤخرا توصيات تلك اللجنة، حيث تبين ان تلك اللجنة قامت، وكما كان متوقعا بحسب تركيبتها التي يطغى عليها اليمين المتطرف والعداء للعرب، بقلب الحقائق رأسا على عقب، والعمل، بدل تطبيق توصيات لجنة اور فعلا، على توجيه المزيد من اللوم الى الضحية والتحريض على المواطنين العرب وقيادتهم، ومحاولة ترسيخ الاسرلة من خلال فرض الخدمة القومية والعسكرية، ورموز الدولة وغيرها من توصيات اعتبرتها العديد من الهيئات والقيادات العربية في الداخل، تدفن توصيات اور.

ومما قاله القاضي اور، في محاضرته المذكورة: ان العوامل الأساسية التي ادت الى احداث اكتوبر 2000 ما زالت قائمة.

وذكّر اور بتوصية لجنته بالتحقيق مع افراد وقادة الشرطة المشبوهين بقتل 13 مواطنا عربيا خلال ذلك العدوان، وقال: "لقد كان الهدف هو اتخاذ قرار يحدد ما اذا كان سيتم تقديم لوائح اتهام وضد من، الا انه يتضح بعد مرور عام، انه لم يتم حتى الآن التوصل الى اية نتائج في أي من الأحداث التي تم تحويلها إلى قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة. لقد برروا ذلك بعدم توفر القوى العاملة، وقالوا انه تم تسريع وتيرة التحقيقات فقط بعد تلقي مساعدة. ومن المؤسف انه لم يتم عمل الكثير، حتى اليوم، على الرغم من مرور عام واحد على تقديم التوصيات".

واعتبر القاضي المتقاعد اور انه اذا لم يتم القيام بالمطلوب فقد نجد انفسنا "نواجه وضعا أشد خطورة، ويمكن حدوث مواجهات لا يمكن لأحد التكهن بعواقبها. وعلى خلفية الادراك الى أين يمكن للامور أن تصل، توجد هنا نافذة فرص يجب استغلالها. يجب استغلال الفرصة المؤاتية لتوفير حلول للمشاكل الأساسية . وكلما ابتعدنا عن احداث تلك الأيام، يتسلل الينا الخوف بأن يتعرض الشعور الملح بمعالجة تلك القضايا الى التآكل".

واختتم القاضي اور قائلا: "لقد كان هناك من ادعى أن الأمر كان حتميًا في احداث اكتوبر، ومن المؤكد أنه يمكن القول، اليوم، ان الأمر نفسه ما زال شبه حتمي".

على صعيد آخر وبعد نضال دام اكثر من تسع سنين، أقرت المحكمة العليا الاسرائيلية، الخميس، بحق عائلة قعدان العربية من باقة الغربية في شراء قطعة ارض في بلدة "كتسير" اليهودية وكذلك بحق بناء بيت العائلة على هذه الارض. وقد رافقت عائلة ايمان وعادل قعدان في معركتهم القضائية المبدئية طوال هذه السنوات جمعية حقوق المواطن في اسرائيل.

ورفض قضاة المحكمة العليا، الياهو ماتسا ودوريت بينيش وسليم جبران، معارضة الجمعية التعاونية "كتسير" لقرار "دائرة اراضي اسرائيل" بتخصيص قطعة ارض لعائلة عربية في البلدة. ووجه القاضي ماتسا، خلال جلسة المحكمة، انتقادا واضحا للجان قبول واستيعاب العائلات في البلدات الشبيهة ببلدة "كتسير" وطبيعة اتخاذ القرار فيها.

وبناء على طلب المحامي دان يكير، من جمعية حقوق المواطن والذي مثّل عائلة قعدان، بقي التماس الجمعية معلقا حتى يتم توقيع "دائرة اراضي اسرائيل" وعائلة قعدان على عقد شراء الارض في بلدة "كتسير".

يذكر ان عائلة قعدان كانت طلبت في العام 1995 شراء قطعة ارض في بلدة "كتسير" بهدف بناء بيتها هناك. الا ان السلطات، وبينها الجمعية التعاونية "كتسير" و"دائرة اراضي اسرائيل" والوكالة اليهودية، رفضت السماح للعائلة بشراء ارض. واضطرت العائلة في اعقاب ذلك التوجه الى القضاء بواسطة جمعية حقوق المواطن.

واصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية قرار حكم في اذار 2000 جاء فيه انه لم يكن يتوجب على دولة اسرائيل بحسب القانون تخصيص اراض تابعة للدولة للوكالة اليهودية من اجل اقامة بلدة "كتسير" على اساس التمييز بين اليهود وغير اليهود.

ومنذ العام 2000 حاولت السلطات عمل كل شيء ممكن من اجل عدم تنفيذ قرار المحكمة العليا، وبضمن ذلك اتباع اسلوب المماطلة بهدف تيئيس عائلة قعدان ودفعها الى التنازل عن حقها في شراء قطعة ارض في بلدة "كتسير"، وكذلك تشويه الصورة الحقيقية لعائلة قعدان.

لكن جمعية حقوق المواطن تقدمت بالتماس آخر ضد هذه السلطات وطالبت فيه بالاحتفاظ بقطعة ارض فارغة لعائلة قعدان لتبني بيتها عليها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات