ندوة في "مدار": إسرائيل حوّلت "روح أوسلو إلى أداة لمواصلة الاحتلال وشرعنته

الموقع: مدار
الفعالية: ندوات
الفيديو:

رام الله: قال مشاركون في ندوة نظمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" في رام الله، أمس، إن إسرائيل حوّلت "روح أوسلو"، التي جرى تسويقها من جانبها على أنّها سلميّة وتصالحيّة، إلى وسيلة جديدة أكثر إحكاماً لمواصلة الاحتلال في أراضي العام 1967 وشرعنته.

وأضاف المشاركون إن اتفاق أوسلو تحول من مشروع اليسار الصهيوني إلى مشروع اليمين الإسرائيلي، عبر تحويله إلى واقع دائم، على الرغم من عدم الاعتراف به حتى الآن أيديولوجيا، إلا أنه بات مركباً أساسياً في تصورات اليمين عموماً وحتى أجزاء من اليمين الاستيطاني منه، أي الصهيونية الدينية.

nadwa23.10.2018

وتحدث في الندوة التي عقدت تحت عنوان "ربع قرن على أوسلو: مقاربات إسرائيلية لمستقبل التسوية"، مدير عام "مدى الكرمل" مهند مصطفى، والباحث والناقد أنطوان شلحت، في حين أدارت الندوة المديرة العامة لـ "مدار"هنيدة غانم.

وقال مصطفى: شكل اتفاق أوسلو ضربة أيديولوجية لمشروع اليمين العلماني منه والديني، فاليمين العلماني الذي رفع شعار "أرض إسرائيل"، وطمح إلى إقامة دولة واحدة تحت السيادة اليهودية من النهر إلى البحر، ضربه أوسلو أيديولوجيا عندما أسس لفكرة الدولتين، وتقسيم البلاد والانسحاب من قلب ما تسمى أرض إسرائيل.

أما اليمين الديني المتمثل في الصهيونية الدينية، فقد شكل اتفاق أوسلو بالنسبة له ضربة في تصوراته المسيانية - الدينية التي اعتبرت أن السيطرة والسيادة اليهودية الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة تعتبر تأكيداً لتصوراته نحو الخلاص.

مهند ربع قرن على اوسلو

وأضاف: مع صعود اليمين الحكم العام 1996، استطاع عمليا أن يوقف اتفاق أوسلو دون أن يبطله. منذ اتفاق الخليل الذي وقعه نتنياهو على مضض في فترة ولايته الأولى، توقف أوسلو في النقطة التي وصل لها.

وأوضح مصطفى: المفارقة أن اليمين بث روحا جديدة إلى اتفاق أوسلو، ونقَله من كونه من المنظور الفلسطيني، اتفاقا وواقعا مرحليا يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، إلى واقع دائم يساهم في تجديد منظومات اليمين العلماني منه والديني على حد سواء. وبذلك تحول اتفاق أوسلو إلى مشروع اليمين الإسرائيلي دون أن يعترف به.

وأضاف: ساهم اتفاق أوسلو في فرض حقيقتين على الأرض، كان مخططاً لهما أن تكونا حالتين طارئتين أو واقعا مؤقتا، وهما إقامة السلطة الفلسطينية، وتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق أ و- ب و- ج، والمنطقة الأخيرة تشكل 60% من الضفة الغربية وهي تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية.

وقد تحولت هذه الحقائق إلى مفتاح لليمين في إسرائيل في تطوير خطابه وفي نفس الوقت إبقاء السيطرة الاستعمارية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وذلك على النحو التالي: الادعاء أن السلطة الفلسطينية تشكل التجسيد العملي والفعلي للحقوق السياسية الفلسطينية، ليس هنالك احتلال إسرائيلي، هنالك حالة من الضم الزاحف قانونيا واستيطانيا ورمزيا لمناطق ج وهي تتم بشكل صامت منهجي، وأخيراً الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي هو نتاج لاتفاق أوسلو بشكل ما، وهو بات جزءا من الاستراتيجية الإسرائيلية في السيطرة والتعامل مع المسألة الفلسطينية.

وأشار شلحت في سياق مداخلته إلى أن الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينيّة (في 15 أيّار 2018) سبقت ذكرى مرور ربع قرن على اتّفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة (التي جرى توقيعها في الـ 13 من أيلول 1993).

jumhor23.10.2018

وأضاف: على أعتاب هاتين الذكْرَيَيْن، تواترت في إسرائيل ووسائل إعلامها دراسات وتحليلات عدّة تؤكّد أنّ تلك الاتّفاقات مُنِيتْ بالفشل الذريع، ولم تعد حالياً ذات صلة بالواقع السياسيّ والميدانيّ المتشكّل، هنا والآن، وأنّ المصطلح "حلّ الدولتين" اختفى من القاموس الإسرائيليّ الرسميّ.

وقدّم شلحت عرضاً وتحليلاً لأبرز الوقائع والإحداثيّات المرتبطة بتلك الاتّفاقات ومنطلقاتها وصيرورتها، من خلال الاستناد إلى وسائط المقاربة الإسرائيليّة بهذا الصدد، سواء أكانت متعلّقة بصوغ الأهداف الكامنة وراءها، أم باستخلاص مآلاتها، التي تحيل إلى ماهيّة المفترق الراهن لقضيّة فلسطين، وتحديداً في سياق العلاقة بدولة الاحتلال والصراع معها.

وقال إن أبرز ما يلفت النظر هو الطرح القائل إن إسرائيل حوّلت "روح أوسلو"، التي جرى تسويقها من جانبها على أنّها سلميّة وتصالحيّة، إلى وسيلة جديدة أكثر إحكاماً لمواصلة الاحتلال في أراضي العام 1967 بُغية ترسيخه، وهي وسيلة ترمي، في العمق، إلى تعزيز السيطرة الكولونياليّة الإسرائيليّة على فلسطين، سعياً لشَرْعنة هذه السيطرة، وإلى ترسيخ خطاب يَعتبر حلّ قضيّة فلسطين محصوراً فقط في إزالة آثار احتلال أراضي العام 1967 ولا يمتّ بأيّ صلة إلى ما سبق هذا الاحتلال وكان مرتبطاً بالحالة الإسرائيليّة عموماً وبالصهيونيّة باعتبارها حركة كولونياليّة عنصريّة.

وقام شلحت بتحليل الغاية الإسرائيليّة الجوهريّة من وراء مسار أوسلو، والجذور اليمينيّة لهذا المسار، وما اصطُلِح على تسميته "إرث إسحاق رابين" المتعلّق بالمسار المذكور، وكيفيّة ترجمة هذا "الإرث" من طرف الزعماء الإسرائيليّين الذين خلفوا رابين في رئاسة الحكومة الإسرائيليّة بعد تلك الاتفاقات، وفي مقدّمهم شريكه في المسار شمعون بيريس، بالإضافة إلى كلّ من بنيامين نتنياهو، وإيهود باراك، وأرئيل شارون، وإيهود أولمرت.

antwn23.10.2018

وشدّد شلحت على أنه كما الآن، فإنّه في مجرى تقويم "مسار أوسلو"، بعد مرور عَقدين عليه قبل خمسة أعوام، رأى بعض الدارسين الإسرائيليّين أنّ إحدى نقاط الضعف الرئيسة في العمليّة التي أطلقها تمثّلت في البيئة المساعدة على توسيع المستوطنات، التي خلقها الاتّفاق المرحليّ، وبالأساس من خلال تقسيم الأراضي المحتلّة منذ العام 1967 إلى مناطق (أ)، وَ (ب)، وَ (ج). فالمنطقة (ج) التي تمثّل أكثر من ستّين بالمئة من مساحة الضفّة الغربيّة، تقع تحت سيطرة إسرائيل، المدنيّة والأمنيّة، الكاملة. وهذا التحديد خلق وهماً استغلّه أيضاً أنصار المشروع الاستيطانيّ.

وأشار شلحت إلى تزامن انعقاد الندوة مع إحياء إسرائيل الذكرى الـ23 لاغتيال رابين في العام 1995، وأسهب في تبيان كيف أن هذا الاغتيال شكل نهاية ما سمي "الصراع الداخليّ" بشأن "عمليّة السلام".

فقد أعلن بيريس، الذي عُيّن رئيساً مؤقّتاً للحكومة الإسرائيليّة في ليلة الاغتيال نفسها، أنّه لن يقيم أو يؤسّس العلاقات مع المستوطنين ومؤيّديهم على إبراز التناقض بين الطرفين، وإنّما بالذات على تأكيد "ما هو مُشترَك".