تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

أقرت لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست الإسرائيلي، يوم الاثنين الماضي (29/2/2016)، مشروع قانون يسمح بإقالة عضو كنيست من دون تحديد فترة إبعاده عن الكنيست في حال أيد ذلك 90 عضو كنيست، وهو مشروع القانون الذي بات يعرف باسم "قانون الإقصاء"، ويستهدف بالأساس أعضاء الكنيست العرب.

 

وسادت اجتماع هذه اللجنة البرلمانية أجواء عاصفة، وهدد أعضاء الكنيست العرب في القائمة المشتركة بالاستقالة من الكنيست في حال سن مشروع القانون.

وسيطرح مشروع القانون في الهيئة العامة للكنيست، الأسبوع المقبل كما يبدو، من أجل التصويت عليه بالقراءة الأولى.

وبرغم الانتقادات الشديدة للقانون، وليس فقط من جانب أحزاب المعارضة وإنما تعالت أصوات ضده من داخل حزب الليكود الحاكم أيضا بأنه سيقضي على ما تبقى من الديمقراطية الإسرائيلية، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المبادر إلى مشروع القانون، صرح قائلاً "أحيي الائتلاف الذي مرر قانون الإقصاء في لجنة الدستور والقانون والقضاء، الذي سيصل قريبا جدا إلى القراءة الأولى. وأشكر جميع نواب الكتلة (كتلة الليكود) وجميع نواب الائتلاف الذين اجتمعوا سوية في هذا الجهد الهام".

إلا أن المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، حذر في وجهة نظر قدمها إلى اللجنة البرلمانية من أن سن مشروع القانون هذا "يستوجب حذرا بالغا على ضوء الصعوبات المفهومة التي يثيرها"، مشيرا إلى أن سنّه "سيخول أغلبية سياسية بإيقاف ولاية عضو كنيست انتخب بصورة قانونية، وإلى إحباط رغبة الناخبين الذين انتخبوه".

يشار إلى أن نتنياهو طرح مشروع "قانون الإقصاء" بعد أن قاد حملة تحريض واسعة وغير مسبوقة ضد أعضاء الكنيست من حزب التجمع في القائمة المشتركة، جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس، في أعقاب لقائهم مع عائلات شهداء القدس، الذين طالبوا أعضاء الكنيست بالعمل من أجل إعادة جثامين أبنائهم التي ترفض إسرائيل تسليمها لدفنها.

واستنكر زحالقة قرار لجنة الدستور والقانون والقضاء، وقال إن "هذا قانون ضد العرب أولا، وبعد ذلك سيستخدم ضد أعضاء كنيست يهود. وينبغي دفنه الآن، قبل أن يدفن هذا القانون الديمقراطية أو ما تبقى منها".

وأضاف زحالقة أنه "اجتمع سوية فاشيون وعنصريون وانتهازيون من أجل تمرير قانون يسمح لعضو كنيست بإقصاء زميله... وإذا ما بدأوا بطرد نواب عرب من الكنيست، كما يخطط مؤيدو القانون، فإن الجمهور العربي سيقاطع الانتخابات وستكون هناك كنيست لليهود فقط. وسنتمكن من إقامة برلمان خاص بنا وسنطلب من العالم الاعتراف به، وسندعي أننا أقلية في خطر".

كذلك قال رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، خلال اجتماع اللجنة، "لقد انتخبنا من شعبنا وليس من قبل اليمين. لم ينتخبنا أعضاء كنيست ولا نريد ولا نعمل من أجل إرضائهم. لذلك، في حال قررتم إخراج نواب التجمع، فإنني سأدرس الاستقالة من الكنيست".

وأضاف عودة أنه "على الرغم من حملة نزع الشرعية ضدنا ورفع نسبة الحسم، قررنا البقاء جزءا من السياسة في إسرائيل ولا تزالون تلاحقوننا. فجأة بدأوا يتحدثون عن التجمع وليس عن القائمة المشتركة، بعد أن أخرجوا الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) عن القانون، والآن بدأوا ينزعون الشرعية عن التجمع".

ورأى النائب دوف حنين، من القائمة المشتركة، أن "هذا حضيض في تاريخ الكنيست ولجنة الدستور والقانون والقضاء. ورئيس الحكومة يريد منع العرب في إسرائيل من التصويت من أجل أن يحصل على أغلبية مضمونة لاستمرار حكمه. ورسالة نتنياهو إلى المواطنين العرب: إذا أثار نوابكم غضب اليهود فسوف نطيح بهم. لا توجد إمكانية لأن يكون لكم تأثير هنا".

وقالت عضو الكنيست ريفيتال سويد، من كتلة "المعسكر الصهيوني": "دعونا نسمي الأمور بأسمائها، هذا قانون تصفيات. يرصدون أعضاء الكنيست الذين لا يوافقون على رأيهم ويصفونهم سياسيا إلى الأبد. الكراهية للعرب تعمي عيون أعضاء الكنيست إلى درجة سن قانون لا يدعمه أي مستشار قانوني. وهذا العمى يجعل الائتلاف غير مبالٍ حيال المس الخطير بالديمقراطية، ويحظر السماح بذلك".

وكان لافتا خلال اجتماع اللجنة موقف عضو الكنيست بيني بيغن، من حزب الليكود وأحد أبرز رموز اليمين العقائدي. وقال بيغن لأعضاء اللجنة إن "هذا القانون إشكالي جدا، إشكالي للغاية. لم أتطرق إلى صيغة كهذه أو تلك لمشروع القانون، وإنما للمبدأ. في سنوات الخمسين أبعدت أغلبية في الكنيست لشهور معدودة برلمانيا بارزا اسمه مناحيم بيغن. لماذا؟ لأن الكنيست استطاع القيام بذلك".

القانون يسري على معارضة "الدولة اليهودية"

ذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أن رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء، نيسان سلوميانسكي، من كتلة "البيت اليهودي"، أنهى صياغة "قانون الإقصاء" بناء على طلب نتنياهو، وذلك قبل طرحه في اجتماع اللجنة، يوم الاثنين الماضي.

وتبين من الصيغة الجديدة لمشروع القانون أنه يسمح بإقصاء عضو كنيست بسبب تصريحات يطلقها أو معارضته لمقولة أن إسرائيل هي "دولة يهودية وديمقراطية". كما أن الصيغة الجديدة لا تحدد الفترة الزمنية للإقصاء.

ويدعو "قانون الإقصاء" إلى تعديل البند السابع في قانون أساس: الكنيست، الذي يحدد الذرائع التي تسمح للجنة الانتخابات المركزية بشطب مرشح أو قائمة ومنعها من الترشح في الانتخابات. ويوسع مشروع القانون الجديد ذرائع شطب مرشح أو قائمة، وينص على أنه يكفي أن يعبر المرشح أو القائمة عن دعم للكفاح المسلح، الذي لا يقترن بالضرورة مع "تنظيم إرهابي" أو "دولة عدو".

كذلك ينص مشروع القانون الجديد على أنه لدى اتخاذ قرار الشطب، سيكون بإمكان لجنة الانتخابات المركزية التطرق إلى تصريحات مرشحين وليس فقط لأهدافهم المعلنة أو أفعالهم.

وفيما يتعلق بإقصاء عضو كنيست، ينص مشروع القانون على أنه يصبح ساري المفعول بعد عشرة أيام من اتخاذ القرار، وأنه مكان النائب الذي يتم إقصاؤه يحل المرشح الذي يليه في قائمة حزبه. لكن مشروع القانون ينص أيضا على أن هذا الإجراء لا يسري على نشاط أعضاء كنيست جرى قبل دخول "قانون الإقصاء" حيز التنفيذ، أي أنه لن يكون بالإمكان إقصاء نواب التجمع الثلاثة بسبب لقائهم مع عائلات شهداء القدس.

وبحسب نص مشروع القانون الجديد، فإن بإمكان الكنيست إقصاء نائب بسبب التحريض على العنصرية أو نفي وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.

وقال سلوميانسكي في تصريحات صحافية بعد استعراض أسس مشروع القانون، إن "هذه هي صيغتي. القانون الجديد لن يتطرق إلى تعريف تأييد منظمة إرهابية لأن موجة الإرهاب الحالية (الهبة الشعبية الفلسطينية) يقوم بها أفراد وليس منظمة. وعندما نقول بلغة القانون ’أعمال إرهابية’ فإنها تشمل كل شيء".

يشار إلى أن إجراءات إقصاء عضو كنيست مركبة ويرى كثيرون أن ثمة شكا في ما إذا كان بالإمكان تطبيقه، إذ يقضي مشروع القانون بأن يتوجه 61 نائبا إلى لجنة الكنيست من أجل المطالبة بإقصاء نائب. وبعد ذلك يتعين على لجنة الكنيست الحصول على أغلبية ثلاثة أرباع أعضائها من أجل التوصية أمام الهيئة العامة للكنيست بمواصلة إجراءات الإقصاء، ثم الحصول على تأييد 90 عضو كنيست للإقصاء. ويتعين على الهيئة العامة للكنيست، لدى التصويت، أن تحدد فترة الإقصاء.

وأشار سلوميانسكي إلى أنه يعي صعوبة تطبيق هذا القانون، لكنه اعتبر أنه "حتى لو لم يتمكنوا من تطبيقه، فإن القانون الجديد لا يزال بالإمكان استخدامه للردع. وسيعرف عضو الكنيست أنه بأدائه قد يشكل خطرا على استمرار بقائه في الكنيست ويعيد دراسة أفعاله".

وخلافا لقانون أساس: الكنيست الذي يلزم المحكمة العليا بالمصادقة على قرارات لجنة الانتخابات المركزية بشطب ترشيح مرشحين للكنيست، فإنه بحسب مشروع القانون الجديد لا توجد حاجة إلى مصادقة المحكمة العليا في أعقاب قرار الهيئة العامة للكنيست بإقصاء نائب.

وفي المقابل، يمنح "قانون الإقصاء" النائب الذي يتم إقصاؤه مهلة للاستئناف على قرار الهيئة العامة للكنيست بالتوجه إلى المحكمة العليا ضد القرار إذا ما أراد ذلك.

كما أن بإمكان عضو الكنيست المرشح للإقصاء أن يستعين بمحام كي يمثله خلال الإجراءات الأولية لعملية الإقصاء في لجنة الكنيست.

ريفلين يعارض "قانون الإقصاء"

دافع نتنياهو عن "قانون الإقصاء" خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في برلين قبل أسبوعين، معتبرا أن "الديمقراطية ملزمة بالدفاع عن نفسها، ولا يمكن استغلال الديمقراطية من أجل محاولة التسبب بسقوطها".

وتابع نتنياهو أنه "عندما يؤيد أعضاء كنيست حركات تدعو بشكل صريح إلى القضاء على إسرائيل، وعندما يؤيدون الإرهاب، وعندما يقفون دقيقة صمت لذكرى قتلة أولاد، فإنه بإمكان الكنيست ويتوجب عليه أن يعمل ضدهم، وسيعمل ضدهم من خلال القانون".

ويذكر أن نتنياهو اعتبر اللقاء بين نواب التجمع وعائلات شهداء القدس، الذي تمحور حول سبل تحرير الجثامين، أنه "دعم للإرهاب"، وأن قراءة الفاتحة على شهداء فلسطين هو وقوف دقيقة صمت حداد على شهداء القدس خلال الهبة الحالية.

وفي مقابل مواقف نتنياهو، عبر الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، عن معارضته لـ"قانون الإقصاء" وانتقده قائلا إن "رئيس الدولة ورئيس الكنيست ينتخبان من قبل الكنيست، ولذلك فإن لدى الكنيست صلاحية الإطاحة بهما. لكن خلافا للرئيس، فإن قانون إقصاء أعضاء كنيست يخطئ جوهر الكنيست الذي هو ممثل الحكم وليس الحكم نفسه".

وأضاف ريفلين أن "أعضاء الكنيست الذين ارتكبوا مخالفات جنائية أو توجد شبهات حيالهم بارتكاب مخالفات جنائية، على المستشار القانوني للحكومة أن يأمر بفتح تحقيق وعملية تقصي حقائق بشأنهم، وينبغي استنفاد كافة الإجراءات ضدهم بعد نزع حصانتهم. لكن يحظر إعطاء الكنيست، وممثليه المنتخبين من الجمهور، صلاحية أن يقلب هو نفسه قرار الجمهور".

وحذر ريفلين من أن "يتمكن الكنيست، ولو بحق، من اتخاذ قرار اليوم بوقف ولاية مندوبي جمهور كهؤلاء ويأمر غدا، بدون وجه حق، بوقف ولاية آخرين. ويحظر إعطاء الكنيست، كسلطة تشريعية ومراقبة، أن تتحول إلى جهة محققة ومعاقِبة. ووضع كهذا سيخطئ ويخرب هدف الكنيست لفترة طويلة، والمتضررة الوحيدة ستكون دولة إسرائيل".

وبعد أن ندد ريفلين بلقاء نواب التجمع مع أهالي شهداء القدس، قال إنه "حتى لو تعين محاكمتهم، ويل لنا إذا كان الكنيست هو الجهة التي ستحاكمهم. لذلك فإن مهمة اليمين الليبرالي هي أن يضع، من داخل معسكر اليمين، بديلا فكريا، حادا وقاطعا لصيغة الديمقراطية الضيقة. وهذا نضال فكري وتربوي ويجب أن ينفذ في المستوى العملي أيضا".

وانتقد الباحثان في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، عمير فوكس ومردخاي كريمنيتسر، مشروع القانون الجديد، وأكدا في وجهة نظر قانونية أن "الحديث يدور عن مشروع قانون مرفوض، يمنح سلطة زائفة وخطيرة للكنيست، الذي كهيئة لا يملك الأدوات الملائمة للعمل في هذا المجال".

وشدد الباحثان على أنه "بعكس عقوبات لجنة الكنيست، فإن الحديث في هذه الحالة يدور حول منح قوة لأعضاء الكنيست من أجل أن يسحبوا بشكل كامل حق زملائهم في التصويت، ومن الناحية العملية فإن هذا إجراء يستدعي دوامة سياسية ومكارثية".

وأضاف الباحثان أن محاسبة نواب عبروا عن تأييد للكفاح المسلح هو من خلال القانون الجنائي. و"إقصاء أعضاء كنيست عرب سيؤكد ادعاءاتهم حول ملاحقة وكم أفواه سياسي. ولذلك، طالما أنه لا يدور الحديث عن مخالفة جنائية فإن من الأفضل للمجتمع الإسرائيلي احتواء هذه الآراء، مهما كانت مثيرة للغضب، وتعزيز الديمقراطية".