الحرب الإسرائيلية على لبنان

الموقع: رام الله فندق غراند بارك
الفعالية: ندوات

ظَّم المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" في قاعة فندق "غراند بارك" في رام الله، يوم السبت الموافق 2/9/2006، ندوة جديدة (في نطاق سلسلة الندوات واللقاءات المفتوحة التي دأب المركز على عقدها منذ تأسيسه) خصصها لتناول ومناقشة الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان وما نجم عنها من آثار وتداعيات على الصعيد الداخلي الإسرائيلي.

وقد ركزت الندوة، التي تولى إدارتها مدير عام مركز "مدار" د. مفيد قسّوم، وحضرها جمهور غفير من السياسيين والأكاديميين والإعلاميين والباحثين والمهتمين عموماً بالشأن الإسرائيلي، على ثلاثة محاور رئيسية:

- المحور الأول "تأثير الحرب على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني"، وتولى الحديث حوله الأستاذ محمد بركة (عضو الكنيست الإسرائيلي رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة).

- المحور الثاني "الواقع السياسي في إسرائيل خلال وبعد الحرب" وتحدث حوله الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ أنطوان شلحت، محرر ملحق "المشهد الإسرائيلي" الذي يصدره مركز "مدار".

- المحور الثالث تناول "الأداء العسكري الإسرائيلي خلال الحرب" وتحدث حوله الباحث في الشؤون الأمنية الإسرائيلية الأستاذ فادي نحاس.

وكان هذا المحور (الثالث) هو ما أُستهلت به الندوة حيث رأى الباحث "نحاس" أن الأداء العسكري الإسرائيلي في هذه الحرب واجه إخفاقات على أكثر من صعيد ولخص ذلك:

أولا:ً بالإخفاق أو الفشل الاستخباراتي في تقدير قدرات وأداء الخصم (أي "حزب الله") وهو ما شكل دحضاً وتقويضاً لهالة "اليد الاستخباراتية الطولى" التي تدعيها إسرائيل.

ثانيا:ً فشل سياسة الضربات الجوية الكاسحة في تحقيق أي من أهداف الحرب رغم أن 65% من ميزانية إسرائيل العسكرية تنفق على سلاح الجو الإسرائيلي.

ثالثاً: فشل إسرائيل في تجسيد قدرتها العسكرية التقليدية على إبقاء المعركة في "أرض العدو" بعيداً عن عمقها الاستراتيجي، وإنهاء الحرب في وقت قصير وبأقل الخسائر في جانبها.

وقال "نحاس" هناك شواهد كثيرة على فشل الحملة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها وأهمها انتهاء الحرب في ظل بقاء "حزب الله" محتفظاً بقدراته العسكرية الأساسية، وخاصة الصاروخية منها، وكذلك بتشكيلاته القيادية السياسية والعسكرية التي واصلت إدارة المعركة باقتدار عالٍ حتى آخر لحظة، وما يدل على ذلك قدرة مقاتلي الحزب في اليوم الأخير للحرب على توجيه ضربات صاروخية مكثفة للعمق الإسرائيلي، كما وأثبتت الحرب بشكل قاطع تداعي مقولة قدرة الردع الإسرائيلية في مواجهة منظمة مسلحة من طراز "حزب الله"، هذا فضلاً عما ولدته الحرب من تداعيات وجدل وتراشق علني بالاتهامات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حول مسؤولية الفشل والإخفاق في إدارة الحرب، ومن دلالات إخفاق الأداء العسكري الإسرائيلي استبدال بعض القيادات الميدانية.

وخلص "نحاس" مشيراً إلى وجود توجهات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نحو تعويض الفشل في إظهار قدرة الردع العسكرية التقليدية بالتوجه نحو المراهنة على "قدرة ردع نووية غير معلنة".

في حديثه عن "الواقع السياسي في إسرائيل خلال وبعد الحرب" قال الكاتب أنطوان شلحت أن الحرب أبرزت حالة الجدل داخل إسرائيل حول العلاقة ما بين المستويين السياسي والعسكري وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية رضخت إلى مطالب وخطط الجيش ولم تتصرف كحكومة مدنية وقال أن الساسة في إسرائيل تحولوا إلى أسرى لدى الجنرالات العسكريين. وتابع شلحت إن الجيش في إسرائيل هو الذي يقود ويرسم سياسة الأمن القومي ويملي خططه في هذا الخصوص على المستوى السياسي، مشيراً إلى أن ذلك هو النهج المتبع، باستثناء أربع حالات في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، أقدم فيها رؤساء الحكومات على اتخاذ قرارات وخطوات ذات طابع استراتيجي خلافاً لرأي قيادة الجيش. وأوضح أن هذه الحالات الأربع كانت حينما قرر رئيس الحكومة مناحيم بيغن الانسحاب من صحراء سيناء (في نطاق توقيع معاهدة السلام مع مصر) والثانية عندما قرر رئيس الحكومة اسحق رابين التوجه إلى مسار (عملية) أوسلو، والثالثة حينما قرر رئيس الحكومة إيهود باراك الانسحاب من جنوب لبنان في أيار 2000، والحالة الرابعة حينما قرر رئيس الحكومة أريئيل شارون الانسحاب من قطاع غزة (في نطاق خطة "فك الارتباط" الأحادية الجانب).

وأشار شلحت إلى أن الأزمة السياسية في إسرائيل نابعة من أزمة الأيديولوجية الصهيونية، وأن هذا الأمر انعكس ليس فقط بعد ظهور نتائج الحرب على لبنان وإنما في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ونوه إلى أن النتائج التي ستخرج بها لجان التحقيق حول الحرب يمكن أن تطيح بالحكومة الإسرائيلية الحالية، مشيراً إلى تراجع كبير في دور الأحزاب في المجتمع الإسرائيلي خاصة الأحزاب اليسارية. وقال شلحت إن النقاش الصاخب الذي تلي الحرب ينعكس مباشرة على الأحزاب وبشكل خاص على حزب "العمل" الذي يتخبط في مواقفه بسبب دور رئيس الحزب، وزير الدفاع عمير بيريتس، الذي بات هو الآخر يتقلب في مواقفه جراء تداعيات الحرب ومسؤوليته الشخصية كوزير للدفاع في فشل الأداء العسكري خلالها.

الأستاذ محمد بركة، وفي مداخلته حول انعكاسات الحرب على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والتي اختتم بها محاور نقاش الندوة، دعا من جهته إلى تقنين النشوة والتريث في تقدير قدرات إسرائيل في أعقاب الحرب على لبنان، مؤكداً أن قدرة إسرائيل على الإيذاء لا تزال مثبتة، وتوقع "بركة" أن تصبح حكومة إسرائيل "أكثر عدوانية" في المرحلة المقبلة في محاولة لاستعادة هيبتها العسكرية التي تضررت.

وقال بركة موضحاً: إذا كان هناك من يعول على التحقيقات المزمع إجراؤها في إسرائيل حول مجريات الحرب الأخيرة، فإن الأمر الثابت في اعتقادي هو أن من أهم الاستخلاصات المتوقعة لهذه التحقيقات هو أن على إسرائيل أن تكون أكثر عدوانية في أكثر من مفهوم سعياً لإثبات القدرة العسكرية الإسرائيلية. وأضاف إن هذا ما نراه منذ الآن في طلب زيادة ميزانية الجيش بثلاثين مليار شيكل (6,7 مليار دولار) في السنوات الثلاث القادمة، من أجل تعزيز قوة الجيش والاستعداد لحروب مستقبلية تخطط لها إسرائيل.

واستبعد "بركة" سقوط الحكومة الحالية برئاسة إيهود أولمرت على خلفية الحرب الأخيرة لكنه لم يستبعد إمكانية سقوط الحكومة بعد عشرة أشهر على خلفية فضائح ملفات الفساد مثلاً.

ولخص بركة مشيراً إلى عدد من النقاط كمعالم أساسية بعد الحرب على لبنان من ناحية إسرائيل، أولاً: هناك نقاش داخلي في إسرائيل حول الأولويات الإستراتيجية، يدعو إلى أن لا تكون القضية الفلسطينية على رأس أولويات إسرائيل، وإنما المشروع النووي الإيراني، وهذا يشير إلى محاولات إسرائيل لاستبعاد أولوية القضية الفلسطينية كعنصر أساسي وأول للصراع في المنطقة.

ثانيا: إسرائيل تعلن أنها أرادت من هذه الحرب على لبنان إعادة تأهيل قوة الردع لديها، التي تراجعت بعد الانسحاب من جنوب لبنان في أيار العام 2000، ولكن ما هو واضح أن إسرائيل لا تريد إعادة ترميم قوة ردعها أمام حزب الله وإنما أمام الفلسطينيين، وهي تريد من خلال العدوان على لبنان، أن تعرض مدى قدرتها على الإيذاء.

ثالثاً: هناك من يعلن أن الحرب على لبنان ألغت ما يسمى بـ "خطة التجميع"، المبنية بالأساس على الاحتفاظ بأكثر ما يمكن من الأرض وأقل ما يمكن من الفلسطينيين، ولكن هذا ليس صحيحاً، لأن هذه الخطة هي قيد التنفيذ ونحن نرى هذا من خلال مواصلة بناء جدار الفصل العنصري، وتوسيع الاستيطان في الكتل الاستيطانية. فخطة التجميع ليست نزوة أولمرتية، وإنما هي تجسيد لفكر استراتيجي، وهي كما خطة "فك الارتباط" حل الوسط التاريخي بين قطبي الحركة الصهيونية.

رابعاً: على الرغم من كل ما نسمعه حول الأزمة السياسية في إسرائيل فإن الحكومة الحالية لن تسقط، وبشكل خاص لن تسقط على خلفية الحرب على لبنان، وإذا ما سقطت بعد عام فإن هذا سيكون على خلفية فضائح الفساد.

وحول انعكاسات نتائج الحرب على لبنان على القضية الفلسطينية، قال بركة، إن مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس محكوماً بنتائج الحرب على لبنان، وإنما بمعطيات الصراع ذاته، وبالأوضاع الداخلية على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية وموازين القوة في العالم.

وأضاف بركة، يجب أن يكون لدينا برنامج سياسي وليس مجرد رؤية سياسيه، برنامج سياسي يخرج للعالم ويحاصر إسرائيل في الأسرة الدولية، وأشار إلى أن إسرائيل تقول إنه بالإمكان فحص المبادرة السعودية بصيغتها الأصلية، وليس بعد أن تحولت إلى مبادرة عربية توضح فيها أكثر موضوع حق العودة للفلسطينيين.

وختم بركة مداخلته بالقول، إن اختراق الساحة الدولية بمشروع سياسي هو التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين في هذه المرحلة لكسر الجمود الذي تفرضه إسرائيل كونها معنية به.