شخصيات في "العمل" تتلمس طريق الهرب تحسبا من تهاوي الحزب

المكتبة

كشف كتاب جديد عن حرب لبنان الثانية صدر هذا الأسبوع في إسرائيل عن أن الحكومة الإسرائيلية رفضت اقتراحا قدمته الأمم المتحدة في بداية تلك الحرب لتسليم الجنديين الإسرائيليين، اللذين أسرهما حزب الله في الهجوم الذي نفذه في 12 تموز 2006، للحكومة اللبنانية مقابل وقف إطلاق النار. وكانت حجة هذا الرفض هي أن "إسرائيل توشك على الانتصار" وأن هدف الحرب "هو تدمير حزب الله".

 ونشرت صحيفة هآرتس يوم 8/1/2008 تفاصيل هذه القضية التي كشف عنها كتاب "خيوط العنكبوت- قصة حرب لبنان الثانية" من تأليف مراسلي هآرتس للشؤون العسكرية عاموس هارئيل وللشؤون الفلسطينية أفي سسخاروف ويصدر عن دار نشر يديعوت أحرونوت.

 

 

ونقل الكتاب عن إفادات مسؤولين رفيعي المستوى في إسرائيل والأمم المتحدة وكانوا ضالعين في الاتصالات قولهم إن الاتفاق الذي تم طرحه بين 16 و18 تموز 2006 كان يشمل تسليم الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى حزب الله إيهود غولدفاسر وإلداد ريغف ليكونا تحت مسؤولية حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة.

وقال المؤلفان إنه إسرائيل أهدرت عمليا، برفضها هذا الاقتراح، فرصة لاستيضاح حالة جندييها.

وقال الوسطاء من الأمم المتحدة إنه كان للقيادة الإسرائيلية قسط في إهدار هذه الفرصة التي أدت إلى تصعيد حدة الحرب مع حزب الله.

ومن الجهة الأخرى قال الدبلوماسيون من الأمم المتحدة الذين كانوا ضالعين في الاتصالات غير المباشرة بين إسرائيل وحزب الله إن الحزب لم يرفض في حينه الاقتراح بتسليم الجنديين الأسيرين لحكومة السنيورة.

ومن جانبهم أكد ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي أنه تم طرح هذا الاقتراح على جدول الأعمال في إسرائيل في الوقت الذي كان حزب الله سيوافق عليه لكن عندما حاول مبعوثو الأمم المتحدة دفع الاقتراح قدما أوضحت لهم الحكومة الإسرائيلية أن الجنديين الأسيرين ليسا على رأس سلم الأولويات بعد اليوم.

من جهة أخرى قال مقربون من رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، إنه لم يكن معقولا في حينه أن يوافق حزب الله على اقتراح الأمم المتحدة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة في حينه كوفي أنان قد قرر إرسال وفد من الوسطاء إلى الشرق الأوسط غداة اندلاع الحرب، أي في 13 تموز، برئاسة الدبلوماسي الهندي فيجي نيمبيار ويشارك في عضويته المبعوث المسؤول عن تطبيق القرار 1559 تيريا رود لارسن النرويجي ونائب الأمين العام والمبعوث الدائم للشرق الأوسط ألفيرو دي سوتو من البيرو.

 

ووصل الوفد الأممي يوم السبت 15 تموز إلى محطته الأولى وهي القاهرة واجتمعوا ومساعديهم في مقر جامعة الدول العربية مع وزراء الخارجية العرب وحاول الوفد الأممي بلورة اقتراح يتم عرضه على إسرائيل ولبنان بهدف وقف الحرب.

وبحسب الكتاب الإسرائيلي الجديد فإن وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية دخلوا وخرجوا من قاعة الاجتماع "ورافق دخولهم في كل مرة لقاعة الاجتماع إطلاقهم شتائم على حزب الله الأمر الذي أدى إلى إحراج الجالسين في القاعة".    

وخلال اجتماع القاهرة تم طرح فكرة تسليم الجنديين الإسرائيليين الأسيرين إلى حكومة لبنان، وقال أحد دبلوماسيي الأمم المتحدة إن "التفكير كان أنه بعد أن يصبح الاثنان تحت مسؤولية السنيورة ستتمكن إسرائيل من وقف القتال لأن الهدف الذي من أجله شنت الحرب بدأ يتحقق".

وأضاف "اعتقدنا أن المرحلة المقبلة بعد تسليم الجنديين للسنيورة ستكون استمرار المفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في إسرائيل، لكننا عرفنا أنه سيكون من الصعب حصر الاقتراح فقط حول موضوع الأسرى وكان يتوجب استخدام الأزمة من أجل إنشاء واقع يمنع اشتعالا آخر للوضع".

وتابع الدبلوماسي الأممي أن "الوسيلة لذلك كانت بالنسبة لنا هي العمل على إنهاء سيطرة حزب الله على منطقة جنوب نهر الليطاني ونشر الجيش اللبناني في الجنوب وفي المقابل أدركنا أننا سنضطر لطرح شيء ما يثير اهتمام حزب الله مثل تنازل إسرائيل عن مزارع شبعا".

وفي نهاية المباحثات بلور وفد الأمم المتحدة وثيقة غير ملزمة تم فيها استعراض الحل للأزمة وفقا للمبادئ التي ذكرها الدبلوماسي.

وفي صباح يوم الأحد غادر الوفد القاهرة وتوجه إلى قبرص ومن هناك توجه بمروحية إلى بيروت.

وفي بيروت أوضح السنيورة للوفد الأممي أن الوثيقة الذي أعدتها الأمم المتحدة ستكون مقبولة عليه فقط في حال شملت بندا ملزما أكثر لإسرائيل فيما يتعلق بمزارع شبعا، مثل استعداد إسرائيل لتسليم المزارع لمسؤولية الأمم المتحدة.   

وقال أحد الدبلوماسيين الأمميين إن "اللبنانيين (أي الحكومة) وافقوا على مبدأ تسليمهم الجنديين لكنهم أكدوا على أن القرار يستدعي موافقة أمين عام حزب الله حسن نصر الله". 

والتقى الوفد الأممي بعد ذلك مع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي عمل وسيطا من قبل حزب الله، وفوجئ أعضاء الوفد عندما لم يرفض بري الاقتراح بتسليم الجنديين الإسرائيليين للسنيورة لكنه قال إن عليه فحص الأمر مع حزب الله.

وفي تلك الساعات تلقى الوفد الأممي مؤشرات إيجابية أخرى حول احتمال التوصل إلى اتفاق إذ أرسل مبعوث الأمم المتحدة إلى لبنان غايير بيدرسون، الذي التقى مع مسؤولين في حزب الله، تقريرا قال فيه إن الحزب مستعد لإبرام الصفقة بما في ذلك تسليم الجنديين لحكومة لبنان.

وأكد بيدرسون أن حزب الله مهتم بوقف إطلاق النار فورا وأنه سيطلب لاحقا، ومقابل تسليم الجنديين الإسرائيليين، أن تطلق إسرائيل سراح ثلاثة أسرى لبنانيين، ولن تشمل صفقة تبادل الأسرى أي أسير فلسطيني.  
وقال أحد الدبلوماسيين الأمميين إنه في 17 تموز عاد الوفد إلى مكتب السنيورة ومكتب بري "وحصلنا على مصادقة رئيس حكومة لبنان لأن يوافق على اقتراحنا وتم الاتفاق على أن لا نطلب في إسرائيل صيغة ملزمة بخصوص مزارع شبعا لكن أن نطلب العمل على إيجاد حل".

من جهة أخرى كان اللقاء مع بري معقدا أكثر، بحسب دبلوماسي أممي، فقد كان رئيس البرلمان اللبناني قد تحدث مع قادة حزب الله وكان واضحا أنه يسعى لأن يكون حذرا "وامتنع عن الإجابة على الاقتراح بتسليم الجنديين. وقال بري إنه ليس مستعدا لأن يلتزم طالما لم نسمع بعد موقف إسرائيل واتفقنا على أنه بعد زيارة إسرائيل مباشرة سنعود إلى بيروت لمواصلة المحادثات في حال حصلنا على موافقة إسرائيلية على مبادئ الصفقة". 

وأضاف الدبلوماسي "لقد نجحنا بالتوصل إلى وثيقة مقبولة على السنيورة ولم تكن مرفوضة من جانب حزب الله وكان هناك احتمال غير سيء لأن توافق عليه إسرائيل".

وفي 18 تموز التقى الوفد الأممي مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني وعرض أمامها الاتفاق.

وقال أحد الدبلوماسيين إنه "عندما سمعت ليفني كلمة شبعا كادت أن تقفز من مكانها وادعت أنه 'إذا سجلت كتب التاريخ أن حزب الله هاجم إسرائيل وخطف جنديين وفي المقابل حصل على مزارع شبعا فإن كل قوة الردع الإسرائيلية ستتلاشى'. ورفضت ليفني حتى مجرّد البحث في الموضوع لأن المفاوضات بحسب ادعائها ستتركز في قضية مزارع شبعا". 

من جانبه رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت التقاء الوفد الأممي فيما كان يفترض أن يجتمع الوفد فقط مع رئيس طاقم مستشاري أولمرت، يورام توربوفيتش ومستشاره السياسي شالوم ترجمان.

لكن بعد أن وصل الدبلوماسيون إلى الاجتماع دخل أولمرت فجأة إلى غرفة الاجتماعات وقال أحد الذين حضروا الاجتماع إن "أولمرت قال إنه لم يحبّذ الفكرة، وأضاف: لسنا في خصام مع السنيورة ولا شكّ في أن الجنديين المخطوفين سيحظيان بمعاملة جيدة عنده، لكننا لا نريد أن يتحول السنيورة إلى هدف عندما يتسلم الجنديين".

وأضاف الدبلوماسي أن "كل من تحدث معنا في القدس أوضح لنا أنه لا توجد إمكانية لأن توقف إسرائيل الحملة العسكرية وشدد موظفون كبار على أن إطلاق سراح الجنديين المخطوفين لم يعد الهدف المركزي للحملة العسكرية وإنما تدمير حزب الله".

 

من جانبهم قال مقربون من أولمرت إن "رجال الأمم المتحدة قالوا خلال الاجتماع في المكتب مع توربوفيتش إنهم سيسلمون الجنديين لحكومة لبنان وعندها سيتم الاتفاق على وقف إطلاق النار وتم سؤالهم حول ما إذا كان بإمكانهم أن يتعهدوا بأن يسلم حزب الله الجنديين، وأجابوا: هذا الجزء الذي ما زال ناقصا لدينا في المعادلة".

وأضاف المقربون من أولمرت أنه "طلبنا منهم الذهاب لفحص هذه النقطة وفي حينه نصر الله لم يصل إلى وضع يخشى فيه كثيرا على سلامة منظمته ولذلك اعتقدنا أنه لن يوافق على حل".

من جهة أخرى قال الدبلوماسيون الأمميون الذين شاركوا في اللقاءات مع الجانبين إنه لم تكن هناك موافقة على إجراء فحص آخر للأمم المتحدة لدى حزب الله والدليل على هذا التوجه الإسرائيلي السلبي هو عند انتهاء التفويض الممنوح للوفد الأممي.

وقال أحد الدبلوماسيين "كان يفترض أن نعود إلى بيروت فورا بعد زيارة القدس لكنا بعد أن فهمنا أن مكتب أولمرت يرفض أية مفاوضات على حل سياسي فوري يشمل وقف إطلاق النار ألغينا السفر" إلى لبنان.  

 

وأشار الكتاب الجديد إلى أن مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي يؤكدون رواية مبعوثي الأمم المتحدة، ونقل عن أحد المسؤولين العسكريين الإسرائيليين قوله إنه "بين 16 و18 تموز قلنا في كل اجتماع لتقييم الوضع إن حزب الله مستعد لوقف إطلاق النار، فقد فوجئ نصر الله من رد الفعل الإسرائيلي وكان في حالة هلع إستراتيجي وفي ذروة الضغط وافق نصر الله على تسليم الجنديين المخطوفين للسنيورة لكن لم يتم إيجاد الآلية لترتيب ذلك".

وقال مسؤول سابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- أمان إنه "بعد حوالي الأسبوع كان حزب الله مستعدا لوقف إطلاق النار وتسليم المخطوفين للسنيورة فقد كانت حالة المنظمة (حزب الله) يرثى لها".

وذكر أحد دبلوماسيي الأمم المتحدة "رأينا أن حزب الله مهتم بوقف إطلاق النار لكن التوجه الذي صادفناه في القدس كان: انسوا الأمر فنحن على وشك أن ننتصر.

"وفي نهاية المطاف، فإن ما تم اقتراحه في تلك المرحلة هو ما أقره القرار 1701 (الذي أنهى الحرب) غير أنه في حينه كان بإمكان إسرائيل الحصول أيضا على تسليم الجنديين للسنيورة، وكانت هذه فرصة لإنهاء الحرب بشروط أفضل بالنسبة لإسرائيل".