حسم جغرافيا القدس ومستقبلها في التخطيط الإسرائيلي

الموقع: رام الله - جامعة بيرزيت
الفعالية: ندوات

نظم المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" يوم الثلاثاء الموافق 23-11-2010 ندوة مفتوحة بعنوان
"حسم جغرافيا القدس ومستقبلها في التخطيط الإسرائيلي" وذلك بالتعاون مع دائرة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت.

وقد استهلت الندوة، التي عقدت في قاعة كلية الآداب في الجامعة، بحضور جمع غفير من الطلبة والأساتذة والمهتمين، بكلمة ترحيب من د. عماد غياضه، رئيس دائرة العلوم السياسية، الذي تولى أيضاً إدارة الندوة، والتي كان المحاضران الرئيسيان فيها كل من د. يوسف جبارين، الأستاذ المحاضر في الهندسة المعمارية والتخطيط المدني في "معهد العلوم التطبيقية-التخنيون" بحيفا، ود. سميح حمودة، الأستاذ المحاضر في دائرة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، والذي قدم في محاضرته عرضاً للخلفيات الأيديولوجية والدينية "والتاريخية" والسياسية القابعة خلف المكانة التي تحتلها مدينة القدس في المشروع الصهيوني الكولونيالي ومجمل برامج التخطيط الإسرائيلي المستهدفة للأراضي الفلسطينية بشكل عام ومدينة القدس بشكل خاص، وأشار د. حمودة في هذا السياق إلى أن الفكر الصهيوني استند في هذا الموضوع إلى ركيزتين رئيسيتين الأولى ما يسمى بـ "الوعد الإلهي" بإعطاء أرض فلسطين لبني يعقوب، والثانية "الحق التاريخي" المستند إلى الإدعاء أن اليهود عاشوا في هذا البلد وأنشأوا فيه ثقافة .. الخ، وأضاف مبيناً كيف أخذت الحركة الصهيونية تختلق رموزاً لـ "الأمة اليهودية المتخيلة" و "الدولة المتخيلة" بما يدعم الركيزتين المذكورتين، مشيراً إلى أن القدس لم تكن ضمن هذا الإطار مجرد فكرة دينية وحسب، بل تحمل بالأساس مضموناً سياسياً، لتشكل مرتكزاً لجغرافيا جديدة وفرنا لصهر مجموعات وأفراد "المجتمع الجديد" .. وتابع إن "القدس كانت ومازالت بالنسبة للصهيونية والسياسة الإسرائيلية على اختلاف تياراتها المتنفذة قضية محسومة لا يمكن التفاوض عليها". وفند د. حمودة سائر هذه الإدعاءات والمزاعم اعتماداً على جملة من الحقائق والمعطيات والوقائع، التي تثبت كافتها إن "موضوع القدس" كما تطرحه الصهيونية وإسرائيل لا يستند إلى أي بعد تاريخي أو ديني، مشيراً على أنه رغم كل ما قاموا ويقومون به من حفريات وأعمال تنقيب منذ العام 1967 وحتى الآن، لم تكتشف أية أدلة أثرية أو مدونة تثبت إدعاءاتهم وأن كل ما يقدمونه ما هو إلاّ محض افتراضات واختلاق تاريخ وهمي لا أساس له في الواقع.

وقدم د. يوسف جبارين، المحاضر الرئيسي في الندوة، عرضاً مسهباً مدعماً بالصور والبيانات والخرائط المحوسبة، لمجمل المخططات والمشاريع التي وضعتها إسرائيل وباشرت بتنفيذها في مدينة القدس منذ ما قبل حرب العام 1948 وحتى يومنا هذا، مشيراً إلى أن هذه الخطط، التي تمتد حتى العام 2030، "جاهزة في جواريرهم" وأنه أنجز تنفيذ العديد منها على الأرض فيما قطع البعض الآخر شوطاً متقدماً في التنفيذ، مشدداً على أن "إسرائيل ماضية قدماً وبشكل حثيث على سحب الأرض من تحت أرجل العرب وخاصة في مدينة القدس" وأن هذه العملية الهادفة من ضمن جملة أهداف، إلى تضييق وخنق رقعة الوجود الفلسطيني في المدينة ا لمقدسة "تجري في كل يوم وعلى مدار الساعة دون توقف". وبين د. جبارين كيف عملت زعامة الحركة الصهيونية منذ حرب العام 1948 على وضع الخطط الرامية إلى جعل القدس "عاصمة أبدية لإسرائيل" مشيراً إلى أن دافيد بن غوريون (رئيس أول حكومة في إسرائيل) أقام لهذا الغرض طاقماً مؤلفاً من 128 خبيراً في مختلف المجالات، الجغرافية والديمغرافية والمعمارية والتخطيطية والإقتصادية وغيرها، عهد له بوضع الخطط والمشاريع الكفيلة بانجاز هذا الهدف، وقد استغرق عمل هذا الطاقم 3 سنوات، من 1949-1951، وتم في نطاق تنفيذها الفوري تهجير وهدم 23 قرية وبلدة فلسطينية في القدس (الغربية) تشكل، كما قال جبارين، "الإرث الفلسطيني العمراني الحقيقي في القدس". وتابع موضحاً أنه تم بعد احتلال العام 1967 مباشرة إعداد مخططات إسرائيلية شاملة لما تبقى للفلسطينيين والعرب في القدس الشرقية من أراضٍ، وأنه تم في العام 1981 إنجاز معظم مراحل هذا المخطط، الذي جرى في نطاقه الاستيلاء على أغلب الأراضي والمناطق المفتوحة في القدس الشرقية وتحويلها لأغراض بناء أحياء استيطانية يهودية أو الإعلان عنها كـ "مناطق خضراء"، حول معظمها فيما بعد لصالح بناء أحياء إستيطانية جديدة إضافية، فضلاً عن تهجير وهدم العديد من الأحياء الفلسطينية، كحي "الشرفاء" في البلدة القديمة. واستطرد د. جبارين مسلطاً الضوء على بقية حلقات هذا المخطط الإسرائيلي الرئيسي للقدس الشرقية، الذي يمتد حتى العام 2030، والتي جرى في نطاقها ايضاً إقامة عشرات المستوطنات في نطاق ما يعرف بمخطط "مستوطنات حلقات الطوق حول القدس الشرقية" والتي عملت إسرائيل على ربطها –عبر شبكة طرق وأنفاق خاصة –مباشرة بالقدس الغربية، مشيراً إلى أن تنفيذ هذه المخططات حول الأحياء الفلسطينية في القدس إلى "جيوب مبعثرة وغير متصلة تقريباً" وبين أن السلطات الإسرائيلية تعمدت في هذا الإطار عدم وضع أية خطط هيكلية، منذ 1967 وحتى الآن، للقدس الشرقية، وذلك لمنع تطور وتوسع رقعة الوجود الفلسطيني في المدينة بأي شكل كان.

وأوضح د. جبارين أن المخطط الإسرائيلي للقدس الشرقية يعمل وينفذ في ثلاثة محاور، الأول: بلدة القدس القديمة ومحيطها، والذي يشمل خطة إعادة بناء أو إحياء ما يسمى بـ "مدينة داود" والذي ينص أيضاً على التهويد الكامل لمعظم أحياء بلدة سلوان خاصة "وادي حلوة" "وادي ياصول" "وادي قدرون" والمنطقة التي توجد فيها منابع وعيون الماء (عين سلوان الفوقا والتحتا وعين اللوزه وبئر أيوب) والتي تضم أيضاً حي البستان، وبحسب الخطط الموضوعة سيتم إزالة وهدم 400 بيت فلسطيني قائمة في هذه المناطق والأحياء.

المحور الثاني يتناول محيط المسجد الأقصى في البلدة القديمة، والذي وضعت بموجبه خطط –نفد قسم منها ويجري العمل الآن بشكل متسارع على تنفيذ ما تبقى- تهدف إلى إعادة بناء "الهيكل المقدس" المزعوم، وتشمل هذه الخطط توسيع ساحة البراق وإقامة شبكة كنس وأنفاق ومزارات يهودية، ومخطط لإقامة ممر من الغرب (تل أبيب-القدس) يمتد حتى مدخل البلدة القديمة في باب الخليل وصولاً إلى "مدينة داود" و "حديقة داود" التي يتم التحضير الآن لإنشائها في سلوان.

المحور الثالث، يتناول مخطط ما يسمى بـ "المدينة العثمانية" إلى الشمال من القدس القديمة، والذي ينص على تهويد كامل منطقة الشيخ جراح عبر السيطرة على الأراضي والعقارات الفلسطينية القائمة فيها وبناء بؤر استيطانية جديدة عليها.

وأشار د. جبارين إلى أن مجمل هذه المخططات جاهزة ويجري تنفيذها دون حاجة لقرارات حكومية إسرائيلية جديدة، وأوضح أن الخطط الدمغرافية والإقتصادية الإسرائيلية الموضوعة للقدس الشرقية، والتي تدعم تحقيق "مشروع الحلم الصهيوني للقدس" تهدف من ضمن ما تهدف، إلى جعل نسبة اليهود في القدس الشرقية 48% مقابل 52% عرب، حتى العام 2020، وصولاً إلى تحويل اليهود فيها إلى أغلبية بحلول العام 2030، مشيراً إلى أن إسرائيل تستخدم في السنوات الأخيرة اليهود المتدينين (الحريديم) كمخزون لتوسيع رقعة الإستيطان اليهودي في القدس الشرقية، منوهاً إلى أن الجانب الفلسطيني والعربي لا يضع ولا يعمل بالقطع، على وضع وتنفيذ أية مشاريع تخطيط بديلة أو مضادة للتخطيط الإسرائيلي لحاضر ومستقبل القدس المحتلة، وتساءل في ختام محاضرته: كيف يمكن إذن جعل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة؟!

وجرى في ختام الندوة إفساح المجال لطرح الأسئلة والاستفسارات من جانب الحضور، وقام المحاضر بالإجابة عليها.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, تهويد