"المشهد الاسرائيلي":
في وقت سجل فيه جدول اسعار المستهلك في شهر تموز الماضي انخفاضا بنسبة 0،7%، وهو الجدول الشهري السلبي الرابع على التوالي، تستعد الحكومة الإسرائيلية لعقد جلسة بعد أسبوعين يعرض خلالها المسؤولون في وزارة المالية إطار الميزانية المقترحة للسنة القادمة. وخلافـًا للسنوات السابقة فقد تأخرت الحكومة الإسرائيلية هذه السنة في البدء في مناقشة الميزانية عدة أسابيع، وستعقد في منتصف شهر أيلول جلسة أخرى للمصادقة على حجم الميزانية وكل ما يـُشتـَق منها- قيمة العجز وحجم التقليصات وطبيعتها، ثم تحال الميزانية مرة أخرى إلى قسم الميزانيات في وزارة المالية لإعدادها نهائيًا ليتم تقديم مشروع اقتراح مفصل لميزانية 2004 للمصادقة عليه في الكنيست.
ويشار إلى أن تفاصيل مشروع اقتراح الميزانية والخطوات الاقتصادية التي سترافقها، لم تتبلور نهائيـًا غير أن الصورة النهائية واضحة إلى حد بعيد.
واجمالا، فقد انخفض جدول الاسعار في الاشهر نيسان – تموز بنسبة 2%، ويمكن القول انه سلبي من الناحية الرقمية، لكنه سلبي ايضا من ناحية اقتصادية. ومع ان مختلف الجهات المعنية بمكافحة التضخم ظلت تأمل منذ سنوات بمكافحة التضخم، وذلك بالحد من وتيرة ارتفاع جدول اسعار المستهلك، لكنها لم تتوقع وصول نسبة التضخم الى ما دون الصفر، لا سيما عندما يحدث الامر في اربعة شهور على التوالي، وليس بالتأكيد عندما يكون التقدير المتوقع للتضخم في عام 2003 بأكماه لا يتعدى الصفر، وفي احسن حال 0،2% حتى 0،3%.
وترى اوساط المحللين الاقتصاديين في اسرائيل انه يجب النظر الى سلسلة جداول الغلاء السلبية من ناحيتين: فهي تعكس حالة الركود في الاقتصاد، ولا يجوز التغاضي عن تأثير هبوط سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، ولكن في ضوء ضعف الطلب الناجم عن البطالة وتقليصات الاجور والمخاوف من المجهول الاقتصادي، فان المنتجين والمستوردين يلجأون الى خفض الاسعار في محاولة للتخلص من المخزون. من هنا فان الاسعار المنخفضة تعكس الركود، وهي في الوقت ذاته تعمق هذا الركود، فهي لا تدعو المنتجين بطبيعة الحال للتفكير بزيادة الانتاج، وانما العكس، أي: تقليص الوتيرة الانتاجية ومحاولة ادارة العملية الانتاجية بعدد اقل من العمال وساعات العمل.
وهكذا فان الاسعار المنخفضة تعمق حالة الركود اكثر.
وبالرغم من ذلك كله لا يمكن القول ان الاقتصاد يعاني من حالة انكماش شاملة كما هو حاصل في اليابان. فهذه الحالة بالمعنى الاقتصادي للكلمة تقترن بانخفاض الاسعار على مدى فترة زمنية طويلة جدا، ولتراجع الطلب بشكل مستمر، فضلا عن دخول الاستثمارات مرحلة الجمود التام.
هذه الظروف او الشروط ليست قائمة في اسرائيل حتى الان، علاوة على ذلك فان غالبية الخبراء يتوقعون ارتفاعا معتدلا على الاسعار بحلول العام 2004 وخلال العام ذاته.
ولا بد من مراعاة سعر صرف العملة الاجنبية (الدولار) فلهذا العامل تأثير قوي جدا في الاقتصاد الاسرائيلي. ومثلما كان الدولار عاملا هاما في السنة الماضية في الارتفاع الكبير للاسعار (65%)، فقد شكل هذا العام ايضا عاملا لا يستهان به في الهبوط الحاد للاسعار.
علاوة على ذلك ساهمت توقعات محافظ بنك اسرائيل المغلوطة بشأن نسبة التضخم المالي وبالتالي قراراته بابقاء نسبة الفائدة البنكية مرتفعة في تعميق حالة الركود ذاتها.
وفي تعليق له على جدول اسعار تموز صرح امين عام حزب العمل عضو الكنيست اوفير بينيس ان الاقتصاد يعاني من حالة ركود عميق يعكس فشل سياسة الحكومة.
هبوط مستمر في جباية الضرائب
البنود الرئيسية في الميزانية - حجم مصروفات الحكومة، العجر المالي وسبل تغطيته - مشتقة جميعها من بند المدخولات من جباية الضرائب. وعلى الرغم من أن توقعات المدخولات من جباية الضرائب في سنة 2004 لم تتبلور بعد، إلا أنه أصبح واضحًا من الآن أن الانخفاض في جباية الضرائب لم يصل إلى نهايته.
وسيؤثر استمرار الانخفاض في جباية الضرائب على حجم العجز في الميزاينة في السنة المالية القادمة. كما أن كبار المسؤولين في وزارة المالية يعلمون جيدًا أن العجز الضئيل الذي تم تسجيله في الشهر الماضي (248 مليون شيكل)، لا يدل على تحسن ما في السياسة المالية للحكومة.
وبقيت التوقعات حول العجز في ميزانية 2003 كما هي دون تغيير: ما يزيد عن 30 مليار شيكل وهو ضعف نسبة العجز المتوخاة.
أما نسبة العجز المتوخاة لسنة 2004، فهي 2,5-3% من الناتج والتي تتمثل بما يربو على 15 مليار شيكل، ومن أجل تحقيق نسبة العجز هذه يجب على الحكومة أن تقلص من ميزانية السنة القادمة بين 12-15 مليار شيكل.
وحتى لو تقرر في نهاية الأمر زيادة نسبة العجز المتوخاة، فسيتحتم على وزارة المالية إجراء تقليصات في ميزانية 2004 بقيمة كبيرة، تتراوح بين 7 إلى 10 مليارات شيكل، ويبدو أنه سيتم تقليص ثلث حتى نصف نسبة التقليص الإجمالي من ميزانية الأمن. وتجدر الإشارة إلى أن التقليص في الميزانيات الاجتماعية، إذا تم، سيكون ضئيلاً.
اما الطرق المتبعة في تمويل العجز في الميزانية أو تغطيته هي إصدار سندات دين حكومية داخل البلاد وخارجها، وخصخصة شركات حكومية وأسهم مصرفية تحت تصرف الحكومة.
جدير بالذكر، أنه تم تسجيل نسبة مدخولات قليلة من الخصخصة وكذلك الأمر بالنسبة لإصدار السندات في خارج البلاد. لقد وقع العبء على سوق المال المحلي.
وتشير التوقعات إلى أن السنة المالية القادمة ستشهد تغييرات إذ بدأت الحكومة بتسريع وتيرة الخصخصة، بينما تعتزم وزارة المالية إصدار سندات دين حكومية في السوق الأمريكية خلال سنة 2004 بما يربو على ثلاثة مليارات دولار، في إطار الضمانات الأمريكية.
وسيتم تحويل جزء من هذا المبلغ، على الأقل، لتغطية العجز في الميزانية- الأمر الذي سيخفف الضغط على السوق المالي المحلي، وربما قد يؤدي إلى انخفاض نسبة الفوائد في السوق الاقتصادي.