المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اضافة الى الهستدروت، والمعارضة البرلمانية وعشرات المنظمات الاجتماعية، قامت ضد الخطة الاقتصادية الحكومية جبهة واسعة من خبراء المجتمع والرفاه في الأكاديمية. في الماضي ايضًا كان للمحاضرين في كليات العمل الاجتماعي ومجالات اخرى قريبة، ملاحظات وتحفظات في ما يتعلق بالخدمات الاجتماعية. لكن يبدو انه لم يسبق ان وجهوا انتقادات حادة وواسعة كهذه لخطة اقتصادية ذات ابعاد اجتماعية جدية.

علاوة على الهستدروت، والمعارضة البرلمانية وعشرات المنظمات الاجتماعية، قامت ضد الخطة الاقتصادية الحكومية جبهة واسعة من خبراء المجتمع والرفاه في الأكاديمية. في الماضي ايضًا كان للمحاضرين في كليات العمل الاجتماعي ومجالات اخرى قريبة، ملاحظات وتحفظات في ما يتعلق بالخدمات الاجتماعية. لكن يبدو انه لم يسبق ان وجهوا انتقادات حادة وواسعة كهذه لخطة اقتصادية ذات ابعاد اجتماعية جدية.
يمكن فهم النقد الموجه الى بنود اجتماعية معينة في الخطة، لكن ما يثير الاستغراب هو التوجه الشمولي الذي يعتمده المنتقدون. فهم يتوصلون، بنبرة الثقة المطلقة، الى استنتاجات جارفة من المشكوك فيه ان يجيزوها لأنفسهم في ابحاثهم الاكاديمية.

ما يثير القلق، بشكل خاص، هو النوايا التي يلصقونها بأصحاب الخطة بأنهم يسعون الى القضاء على دولة الرفاه، او على الأقل، "نزع الشرعية الفكرية عنها"، كما يقول احدهم (جميع الاقتباسات هنا من تقرير أعدته روتي سيناي - "هآرتس" 16/4). ويقول آخر ان الخطة "اعدت بوضوح للمس بألامن الاجتماعي للمواطنين في اسرائيل"، لأن السلطة تعتقد بأن "لا طائل من تبذير الأموال على الطبقات الضعيفة لأنها غير منتجة". هذا الهراء قد يكون ملائمًا، بصعوبة، لسياسي متخرص من المعارضة، لا لمن يتلفع بالعباءة الأكاديمية. "اليمين لا يعتبر التعليم عنصرًا منتجًا، وانما مصروف اجتماعي فحسب"، يقرر آخر متجاهلا حقيقة ان المتحدثين باسم اليمين، مثل المتحدثين باسم اليسار بالضبط، ملتزمون بالموقف القائل ان مستقبل الدولة مرهون بمستوى التعليم (وهذا لا يعني ان جهاز التعليم ليس بحاجة الى تنجيع).

"اصحاب التوجه المحافظ الجديد يستغلون التشويه الناتج عن الرشوة السياسية (للحريديم - أ.ط) لمهاجمة وتدمير دولة الرفاه، لأنهم اصلا واساسا لا يؤمنون بها"، يضيف المتحدث نفسه، عالم الاجتماع الجديد، بينما يحلل آخر إسقاطات العولمة على التوجهات الاجتماعية على النحو التالي: المنظومات الكونية الشمولية ليس لديها أي التزام تجاه المساكين في ديمونه، وانما فقط تجاه جني اقصى ما يمكن من الارباح، وبهذه الروح تنفض الدولة عن نفسها اية مسؤولية حيال مواطنيها الأكثر فقرًا.

ما هو التشويه في هذه التوجهات؟

بادىء ذي بدء: الصاق النوايا السيئة بأصحاب الخطة. المعارضة، على اختلاف مشاربها، تحاول وضع وزير المالية بنيامين نتنياهو في مقدمة هذه الخطة باعتباره - برأي كثيرين - استيرادًا امريكيًا ذا توجهات "رأسمالية" ومحافظة، وسياسيا لزجا لا يثير الثقة - الأمر الذي يساعدهم في تلطيخ صورة الخطة المنسوبة اليه. في الواقع، هذه الخطة بأجزائها الأكبر - ان لم يكن في كلها - ولدت في وزارة المالية قبل ان يصبح نتنياهو وزيرًا للمالية، والاعتبارات التي دفعت الى وضعها تميز المستوى المهني في وزارة المالية منذ زمن.

ثانيًا، وبقدر ما يمكن التقدير، ليس وراء هذه الخطة أي معارضة "فكرية" لدولة الرفاه، التي يقصد بها الدولة التي تحمي، بعدل وبسخاء، مواطنيها المحتاجين للحماية. هنالك معارضة لدولة الرفاه التي تسمح بالاستغلال السيء لترتيبات الحماية والدعم من جانب اولئك الذين لا يستحقونها، وتشجع التكاسل والاحجام عن العمل من جانب القادرين، وتنمّي ظواهر اجتماعية سلبية - بدءًا بالبيانات الكاذبة وانتهاء بانجاب عدد كبير من الأولاد في العائلات غير القادرة على منحهم شروط النمو والتطور الملائمة.

ثالثاً، الخطة الحالية لم تولد بايحاء العولمة، او تغيير السلطة او أي عامل خارجي آخر، وانما فقط لأن نسبة النفقات الاجتماعية في اسرائيل، وخاصة المدفوعات لمخصصات الدعم، وصلت في العقد الأخير الى مستويات مريعة من الصعب على الدولة، اليوم، الصمود بها. اذا ما استمرت التوجهات الحالية، في المسار الحالي، فسينهار الاقتصاد الاسرائيلي تحت عبء هذه المصروفات.

صحيح ان النمو في الاقتصاد خلال سنوات الازدهار، في العقد الماضي، غطى - بصعوبة - الزيادة في المصروفات الاجتماعية، ولا عيب - في الظروف العادية - ان تزداد المصروفات الاجتماعية بموازاة الزيادة في الناتج القومي. لكن ما نشأ في الاقتصاد الاسرائيلي هو حدبة من المصروفات والترتيبات الاجتماعية التي لا مناص من ازالتها اذا كنا نريد الوصول الى مسار سليم يستطيع الاقتصاد الاستمرار به لوقت طويل. من اجل التخفيف من حدة العملية يتم تقسيط جزء من الاجراءات (مثل تجميد مخصصات الشيخوخة) على بضع سنوات. هذا الأمر سيتيح، في المستقبل، دفع مخصصات دعم أكبر وبتوزيع اكثر عدالة، أي وفق اعتبارات الدخل.

(هآرتس ـ 21/4)

المصطلحات المستخدمة:

الهستدروت, هآرتس, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات