مؤتمر "تقرير مدار الإستراتيجي 2010 المشهد الإسرائيلي 2009"

الموقع: Ramallah Beauty Inn Hotel
الفعالية: مؤتمر تقرير مدار الاستراتيجي

يرصد تقرير مدار الاستراتيجي الحالي، أهم المستجدات والتطورات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية في العام 2009، ويحاول استشراف تطور الأمور ووجهتها في الفترة المقبلة.

ويتناول التقرير بالتفصيل التطورات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية في ستة محاور أساسية هي: محور العلاقات الخارجية، المحور السياسي، المحور الأمني والعسكري، المحور الاقتصادي، المحور الاجتماعي ومحور الفلسطينيين في إسرائيل بالإضافة إلى ملخص التقرير التنفيذي. وكما جرت العادة في السنوات السابقة، أشرف على إعداد وكتابة التقرير مجموعة من الباحثين المختصين، الذين اتبعوا، في تحليلهم، قراءة موضوعية استشرافية لشتى الأحداث التي ميزت العام 2009، وقد حاول الباحثون تجنب الغوص في السرد التقريري للأحداث والتركيز على المتغيرات ذات الطابع الإستراتيجي.

إسرائيل 2009 - مشهد عام


بلغ تعداد سكان إسرائيل[1] في نهاية [2]2009 ما يقارب 7.509.3 مليون نسمة بمعدل نمو عام 1.8%،[3] وقد بلغ عدد اليهود من السكان 5,664.9 يشكلون بحسب المصادر الإسرائيلية الرسمية 42%[4] من يهود العالم و 75.4% من سكان إسرائيل ووصل عدد السكان العرب 1,525.0 هم 20.3% من مجمل السكان، فيما صنف 319.40 نسمة من بين المجموع الكلي كآخرين[5] (4.3%). يشار إلى أن هذه الأرقام تشمل السكان العرب في القدس المحتلة والذين يصل عددهم بحسب المصادر الإحصائية الإسرائيلية[6] إلى 268.6 ألف، فيما يصل عدد سكان هضبة الجولان السورية المحتلة إلى حوالي 22.8 وفي حال استثنائهم يكون عدد مواطني إسرائيل 7,199.9 منهم 1,233.6 نسمة من العرب ويشكلون 17.13% من مجموع السكان . وقد ولد من بين السكان اليهود 3,884.6 في إسرائيل فيما ولد 1,639.1 خارجها. وينحدر 1,540.50 من اليهود من أصول آسيوية- افريقية و 1,939.4من أصول أميركية وأوروبية[7]. وقد وصل عدد المهاجرين الجدد خلال 2009 إلى 14,567 شخصا مما يشكل زيادة 6% عن العام الذي سبقه[8] وقد جاء 47% منهم من دولتي روسيا وأوكرانيا. يشار إلى أن إسرائيل استقدمت منذ إقامتها حوالي ثلاثة ملايين مهاجر ثلثهم وصلوها بين 1990-[9]1999. و يصل معدل الحياة المتوقع بين السكان اليهود 82.7 عاما للإناث و 78.9 عاما عند الذكور، فيما تصل عند العرب 75.5 عند الذكور و 79.2 عاما عند الإناث[10] [11] وبلغت نسبة البطالة العامة في الربع الثالث من العام 7.8% . فيما وصل إجمال الناتج المحلي الإجمالي حتى الربع الثالث من العام 2009 حوالي 194,202 مليون شيكل وكان معدل الدخل الشهري الذي يتقاضاه العامل7423 شيكلاً .

بلغت ميزانية إسرائيل للعام 2009 نحو 320 مليار شيكل (84 مليار دولار) بينما ستصل ميزانية 2010 إلى أكثر من 325 مليار شيكل (86 مليار دولار) وتعد هذه الميزانية الأضخم في تاريخ إسرائيل. وشملت ميزانية 2009 أضخم ميزانية عسكرية في تاريخ إسرائيل مسجلة نحو 55 مليار شيكل ( حوالي 15 مليار دولار) وهي تشكل زيادة بقيمة 12.5 مليار شيكل عن السنة الماضية.

أحداث مفصلية وسيناريوهات متوقعة

بدأ العام 2009 بمجموعة من الأحداث المفصلية ذات الطابع الاستراتيجي ما زالت آثارها البعيدة المدى غير مكتملة الملامح، وصبغت الواقع السياسي والدبلوماسي في إسرائيل، نذكر منها الحرب على غزة وما نتج عنها من مكاسب عسكرية وداخلية من جهة وإسقاطات دولية وإقليمية من جهة أخرى، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو تدمج بين الفكر النيو ليبرالي والصهيونية المتجددة.

· إسقاطات الحرب على غزة

شكلت الحرب على غزة حدثا مفصليا على الصعيد الأمني العسكري وعلى الصعيدين الإقليمي والدبلوماسي، نتجت عنها مجموعة من الإسقاطات التكتيكية المباشرة، وذلك على المستوى الأمني والسياسي والعسكري، وأخرى بعيدة الأمد خاصة على المستوى السياسي والدولي .

أمنيا- تثبيت الهدوء على الجبهة الجنوبية: تكتيكيا، نجحت إسرائيل في نهاية الحرب على غزة في فرض حالة من الهدوء النسبي في جنوب إسرائيل بعد توقف شبه تام لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة، كما استرجعت جزءاً من ثقة مواطنيها بقدرة الجيش على إدارة الحرب، خاصة بعد حالة التضعضع التي لحقت بهيبته خلال الحرب على لبنان،غير أن نجاحها هذا هو نجاح تكتيكي محدود، إذ إنها لم تستطع تحقيق نصر استراتيجي من خلال تفكيك القدرات الفلسطينية على إطلاق الصواريخ ،مما يعني هشاشة الهدوء وخطر تفجره المستقبلي.

عسكريا- تبني عقيدة الضاحية بوصفها إستراتيجية عسكرية: يشكل فرض هدوء أمني معين حتى لو كان مؤقتا في القطاع، وما سبقه من التوصل إلى تفاهم غير مباشر لحفظ الهدوء على الجبهة الشمالية مع حزب الله من جهة أخرى، بالنسبة لإسرائيل نجاحا ليس فقط للحرب التي تم خوضها رسميا لفرض الهدوء، بل الأهم أنه يعتبر "نجاحا" لعقيدة الردع الجديدة التي تبنتها والتي يطلق عليها عمليا عقيدة الضاحية، في إشارة إلى تدمير الضاحية الجنوبية في بيروت خلال حرب صيف 2006. ويعني هذا عمليا أن مواجهة القوى غير النظامية، بعكس مواجهة القوى النظامية، ستؤسس أصلا على عدم تناسب القوة وعلى القدرة على استهداف المدنيين وتدمير البني التحتية بشكل مقصود ومدروس بوصفها وسيلة للضغط على المنظمات غير النظامية، وهو ما تعرضنا له بشكل مفصل في تقرير العام السابق، كما نتعرض له من زوايا جديدة في تقريرنا هذا في الفصل العسكري. لكن على الرغم من ما يبدو نجاحاً عسكرياً مهماً من المهم الإشارة إلى إسقاطات الحرب وتبنيها لإستراتيجية الضاحية على المدى المتوسط والبعيد، خاصة في ظل نشر تقرير غولدستون وما يمكن أن يعنيه دوليا.

سياسيا- تحويل حماس إلى طرف في المعادلة الأمنية: فيما لم يسقط منذ نهاية الحرب على غزة في شهر كانون الثاني من هذا العام سوى عدد محدود من الصواريخ، فان الحدث الأهم إسرائيليا هو "إجبار" الأذرع العسكرية التي تتبع حماس على أن تتحول من تهديد مستمر يطلق أفرادها الصواريخ على جنوب إسرائيل إلى الجهة التي تحرص على منع إطلاق الصواريخ وملاحقة من يطلقها. وبصرف النظر عن الحيثيات التي أجبرت حماس في غزة على الالتزام بفرض الهدوء من جهتها ورغبتها في عدم إعطاء إسرائيل فرصة للهجوم، إلا أن النتيجة الأهم أن إسرائيل ومن خلال إجبار حماس على أن تتحول إلى جزء من المعادلة الأمنية، اعترفت عمليا بأن حماس هي التي تتحمل مسؤولية غزة، حتى لو كان هذا الاعتراف من أجل تحميل وزر عواقب أي مسّ بهذا التفاهم الأمني غير المكتوب.

ومقابل هذه التغيرات التي كانت إلى حدّ بعيد متوقعة ومحسوبة إسرائيليا، نتجت عن الحرب إسقاطات دولية وقانونية قد تتحول، في حال تم استغلالها فلسطينياً بشكل جيد، إلى خسارة إستراتيجية.

تزايد حملة المناهضة الشعبية لإسرائيل، حيث شكل نشر تقرير غولدستون نقطة مفصلية ليس بسبب إمكانات ترجمته عمليا لملاحقة دولية قانونية للقيادات الإسرائيلية وهو أمر مشكوك فيه في الوقت الراهن، بل الأهم بإسهامه في دفع بعض السيرورات والتوجهات على المستوى الدولي باتجاه تقوية الضغط على الدولة الإسرائيلية وذلك في مستويين :

· المستوى الأول: فتح نافذة باتجاه تعزيز حملات الملاحقة القانونية التي يتم رفعها ضد القيادات العسكرية الإسرائيلية والسياسية. ورغم انه من غير المرجح أن تتمخض عن هذه الدعوات ملاحقة قانونية فعلية لقادة إسرائيليين، إلا أن تكثيفها خاصة في دول غربية تعد حليفة لإسرائيل مثل بريطانيا واسبانيا، من الممكن أن يدفع باتجاه تعزيز الرأي العام الشعبي ضد الاحتلال الإسرائيلي. من المهم الإشارة هنا إلى ما نشر من قبل مركز ريئوت من وجود مخاوف إسرائيلية جدية من أن عمليات نزع الشرعية عن إسرائيل لم يعد القصد منها فقط نزع شرعية الاحتلال، بل نزع شرعية الدولة الإسرائيلية وتوصيفها بالعنصرية وبدولة الأبارتهايد، وهو ما يتم ترجمته عمليا بتزايد حملات المقاطعة الشعبية تجاهها والمناداة بتبني طريقة المقاطعة الشعبية والدولية التي استخدمت ضد جنوب إفريقيا اتجاه إسرائيل، وهو ما زاد من حالة الغضب الشديدة التي سادت القيادة الإسرائيلية تجاه تقرير غولدستون، وما أثاره من مخاوف تتعدى المقاضاة القانونية .

· التوجه الثاني تزايد التخوف من عواقب استخدام القوة المفرطة في الحروب المقبلة: على الرغم من أننا لا نعتقد أن إسرائيل ليست في صدد التنازل عن نظرية الردع المبنية على عقيدة الضاحية إلا أن المخاوف من ملاحقة قانونية مستقبلية، ناهيك عن تزايد المخاوف من نزع الشرعية عن إسرائيل، قد تشكل كابحا معينا في وجه الاستخدام المفرط للقوة تجاه المدنيين.

نتنياهو وعودة النيوليبرالية والصهيونية المتجددة

تشكل عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم وبرئاسة الليكود بمثابة عودة إلى الفكر النيوليبرالي من جهة والفكر الصهيوني المتجدد والذي يتأسس على إعادة إحياء وتفسير الصهيونية الهرتسلية والبنغوريونية من جهة أخرى عاملا مهما في بلورة وجهة وصيرورة المشهد الإسرائيلي الداخلي والخارجي، كما وجهة المشهد الفلسطيني وحراكه. وفيما توقع عدد من الباحثين الإسرائيليين أن يحتد التنافس بين تيار النيوليبرالية من جهة والصهيونية المتجددة من جهة أخرى فإنهم لم يتوقعوا أن يتم الجمع بين الطرحين في ظل ظهور تيار ثالث نيوليبرالي وصهيوني متجدد يمثله نتنياهو العائد بقوة إلى الساحة السياسية، ويدعمه ظهور افيغدور ليبرمان ممثلا لتوليفة جديدة تجمع ما بين الفكر الاقتصادي الليبرالي وبين التشديد على طبيعة الدولة كدولة يهودية.

نتنياهو والصهيونية المتجددة: لخص المحلل الإسرائيلي ألوف بن ما تعنيه عودة نتنياهو من أن "نتنياهو منذ عودته إلى سدة الحكم يعمل على تسويق الليكود بوصفه الممثل المعاصر للفكر الصهيوني، إذ يرى نتنياهو بنفسه مكملا لطريق هرتسل، أو على الأقل مفسره، وهو يكثر من اقتباسه"[12] ويضيف بن أن نهج نتنياهو هذا يتم دمجه في صلب البرامج والمشاريع التعليمية التي يتبناها جدعون ساعر وزير التربية في حكومته، وفي تكثيف المحاضرات التثقيفية التي يقوم بها ضباط الجيش في المدارس وفعاليات تخليد ذكرى "مقاتلي" الايتسل والليحي الذين اعدموا بسبب تنفيذهم لأعمال إرهابية فترة الانتداب البريطاني[13]" هذا ويشير ألوف بن إلى أن صهيونية نتنياهو المتجددة مبنية على المركبات الأخلاقية التي اعتمدها وروجها بن غوريون "وهي: التوراة، الجيش، الأركيولوجيا، و(أسطورة) ترومبلدور[14] وتال حي" . وتترتب على هيمنة الصهيونية المتجددة إسقاطات مهمة من المتوقع أن تؤثر على المشهد الإسرائيلي من جهة، والفلسطيني من جهة أخرى أهمها:

تحويل المشروع السياسي اليميني إلى مشروع للحفاظ على يهودية الدولة: يقصد من العودة إلى قيم الصهيونية الأولى، التي يعتبر روادها هم الآباء المؤسسون للتيار العمالي، من قبل ابن التيار التصحيحي الليكودي المنافس نتنياهو، يقصد منه إعطاء الشرعية لمشاريعه السياسية بالذات في وجه المعارضة الآتية من اليسار، والتي تنحدر من الحركة الصهيونية العمالية . ويشدد نتنياهو بالذات على مدى ارتباط فكره الصهيوني المأخوذ عن هرتسل من جهة وبن غوريون من جهة أخرى بضرورة الحفاظ على يهودية الدولة، وما يعنيه هذا من تشديد السيطرة على الأماكن التي تعد جزءا من التراث اليهودي، وهو ما ترجم عمليا من خلال وضع أسوار القدس والحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح ضمن قائمة أماكن التراث اليهودي، ناهيك بالطبع عن فرض الطابع اليهودي على القدس الشرقية من خلال تسريع الاستيطان وتكثيف الوجود اليهودي فيها، مقابل تشديد التضييق على مواطنيها العرب والعمل باستمرار لتخفيض عددهم.

تترافق العودة إلى الصهيونية المتجددة مع الشرعية عن اليسار، وتزايد اتهام ذوي التوجهات اليسارية خاصة في منظمات المجتمع المدني بهجر مبادئ الصهيونية الصحيحة وبتشويه وجه الدولة، وبأنهم يقودون عمليا الحملة المناهضة لإسرائيل في العالم[15].

سياسيا، استبعاد أي تنازل سياسي حقيقي تجاه الفلسطينيين: تنطوي هيمنة الصهيونية المتجددة كما يمثلها نتنياهو على أهمية إستراتيجية بسبب نوعية التحالفات الداخلية التي يتيحها، وتلك التي يهمشها وتأثير هذا على الواقع الفلسطيني. إذ إن التحدث باسم القيم القومية الصهيونية وأهمية الحفاظ على قيم اليهودية والتاريخ اليهودي بالتزامن مع ضرورة تشجيع الهجرة إلى إسرائيل والعمل على وضع خطط لاستجلاب المهاجرين يهيئ أفضل الظروف لوضع ضدين متناحرين فكريا ضمن سلة واحدة يحملها نتنياهو ويمثلها المهاجرون العلمانيون القوميون الروس بقيادة أفيغدور ليبرمان من جهة، والتيار الديني اليميني الشرقي الذي يمثله إيلي يشاي رئيس حركة شاس. ولكن هذا التحالف يشترك بموقفه اليميني المتشدد وبرفضه للحلول السياسية المطروحة.

تشديد الخناق على الفلسطينيين في إسرائيل: تحمل عودة النيوليبرالية والصهيونية المتجددة إسقاطات إستراتيجية على مستقبل الفلسطينيين في إسرائيل، وتنطوي على تضييق متصاعد لحيز العمل السياسي الذين يعملون ضمنه، والعمل على قمع هويتهم القومية مقابل تعزيز طابع الدولة اليهودي، والتي سيتم ترجمتها من خلال سن القوانين المناسبة من جهة، وصك المشاريع التي تضمن التفوق الديمغرافي والسياسي اليهودي من جهة أخرى، ناهيك عن الاستمرار في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل. يشار إلى أن هذا التغير بدأ بالفعل العام 2009، حيث تم تقديم مجموعة من القوانين التي تهدف إلى محاصرة الهوية القومية للعرب، من ضمنها حظر إحياء يوم النكبة، وقوانين عبرنة أسماء المدن، إضافة إلى قانون اشتراط المواطنة بالولاء الذي قدمه ليبرمان بوصفه جزءا من برنامجه الانتخابي.

دبلوماسيا، تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة: استمرارا لما كنا توقعناه في العام المنصرم من أن صعود حكومة يمينية في إسرائيل في ظل صعود إدارة أوباما البراغماتية يهدد بتوتير العلاقة بين البلدين من دون المس بالتحالفات الإستراتيجية، فإننا نرى أن هذا التوتر ما زال مرشحا للتصعيد في ظل بقاء حكومة نتنياهو على نفس تركيبتها الائتلافية . وفيما تشكل الأزمة التي ثارت حول إعلان إسرائيل في 9 آذار 2010 بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس المحتلة في أثناء زيارة جو بايدن إلى إسرائيل نقطة الذروة في التوتر بين الحكومتين فإنها تكشف أمرين من المفترض أن يستمرا في التأثير على ديناميكية المجريات السياسية الداخلية والخارجية في ظل حكومة نتنياهو، وهما:

· تعاظم ارتباط السياسة الخارجية الإسرائيلية بحيثيات العلاقات الداخلية مما يعني أن إسرائيل ربما تقوم بممارسات قد تبدو خارجيا غير متوقعة وغير مفهومة بسبب سياسات داخلية ضيقة وحسابات حزبية ومناورات ائتلافية تكتيكية. وفيما كان هذا الارتباط جزءا دائما من مشهد السياسة الإسرائيلية، إلا انه تحول منذ 1977 وصعود الليكود إلى نمط سلوك يعبر عن تحول في البنية السياسية الحاكمة، بعد أن تحولت من حكر على حزب واحد إلى "محل تنافس" بين عدة تيارات تتسابق للفوز بها، مما يعني عمليا حدوث تغير في نمط المناورة السياسية ومحاولة استرضاء الأحزاب التي بالإمكان أن تشكل حليفا. تجدر الإشارة هنا إلى أن التحول في التركيبة السياسية يتزامن مع صعود قوة هوامش المجتمع الإسرائيلي التي لم تكن في السابق تحظى بوزن سياسي حقيقي ومؤثر، ودخولها إلى الساحة السياسية كقوى مركزية فاعلة من جهة ومرتبطة استراتيجيا بحاجات ناخبيها الفئوية من جهة أخرى. وتضم هذه القوى أساسا مهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، شرقيين متدينين ، وأبناء الطبقات الاجتماعية الشرقية المهمشة. ورغم أن التوقعات تشير إلى أن أحزاباً على شاكلة يسرائيل بيتينو بزعامة ليبرمان التي تمثل عمليا المهاجرين الروس مرشحة للتآكل بسبب توقع انصهار المهاجرين التدريجي، إلا انه يجب التنبه إلى أن ليبرمان يأخذ كما يبدو هذا الأمر بعين الاعتبار، ويسعى إلى نزع صفة الفئوية عن نفسه من خلال تشديده على مفاهيم الولاء والمواطنة والصهيونية المتجددة، أملا في أن يصبح ممثلا لليمين الإسرائيلي الجديد ككل.

· عمق الهوة الفاصلة بين البرنامج الائتلافي لحكومة نتنياهو وتشكيلتها الإيديولوجية الحزبية، وبين ما يصدره نتنياهو من مواقف دبلوماسية ناعمة، خاصة تلك الموجهة للأذن الأميركية، والتي تتحدث عن رغبته بسلام عادل وحقيقي، وموافقته على صيغة معينة لحل الدولتين كما عبر عن ذلك في خطاب بار إيلان. وان كان نتنياهو نجح للوهلة الأولى في المناورة بين الأمرين من خلال قرار تجميد الاستيطان المؤقت في الضفة باستثناء القدس، فان نوعية ائتلافه ومستلزماته حولت مناورته هذه في ظل زيارة جو بايدن إلى إسرائيل في الأسابيع الماضية إلى كرة مرتدة، ممكن أن تتحول إلى منفذ للإدارة الأميركية لإجبار إسرائيل على تجميد الاستيطان في القدس الشرقية، وبالتالي تسهيل العودة إلى المفاوضات، على أن حصول هذا الأمر سيكون بمثابة دق مسمار في نعش حكومة اليمين في صيغتها الحالية، الأمر الذي يمكن تلافيه فقط إذا نجح نتنياهو بضم حزب كاديما إلى حكومته، وهو أمر مطلوب أميركيا، ومتوقع جدا في حال نجح موفاز في استبدال تسيبي ليفني في رئاسة كاديما .

فيما عدا هذه التغيرات الكبرى، سواء على مستوى عالمي أم محلي، شهدت الساحة الإسرائيلية مجموعة من المستجدات المهمة التي نلخصها وبحسب ما اعتدنا في تقاريرنا السابقة ضمن ستة محاور أساسية:

محور العلاقات الخارجية

لعبت عدة عوامل ومتغيرات أدوارا مهمة في ضبط إيقاع السياسة الخارجية الإسرائيلية وبلورة وجهتها وتوجهاتها عام 2009، أهمها

· تشكيل حكومة يمينية يقودها نتنياهو- ليبرمان- يشاي، ويمشي على هداها إيهود باراك: تعتبر حكومة بنيامين نتنياهو أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية، وهي تدمج بين قطبين هما اليمين الصهيوني القومي العلماني الذي يقوده ليبرمان، واليمين المتدين غير الصهيوني الذي يقوده يشاي، الأمر الذي يعني هيمنة اليمين بإيديولوجيته المتصلبة على المشهد السياسي. وان كان شمعون بيريس الذي يحظى باحترام دولي يحاول التخفيف من "الأضرار" التي يسببها قطب يشاي ليبرمان، إلا انه يبدو غير قادر على معالجة الضرر الذي نتج في صورة إسرائيل، خاصة في ظل نشر تقرير غولدستون، وما تبعه من مطالبات دولية بالتحقيق في أثر الحرب على غزة.

· المخاوف من نزع الشرعية عن إسرائيل وتحويل الأمر إلى مصاف الخطر الاستراتيجي الوجودي. نشر في هذا السياق مركز ريئوت[16] للأبحاث في 30 كانون الثاني 2010 تقريرا مفصلا عن ما اسماه مساعي تقويض إسرائيل من خلال نزع الشرعية عنها، كما حدث مع نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، ودعا التقرير إلى ضرورة اتخاذ كل الخطوات من أجل التعامل مع هذا الأمر بوصفه خطراً وجودياً.

· استمرار الانشغال بالملف الإيراني والتعامل معه من منطلق كونه خطرا وجوديا: تصدر الملف الإيراني العمل الدبلوماسي الإسرائيلي، حيث استمرت إسرائيل في الضغط على حلفائها ومن خلالهم، خاصة الولايات المتحدة والدول الكبرى، من أجل تشديد العقوبات على إيران. في نفس الوقت أبدت تذمرها وقلقها من مسودة الاتفاق التي وقعها الغرب مع إيران في تشرين الأول 2009، وتدرك إسرائيل أن نافذة الفرص لإيقاف البرنامج النووي الإيراني تتضاءل مع مرور الوقت، ورغم أنها تبدو ملتزمة بالخطة الأميركية، فانه ما زال من غير المستبعد أن تلجأ إسرائيل إلى الخيار العسكري في حال وصلت إلى نتيجة عدم نجاعة العقوبات، وقرب نفاد شباك فرص إيقاف مشروع إيران النووي.

· استمرار حالة الانسداد السياسي/ التفاوضي على صعيد العملية السياسية مع الفلسطينيين، فيما يتوقع استمرار هذا الانسداد في ظل حكومة نتنياهو الحالية، لرفض أقطابها تلبية متطلبات اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني.

العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي شهدت توتراً معينا لا يهدد بالطبع العلاقة الإستراتيجية بين الطرفين، وقد نتج التوتر عن الترويج السياسي للرؤية الأوروبية المعارضة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية والمنادية بتحويل القدس إلى عاصمة لدولتين، وذلك عبر تبنيها قرار وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي وتحت رئاسة السويد في 8- كانون الأول 2009. وقد زاد من توتير العلاقات تزايد الدعاوى القضائية ضد قادة إسرائيليين وتخوف القادة السياسيين والعسكريين من زيارة بعض الدول الأوروبية (بريطانيا واسبانيا وبلجيكا على سبيل المثال) التي يسمح قضاؤها الوطني بمحاكمة مجرمي الحرب، لكن يبقى أن نشير إلى أن هذا التوتر يتزامن أيضا مع إمكانية ضم إسرائيل إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCED) وضمها بالتالي إلى نادي الدول الأوربية، ما يشير إلى أن التوتر هو مجرد خصام بين حلفاء لا أكثر.

العلاقة الإسرائيلية- التركية : تصاعد التوتر في العام 2009 على الصعيد السياسي والإعلامي بين تركيا وإسرائيل، ووصل قمته في محادثة التوبيخ التي قام خلالها نائب وزير الخارجية داني ايلون بإجلاس السفير التركي على كرسي منخفض للتدليل على التوبيخ العلني، وهو ما أثار عاصفة دبلوماسية اضطرت فيها إسرائيل للاعتذار رسميا من تركيا.

العلاقة مع روسيا حافظت العلاقة بين إسرائيل وروسيا على مستوياتها المعتادة من حيث التبادل التجاري والزيارات الرسمية، إلا أن ليبرمان بأرضيته الروسية لم ينجح في تفكيك منظومة العلاقة الروسية المتطورة مع إيران.

وفيما حافظت إسرائيل على نفس القدر من العلاقة الايجابية المتنامية اقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا مع الهند والصين، فإنها بدأت تركز على توطيد علاقاتها مع دول وقوى مختلفة في العالم أيضاً، خاصة في آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا اللاتينية لملاحقة النفوذ الإيراني هناك، ولاحتوائه بكل الوسائل الممكنة، وكذلك لتعميق تحالفات جديدة إلى جانب تحالفها المركزي مع الولايات المتحدة.

المحور السياسي

عاشت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو هدوءا ائتلافيا نسبيا، وتميزت السنة الأولى بكونها سنة مريحة. ويعود هذا إلى مجموعة عوامل:

1. الهدوء الأمني في منطقتي الحدود الجنوبية (غزة) والشمالية (سورية ولبنان) وفي الضفة الغربية (يؤكد البعض أنه هدوء غير مسبوق منذ عشرة أعوام)؛

2. الوضع الاقتصادي الذي لم يتأثر كثيرًا بالأزمة المالية العالمية؛

3. اعتقاد نتنياهو في أنه نجح في صد ضغوط الإدارة الأميركية مما يجعله أكثر تعنتًا؛

4. عدم خرق حالة الإجماع السياسية بشأن عملية التسوية لدى الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية، والتي تنصّ على تقليص رقعة الاحتلال منذ 1967 مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية و"القدس الموحدة" ورفض حق العودة.

فيما حافظ نتنياهو على شعبية مستقرة عززتها آخر استطلاعات الرأي العام التي نشرت بالتزامن مع انقضاء عام على الانتخابات، حيث أشارت إلى أنه يحتل، في نظر الإسرائيليين، المرتبة الأولى في لائحة الأشخاص الملائمين لتولي رئاسة الحكومة، فيما كشفت أيضا عن تعزّز شعبية اليمين، ما يعني توافر رأي عام إسرائيلي مؤيد لانتهاج سياسة متعنته تجاه الجانب الفلسطيني وعدم القيام بخطوات جدية في اتجاه تسوية الصراع، ناهيك عن اتخاذ خطوات لتعزيز الطابع اليهودي للدولة، خاصة في القدس الشرقية، مع هذا يحمل العام الثاني من ولاية حكومة نتنياهو في طياته موضوعين رئيسيين، على الأقل، يتطلبان اتخاذ قرارات حاسمة:

1. موضوع إيران، ووفقًا لمعظم المحللين الإسرائيليين فإن العام 2010 سيكون العام الإيراني، حيث سيدرج موضوع وقف المشروع النووي الإيراني في رأس سلم الأولويات الإسرائيلية. ويربط هؤلاء المحللون بين هذا الموضوع وبين احتمالات تفاقم الأوضاع في الحدود الشمالية والجنوبية أيضًا.

2. موضوع البناء في المستوطنات رغم أن نتنياهو تعهد باستئناف أعمال البناء بوتيرة أوسع كثيرًا من الوتيرة الحالية بعد انتهاء فترة التعليق، التي قضى بها قرار "طاقم الوزراء السبعة"، أي في شهر أيلول 2010، فان الأزمة السياسية التي ثارت بعد زيارة بايدن إلى إسرائيل تهدد بتحويل الاستيطان إلى نقطة "صدام" مع إدارة أوباما، في حين سيؤدي تراجعه عن الاستيطان إلى صدام مع المستوطنين واليمين المتطرّف في داخل حزبه وسائر أحزاب الائتلاف الحكومي.

المحور العسكري

بالإمكان تلخيص أهم ما شهده المحور العسكري في أمرين أساسيين:

· محاولات إسرائيلية قوية لاستعادة قدرتها الردعية في مواجهة ما تعتبره المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية تهديداً استراتيجياً على أمنها، والمتمثل باستهداف المناطق المدنية بواسطة صواريخ تطلق من بعيد من قبل قوى عسكرية غير نظامية من الصعب مواجهتها بواسطة منظومات عسكرية عادية. ومن الممكن الإدعاء بأن المواجهة العسكرية غير المتوازنة والتي تتميز باستعمال صواريخ بدائية تطلق من أماكن مختلفة بما في ذلك من مناطق آهلة بالسكان، تحول إلى أحد أهم التهديدات الأمنية التي تشغل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. على هذه الخلفية أتت الحرب على غزة والتي هدفت إلى خلق نوع جديد من توازن الردع مبني على ترهيب وتخويف المدنيين وجعلهم يدفعون الثمن الأساس في مواجهة قوى عسكرية غير نظامية بالافتراض أنه على المجتمع المدني التصدي لهذه القوى من أجل تجنب دفع الثمن الأساسي للحرب.

· جهد إسرائيل ونجاحها الجزئي على الأقل بتطوير منظومة دفاع متعددة الطبقات للوقاية والدفاع من صواريخ باليستية طويلة الأمد، صواريخ متوسطة الأمد وصواريخ بدائية وقصيرة الأمد. وبالرغم من التشكيك في هذه المنظومة، ما زالت المؤسسة الأمنية العسكرية منهمكة بتطوير قدراتها الدفاعية والحفاظ على قدراتها الهجومية من أجل إعادة قدرة الردع تجاه الخارج، والثقة بالنفس عند المجتمع في الداخل.

المحور الاقتصادي

شهد الاقتصاد الإسرائيلي عام 2009 نموا إيجابيا بنسبة 0.5% وبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي 676.4 مليار شيكل (حوالي 178 مليار دولار)[17] وذلك خلافا لكل التوقعات السابقة لكل من البنك المركزي ووزارة المالية والتي تحدثت عن نمو سلبي بنسبة 2%. وبالرغم من هذه المعطيات الإيجابية، يحذر بنك إسرائيل ووزارة المالية من عدم التسرع باستخلاص العبر فيما يتعلق باجتياز إسرائيل للأزمة المالية، والتي بدأت نتائجها بالظهور أواخر عام 2007، إذ إن هذه النسبة تعتبر ضئيلة جدا، إذا قارناها مع نسب النمو السابقة للأعوام 2004 – 2007 والتي وصل فيها معدل النمو السنوي إلى 5.6% أو حتى مع نسبة النمو لعام 2008 التي وصلت إلى 4.2%. وقد كانت نسبة التراجع في معدلات النمو الاقتصادي في الربع الأخير من عام 2008 وفي الربع الأول من عام 2009 (تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9%) دليلاً على الركود الاقتصادي الذي تشهده إسرائيل منذ فترة. ويقول المحللون إن توقف النمو السريع الذي ميز إسرائيل خلال الأربع سنوات الماضية يمثل استحالة كون النمو المذكور نموا طويل الأمد، فزيادة موارد الدولة ونموها يجب أن يخدم مصلحة كل الفئات السكانية بما في ذلك الطبقات الضعيفة اقتصاديا، وأولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر. يكمن السبب في ذلك في عدم قدرة النمو الاقتصادي في أن يؤدي إلى تنمية مجتمعية أو اقتصادية.

اتساع ظاهرة الفقر: شهد عام 2009 اتساع ظواهر الفقر والبطالة بشكل ملموس، ليصبح عدد الفقراء في إسرائيل 1.7 مليون شخص من أصل 7.5 مليون نسمة يعيشون في إسرائيل مع نهاية سنة 2009.

ارتفاع نسبة البطالة: أشارت معطيات دائرة الإحصاءات المركزية إلى أن نسبة البطالة ارتفعت عام 2009 إلى 7.9% بعد أن كانت بنسبة 6.3% عند نهاية 2008، ووصل عدد العاطلين عن العمل إلى 280 ألفا.

ارتفاع التضخم المالي: سجل التضخم المالي في عام 2009 ارتفاعا ملحوظا وصل على إثره جدول غلاء المعيشة إلى 3.9% وهذه أعلى نسبة منذ سنة 1999، وتتجاوز السقف الذي حددته الحكومة والبنك المركزي، ويتراوح ما بين 1% إلى3%. وبقي العامل الأساس لارتفاع التضخم المالي هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بما فيها الخضراوات والفواكه والمياه، كما هي الحال بالنسبة لأسعار الوقود وغيرها.

2009 اقتصاد الانتخابات: كلفت الانتخابات الدولة حوالي 3.9 مليار شيكل (أكثر من مليار دولار)، نصفه تكاليف تعطيل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية عن العمل، بالإضافة إلى دفع رواتب مضاعفة لمن يعمل في هذا اليوم، أو لمن يقرر أن يستغل هذا اليوم كإجازة مدفوعة، ما يزيد من تكاليف الصناعة بحوالي 600 مليون شيكل، وأما النصف الآخر فهو تكاليف مباشرة للانتخابات العامة (تكاليف الدولة بقيمة 500 مليون شيكل لتمويل الأحزاب، تفعيل صناديق الاقتراع ومراقبة عملية بث الدعاية الانتخابية)، تكاليف تنفيذ الحملات الانتخابية والدفع للعاملين في لجنة الانتخابات المركزية.

التكلفة الاقتصادية لعمليات العنف والإجرام: بلغت تكلفة عمليات العنف والإجرام في إسرائيل 15 مليار شيكل (حوالي 4 مليار دولار)، علما أن هذه العمليات (المصرح عنها) هبطت خلال العام بنسبة 5% ما لا يتوافق مع الارتفاع الحاصل في التكلفة الاقتصادية لهذه العمليات بنسبة 10% تقريبا خلال نفس العام (من 13.7 مليار شيكل عام 2008).

اعتماد إصلاحات ضريبية: بدأت إسرائيل بتنفيذ إصلاحات ضريبية مع بدء تنفيذ خطة اشفاء اقتصاد إسرائيل في النصف الثاني من عام 2003، والتي بادر لها وزير المالية آنذاك ورئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، وستمتد تأثيرات هذه الإصلاحات حتى عام 2010. وتتلخص هذه الإصلاحات في الأساس بتغيير العبء الضريبي، وإتمام كل الأمور المتعلقة بالضرائب المباشرة وغير المباشرة، وأيضا الضرائب على الأرباح التي تجنى من أسواق المال.

المحور الاجتماعي

شهد العام 2009 ومنذ تسلّم حكومة نتنياهو مقاليد الحكم، تغيّرات ملحوظة في مجالات التآكل المستمر في مستوى الحياة للشرائح ذات الدخل المحدود، وتراجع الخدمات الصحية، وازدهار قطاع الخدمات الصحية الخاصة التي لا يقوى ذوو الدخل المحدود على الدفع مقابلها، وبروز التعليم الخاص في المرحلتين الابتدائية والثانوية (ولهذا أثر سلبي على مدارس جهاز التعليم الحكومي) وخصخصة خدمات التعليم العالي (كليات خاصة رسومها باهظة نسبيا)، وتحويل كل هذه إلى قنوات لتحقيق الربح والتنافس الاقتصادي، ما يوجب إجراء تعديلات على التعليم مثلا من حيث الشكل والمضامين. هذا إضافة إلى التغيرات في وجهة الحراك الاجتماعي العام والفروق الاجتماعية- الاقتصادية وثبات مستويات الفقر على درجة عالية، وزيادة حدة ظاهرة تذرر المجتمع بمعنى فردنته إلى حدّ يصبح الفرد فيه منقطع الصلة الثقافية بالأفراد الآخرين في مجتمعه وبالمؤسسات الاجتماعية الفاعلة. ويلاحظ معارضو السياسات النيوليبرالية في إسرائيل أنها عزّزت تضاؤل الشعور بالأمان حيال الحياة اليومية، وانعدام الثقة بين الناس، وعدم الرضا عن المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وأضعفت جاهزية الفرد للمشاركة السياسية والاجتماعية، وهذا كله يدفع الفرد من الطبقات الفقيرة نحو العودة إلى تبني القيم الاجتماعية التقليدية، وتعزيز الارتباط بأطر اجتماعية تقليدية مثل الأطر الوشائجية على اختلافها. هذا ناهيك عن انعدام الأمان حيال الحياة اليومية، ما يخلق عداءً نحو الاختلاف والتطوّر ونحو التنوّع الثقافي في المجتمع.

تتوزع التغيرات التي أحدثها الانتقال إلى صيغة النيوليبرالية الإسرائيلية على ثلاثة محاور اجتماعية أساسية ومترابطة هي: محور الفقر، محور العنف والجريمة، ومحور المناعة الاجتماعية.

محور الفقر: تشير التحليلات التي رافقت صدور تقرير التأمين الوطني عن الفقر في 2008 (صدر في تشرين الثاني 2009)، إلى توقع ارتفاع نسبة الفقر في 2009 وتغير مميزات الفقراء أنفسهم.[18] ومن أهم المؤشرات التي اعتمدها هذا التنبؤ، ارتفاع معدل الحاصلين على مخصص البطالة في 2008 من 49000 شخص في الشهر، إلى ما يتراوح بين 65000 و 72000 عاطل عن العمل في الشهر، في النصف الأول من سنة (2009 )

محور العنف والجريمة: انشغلت الصحافة الإسرائيلية عام 2009 ببعض الجرائم التي هزت الساحة الداخلية بسبب بشاعتها، وتم تخصيص صفحات بأكملها لتغطيتها ومتابعة أحداثها ، ورغم ما بدا من تصاعد للجريمة فان المعلومات حول الإجرام خلال العام 2009، التي كشفها قائد الشرطة في مؤتمر صحافي عقد بتاريخ 26.1.2010 تشير إلى انه أنه فيما عدا ارتفاع عدد حالات القتل بنسبة 8%، وصولاً إلى 135 حالة،[19] في 2009، فان هناك انخفاضاً في كافة الإحصائيات التي تتحدث عن الأنواع الأخرى من الجرائم وأعمال العنف. غير أن ما يثير القلق هو أن 41% من تهم القتل موجهة إلى عرب. وقد يعود السبب في ذلك إلى نقص المرافق الترفيهية والتوعية والأطر الشبابية، ناهيك عن تدني الخدمات في الوسط العربي مقارنة باليهودي، وإهمال الشرطة لها والتعامل مع المجتمع العربي من منظور أمني ديمغرافي كما يفصل ذلك الفصل الخاص بمحور الفلسطينيين في إسرائيل.

محور المناعة الاجتماعية (Social Resilience):يظهر تحليل مقياس المناعة الاجتماعية في العام 2009 الذي أجرته لجنة المناعة الاجتماعية التابعة لمؤتمر سديروت أن 53% من الإسرائيليون يعتبرون أن إسرائيل مصدر فخر واعتزاز أول على المستوى الأمني؛ أي أنها دائما ستدافع عنهم وعن عائلاتهم، ويتبيّن من هذا الاستطلاع أن ثمة ارتفاعاً جدياً في مستوى الاعتزاز بدولة إسرائيل والثقة بدفاعها الدائم عن المواطنين وعائلاتهم. ومن المنطقي أن يكون لنتائج الحرب على غزة نصيب في هذا الأمر، حيث اعتبرت، في نظر الإسرائيليين، نجاحا أبعد الخطر عن المراكز السكنية في جنوب إسرائيل، وتبين أن 68% يوافقون أو يوافقون بقوة أن إسرائيل هي الدولة الأفضل للعيش فيها. هذا معطى مشابه للمعطيات في العام 2006 و 2007، ولكن النسبة تقل بكثير عن النتيجة نفسها في سنة 2008 (79%). فيما اعتبر (67%) من المستطلعين أن مستوى الفساد العام للسلطة في إسرائيل، في سنة 2009، مرتفع ومرتفع جدا، تقل هذه النسبة بقليل عما كان تقييم الرأي العام لمستوى الفساد في 2008، وذلك لأن الفساد في حينه طال رأس الهرم السياسي، رئيس الوزراء أيهود أولمرت الذي اتهم بعدد من قضايا الفساد حينها.[20]

محور الفلسطينيين في إسرائيل

يمكن القول إن انعكاس تصاعد تيار المحافظين الجدد على الفلسطينيين في العام 2009 كان متناقضا بين المحور الاقتصادي والسياسي:

1- في المحور الاقتصادي نجد، بعد سنوات من إهمال تنمية الاقتصاد العربي وتجنيده لاحتياجات الاقتصاد الإسرائيلي، نجد بوادر لسياسات اقتصادية ليبرالية نوعا ما، تسعى لتحسين بعض المؤشرات الاقتصادية لدى الفلسطينيين، لكنها تقتصر على الأفراد فقط، وتصب في المحصلة العامة في مصلحة الاقتصاد الإسرائيلي. تلك التحولات تعمل على فصل الاقتصادي عن السياسي وتتجاهل المطالب السياسية للفلسطينيين وشروط خلق نمو اقتصادي مستديم.

2- في المجال السياسي القومي، نجد أن العام 2009 شهد تزايد محاولات قمع الهوية الفلسطينية، وتقليص هامش العمل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، وكي وعي سياسي يذوت دونية المواطن الفلسطيني، ومحاولات لقوننة محو الذاكرة من خلال قوانين تطالب بمنع إحياء ذكرى النكبة، وفرض يهودية الدولة بواسطة القانون وعلى مستوى الأفراد. وفيما يتعدى خطرها القانوني المباشر فان الرسالة التي تحملها هذه القوانين مفادُها أنّ انتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيّين هو أمر مشروع. تُضفي مشاريع القانون شرعيّة على المفهوم الذي يدّعي أنّ هنالك مواطنين يمثّلون تهديدًا أو تهديدًا كامنًا، وتسبغ الشرعيّة على الربط بين المواطَنة والولاء كذلك، أي بين حقوق المواطنين والولاء. تَعدُّد مصادر الشرعيّة قد يخلق حالة تضاف إلى دونيّة مكانة المواطنين الفلسطينيّين الاقتصاديّة والقانونيّة، وتتمثّل في تحوُّل الاعتداء الجسمانيّ عليهم إلى أمر مشروع.

تكرس في عام 2009 في مقابل تلك التحولات إجماع فلسطيني يرفض قبول دولة إسرائيل كدولة يهودية ويطالب بتغير طبيعة النظام القائم. وقد تحول هذا الرفض أو الصراع على طبيعة الدولة الى ركيزة أساسية في الشرخ أو الصراع بين الأقلية الفلسطينية وبين المجتمع اليهودي والدولة. هذا الشرخ تعمق في العام 2009 بشكل جلي، وبات يتأثر، أكثر من أي وقت مضى، بالإضافة إلى السياسات تجاه الفلسطينيين من سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وسياسات إسرائيل تجاه محيطها العربي. وقد ترجم ذلك في الانتخابات الأخيرة للكنيست من خلال انهيار التصويت للأحزاب الصهيونية لدى المجتمع الفلسطيني.

التحولات الواردة في هذا الفصل، لدى المجتمع الإسرائيلي والحكومة من جهة، ولدى المجتمع الفلسطيني، من جهة اخرى، هي تحولات إستراتيجية سيكون لها إسقاطات على مستقبل العلاقات بين الدولة والأقلية الفلسطينية، وستزيد من حده الصراع، وربما تأخذ منحى تصادميا في المستقبل غير البعيد.

تمت التدقيق من قبل رضوان



[1] دائرة الإحصاء المركزية، بيان للصحافة،30.12.2009 (رقم 294/2009) .
[2] دائرة الإحصاء المركزية، ، مؤشرات أساسية للعام 2009 انظر: http://www.cbs.gov.il/reader
[3] تختلف النسبة بين الجماعات المختلفة إذ تصل بين المسلمين مثلا إلى 2.8%
[4] Table no.2.27. CBS, STATISTICAL ABSTRACT OF ISRAEL 2009
[5] ويُقصد بهم مهاجرون غير معرّفين كيهود في وزارة الداخلية جميعهم مسيحيون غير عرب أو غير مصنفين دينيا
[6] دائرة الإحصاء المركزية 2010، كتاب الإحصاء السنوي للعام 2009, ص 85 و ص 103.
[7] http://www.cbs.gov.il/reader/shnaton/shnatonh_new.htm?CYear=2009&Vol=60&CSubject=2كتاب الإحصاء السنوي
[8] دائرة الإحصاء المركزية، بيان للصحافة، 24.2.2010(رقم 039/2010)
[9] دائرة الإحصاء المركزية، بيان للصحافة م.س.
[10] دائرة الإحصاء المركزية، جدول الوفيات في إسرائيل 2004-2008/ نشر في 15-2-2010 وأيضا

http://www.cbs.gov.il/webpub/pub/text_page.html?publ=35&CYear=2008&CMonth=1#100
[11] http://www.cbs.gov.il/reader
ألوف بن ، 2010" يهودية أم ديمقراطية؟"، هآرتس. 10-3-.2010[12]
. [13] بالعبرية "عولي هجردوم "أو صاعدو المقصلة"، وهم 12 مقاتلا منهم تسعة من الاتسل وثلاثة من الليحي حكم على عشرة منهم بالاعدام من قبل الانتداب البريطاني، واثنين من قبل المحاكم المصرية، وقد تم بالفعل إعدام عشرة منهم وقام اثنان آخران بالانتحار.[13]
[14] ترملبدور : المقصود يوسف ترمبلدور الذي قتل شمال فلسطين عام 1920 في خلال حراسته لموقع استيطاني باسم تل حاي وذلك في اثناء مواجهة مع مقاتلين فلسطينيين . وقد تحول اسم ترمبلدور إلى اسطورة صهيونية قومية لتمجيد روح التضحية والمقاومة.


[15]وهو ما تجلى أيضا بالحملة المناهضة لصندوق إسرائيل الجديد الذي ترأسه نوعمي حازن العضو السابق في ميرتس والمعروف بدعم مجموعة من المؤسسات العربية واليهودية التي تعمل في الدفاع عن حقوق المواطن والإنسان. وتم نشر مجموعة من اللافتات الضخمة ضد الصندوق تحت عنوان "صندوق إسرائيل الجديد مول غولدستون" ووقف وراء هذه الحملة حركة "ام ترتسو" المقربة من الليكود. انظر أيضا : بن كسبيت، 2010 "مساهمتنا في تقرير غولدستون"، معاريف ، 30-1-2010.
مركز ريئوت، 2010," تحدي نزع الشرعية عن إسرائيل وإنتاج سور ناري سياسي: إطار فكري في الحيز السياسي-الدبلوماسي للأمن القومي" ورقة مقدمة إلى مؤتمر هرتسليا العاشر، كانون الثاني. [16]
[17] سعر صرف الدولار هو 3.8 شيكل للدولار الواحد
[18] ران ملاميد، يوجد فقر ولكن التقرير غير ذي صلة بالحاضر، nrg معاريف، 3/11/2009.
[19] عدد حالات القتل في 2008 كان 128 حالة.
[20] أنظروا المشهد الاجتماعي في تقرير مدار الاستراتيجي 2009، صفحة 159.