"قوس قزح" في مرآة الصحافة الاسرائيلية: "سور واق" مصغرة وعملية "استرداد الردع الاسرائيلي"

وثائق وتقارير

*اليمين اشترط دعمه للحربين على قطاع غزة ولبنان بحدّة الرد الإسرائيلي *الدعم تصدّع مع إعلان أولمرت أن "الانتصار في لبنان سيدفع بخطة التجميع إلى الأمام" *الانعكاسات السياسية والاقتصادية للحرب ستلقي بظلالها على مستقبل الائتلاف الحكومي*

يحظى رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، منذ قرابة شهرين بنوع من الاستقرار في الدعم البرلماني لحكومته، على ضوء شن إسرائيل حملتها العسكرية الواسعة على قطاع غزة، ومن ثم الحرب على لبنان في الثاني عشر من الشهر الماضي، تموز/ يوليو، إذ اختارت المعارضة اليمينية تقديم الدعم شبه المطلق للحكومة، وامتنعت حتى الجلسة البرلمانية الأخيرة في الدورة الصيفية للكنيست الإسرائيلي عن تقديم اقتراحات حجب الثقة عن الحكومة.

 

وعمليا فإن هذا الدعم هو "تقليد" متبع في الحلبة السياسية في إسرائيل، في أوقات الحروب. وقد برز الأمر لأول مرة بعد حرب حزيران (يونيو) في العام 1967، حين أقيمت لأول مرة في إسرائيل حكومة تكتل قومي، لمواجهة تبعات الحرب والاحتلال الجديد، وبعد ذلك كان دعم خارجي من طرف المعارضة لحكومات الحروب، كما جرى في العام 1973، خلال حرب أكتوبر، وفي العام 1978، خلال الاجتياح للبنان، وأيضا في الحرب الواسعة على لبنان في العام 1982.

إلا أنه في العام 1982 استمر دعم حزب "العمل" لحكومة الليكود بزعامة مناحيم بيغن لأقل من أربعة أشهر، على ضوء تعقد الحرب وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، وأصبح "العمل" مشاركا في المظاهرات المناهضة للحرب.

أما الدعم الذي يلقاه أولمرت في هذه المرحلة من كتل اليمين المتطرف، وعلى رأسها الليكود، فإنه مشروط باستخدام أعلى درجات القوة ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني. وحين لم يكن استخدام القوة بالقدر "المطلوب" فقد وجهت لأولمرت وحكومته الانتقادات المبطنة.

مثلا حينما بدأ الحديث، بعد عشرة أيام من الحرب، عن إمكانية إدخال قوات برية إلى الجنوب اللبناني، وحتى قبل أي بحث رسمي في المجلس الوزاري المصغر، ظهر عدد من نواب اليمين يطالبون بذلك، ومن بينهم الرئيس السابق للجنة الخارجية والأمن البرلمانية، يوفال شتاينيتس، من الليكود.

كذلك فإن خطاب زعيم الليكود بنيامين نتنياهو من على منصة الكنيست في الأسبوع الماضي تضمن تحذيرات مبطنة من أي تراجع في الأهداف التي وضعتها الحكومة في بداية هذه الحرب، وأن الدعم الذي تحصل عليه هو دعم مشروط بتحقيق الأهداف الأولى التي وضعتها الحكومة، وعدّدها الواحد تلو الآخر من على منصة الكنيست. وقال نتنياهو للحكومة في لهجة تحذيرية، على ضوء تراجع الحكومة عن الأهداف الأولى بعد فشلها في تحقيقها: "لا تتنازلوا، ولا تترددوا، ولا تتوقفوا في منتصف الطريق، ولا تخضعوا للضغوط، استكملوا المهمة، وحينها سيكون الشعب كله معكم".

 

"زلة لسان أولمرت"

 

لقد تكشفت هشاشة دعم اليمين لحكومة أولمرت حين "سقط" بزلة لسانه في حديثه لوسائل الإعلام العالمية، قائلا "إن انتصار إسرائيل في الحرب سيسرع تطبيق خطة التجميع"، في الضفة الغربية والقاضية بإخلاء بعض المستوطنات الصغيرة ودمج المستوطنين في سبع كتل استيطانية ضخمة.

وقد كان هذا التصريح بمثابة الفتيل الذي أشعل النار مجددا بين اليمين المتطرف والحكومة. وسارع قادة اليمين يهددون ويتوعدون إلى درجة التمرد على أوامر الانخراط في الحرب، وقد وصل الأمر إلى أعضاء كنيست في حزب كديما الحاكم نفسه، الذي يتزعمه أولمرت.

وقال النائب تسفي هندل من قادة المستوطنين واليمين المتطرف: "على ما يبدو فإن الدعم الذي حصل عليه أولمرت أوقعه في أوهام طغت على مخيلته". وقال حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو: "من المؤسف أنه في ذروة أيام القتال ينجح رئيس الحكومة في فرض شرخ عميق في قلب إجماع شعب إسرائيل الموحد كله في الحرب".

وقال مجلس مستوطنات الضفة الغربية "على ما يبدو فإن أولمرت معني بفض الإجماع من حول الحرب، رغم أن المطلوب الآن أن يكون أولمرت عاملا موحدا".

ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل بدأت تصدر أصوات في اليمين تدعو إلى رفض الخدمة العسكرية في الحرب، "طالما أن الهدف منها هو تطبيق خطة التجميع". وذكرت وسائل إعلام أن أربعة عناصر من اليمين المتطرف أعلنوا رفضهم الخدمة في الجيش على أساس هذه الدعوة، إلا أن الأمر لم تتم متابعته.

 

أيا كانت ردود الفعل والنشاطات، ورغم أن أولمرت سارع في مساء نفس اليوم للاتصال بقيادة اليمين "ليطمئنهم" انه لم يقصد ما قال، وأن نتائج الحرب لن تؤثر على الخطوات السياسية اللاحقة، فإن ما جرى كشف عن أن "الوحدة" السياسية الحاصلة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، هي وحدة التفاف حول "موقدة النار" سرعان ما ستتفكك حين تخمد النار.

 

وإذا صدقنا الأجواء التي بدت في مطلع الأسبوع الحالي، فإن نهاية هذه الحرب أصبحت تلوح في الأفق، ولكن "شهر العسل" بين الائتلاف الحاكم واليمين المتطرف سينتهي هو الآخر، وستبدأ المحاسبة على سير الحرب ونتائجها مهما كانت، لأن المعارضة اليمينية المتطرفة لن تقبل بأي نتيجة كانت، حتى وإن اعتبرتها الحكومة إنجازا.

 

ومن يتابع الكثير من التحليلات التي تنشر بغزارة في الأيام الأخيرة، فإنها بدأت تطرح أسئلة صعبة حول الحرب، مجرياتها ونتائجها المتوقعة، وأكثر من محلل، ومن بينهم المحللة سيما كدمون في "يديعوت أحرونوت"، لم يستبعد قيام لجنة تحقيق رسمية حول هذه الحرب، وهذه اللجنة في حال قامت، أو أي لجنة بدرجة أهمية أقل، ستكون خشبة القفز بالنسبة لليمين المتطرف في معركته أمام حكومة إيهود أولمرت.

 

حرب تقلب أوراقا كثيرة

 

من السابق لأوانه تلخيص حرب لا تزال دائرة، ولكن منذ الآن أصبحت هناك مؤشرات لتغيرات في برامج الحكومة، السياسية والاقتصادية، التي ستكون معالجة لاحقة لها. لكن هناك نقطة بدأ التركيز عليها أكثر من غيرها، وهي الأكثر سخونة من حيث جدول الأعمال الداخلي في إسرائيل، هي ميزانية الدولة التي كان من المفروض أن تحمل بعض المتغيرات على الصعيد الاجتماعي، تلبية لمطالب شركاء في الائتلاف الحكومي، مثل كتلة "المتقاعدين" وحركة "شاس" وحتى حزب "العمل"، إلا أن تكلفة الحرب التي تقدر حتى الآن بملياري دولار، ستلقي بظلالها على الميزانية وقد تصيب هذه المتغيرات.

ولهذا فإن حكومة أولمرت ستواجه إشكالية داخلية، على هذا الصعيد، خاصة حين يقول عميد بنك إسرائيل المركزي، ستانلي فيشر، إن "التعديلات على ميزانيات الرفاه التي كانت متوقعة في ميزانية العام القادم 2007، لن يضر إذا تأخرت عاما إضافيا". ولكن هذا التصريح الجاف، لن يكون بمقدور الشركاء في الائتلاف استيعابه بعد أن تهدأ نيران الحرب، وهذا ما سيتسبب بقلاقل جديدة لم تكن في حسبان أولمرت، حين شكل حكومته قبل نحو ثلاثة أشهر.

 

معنى ذلك أنه حتى نهاية العام الجاري فإن أولمرت سيواجه عدة أزمات، برلمانية وائتلافية وشعبية. فعلى المستوى الشعبي، وبعد أن أصبح واضحا أن إسرائيل لم تنجح في تحقيق أهدافها، سيطرح السؤال: من أجل ماذا شنت هذه الحرب؟. أمّا على المستوى البرلماني فإنه إلى جانب المعارضة ستتكشف هشاشة الائتلاف الحكومي، 67 نائبا من أصل 120 نائبا، على خلفية التبعات السياسية والاقتصادية للحرب.

وعلى ضوء ما تقدّم، لن يكون مستبعدا أن نشهد حتى نهاية العام الجاري تغيرا بمدى معين في تركيبة الحكومة الإسرائيلية.