الهامشيون في إسرائيل: تحدي الهيمنة الأشكنازية نحو فهم نظري بديل لإسرائيل

الموقع: رام الله مركز "مدار"
الفعالية: ندوات

حاضر فيها الدكتور أسعد غانم – مدير دائرة "الأبحاث"، وذلك بمناسبة صدور بحث : "الهامشيون في إسرائيل: تحدي الهيمنة الأشكنازية نحو فهم نظري بديل لإسرائيل". بحضور عدد من السياسيين والباحثين والمهتمين

الكتاب نُشِرَ بدعم من الوكالة الكندية للتنمية الدولية (CIDA)، ونشكرهم مرة ثانية لأنه الدعم مهم والكتاب مهم، والمشروع كله شامل ... نعتقد نحن في "مدار" وأعتقد أنه كل مهتم في الوضع الفلسطيني ووضع العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية له إهتمام في قضية إسرائيل، ويحب أن يكون له إهتمام.

في العقد الأخير بدأت تظهر تحليلات أكثر تعقيداً وتركيباً, مما سبق, لفهم واقع إسرائيل، مثلاً روبنشتاين, وزير التعليم السابق في إسرائيل، كتب كتاب يدعي أنه إسرائيل دولة لم تنجح في عملية الصهر بشكل كامل، لذلك طوّرت نموذج متعدد الثقافات مثل الموجود في كندا منطلقاً من أن إسرائيل نجحت بتطوير نموذج ديمقراطي غربي بأشكال مختلفة.

في التسعينيات من القرن الماضي طور بروفيسور علم إلاجتماع الاسرائيلي سامي سموحة رؤيا تختلف، تقول أن إسرائيل هي ديمقراطية إثنية، ما هي الديمقراطية الإثنية؟. الموديل يقول إنه يوجد مواطنة مشتركة للكل في اسرائيل لكن بإطار هذه المواطنة المشتركة تتضمن وضعاً فيه تفوق لمجموعة أو بعض الإمتيازات لمجموعة معينة، اليهود.

في أواسط الستينات جاء يوأف بيلد, عالم سياسي في جامعة تل أبيب وشيفر من جامعة بيركلي وطوّروا موديل "المواطنة المتنوعة". هم إدعوا أنه في إسرائيل هنالك ثلاث إنتماءات أو أنواع من المواطنة: المواطنة الأولى، والتي نسميها المواطنة الليبرالية والتي في إطارها العرب واليهود في مساواة تامة، يعني هناك نوع من الشراكة في العلاقة بين المواطنين والدولة. النوع الثاني وهو الديمقراطية الإثنية والتي في إطارها يوجد مواطنة تُعطى فقط لليهود. والثالثة: هي مواطنة جمهورية والتي في إطارها مواطنة للأشكناز، وهم لهم إمتياز خاص في داخل الدولة الإسرائيلية.

أعتقد بأنه من الواضح تماماً أن إسرائيل والكتّاب الإسرائيليين حاولوا بشكل ما عرض إسرائيل كدولة تتبنى نظام ديمقراطي, مع بعض الخلل, لكن بالأساس اجتهدت الأكاديمية الإسرائيلية ليس فقط أن تكتب عن معلومات عينية حول الوجود الإسرائيلي، لكن تضعه في إطار نظري، الإطار النظري يقول: إسرائيل هي كيان ديمقراطي فيه بعض الخلل، هي الديمقراطية الإثنية أو المواطنة المتعددة/المتنوعة.

ادعي من خلال المحاضرة بان اسرائيل تعتمد نظام سياسي غير ديمقراطي وغير مستقر نتيجة لانحياز النظام لمصلحة مجموعة واحدة مقابل باقي المجموعات. فإسرائيل تعاني من فشل "بوتقة الصهر"، ومن فشل الحركة الصهيونيّة في هذا المضمار. فعليًّا، طوّرت المجموعات المختلفة في إسرائيل أنماط سلوك تتحرّك بفعل صراعات القوّة، وتصل الى درجة الكره المتبادل. ويدور الحديث عن شبكة مركّبة من علاقات الانتقام التي تتخطّى الحدود الجماعيّة، وتعمل بشكل متقاطع ومتعدّد الأبعاد، كما سيبيَّن لاحقًا.

تشكّل محاور الصراع بين المجموعات محصّلة أساسيّة لسياسات التمييز التي انتهجتها المجموعة المؤسّسة لدولة إسرائيل - أي الإشكناز الذين أرادوا منذ البداية إقامة نظام حكم "إثنوقراطيّ"، يرتكز على التفضيل الواضح لمصالحهم، على حساب نظام ديمقراطيّ يضع المصالح المدنيّة على رأس اهتماماته. انتهج النظام الإثنوقراطيّ-الإشكنازيّ، على أرض الواقع، سياسة تمييز ضد المجموعات الأخرى من غير الإشكناز (القدامى والمهاجرين على حدّ سواء) وخلق جهازًا سلطويًّا واجتماعيًّا يشرعن الانتماء الجماعيّ-الإثنيّ، بل يفضّله على الانتماء الجماعيّ-المدنيّ، وبذلك مهّد الطريق لنموّ محاور صراع جماعيّة، تشير بدورها إلى فشل مشروع بناء "الأمّة الإسرائيليّة". يمكن - موضوعيًّا - تشخيص أربعة محاور صراع كهذه ستبقى تعيق الاستقرار داخل الجهاز السياسيّ الإسرائيليّ، وستكون هنالك حاجة لتنفيذ إصلاحات جذريّة لمواجهة هذه الصراعات، كي يتمكّن الجهاز من التقدّم بشكل مستقرّ: الصراع الدينيّ- العلمانيّ؛ الصراع الإشكنازيّ - الشرقيّ؛ الصراع الروسيّ – الإسرائيليّ / اليهوديّ؛ والصراع اليهوديّ / الإسرائيليّ- الفلسطينيّ داخل إسرائيل.

في أواخر التسعينيّات، قام الباحث أورن يفتاحئيل من جامعة بئر السبع بمجهود متميّز لتفسير طابع الكيان الإسرائيليّ، وبخاصّة في سياقه اليهوديّ-الفلسطينيّ، ولاحقا في سياق المبنى الإثنيّ الداخليّ بين اليهود في إسرائيل. وادعى يفتاحئيل أن إسرائيل تقدم نموذجًا رائجًا في العالم، تهيمن فيه مجموعة إثنيّة واحدة على الحيّز الجغرافي في الدولة وتبسط سيطرتها عليه، وأطلق على هذا النموذج اسم "الإثنوقراطيّة" (سيطرة المجموعة الإثنيّة وليس "الديموس"-المواطنين)، الذي يشكّل نظامًا يصبو إلى بسط وتعميق سيطرة مجموعة إثنيّة-قوميّة واحدة على مساحة متنازع عليها، وعلى أنظمة القوّة التي تهيمن عليها. ولا يسيطر النظام القائم في إسرائيل، وفقا ليفتاحئيل، على دولة قوميّة يهوديّة ديمقراطيّة، بل يشكّل جهازًا سلطويًّا تهويديًّا يسيطر على منطقة ثنائيّة القوميّة ومتعدّدة الإثنيّات ومتنازعًا عليها.

حصل نموذج الإثنوقراطيا على تبسيط نظري وتجريبي مقارن في مقال مشترك لنا صدر في مجلة Political Geography)). وقمنا من خلاله بتوضيح مبادئ النظام الإثنوقراطيّ الأساسيّة ومركّباته وتأثيره على تطور التفاعلات الحاصلة بين المجموعات في إسرائيل. النظام الإثنوقراطيّ، من وجهة نظرنا، هو نوع مشخّص من الأنظمة، تناولته قلّة قليلة من باحثي العلوم السياسيّة والاجتماعيّة والجغرافيا. ويسمح هذا النظام بحصول عمليّة حيويّة من التوسّع والسيطرة الإثنيّة، تتفرّد فيه مجموعة إثنو- قوميّة في الهيمنة على المساحات الجغرافيّة، أو على أجهزة القوّة المتنازع عليها. ونعرّف ’الأنظمة’ كتلك الأطر التي تحدّد توزيع النفوذ والموارد في منطقة معينة، وتشكّل انعكاساً لهُويّة الجمهور السياسيّة ولأهدافه الأيديولوجيّة، وللمنطق الذي يسيّره، ولسلّم أولويّاته العمليّة. الدولة عبارة عن أداة الحكم الأساسيّة التي توفّر المؤسسات والأجهزة والقوانين والموارد، وتمكّن من استخدام أشكال ’مشروعة’ من العنف بغية تحقيق أهداف النظام. لكن مضمون النظام يتخطّى أجهزة الدولة اتساعًا وعمقًا، إذ إنّه يبني الرواية التاريخيّة والذاكرة الجماعيّة والثقافة والتوجّهات المستقبلية للتنظيمات ومجالات عديدة أخرى داخل المجتمع الإثنوقراطيّ.

تتكون الدول الإثنوقراطيّة جرّاء ترابط الزمان والمكان لثلاث قوى تاريخيّة-سياسيّة أساسيّة:

(أ). استعمار استيطانيّ، قد يكون خارجيًّا (إلى داخل دولة أو قارّة أخرى) أو داخليًّا (داخل الدولة ذاتها.

(ب). قوّة إثنيّة-قوميّة، تستقي من الشرعيّة الدولية لحقّ تقرير المصير، من أجل ترسيخ الأهداف السياسيّة والتوسّعيّة للمجموعة القوميّة-الإثنيّة المهيمنة.

(ج). "المنطق الإثنيّ" الذي يميل إلى ترتيب المجموعات الإثنيّة على شكل طبقات من خلال عمليّات التطوير، وتحرّكات رأس المال، والهجرة والعولمة الاقتصاديّة. بكلمات أخرى، يعكس النظام الإثنيّ أنماطًا من التراتبيّة الإثنيّة والتمييز، ويقوم في الوقت ذاته باستنساخها بوتيرة عالية.

بلورت هذه القوى البنيوية عددًا من الميّزات الأساسيّة للنظام التي تعزّز السيرورة الحيويّة للأَثْنَنة، والتي تعمل على المساحات الجغرافيّة وآليّات النفوذ:

· الهُويّة الإثنيّة هي المرجعيّة الأساسيّة لتخصيص الموارد والقوّة، لا المواطنة؛ وتقوم بمنح الأقلّيّات حقوقًا وموارد جزئيّة فقط؛ التوتّر الإثنيّ- المدنيّ قائم بشكل مستمرّ.

· تسيطر القوميّة الإثنيّة المهيمنة على جهاز الدولة وتقوم ببناء المنظومة السياسيّة، والمؤسسات العامّة، والجغرافيا، والاقتصاد والثقافة، بغية بسط وتعميق السيطرة على الدولة والحيّز الجغرافي.

· حدود الدولة والمجتمع السياسيّ غامضة؛ ترجّح أحيانًا مشاركة أبناء المجموعة الإثنيّة الذين في الشتات على مواطني الأقلّيّة؛ ينعدم الـ"ديموس" المعياريّ الواضح.

· تمرّ السياسة بعمليّة الأثننة، لأن المنطق الإثنيّ في توزيع القوّة يعمل على تقاطب المجتمع السياسيّ والجهاز الحزبيّ .

· تعرّف القوميّة الإثنيّة المهيمنة وفقًا لمميّزات المجموعة الإثنيّة ’المؤسّسة’؛ وتصبو هذه المجموعة إلى صهر بقيّة المجموعات المنتمية لنفس القوميّة بداخلها؛

· تتواصل عمليّات الفصل الإثنيّ الإقليمي والتراتب الاجتماعيّ- الاقتصاديّ إلى أمد طويل، على الرغم من وجود القوى المعارضة - السياسيّة منها والدستورية.

إسرائيل: دولة استيطان إثنوقراطيّة

حصلت إسرائيل على استقلالها عام 1948، بعد نصف قرن من الاستيطان اليهوديّ في فلسطين. نشبت حرب يهوديّة- عربيّة (1947-1949) بعد صدور قرار التقسيم عن الأمم المتحدة، الذي قضى بإقامة دولتين في إطار تسوية كونفدرالية (إقامة دولة يهوديّة على مساحة 55% من أرض فلسطين الانتدابية، ودولة عربيّة على ما يقارب الـ-45% منها). طُرد خلال هذه الحرب أكثر من 700,000 فلسطينيّ من وطنهم، وسيطرت إسرائيل على أكثر من 78% من أرض فلسطين الانتدابية، أي ما يعرف اليوم بـِ "إسرائيل ضمن حدود الخط الأخضر". بقي 160,000 من العرب- الفلسطينيّين داخل إسرائيل وحصلوا على المواطنة. بمرور عقد من تلك الفترة، استقبلت إسرائيل نحو 800,000 لاجئ ومهاجر يهوديّ، وفي المقابل حرمت اللاجئين الفلسطينيّين من العودة، وبقيت غالبيتهم داخل الدول العربيّة المجاورة.

رسميّا، أقامت إسرائيل عام 1948 نظامًا ديمقراطيًّا؛ لكنها باشرت - في المقابل - بتنفيذ مشروع "إثنيّ" مكثّف، بدعم من الجاليات اليهوديّة في الخارج، التي لم يقتصر نشاطها على تمويل العديد من المخططات الإسرائيليّة، فقامت بالالتفاف على جهاز الدولة من خلال إقامة وصيانة المنظمات اليهوديّة التي بدأت تعمل في إسرائيل كأذرع إثنيّة للدولة. ووفرت هذه المنظمات- مثل الكيرن كييمت والوكالة اليهوديّة- إمكانية تنفيذ السياسة الإثنوقراطيّة للمجموعة الإثنيّة اليهوديّة- الإشكنازيّة.

تبنّت الثقافة الإسرائيليّة ورعت تصوّرًا ذاتيًّا غربيًّا إشكنازيًّا، من خلال التنكّر للقوميّة الفلسطينيّة، ولانتماء شريحة واسعة من المهاجرين اليهود الشرقيين للثقافة الشرقية أو العربيّة، وقامت بنـزع الشرعيّة عنهم وتجاهلتهم. وكما حصل في أماكن أخرى في العالم، فقد أدّى قمع الدولة الإثنيّة إلى مقاومة متزايدة من قبل الأقلّيّة، وانعكس الأمر بموجات متكررة من الاحتجاج العارم من قبل مجموعات ثانويّة، وازداد الاستقطاب السياسيّ عمقًا بين المجموعات الإثنيّة المختلفة.

بالرغم من نجاح إسرائيل في تقديم صورة ديمقراطيّة ذاتية "منفتحة"، وبخاصّة من خلال وجود عمليّة انتخابيّة تنافسيّة، وحرّيّة نسبيّة لوسائل الإعلام، تحوّلت عمليًّا إلى دولة توظَّف من اجل توسّع وهيمنة مجموعة إثنيّة واحدة على حساب الأقلّيّات. وبقيت إستراتيجية التهويد والشّكْنَـزة القاعدةَ الأساسيّة التي يرتكز إليها النظام الإسرائيليّ الإثنيّ، وتراهن هذه الإستراتيجية على استمرار السيطرة اليهوديّة الإشكنازيّة على جميع أجهزة السلطة والقوّة. تقود المجموعات المقموعة، وما زالت، نضالاً للتحرر والمساواة، وتشكّل - معًا وكلّ على حدة - رأس الحربة من أجل تغيير الوضع القائم منذ العام 1948. وتشكّل هذه المجموعات ونضالها من أجل المساواة موضوعَ كتابي المنشور في مدار .

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر