العدد رقم 57 من سلسلة "أوراق إسرائيلية" ويحمل عنوان "المفهوم الإسرائيلي لعدم وجود شريك في عملية السلام (نظرة في العقلية السياسية الإسرائيلية)"، ويضم ورقة كتبتها الباحثة الإسرائيلية ياعيل باتير لمصلحة "المركز الدولي لدراسة الراديكالية والعنف السياسي" وترجمها عن الانكليزية ياسين السيد.
وتسعى مؤلفة هذه الورقة نحو نقض مفهوم "عدم وجود شريك فلسطيني" لـ "عملية السلام" مع إسرائيل، واستبداله بمفهوم أكثر دقة وواقعية ينطلق من مبدأ وجود شريك كهذا، ويستند أساسًا إلى ضرورة تفهم مطالب هذا الشريك وروايته التاريخية، ظنًا منها أن ذلك يمكنه أن يعيد إحياء الأمل المفقود بإنجاز اتفاق سلام بين الشعبين على أساس "حل الدولتين".
وهي تقرّ بوجود مفارقة كبرى يتسم بها الرأي العام في إسرائيل، ناجمة عن واقع أنه بات يؤيد "حل الدولتين" وفقًا لما تبينه الاستطلاعات، إلا إنه لا يرى أن هناك أي إمكانية لتحقيق هذا الحل جراء انعدام وجود شريك فلسطيني على استعداد للمُضي به قدمًا.
وتجاهر برفضها هذا المفهوم وتحث على عدم التمسك به، لكنها تشير إلى أنه سرعان ما وجد لدى تحريره تربة خصبة لينمو فيها في ظل المخاوف والشكوك الدفينة المتأصلة في عقلية الإسرائيليين ونفوسهم، ما أفضى إلى شلّ عملية بناء الثقة التي كانت شقت طريقها بين الجانبين منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، وساهم في نهاية المطاف في نشوء الموقف الحالي الذي تتبناه إسرائيل، وفحواه تأييد الأغلبية الذي لم يسبق له مثيل لإقامة دولة فلسطينية كوسيلة لوضع حد للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لكن إلى جانب تلاشي الاعتقاد بجدوى هذا الحل.
كما تشير إلى أن مفهوم "عدم وجود شريك" يمثل حالة خطرة بالنسبة إلى إسرائيل، حيث أن قبضته المُحكمة على عقلية المجتمع الإسرائيلي تتسبب بإقصاء مصلحته وتجاهلها، فضلاً عن أنه يدغدغ المخاوف العميقة المتأصلة لدى الإسرائيليين بشأن مستقبل دولتهم.
وكتب محرّر السلسلة أنطوان شلحت في معرض تقديمه لها أنه على الرغم من أن المؤلفة لا تتردّد في المجاهرة بأن الحل الوسط المنشود للصراع يجب أن يفضي في نهاية المطاف إلى إقامة دولتين على أساس حدود العام 1967، وإلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إلا إنها تشدّد على أن هذا الحل يجب أن يتأتى جوهريًا من سيرورة مختلفة وأن يحقق هدفًا مغايرًا، وهذا كله يمكن أن يتم من خلال عدم التركيز على إنهاء الاحتلال فحسب، بل التركيز أيضًا على الاستجابة للمخاوف الأساسية التي تخالج الشعبين، بما في ذلك اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وعن الحيلولة دون نيل الفلسطينيين استقلالهم في دولتهم. وتنوّه على نحو خاص بأن جميع جولات المفاوضات التي جرت بين الإسرائيليين والفلسطينيين على مدار الأعوام التسعة عشر الفائتة لم تتناول سوى القضايا التي برزت في العام 1967، وليس تلك القضايا التي أفضت إلى وقوع الأحداث في العام 1948 وفي الأعوام التي تلته. غير أنها في سياق هذا تزج بموضوعة الدولة اليهودية، وبوجوب قبول الفلسطينيين بها وتسليمهم بوجودها في نطاق وأد المخاوف المعششة في نفوس الإسرائيليين، كما لو أنها مسألة بديهية أو مفهومة ضمنًا لا يمكن الاستغناء عنها، الأمر الذي يجعل مقاربتها ناقصـة، لكونها متنائية عن الدلالات الخطرة التي تنطوي عليها موضوعة الاعتراف بالدولة اليهودية بالنسبة إلى الشريك الذي تعي وجوده وشرعية مطالبه وروايته التاريخية.
المصطلحات المستخدمة: