رام الله: صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، في رام الله، عدد جديد من فصلية "قضايا إسرائيلية" تركز حول ذكرى مرور مئة عام على صدور وعد بلفور ، يضم مجموعة دراسات عالجت مضامين الوعد، والخلفيات البريطانية الاستعمارية الواقفة وراءه، وما واكبه من جدل داخلي صهيوني، إلى جانب البيئة الدولية المواكبة لصدوره، وكيف تمت ترجمته لاحقا إلى وقائع ظالمة على أرض فلسطين.
وجاء في كلمة المحرر، أن "الوعد لم يكن ليكون بهذه الأهمية لولا تحوله إلى وثيقة معتمدة من قبل عصبة الأمم ليتحول إلى سياسة رسمية دولية. بهذا المعنى، كان الفلسطينيون ضحايا ما يجري تسميته بالشرعية الدولية، لأن الشرعية الدولية لم تكن حينها سوى تعبير عن إرادة الدول الاستعمارية."
وأضاف :"حول وعد بلفور، الذي تحول إلى جزء من كتاب الانتداب، فلسطين، إلى بلد ثنائي القومية، ووعد قومية واحدة بمشروع الدولة ووعد القومية الثانية بأن يحولها إلى طوائف يجب أن تحظى بالمساواة المدنية. إلا أن أهميته تكمن في اعترافه بالمؤسسات الصهيونية باعتبارها ممثلا لقومية يهودية تقيم فوق المكان."
وأوضح المحرر: "لم تكن الصهيونية حتى تلك اللحظة تحظى بتأييد كبير بين اليهود ولَم تنجح إلا باستجلاب عشرات الآلاف إلى فلسطين فقط لا غير. إلا أن الاعتراف البريطاني ثم الدولي بهذه القيادة وهذه المؤسسات توّجها ونصبها ممثلا، وبالتالي حسم النقاش الداخلي بين اليهود أنفسهم حول سؤال من يمثلهم على الساحة الدولية. اعترفت أوروبا الكولونيالية باليهود كشعب خارج أوروبا فقط وأنكرت عليهم هذه الصفة في أوروبا نفسها، فكان الخروج من أوروبا شرطا مضمرا كي يتحول اليهود إلى شعب معترف به. "
يضم العدد دراسة بعنوان "وعد بلفور بين عصبة الأمم وصك الانتداب" لأحمد غنيم، تتلخص بأن وعد بلفور لم يكن له لحظة صدوره أي قيمة قانونية، فهو عبارة عن تصريح فردي، موجه إلى شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الدولي، إضافة إلى مخالفته للقواعد الآمرة في القانون الدولي ومعايير اعتماد المعاهدات الدولية. إلا أن بريطانيا عملت على تغليف الوعد بالقيمة القانونية بدءًا من مؤتمر باريس 1919 بعد إقرار صك الانتداب، ثم في معاهدات مختلفة دولية كثيرة.
ويرصد الباحث عبد الغني سلامة في دراسة له المقدمات التاريخية والسياسية لوعد بلفور، "حيث التقت التوجهات مع مصالح الفئات اليهودية المستفيدة، في حين عارضتها قطاعات واسعة من اليهود ورفضت التورط في هذه المغامرة، بل وأطلقت على دعاتها تسمية الصهيونية اللاسامية..".
ويحلل الباحث آفي شيلون في دراسة يضمها العدد ردود الفعل الصهيونية المختلفة تجاه "وعد بلفور" ، مشيرا إلى انه "على الرغم من الأهمية الهائلة لوعد بلفور في تطور المشروع الصهيوني، ومظاهر الانفعال والترحيب التي قوبل بها صدوره، إلا أن ردود الفعل تجاهه لم تكن أحادية البعد. ففيما عدا الجمهور اليهودي غير الصهيوني، الذي تخوّف من إمكانية أن يضر "الوعد" بعمليات ذوبان اليهود في دول الغرب، والجمهور الديني – الحريدي، الذي رفض وعد بلفور، وذلك لأنه رفض مبدئيا المشروع الصهيوني القومي العلماني، فقد أثار وعد بلفور في صفوف الصهيونيين أيضا، الذين أيدوا صدوره، مخاوف وشكوكا. وقد نبع التحفظ في المقام الأول تجاه وعد بلفور ذاته من دوافع عملية ".
ويقدم الباحث خالد عنبتاوي مساهمة تحليليّة للظروف العينيّة التي أعقبت إصدار وعد بلفور مع التشديد على البعد الطبقي (المادي-والجدلي) لهذه الظروف، تحت عنوان وعد بلفور: الصهيونية والإمبريالية-عن تشابكهما الجدليّ وأثره المتبادل. ويقرأ هذا المقال النقاشات والصراعات داخل الحركة الصهيونيّة بين التيارات المختلفة بخصوص الاعتماد على القوى الخارجيّة، قبل الوعد وبعده، ويتطرّق إلى أثره على نشاط الحركة الصهيونيّة في مرحلة الانتداب الأولى.
وفي العدد دراسة تحت عنوان" العوامل والأسباب التي وقفت خلف صدور وعد بلفور: حاييم وايزمان، الحركة الصهيونية والإمبريالية البريطانية" لداني جوتوين تركز على سؤالين رئيسيين، الأول: "ما هي العوامل والأسباب التي دفعت حكومة بريطانيا لإصدار وعد بلفور"؟ والثاني : "ما هو الدور الذي لعبه حاييم وايزمان – أول رئيس لدولة إسرائيل – في الخطوات والمساعي التي أدت إلى صدور هذا القرار"؟!
وتكتب هنيدة غانم في العدد عن كيف يتحول التطهير الإثني من حدث إلى بنية " إلى جانب مقال تحت عنوان "الشركس بوصفهم "أقليّة مفضّلة"- مقاربة لفهم سياسات الأثننة في الإطار الاستعماري للدولة اليهودية" لمالك سمارة، ومقال بعنوان "ملاحظات حول أدب "الاعتراف" الإسرائيلي" لعز الدين التميمي.
وفي زاوية من الأرشيف ترجمة "لقاء في شقة بلفور، 23 رو نيتو، باريس، الساعة 4:45 عصرًا من يوم 24 حزيران 1919"، حضره بلفور، و القاضي برانديز، واللورد يوستاس بيرسي وفرانكفورتر، يكشف عن تنسيق وتبادل للآراء وتخطيط يبيّن أنه لم يكن بمقدور أي رجل دولة أن يكون أكثر تعاطفًا من بلفور مع الفلسفة والأهداف الدفينة التي تقوم الصهيونية عليها حسبما بينها القاضي برانديز، ولا أن يفوقه في حرصه على تأمين الشروط الضرورية من خلال مؤتمر السلام وبريطانيا العظمى لضمان إنجاز البرنامج الصهيوني وتجسيده.