أثار تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بأنه يفكر في إمكانية تشكيل لجنة تحقيق في الحرب على غزة، حفيظة المؤسسة العسكرية الإسرائيلي ما دفع برئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، إلى التلويح باحتمال استقالته في حال تشكيل لجنة تحقيق. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الأحد – 25.10.2009، أنه في أعقاب نشر المقابلة مع نتنياهو في الصحيفة الأميركية، أمس السبت، بدأت اتصالات مكثفة بين مكتبي نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك حول تصريح نتنياهو بخصوص إمكانية تشكيل لجنة تحقيق في الحرب على غزة. ونقلت الصحيفة عن مستشاري باراك تحذيرهم مستشاري نتنياهو من أنه ستكون هناك تبعات بعيدة المدى في حال تقرر تشكيل لجنة تحقيق ومن "رد فعل متطرف" من جانب أشكنازي "ربما سيصل حد استخلاص عبر شخصية" في إشارة على استقالته.
وكان باراك قد عبر عن معارضته الشديدة لتشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية وفقا لتوصية تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة حول الحرب على غزة، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، الذي اتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب.
وأصدر مكتب باراك بيانا في أعقاب نشر المقابلة مع نتنياهو، أمس، جاء فيه أن "وزير الدفاع يعارض بشدة تشكيل أية لجنة للتحقيق مع ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي حول أحداث عملية الرصاص المصبوب على خلفية تقرير غولدستون". وأضاف البيان أن باراك "يثق بشكل كامل بالتحقيقات التي أجراها ويجريها الجيش الإسرائيلي" واعتبر أنه "لا يوجد في العالم جيش يحقق مع نفسه بهذا الشكل" مشيرا إلى خمسة تحقيقات يقول الجيش الإسرائيلي إنه أجراها في أعقاب الحرب على غزة.
وكان نتنياهو قد قال في رده على سؤال "واشنطن بوست" حول ما إذا كان يعتزم تشكيل لجنة تحقيق "إننا ندقق في ذلك ليس بسبب تقرير غولدستون وإنما لاحتياجاتنا الداخلية". لكن في أعقاب تعبير باراك والجيش عن معارضتهما الشديدة لتشكيل لجنة تحقيق أصدر مكتب نتنياهو بيانا، أمس، قال فيه إن "رئيس الحكومة لم يقصد في أقواله لصحيفة ’واشنطن بوست، إن ثمة حاجة لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة من أجل التحقيق في الاتهامات التي تضمنها تقرير غولدستون". وأضاف البيان أنه "في الأقوال الكاملة التي أدلى بها رئيس الحكومة للصحيفة أوضح أن إسرائيل تحقق في أحداث من النوع الذي حدث خلال الرصاص المصبوب وذلك بشكل روتيني ووفقا لأنظمة داخلية موجودة من دون علاقة مع تقرير غولدستون". وتابع البيان أنه "من خلال تواتر هذه الأقوال يوضح رئيس الحكومة أنه قصد القول إن إسرائيل قد دققت في الأحداث بواسطة أنظمة داخلية موجودة وليس أنها ’تدرس، التحقيق في الأحداث نفسها بوسائل أخرى".
رغم ذلك نقلت صحيفة هآرتس اليوم عن مصادر في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية قولها إن نتنياهو لم يتخذ قرارا في موضوع تشكيل "لجنة التدقيق" في أحداث الحرب على غزة لكن هذه المصادر لم تنف أن الموضوع قيد البحث على ضوء مطالبة وزراء وموظفين رفيعي المستوى مثل المستشار القانوني للحكومة، مناحيم مزوز. وأكدت المصادر ذاتها على أن "الموضوع موجود على الطاولة ورئيس الحكومة يستمع إلى الآراء المختلفة لكن لا يميل إلى أي اتجاه بعد".
وفي غضون ذلك دعا نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية الإسرائيلي، إلياهو يشاي، إلى كشف محاضر الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) خلال الحرب على غزة، في الوقت الذي تزايد فيها عدد الوزراء الإسرائيليين الذين يرون أن إسرائيل مضطرة لتشكيل لجنة تحقيق في اتهامات لها بارتكاب جرائم حرب.
وطرح يشاي مبادرته بكشف محاضر الكابينيت، الذي تم اتخاذ القرارات فيه، خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوعي، اليوم، في أعقاب مطالبة دولية واسعة بأن تحقق إسرائيل في اتهامات ضدها حول انتهاكات نفذها جيشها خلال الحرب، وبادعاء أن من شأن الكشف عن المحاضر أن يثبت للعالم أن الحكومة والجيش الإسرائيليين "بذلا كل ما في وسعهما للامتناع عن المس بالمدنيين الفلسطينيين الأبرياء". لكن اللواء في الاحتياط عوزي ديان، الذي أشغل منصبي نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي، استبعد أن يعود اقتراح يشاي بالفائدة على إسرائيل. وقال ديان لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن "الحديث يدور عن اقتراح غير مسبوق ولن يساعد الحملة الإعلامية الإسرائيلية" لمواجهة تقرير غولدستون الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.
وسيعقد نتنياهو في وقت لاحق من اليوم اجتماعا هو الأول من نوعه للتداول في تعيين طاقم تكون مهمته الإطلاع على التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي حول الأحداث خلال الحرب على غزة للتأكد من أنها جرت بشكل عميق وجدي وذلك بدلا من تشكيل "لجنة تدقيق" في الانتهاكات خلال الحرب. ويذكر أن تقرير غولدستون دعا ضمن توصياته إسرائيل إلى تشكيل لجنة تحقيق في الاتهامات الواردة ضدها في التقرير. وتأتي المداولات في مكتب نتنياهو اليوم حول تشكيل طاقم للإطلاع على تحقيقات الجيش الإسرائيلي في محاولة من جانب نتنياهو لوضع حل وسط بين رفض باراك وقيادة الجيش لتشكيل لجنة تحقيق وبين تزايد عدد الوزراء الإسرائيليين الذي يرون أن إسرائيل مضطرة لتشكيل لجنة تحقيق لتجنب ملاحقة مسؤوليها السياسيين والعسكريين في المحاكم الدولية.
وقال وزير الرفاه، يتسحاق هرتسوغ، من حزب العمل والعضو في اللجنة الوزارية لمحاربة تقرير غولدستون، للإذاعة الإسرائيلية العامة، إنه "لن يكون أمام المستوى السياسي في إسرائيل أي خيار سوى بتشكيل لجنة تدقيق مع التأكيد على أن لا يعتقد أي جندي أن أحدا يسعى إلى تجريمه". وأضاف أنه "ينبغي إجراء التوازن بين التدقيق الذي يوفر ردا مناسبا وبين تحميل الجيش الإسرائيلي المسؤولية" عن انتهاكات محتملة خلال الحرب.
كذلك أيد الوزير ميخائيل إيتان من حزب الليكود، والذي يعتبر مرجها قانونيا في الكنيست، تشكيل لجنة تدقيق ورأى أن "تدقيقا إسرائيليا صادقا هو مصلحة وطنية بالنسبة لدولة إسرائيل وسوف تخدمنا داخليا وخارجيا". كما أيد وزير شؤون الأقليات، أفيشاي برافرمان، من حزب العمل، تشكيل لجنة تدقيق في أحداث الحرب على غزة "من أجل تقليص الأضرار اللاحقة بإسرائيل في العالم وعلى الرغم من أن تقرير غولدستون كان مشوها وأحادي الجانب".
ويتناقض رأي هرتسوغ وبرافرمان مع رأي زعيم حزبهما باراك الذي على ما يبدو أنه سيكون السياسي الأكثر تضررا في حال تم تشكيل لجنة تحقيق أو تدقيق في الحرب على غزة كونه أشغل منصب وزير الدفاع خلالها. وكان وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلي دان مريدور قد قال في مقابلة أجرتها معه هآرتس الأسبوع الماضي إنه يؤيد تشكيل لجنة تحقيق، وذكرت تقارير صحفية أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان عبر عن تأييده لتشكيل لجنة كهذه.