المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بدا كاريكاتير صحيفة "هآرتس،" الذي صور فرحة وزير الدفاع، عمير بيرتس ورئيس هيئة الأركان الجديد، غابي أشكنازي، بـ"عيد الحب" معبرا عن الواقع. فأشكنازي الذي "طرد"، عمليا، من الجيش باختيار دان حالوتس رئيسا للأركان بدلا منه، عاد، بقرار من بيرتس ليكون رئيس الأركان "المنقذ"، بعد صدمة حرب لبنان الثانية. وحالوتس الذي حظي طوال الوقت بالتشجيع من رئيس الحكومة بدا في الكاريكاتير مع إيهود أولمرت في حالة حزن.

فاستقالة حالوتس كشفت ظهر أولمرت وحطمت إحدى قوائم مثلث الحرب، في حين أن تعيين حالوتس عزز من أوراق بيرتس في وزارة الدفاع. ففي لعبة الكراسي الموسيقية صار كل حضور لبيرتس شهادة غياب لأولمرت. وفي معركة إثبات الحضور، في كل ما يتعلق بتعيين رئيس الأركان خرج أولمرت وفريقه خاسرا.

غير أن تعيين أشكنازي ليس مجرد لعبة قوى بين أولمرت وبيرتس وإنما هي قضية الجيش الذي يعتبر في إسرائيل ليس مجرد مؤسسة وإنما "ضمانة البقاء". وقد تلقى الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة ضربات شديدة وصفعات مدوية أذلت كبرياءه وأضعفت ليس فقط قدرته الردعية وإنما كذلك ثقة الجمهور به. ورغم كثرة المآخذ على أشكنازي فإنه في الظروف القائمة لم يعد خيار أمام الآخرين سوى القبول به. وحسب التقديرات فإن أحدا في إسرائيل لا ينظر إلى أشكنازي كقائد عسكري مبدع كفيل بنقل الجيش من حال إلى حال وإنما يتوقعون منه أن يعمل على مهل لاسترداد ثقة الجيش بنفسه.

ويؤمن الخبراء العسكريون والمعلقون السياسيون في إسرائيل بأن أشكنازي لا يملك كثيرا من الوقت. فالأوضاع داخل الجيش وفي العلاقات مع المستوى السياسي والتوقعات بشأن نتائج لجنة فينوغراد للتحقيق في إخفاقات حرب لبنان تحتاج إلى خطوات سريعة. غير أن السرعة، هي في الواقع، نوع من إزالة فتيل التفجير قبل أن يسبق السيف العذل ولا يعود بالإمكان تغيير الوجهة. فالجيش، في نظر الكثيرين لم يعد مركز اجتذاب الكفاءات الإسرائيلية مما جعل من قادته وضباطه تعبيرا عن الحالة الوسطية في المجتمع وليس الحالة العليا. ورغم أن الجيش كان على الدوام، بمتطلباته وصناعاته رافعة التقدم الصناعي في إسرائيل إلا أن تقدم التكنولوجيا العليا وانفتاح آفاق العلاقة مع العالم المدني الواسع في الغرب حد من دور الجيش على هذا الصعيد. وعدا ذلك فإن الإحساس بالفارق الكبير في القوة مع المحيط العربي أضعف أيضا من الإحساس بجدية ووجودية الأخطار.

وفي كل حال فإن زئيف شيف في "هآرتس" رأى أن الوضع في فلسطين ولبنان واحتمالات الحرب مع سوريا فضلا عن الخطر الإيراني، جميعها لا تترك وقتا لأشكنازي. ويحذر شيف من تكرار خطأ الجيش الفرنسي الذي قبل أن يتعلم دروس الحرب في الهند الصينية أخفق في حرب الجزائر.

ويعتبر شيف أن "سلوك الجيش الإسرائيلي في السنوات القريبة بقيادة أشكنازي سيؤثر جدا على وضع الردع الإسرائيلي. هذا هو اختبار مركزي لرئيس الأركان الجديد". والسبب في نظره يعود إلى أن الجيش خرب في مساعيه لإدارة الاحتلال ضد الفلسطينيين بدل تأهيل نفسه لمواجهة الصواريخ التي تتعرض لها البلدات والمستوطنات. ويخلص إلى أن "الوضع الحالي، الذي لا يوجد فيه أي أفق سياسي من شأنه أن يؤدي إلى انفجار عسكري".


ولاحظ عاموس غلبوع في "معاريف" أن مشكلة رئيس الأركان الجديد ـ وقيادة الجيش الإسرائيلي التي ستُبنى إلى جنبه ـ ستكون العودة إلى الأمور المفهومة. لماذا؟ "لأنه في حرب لبنان، في ذروة الإحكام التكنولوجي، وفي ذروة البلاغات اللغوية، قد نسيت القيادة العسكرية في رأيي وعلى رأسها رئيس الأركان المستقيل، الأمور الواضحة المفهومة... القصد هو الأوامر الأساسية الثلاثة التي توجه رئيس الأركان الذي يسيطر على الجيش الإسرائيلي".

وتتلخص هذه الأوامر الثلاثة بوجوب أن يبذل الجيش أولا كل ما في وسعه من أجل توفير ردود مناسبة على الأخطار التي تهدد الدولة، وثانيا الدفاع عن حدود الدولة وسكانها وأملاكهم وثالثا إعداد خيارات القوة الكفيلة بتحقيق سياسة الحكومة عبر عرض صورة الوضع بما فيها معارضة خطوات تظهر نقاط ضعف إسرائيل.

أما المعلق في "يديعوت أحرونوت"، ناحوم بارنياع، فأشار إلى أن حرارة استقبال الجمهور الإسرائيلي لرئيس الأركان الجديد لا تعفيه من تحمل المسؤولية ومترتباتها. و"يحسن غابي أشكنازي صنعا إذا استجاب للعناق الوطني رويدا رويدا متوخيا الحذر. بانتظاره عمل كثير. معنويات الجيش متدنية خصوصًا على مستوى الضباط الصغار الذين يحتارون بين مواصلة البقاء في الجيش النظامي أو التوجه إلى العمل المدني. عندما تترك الخيرة والنوعية صفوف الجيش، يقوم الجيش مضطرا بترقية الوسطيين. الجيش الذي توجه إلى حرب لبنان الثانية كان مصابا بالوسطية الشديدة". ولاحظ بارنياع توتر الوضع في هيئة الأركان والتسريبات وسوء "ثقافة العمل".


قد يكون تعيين أشكنازي رئيسا للأركان بهذه السرعة محاولة لـ"قلب صفحة" في الجيش الإسرائيلي ولكن الإشارات أكيدة بأن ما يواجهه الجيش هو أكبر بكثير من طاقته على الإصلاح. فالأزمة ليست أزمة الجيش وحده، بل أزمة بنيوية كاملة نشأت عن واقع سبق لفلاسفة يهود أن وصفوه بأنه وجود متقدم لواقع من عالم سابق.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات