كل بضع سنين يظهر بين الإسرائيليين من يحاول أن يكون صادقا مع نفسه فيعلن أن الملك عار وأن الحقيقة هي خلاف ما تبدو للكثيرين. وقبل سنوات كتب يعقوب شاريت، ابن وزير الخارجية الأول لإسرائيل موشيه شاريت، كتابا بعنوان "دولة إسرائيل من عائلة أرض قديمة جديدة توفاها الله". وكان الكتاب أشبه بنعي الدولة الصهيونية المعاصرة وإعلان تخليها عن المبادئ والمثل التي قامت عليها.
واليوم تجد وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها أمام الشيء نفسه تقريبا من خلال كتاب أبراهام بورغ الجديد بعنوان "الانتصار على هتلر". ويكاد بورغ، الذي ترأس الوكالة اليهودية والكنيست في إسرائيل وفاز، ولو للحظة، بزعامة حزب العمل، أن يقارن بين الصهيونية والنازية. بل إنه في مقابلته مع صحيفة "هآرتس" قبل أيام يعترف بأنه فكر في أن يحمل كتابه عنوان "انتصار هتلر" قبل أن يدرك أنه لا يزال هناك بعض الأمل.
ومع ذلك يشدد بورغ على أن بين أوجه الشبه بين إسرائيل والهتلرية ذلك الإحساس "بمركزية الإيمان بالقوة في بلورة الهوية، ومكانة ضباط الاحتياط في المجتمع وكمية المواطنين الإسرائيليين المسلحين في الشارع". ويشدد على "أننا مجتمع يعيش في إحساسه على سيفه. سيفي هو الشيء الوحيد. وليس عجبا أنني أُشبه هذا بألمانيا لأن إحساسنا الواجب بأن نعيش على سيفنا ينبع من ألمانيا. إن ما سلبونا إياه في مدة 12 سنة من النازية يقتضي سيفا كبيرا جدا. أنظر إلى الجدار. جدار الفصل جدار مضاد للخوف. ولقد ولد عندي. في مدرستي. عند حاييم رامون. وما الفكرة هنا؟ أن أُقيم سورا كبيرا وستحل المشكلة لأنني لن أراهم. ... وفي هذا شيء مجنون جدا. وهذا خاصة في الوقت الذي تقدمت فيه أوروبا نفسها والعالم معها تقدما مذهلا في استيعاب دروس الكارثة، وأحدثت تقدما كبيرا في أخلاقية الشعوب. لكننا لسنا هناك. فنحن في مخاوفنا. هذه كارثة".
ويرى أنه يصعب التمييز أحيانا بين النازية وبين "عدد من النظريات الثقافية والقومية الموجودة هنا الآن". ويعلن بورغ إيمانه بوجود الفاشية حاليا في إسرائيل حيث يشير في مقابلته مع "هآرتس" إلى "أنا أسمع أصوات تصدر عن سديروت. سنهدم لهم حيا ونهدم لهم مدينة. سنُبيد ونقتل ونطرد. ويوجد خطاب ترحيل في الحكومة. يوجد داخل الحكومة خطاب ترحيل. تجاوزنا الكثير من الخطوط الحمراء في السنين الأخيرة. وهكذا تسأل نفسك ما هي الخطوط الحمراء الآتية التي سنتجاوزها أيضا".
وفي كتابه يستشعر بورغ الخطر المقبل فيقول: "أنا أؤمن، وأحس حقا بالأشياء، بأن هناك احتمالا لا يُستهان به بأن تحظر الكنيست في المستقبل العلاقات الجنسية بالعرب، وأن تمنع بوسائل إدارية عن العرب تشغيل مساعدات بيوت وعمال يهود.. مثل قوانين نيرنبرغ.. سيحدث كل هذا، وأصبح يحدث". ويؤكد أن ظاهرة "الكهانية موجودة في الكنيست. لقد رفضوها كحزب لكنها تستحوذ على عشرة أو خمسة عشر بل على عشرين في المائة من الخطاب اليهودي في الكنيست. ليست هذه أشياء بسيطة".
ويعتبر بورغ أن واحدة من مهامه لتصحيح العقل الإسرائيلي القيام بذبح عدد من البقرات المقدسة. ورغم أن الأبرز بين هذه البقرات هي المحرقة النازية إلا أنه يعلن موقفا في غاية الوضوح ضد الاحتلال. ويشدد على أن تهرب إسرائيل من استخدام صفة الاغتيال والقتل في التصفيات التي تنفذها ضد نشطاء الانتفاضة لا يعفيها من مسؤولية القتل. ويقول إن كمية الأبرياء ممن تقتلهم إسرائيل "كبيرة جدا بحيث لم يعد في الإمكان الاستيعاب أكثر. وآنذاك سيكون انفجارنا وانفجارهم وانفجار العالم لا نهائيا. أرى هذا يحدث إزاء أعيننا. أرى كومة الجثث الفلسطينية تتجاوز السور الذي أقمناه لكي لا نراها".
ويعتبر بورغ أن يوم تجريد إسرائيل من السلاح النووي سيكون "أهم يوم في حياة دولة إسرائيل. سيكون هذا هو اليوم الذي سنحرز فيه صفقة حسنة جدا مع الجانب الثاني بحيث لا نحتاج إلى قنبلة. يجب أن يكون هذا طموحنا".
كما أن بورغ حمل بشدة على قانون العودة الذي يمنح اليهودي حتى الجيل الثالث حق الهجرة لإسرائيل ونيل جنسيتها على الفور مثلما جادل ضد تعريف الدولة بأنها يهودية. ورفض بورغ عسكرة المجتمع الإسرائيلي وتنبأ بسيادة الفاشية ولذلك نصح الإسرائيليين القادرين باستخراج جوازات سفر أجنبية.
ومما لا ريب فيه أن كلاما أقل ومواقف أضعف من ذلك بكثير تجتذب على الفور ردود فعل قاسية في إسرائيل. واعتبر زعيم المفدال السابق، آفي إيتام، أن بورغ "اجتاز الخطوط من الناحية الأيديولوجية وقد بات يقف إلى جانب عزمي بشارة وأشد أعدائنا ممن يقولون إن الصهيونية أمر عابر". ورأى إيتام أن هناك سجالا بين اليمين واليسار "ولكن بورغ ذهب بعيدا وأخرج نفسه عن الإجماع الصهيوني الذي يوحدنا جميعا".
وتقريبا لم يختلف موقف اليمينيين في الليكود وكديما عن موقف إيتام حيث أن البعض منهم دعوه إلى البحث عن وطن آخر فيما طالبه آخرون بالسعي لنيل منصب رئيس الحكومة الفلسطينية.