بدء عملية الإطاحة بشارون عن زعامة الليكود

وثائق وتقارير

سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية غداة الإعلان عن وقف إطلاق النار، في الحرب على لبنان، إلى التحدث عن مصير الأحزاب المشاركة في حكومة إيهود أولمرت، وعلى رأسها حزب "كديما" الحاكم، وحزب "العمل" بزعامة وزير الدفاع، عمير بيرتس. فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى تراجع حاد في نسبة تأييد حزبي "كديما" و"العمل" بحوالي ثلث قوتهما البرلمانية الحالية.

 

إلا أن تفاوتا ما ظهر في هذه الاستطلاعات، التي علّمت التجربة أن نتائجها تتماشى مع الخط الذي اختارته لنفسها وسيلة الإعلام هذه أو تلك، فمثل هذه الظاهرة لم تقتصر فقط على الوضعية الحزبية، وإنما رأيناها أيضا في قضايا هامة جدا، مثل الدعم الشعبي للحرب الإسرائيلية على لبنان، من 92% في صحيفة "معاريف" إلى 82% في "يديعوت أحرونوت" إلى 71% في صحيفة "هآرتس".

من الواضح أن الحكم على نتائج هذه الحرب من الصعب تحديده منذ الآن، فالنتائج الأهم بالنسبة لإسرائيل، وأيضا للبنان، هي النتائج البعيدة المدى، بمعنى مدى صمود اتفاق وقف إطلاق النار، وهدوء الجبهة الشمالية في إسرائيل، وحتى الشكل الذي ستستقر عليه الأوضاع الداخلية في لبنان، وقد نذهب بعيدا قليلا للحديث عن مستقبل التعامل الدولي والإقليمي مع كل من سوريا وإيران.

إن الإجابة على الأسئلة أو القضايا السابقة هي التي ستحدد مستقبل إيهود أولمرت وحزبه "كديما" على وجه الخصوص، بمعنى أن تحقيق هدوء على الجبهة الشمالية في العامين المقبلين، وحدوث تغيرات جدية في الساحة الداخلية اللبنانية، وتراجع الظهور العسكري لحزب الله، سيعتبرها أولمرت إنجازا يتوجه به للجمهور في الانتخابات القادمة، ولكن هذا وحده لا يكفي، وسنأتي عليه لاحقا.

لكن في جميع الأحوال، ومنذ الآن، بالإمكان أن نلمس بحذر تراجع مكانة وزير الدفاع عمير بيرتس، على الصعيد السياسي الشخصي، "كقائد عمالي قاد حربا ليست ضرورية"، وهذا قد ينعكس على مكانته في زعامة حزب "العمل" وحتى على مجمل مستقبله السياسي، وقد يكون بيرتس الخاسر الأكبر من هذه الحرب.

 

أولمرت و"كديما"

 

ما إن تهدأ نيران الحرب، أي حرب، حتى يبدأ البحث عن "غنائمها" على مختلف الصعد، وهذا الأمر يسري أيضا على ما ينشر عن التحركات الأولية على الساحة الحزبية في إسرائيل. فمثلا، تدعي مصادر في حزب "الليكود" المعارض، بزعامة بنيامين نتنياهو، في تصريحات لصحيفة "معاريف"، ان كوادر أساسية غادرت الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح حزب "كديما"، بدأت تفحص إمكانية عودتها لليكود في أعقاب نتائج الحرب. وقال عدد من قادة الليكود البارزين، إنهم بدأوا يتلقون اتصالات من نشيطين ميدانيين سابقين في الليكود، يستفسرون عن إمكانية عودتهم للحزب.

وقد يكون "الخبر" في صحيفة "معاريف" جاء ردا على خبر آخر نشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نفس اليوم وتحدث عن أن 25 ألف منتسب لحزب الليكود، من أصل 128 ألف منتسب، غادروا صفوف الحزب في الأشهر الأربعة الأخيرة.

فالحديث عن مغادرة "آلاف الأعضاء" لحزب "كديما" في غضون خمسة أيام من بدء وقف إطلاق النار، هو نوع من المبالغة، وأيضا من نوعية الأنباء التي يتميز بها زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، فقد اتبع نفس الأسلوب خلال الحملة الانتخابية، واتضح أن لا أساس لها، لأنه لا يمكن الحديث عن انهيار إطار سياسي كنتيجة لحرب لم تحدد نتائجها بعد.

ومرة أخرى من السابق لأوانه جدا، "نعي" حكومة إيهود أولمرت، ولا حتى حزب "كديما". فتوقيت الحرب يعتبر ورقة رابحة بالنسبة لأولمرت نفسه، فهذه الحرب بدأت مع انقضاء الشهر الثاني لبدء عمل حكومة أولمرت، التي تشكلت فور انتهاء الانتخابات البرلمانية الجديدة، ولهذا فإن الرسالة الأساسية التي سينطلق بها أولمرت إلى الجمهور الواسع، هي أن عليه الانتظار لرؤية النتائج البعيدة المدى لهذه الحرب.

كذلك فإن الحديث عن انهيار الائتلاف الحكومي في هذه الفترة هو أمر غير واقعي، فالأحزاب الأربعة المشاركة في الائتلاف الحكومي شاركت في صياغة قرار الحرب من دون أي تحفظ، ولم نلمس أية معارضة في أي اتجاه لهذه الأحزاب خلال الحرب.

إلا أن أزمة قد تنشب في غضون الأشهر الأربعة المتبقية لهذا العام، في إطار إعداد ميزانية إسرائيل العامة للعام 2007، فهذه الميزانية ستشهد تقليصات تتراوح ما بين نصف مليار إلى مليار دولار، كمرحلة أولى، من أصل 63 مليار دولار، حجم الميزانية الحالية، لتغطية مصاريف الحرب. وبما أن الحديث يجري عن حرب فهذا سيعني استثناء ميزانية وزارة الدفاع، التي كان يجري سابقا حديث عن تقليص ميزانيتها للعام المقبل، والآن يجري الحديث عن زيادتها بحوالي نصف مليار دولار، وهذه "التعديلات" على الميزانية ستطال بالضرورة الخدمات الأساسية للمواطنين من رفاه وصحة وتعليم وبنى تحتية على أشكالها.

وهذه البنود في الميزانية تقف على رأس الأجندة الاجتماعية للأحزاب الثلاثة الشريكة لحزب "كديما" الحاكم، وهي "العمل" بزعامة بيرتس، و"شاس" بزعامة إيلي يشاي، وحزب "المتقاعدين".

من الصعب التحديد منذ الآن شكل تطور هذه الأزمة وشكل انتهائها، ولكن أولمرت بحاجة إلى بلورة رأي عام ضاغط على هذه الأحزاب الثلاثة، تحت شعار: "كلنا سنتحمل العبء"، وهذه مهمة ستلقى على صنّاع الرأي العام في إسرائيل، وعلى رأسهم كبرى وسائل الإعلام الإسرائيلية.

الأمر الآخر الذي سيخفف الضغط على أولمرت في هذه المرحلة هو أنه للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، فإن الحزب الحاكم في إسرائيل ليس موجودا تنظيميا. فبعد مرور تسعة أشهر على الإعلان عن تأسيس حزب "كديما"، وبعد حوالي خمسة أشهر على الانتخابات البرلمانية، فإن قادة "كديما" لم ينجحوا في بناء هيكلية تنظيمية لحزبهم، ولهذا فإن أولمرت، وخلافا لرؤساء حكومات سابقين، لن يكون مطالبا بتقديم تقرير سياسي للعمود الفقري المفترض لحكومته، أي الهيئات التنظيمية للحزب، كذلك فإن مسألة منافسته على زعامة الحزب ليست مسألة آنية.

وتقول محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، مازال معلم، في تقرير لها، "خلافا لعمير بيرتس، فإن لأولمرت حزبا بحاجة إلى تأسيس وبناء، إلا أن أولمرت لم يتفرغ حتى الآن لهذه المهمة، أيضا بسبب الحرب. فهذه المرة تلقى أولمرت حزبا على طبق من فضة، إلا أن عليه ان ينافس على زعامته، وفي هذه المرحلة سيكون عليه معالجة حزب، قسم جدي من قادته متورطون بملفات تحقيق ولوائح اتهام، وهم حاييم رامون (وزير القضاء المستقيل المتهم بالتحرش الجنسي)، تساحي هنغبي (رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية المتهم برشاوى حزبية حينما كان في الليكود) ورئيس كتلة "كديما" البرلمانية، أفيغدور يتسحاقي (المتورط بمساعدة شخص على التهرب من ضريبة الدخل)، إضافة إلى أن أولمرت نفسه قد يواجه تحقيقا في قضية شروط شراء بيته في القدس (الحديث عن تسهيلات بقيمة نصف مليون دولار)".

 

إن المهمة الأساسية لأولمرت في الأشهر القليلة المقبلة ستكون الحفاظ على هدوء الجبهة الشمالية، الأمر الذي سيساعده على تخطي أزمة أعداد وإقرار ميزانية الدولة للعام القادم، وهي أزمة لم تكن في حسابات أولمرت لدى تشكيل حكومته، خاصة وانه قدم الكثير من الوعود للأحزاب المشاركة في حكومته، بأن تلبى مطالبهم الاجتماعية في الميزانية المقبلة.

 

"العمل"- الحلبة الأكثر إثارة

 

انعكاسات الحرب على لبنان ستكون مثيرة أكثر على التطورات الداخلية في حزب "العمل"، لأن أسئلة كثيرة ستوجه لزعيم الحزب عمير بيرتس، وزير الدفاع، الذي اتخذ خطاً موالياً لقيادة الجيش، التي كانت تطالب دائما بضربات أقوى، أي أن بيرتس اتبع تقليد جميع أسلافه في هذا المنصب، دون أن يبرز تميزه المفترض.

 

فالأسئلة التي ستوجه لبيرتس ليس فقط من داخل حزبه، وإنما من القاعدة الجماهيرية التي بناها من حوله، على أساس القضايا الاجتماعية، خاصة عندما يبدأ الجمهور الواسع بدفع ثمن الحرب ماليا، وعادة ما سيكون العبء أكبر على الشرائح الفقيرة والضعيفة، التي من شان أي تعديل بسيط على مدخولها أن يشكل ضربة جدية لها.

 

إن الأزمة الأولى التي سيواجهها بيرتس ستكون في حزبه، لدى مجموعة "المتمردين" التي أهملها في تشكيل الحكومة، ولم يسند إليها أيا من الحقائب الوزارية أو المناصب البرلمانية، وعلى رأسهم الجنرالات الثلاثة عامي أيالون ومتان فلنائي وداني ياتوم، لينضم إليهم البروفيسور أفيشاي برافرمان، ومن خارج الكتلة البرلمانية، الزعيم الأسبق للحزب إيهود باراك، الذين "يتربصون" له في كل مناسبة لتصفية الحساب معه.

فالحزب مقبل على انتخابات لرئيسه في العام المقبل، وهذا ما يجعل المنافسة تشتد في الأشهر المقبلة، وتقول تقارير صحفية إن باراك بدأ يعد العدة للعودة إلى قيادة الحزب، وإنه بدأ يجري اتصالات حثيثة مع قادة بارزين في الحزب، في محاولة لإعادة بلورة معسكره الحزبي تمهيدا للمنافسة.

وتقول المحللة مازال معلم في مقال لها: "إن عمير بيرتس وإيهود أولمرت خرجا من الحرب ضعيفين من الناحيتين الحزبية والشعبية، وكلاهما يدرك أنه بحاجة إلى مسار علاجي طويل ومنهك، أمام الجمهور وفي حزبه".

وتضيف معلم: "سيكون على بيرتس الصراع على قيادة حزبه أمام مجموعة المتمردين، التي يقودها أفيشاي برافرمان، وداني يتوم ومتان فلنائي وعامي أيالون، هذه المجموعة التي تفتقر إلى قواعد تأييد كبيرة بين منتسبي الحزب، سيكون بقدرتها أن تمرمر حياة بيرتس في الكتلة البرلمانية. كذلك سيكون على عمير بيرتس أن يواجه أعضاء الكنيست من كتلته المهتمين بالقضايا الاجتماعية، مع بدء التحضيرات لميزانية العام 2007..".

ولكن المعركة الأكبر التي ستكون أمام عمير بيرتس هي "معركة" إعادة بلورة شخصيته السياسية الجديدة. وهذا ليس بالأمر السهل لمن ظهر على الساحة السياسية بمستوياتها المختلفة منذ 30 عاما كناشط في القضايا الاجتماعية، وبالأساس في السنوات العشرين الأخيرة، التي كان في أكثر من نصفها رئيساً لاتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، وأن يطلب الآن تغييرا في أجندة عمله السياسي.

والسؤال الأبرز سيكون ما إذا كان باستطاعة عمير بيرتس إقناع قواعده الشعبية بهذا التحول، فهو الذي نطق بلسان قيادة الجيش لم يكن بإمكانه الظهور "كجنرال حرب منتصر"، خاصة على ضوء كثرة الحديث عن الشعور بهزيمة إسرائيل في هذه الحرب.

 

هناك من رأى قبل أقل من ثلاثة أشهر أن بيرتس أراد من حقيبة الدفاع إضافة الجانب الأمني إلى أجندته السياسية، كأجندة مكملة، تهميدا لمنافسته القادمة على رئاسة الحكومة، ولكن الشعور في ما يتعلق ببيرتس، انه خرج من الحرب على لبنان، "بخفي حنين"، وقد يكون الخاسر الأكبر من هذه الحرب.

وعلى ضوء ما تقدم، ليس صدفة ظهور أنباء في "هآرتس" تتحدث عن أن بيرتس سيعمل جاهدا في الأشهر المقبلة على تأجيل الانتخابات لقيادة حزب "العمل"، رغم انه حتى الآن لا يظهر منافس جدي بإمكانه ان يشكل خطرا على زعامة بيرتس في الحزب، وهذا لا يعني أن وضعه جيد، وإنما أن بيرتس لا يزال يعتمد على كوادر معسكره في هيئات الحزب.

 

أزمة اليسار الصهيوني

 

ظهر اليسار الصهيوني في هذه الحرب، خاصة الممثل بحزب ميرتس والجناح اليساري في حزب "العمل"، في حالة تخبط منذ اللحظة الأولى للحرب. وقد تبين هذا جليا في اختلاف التصريحات في داخل كتلة ميرتس نفسها. فمثلا خرجت رئيس الكتلة البرلمانية، زهافا غالئون، منذ اللحظة الأولى ضد الحرب، فيما أبدى النائب ران كوهين، الذي كان محسوبا على "يمين" ميرتس، تحفظا إلى درجة كبيرة على الحرب، وفي المقابل فإن رئيس ميرتس، يوسي بيلين، أبدى تأييده للحرب في الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب.

وفقط في الأسبوع الأخير للحرب تغير الخطاب الرسمي في ميرتس، نوعا ما، وأعلنت الحركة انضمامها إلى الحركة المناهضة للحرب، التي انطلقت منذ الساعات الأولى للحرب، ممثلة في الشارع اليهودي بحركات يهودية سلامية، مثل "كتلة السلام" وحركات نسوية مختلفة، وجناح محدود من حركة "السلام الآن"، ونشيطي الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي في الشارع اليهودي.

كذلك فإن حركة "السلام الآن" السابق ذكرها، اتبعت نفس الخط الذي اتبعه رئيس ميرتس، يوسي بيلين، واختارت في الأسبوع الأخير للحرب الانضمام للحركة المعارضة لها.

لقد خاضت الأطر اليسارية الصهيونية خلال أيام الحرب جدلا حادا حول موقفها من الحرب، ولكن هذا الجدل قد يحتد في الفترة المقبلة مع بدء ظهور تقارير عن فشل وخسائر الحرب والثمن المقبل لها. وهذا الجدل قد يثير من جديد ويعمق الجدل القائم في داخل ميرتس، حول أهلية يوسي بيلين لقيادة ميرتس ومعسكر اليسار الصهيوني، ويساعد منافسيه على الإطاحة به.

 

اليمين في حالة انتظار

 

حتى الآن لم يسجل معسكر اليمين واليمين المتطرف أية نقاط رابحة له من هذه الحرب، وسيكون عليه انتظار النتائج البعيدة المدى للحرب، وأكثر من ذلك، عليه انتظار استنتاجات وتوصيات لجنة التحقيق الرسمية التي على ما سيبدو ستضطر الحكومة لإقامتها للتحقيق في جميع ظروف الحرب ونتائجها على المستويين السياسي والعسكري.

 

إلا أن اليمين يحتفظ لنفسه بورقة "الانضباط" خلال الحرب، وأنه وقف إلى جانب الحكومة طوال فترة الحرب، وساندها من الخارج، للظهور بـ"موقف المعارضة المسؤولة".