تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2002

تعاملت إسرائيل بحذر شديد مع نتائج الاستفتاء العام الذي جرى في بريطانيا يوم الخميس الماضي، وحسمت فيه أغلبية 51.9% من البريطانيين مسألة خروج دولتهم من الاتحاد الأوروبي، علما أن هناك من يعتبر أن هذه النتيجة ليست نهائية لأن عريضة وقع عليها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص تطالب البرلمان بإعادة إجراء الاستفتاء.

وبرغم أنه ليس واضحا ما إذا سيُعاد الاستفتاء أم لا، فإن النتيجة التي أعلِنَت يوم الجمعة الماضي، صدمت الاتحاد الأوروبي، وقسما كبير من العالم، وتم التعبير عن ذلك بهبوط البورصات في العواصم المركزية، وخاصة الأوروبية، وتهاوي أسعار النفط والجنيه الإسترليني واليورو.

وسجلت مؤشرات أسهم بورصة تل أبيب، أمس الأحد، انخفاضا حادا، زاد عن 3% في جميع المؤشرات.

الحكومة الإسرائيلية تلتزم الصمت

امتنعت الحكومة الإسرائيلية عن التعليق على نتائج الاستفتاء، واكتفى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالتعبير عن أسفه حيال إعلان نظيره البريطاني، ديفيد كاميرون، عن استقالته بحلول تشرين الأول المقبل.

وينبع امتناع إسرائيل عن التعليق رسميا على نتائج الاستفتاء من أنها لا تريد أن تغضب طرفا داخل بريطانيا، ولأنها لم تحدد بعد أيهما أفضل بالنسبة لها: تبعات الخروج أم أفضلياته حيال سياستها ضد الفلسطينيين والصراع.

وكتب السفير الإسرائيلي السابق في بريطانيا والأمم المتحدة، رون بروسور، في مقال في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس، فيما يتعلق بالعلاقات بين إسرائيل وبريطانيا، أنه "يصعب تحديد تبعات هذه الخطوة (أي الاستفتاء)".

وأضاف أنه "من جهة، مجرد خروج بريطانيا سيخسر إسرائيل قوة صديقة وعامل اعتدال داخل الاتحاد، الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى مواقف أوروبية أكثر نقدية من الماضي. ومن الجهة الأخرى فإن بريطانيا، كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي وحلف شمال الأطلسي، بإمكانها أن تضع نفسها كقوة سياسية دولية وأن تتمتع بحرية أكبر من أجل انتهاج سياسة خارجية متحررة من قيود الاتحاد، حتى حيال مسألة العلاقات مع إسرائيل".

من جانبه، استعرض المراسل السياسي في صحيفة "هآرتسباراك رافيد، المعضلة الإسرائيلية حيال نتائج الاستفتاء.

وأشار رافيد إلى أنه خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاستفتاء، جرت في وزارة الخارجية الإسرائيلية مداولات عديدة حول انعكاسات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك بالاستعانة ببرقيات دبلوماسية ومحادثات مع مؤيدي ومعارضي هذه الخطوة.

وكان كاميرون قد التقى مع زعماء المجتمع اليهودي البريطاني، الأسبوع الماضي، وقال لهم إن بريطانيا، "صديقة إسرائيل الأكبر"، وهي تعارض من داخل الاتحاد الأوروبي حملة المقاطعة وفرض عقوبات وسحب استثمارات ضد إسرائيل. وأضاف محذرا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني "أنها خارج الغرفة وفاقدة لقوة التأثير على النقاش داخلها".

وكتب رافيد أن أقوال كاميرون عكست رأي قسم من المسؤولين في الخارجية الإسرائيلية.

ونقل رافيد عن موظف إسرائيلي رفيع قوله إن "الخط المركزي في التفكير الإسرائيلي قبل الاستفتاء كان أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يخدم المصلحة الإسرائيلية، خاصة في كل ما يتعلق بطبيعة ومدى التعامل الأوروبي مع القضية الفلسطينية". فقد كان لبريطانيا في السنوات الأخيرة "تأثير إيجابي" بالنسبة لإسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي.

وأضاف الموظف الإسرائيلي أنه "من دون بريطانيا، ستصبح الدول المؤيدة للفلسطينيين، مثل مالطا وإيرلندا والسويد وسلوفينيا، مؤثرة أكثر".

واعتبر قسم آخر من المسؤولين في الخارجية الإسرائيلية أن ثمة أفضليات كبيرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأنه سيخدم المصلحة الإسرائيلية.

إحدى هذه الأفضليات هي أن خروج بريطانيا سيضعف الاتحاد الأوروبي ومؤسساته بشكل كبير، وسيضر بتأثيره الدولي وسيخرج الزخم من قراراته، خاصة في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني.

وبحسب ادعاء آخر، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيعزز العلاقات الثنائية بينها وبين إسرائيل، وسيمكن بريطانيا من القيام بمناورات سياسية من دون أن تكون متعلقة بالاتحاد ومواقفه.

وقال ادعاء ثالث إن خروج بريطانيا سيقوض استقرار الاتحاد الأوروبي ويلزم مؤسساته والدول الأعضاء فيه ببذل جهد من أجل تكتل صفوفه على حساب الانشغال بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
لكن من الجهة الأخرى، لفت الموظف إلى أنه من الجائز أن يحدث العكس تماما، بحيث "يبحث الاتحاد الأوروبي عن مواضيع يوجد إجماع حيالها بين أعضاء الاتحاد من أجل توحيد صفوفه، والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو أحد أبرز هذه المواضيع".

وأشار رافيد إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعدت مسودة بيان للحكومة الإسرائيلية في أعقاب ظهور نتائج الاستفتاء، يوم الجمعة الماضي. ورغم أن البيان لم يتضمن موقفا واضحا حيال نتائج الاستفتاء، إلا أنه تقرر في نهاية الأمر عدم نشره.

ورأى رافيد أن الامتناع عن إصدار بيان لا يدل على عدم مبالاة إسرائيل تجاه نتائج الاستفتاء، "لكن في هذه المرحلة ليست لديها سياسة مبلورة تجاه اليوم التالي".

وقال الموظف الإسرائيلي إن التقديرات في الخارجية الإسرائيلية تشير إلى أن العلاقات الإسرائيلية – البريطانية لن تتضرر، لكن إحدى المهمات الإسرائيلية في المرحلة المقبلة تقتضي دراسة الاتفاقيات التي ستوقع مع بريطانيا وفي مقدمتها اتفاقية التجارة الحرة.

وخلص رافيد إلى أن إسرائيل تفضل في هذه الأثناء السير بين القطرات في ردة فعلها على الاستفتاء، فهي لا تريد إغضاب البريطانيين الذي أيدوا الخروج من الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن أحد زعماء هذا المعسكر، رئيس بلدية لندن السابق، بوريس جونسون، قد يصبح رئيسا لوزراء بريطانيا. ومن الجهة الأخرى فإن إسرائيل لا تريد إغضاب زعماء الاتحاد الأوروبي الغاضبين على بريطانيا، ولا إغضاب الولايات المتحدة التي سعت إلى إقناع البريطانيين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، وفشلت في ذلك.

الاستفتاء لن يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي

تشير التقديرات في وزارة المالية الإسرائيلية، وفقا لبيان صادر عنها أمس، إلى أن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد الإسرائيلي سيكون مشابها لتأثير أزمة سوق اليورو في العام 2012، عندما سجلت مؤشرات بورصة تل أبيب انخفاضا بمعدل 6.5%.

وأشارت الوزارة إلى أن بريطانيا هي خامس أكبر اقتصاد في العالم والثاني في أوروبا، وفي حال دخول بريطانيا إلى ركود اقتصادي، على ضوء المس بحجم صادراتها، فإنه لا يتوقع أن يؤدي ذلك إلى أزمة عالمية، لكنه سيؤثر على أسواق المال التي سترافق عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي والتي ستستمر لفترة معينة.

ورغم اعتراف وزارة المالية الإسرائيلية بوجود انعدام يقين كبير إزاء التبعات الاقتصادية لنتائج الاستفتاء، لكنها اعتبرت أن ميزان التهديدات والفرص، من وجهة النظر الإسرائيلية لا يميل نحو اتجاه سلبي بالضرورة، وأن التبعات هي سياسية بالأساس، خاصة من "ظاهرة دومينو" تتمثل بخروج دول أخرى من الاتحاد الأوروبي.

وتتخوف إسرائيل من سيناريو متطرف، رغم أن احتمالات تحققه حاليا ضئيلة جدا، وهو تفكك الاتحاد الأوروبي أو حدوث أزمة اقتصادية عالمية، سيتأثر الاقتصاد الإسرائيلي منها بشكل كبير.

وسعى رئيس اتحاد أرباب الصناعة والمنظمات التجارية الإسرائيلية، شراغا بروش، إلى تهدئة الخواطر. ونقلت عنه صحيفة "غلوبس" الاقتصادية قوله أمس، إن "أمامنا سنتين من الاستعدادات إلى حين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيتم خلالهما توقيع اتفاقيات تجارة جديدة".

وأضاف "أتوقع أن ما حدث في أسواق العالم في اليومين الماضيين سيتوازن خلال أسابيع معدودة والضرر الذي سيلحق بالاقتصاد العالمي سيكون ضئيلا".

تأثير محدود على الصادرات الإسرائيلية

وفقا لتقديرات الخبراء الاقتصاديين في "معهد الصادرات" الإسرائيلي برئاسة شاؤولي كتسلنسون، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يؤثر جوهريا على الصادرات الإسرائيلية إلى بريطانيا، التي تتميز بطلب ثابت على بضائع، أبرزها الأدوية، لكن الهزة في الأسواق خلال الأشهر القريبة المقبلة ستؤثر على الصادرات الإسرائيلية بصورة عامة.

وتشير التقديرات السائدة في إسرائيل إلى أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى تراجع الاستهلاك في بريطانيا، وارتفاع تكلفة التجارة وانخفاض قيمة العملة المحلية، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع جاذبية التصدير إلى بريطانيا.

إضافة إلى ذلك، فإن المصدرين الإسرائيليين الذين يبرمون صفقات بالجنيه الإسترليني، سيتضررون جراء انخفاض قيمة هذه العملة، ومن الجهة الأخرى فإن الاستيراد من بريطانيا سيكون أقل تكلفة بالشيكل.

وذكرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية العبرية، أنه سُجل نشاط تجاري متزايد في الاستيراد من بريطانيا إلى إسرائيل في مواقع التجارة الالكترونية، خلال نهاية الأسبوع الماضي.

وأشار كتسلنسون إلى أن بريطانيا تحتل المكان الثاني بالنسبة للصادرات الإسرائيلية بعد الولايات المتحدة. وبلغ حجم تصدير البضائع والخدمات التجارية من إسرائيل إلى بريطانيا 4.7 مليار دولار في العام الماضي.

واستمر ارتفاع حجم هذه الصادرات بفضل تصدير الأدوية. لكن من دون احتساب تصدير الأدوية، فإن الصادرات الإسرائيلية تراجعت بنسبة 15%، وجزء من هذا التراجع نابع من انخفاض سعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار.

وبرز تراجع الصادرات الإسرائيلية إلى بريطانيا في فروع الكيميائيات والمطاط والبلاستيك والمنتجات الزراعية والاتصالات والعتاد الأمني.

ونقلت "ذي ماركر" عن خبراء اقتصاديين في شركة تأمين مخاطر التجارة الخارجية الحكومية الإسرائيلية "أشرا"، تقديرهم أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيحدث حالة فوضى في الأسواق وحرب عملات، ستلحق ضررا بالتصدير الإسرائيلي إلى أوروبا.

وتوقع مدير عام "أشرا"، تساحي ملآخ، أنه في الأسابيع المقبلة سيتم إرجاء التوقيع على صفقات تصدير، لم توقع بعد، إلى أوروبا كلها، وذلك إلى حين اتضاح صورة الوضع.

وحذر ملآخ من أن الفوضى ستتزايد في حال قررت دول أخرى الخروج من الاتحاد الأوروبي، مثل لوكسمبورغ ومالطا وإيرلندا وقبرص.
ورأى ملآخ أن "خروج بريطانيا تؤكد على حاجة المصدرين الإسرائيليين إلى تقليص تعلقهم بالتصدير إلى أوروبا وتعميق جهود الدخول إلى أسواق أخرى، مثل دول أفريقيا والصين".

وقال مدير عام اتحاد المزارعين الإسرائيليين، أفشالوم فيلان، إن الصادرات الزراعية إلى أوروبا، التي تراجعت في السنوات الثلاث الماضية وحجمها اليوم مليار يورو، يمكن أن تتضرر أكثر في حال دخول بريطانيا إلى ركود اقتصادي.

وقال رئيس دائرة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد والصناعة، أوهاد كوهين، إنه "بالنسبة لإسرائيل والاتفاقيات التي تجري الأمور بموجبها مع بريطانيا، لا يوجد حاليا أي تغيير ولو حتى بحجم ضئيل للغاية، ونتيجة الاستفتاء لا تغير شيئا بالنسبة للمصدر الإسرائيلي. فالاتفاقيات بين الدولتين لا تزال سارية المفعول، ولا تزال بريطانيا عضوا في جميع المؤسسات الأوروبية وتتصرف في إطارها مثلما تصرفت حتى الآن بالضبط".

لكن كوهين عبر عن التوجس في إسرائيل في الأمد البعيد، وقال إنه "ليس واضحا الآن متى ستقدم بريطانيا على الخطوة الفعلية، بالتوجه إلى الاتحاد الأوروبي بطلب الخروج منه وكم ستستغرق المفاوضات التي ستجري بينها وبين الاتحاد، والتي يتوقع أن تستمر سنتين وستحدد خلالها ’شروط الطلاق’".

وخلص إلى أن "لا أحد لديه أية فكرة كيف ستبدو الأمور. فالاتفاقيات التجارية التي بموجبها تتاجر إسرائيل مع بريطانيا وُقعت في العام 1975، وإذا تم الانفصال فعلا فإنه سنضطر إلى إجراء مفاوضات حول اتفاق تجارة جديد".