تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

تشهد إسرائيل في السنوات الأخيرة تراجعاً ملموساً في الحيز الديمقراطي الذي كان متوفراً أصلاً للمواطنين اليهود بشكل كبير وواسع وللمواطنين العرب بشكل أقل بكثير. فالتمييز ضد العرب، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وما إلى ذلك، كان سياسة معتمدة منذ تأسيس إسرائيل.

رغم ذلك، فإن حتى هذا الحيز الديمقراطي تراجع في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ عودة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى الحكم في العام 2009. ومنذ ذلك الحين تراجع هذا الحيز بوتيرة متزايدة، وعلى ما يبدو سيصل ذروته خلال ولاية حكومة نتنياهو الحالية، اليمينية المتطرفة الضيقة.

وإحدى الحلبات الأساسية التي تهدد الديمقراطية الإسرائيلية رغم نقصها ومساوئها المتأصلة، هي المؤسسة التشريعية، أي الكنيست.

وقال تقرير جديد لجمعية حقوق المواطن في إسرائيل إن دورتي الكنيست الـ18 التي انتخبت في العام 2009 والكنيست الـ19 التي انتخبت في العام 2013 "اتسمتا بمبادرات تشريعية كثيرة هدفها إضعاف الديمقراطية الإسرائيلية، وفي مقدمتها المساس بقيم حقوق الإنسان، مثل المساواة وحرية التعبير والاحتجاج والتنظيم، والمساس بمؤسسات الديمقراطية مثل السلطة القضائية والمؤسسة الأكاديمية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، والمساس بالفرد ومنظمات حقوق الإنسان".

وأشارت الجمعية إلى أنه في موازاة ذلك "تعززت محاولات المساس بالخطاب الديمقراطي وبحيز النشاط، بواسطة تهجمات كلامية وأحيانا جسدية أيضا ضد الأقلية في الكنيست. وعمليا فإن الثقافة السياسية تلقت مميزات عنف وكراهية وعنصرية، فيما الأغلبية لا تدافع عن الأقلية وإنما تستغل الديمقراطية من أجل فرض حكم الأغلبية، بدلا من حماية الأقليات وحقوقها".

وأكدت الجمعية أن "الرياح التي تهب من جهة البرلمان الإسرائيلي ومنتخبي الجمهور تؤثر على الجمهور الإسرائيلي بصورة عميقة ومتواصلة".

ولفتت إلى نتيجة أخرى لهذا الوضع وهي عملية "فرض رقابة ذاتية مبالغ فيها من جانب مؤسسات وهيئات، تفرض قيودا على نفسها مسبقا تحسبا من تهجمات ضدها. وهذه الرقابة الذاتية، سواء كانت من جانب السلطة القضائية أو الصحافيين ووسائل الإعلام أو نشطاء اجتماعيين ومنظمات المجتمع المدني، تمس بحرية التعبير وبمبدأ المساواة وبمبدأ التوازنات والكوابح، وتقيد القدرة على الدفاع عن الأقليات" أي المواطنين العرب في إسرائيل والفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

وفيما يلي بعض القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي طُرحت أو ستطرح على جدول أعمال الكنيست الـ20 الحالية.

"قانون القومية"

كان "قانون القومية" أحد الأسباب التي أدت إلى حل حكومة نتنياهو السابقة بعد أن عارضه وانتقده، بسبب صيغته المتطرفة، حزب "يش عتيد" ورئيسه يائير لبيد، وحزب "هتنوعا" ورئيسته تسيبي ليفني، برغم كونهما شريكين في تلك الحكومة.

وفي أعقاب ذلك تعهد نتنياهو بإعادة طرح مشروع "قانون القومية" ثانية في حال وصوله إلى رئاسة الحكومة. لكن خلال المفاوضات الائتلافية عشية تشكيل الحكومة الحالية لم يتوصل نتنياهو إلى صيغة متفق عليها لمشروع القانون هذا مع أحزاب "كولانو" وشاس و"يهدوت هتوراة" الشركاء في الحكومة الحالية.

رغم ذلك، قدم عضو الكنيست بيني بيغن، من حزب الليكود الحاكم، الأسبوع الماضي، مشروع "قانون أساس: دولة إسرائيل"، الذي اعتبر صيغة "مخففة" لمشروع "قانون القومية"، لكنه يستند إلى مشاريع لـ"قانون القومية" قُدمت في السنوات الماضية.

وتنص الصيغة الجديدة لمشروع القانون على أن "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وتستند إلى أسس الحرية، العدالة والسلام على ضوء رؤية أنبياء إسرائيل، وتطبق المساواة في الحقوق لكافة مواطنيها".

وينص البند الثاني في مشروع القانون الجديد على أن "دولة إسرائيل هي ديمقراطية". ووفقا لمشروع القانون فإن "النشيد الوطني، العلم وشعار دولة إسرائيل ستُحدد من خلال القانون"، وأنه كقانون أساس لا يمكن تعديله إلا في حال تأييد أغلبية مؤلفة من 80 عضو كنيست، أي ثلثي النواب.

وكانت مشاريع "قانون القومية" بصيغها السابقة قد نصت على عدم وجود حق لأي شعب باستثناء "الشعب اليهودي" في تقرير المصير في البلاد، وجعلت مكانة الشريعة الدينية اليهودية فوق القانون المدني وأن يخضع هذا الأخير لها.

"قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل"

احتدم السجال في الهيئة العامة للكنيست لدى مناقشة تمديد سريان "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل"، يوم الأربعاء الماضي. ويمنع هذا القانون لم شمل عائلات فلسطينية، أحد الزوجين فيها يحمل المواطنة الإسرائيلية بينما الآخر من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة.

وسن الكنيست هذا القانون لأول مرة في العام 2002، من خلال استغلال اندلاع الانتفاضة الثانية والزعم أن العديد من أبناء العائلات التي فيها أحد الوالدين من الضفة أو القطاع شاركوا أو كانوا ضالعين في عمليات تفجيرية. ويتم تمديد سريان هذا القانون كل عام، وجرى توسيعه ليشمل منع المواطنين العرب من الزواج من عرب مواطني دول أخرى.

وفيما عبر أعضاء الكنيست العرب من القائمة المشتركة عن معارضتهم لهذا القانون العنصري، صعد إلى المنصة نائب وزير الداخلية الإسرائيلي، عضو الكنيست من حزب الليكود يارون مزوز، وقال مخاطبا عضو الكنيست حنين زعبي "أنت أول من ينبغي أن تعيد بطاقة الهوية. نحن نصنع معروفا لكم أصلا بأنكم تجلسون هنا. الإرهابيون لن يجلسوا هنا. أنتم في دولة ديمقراطية وعليكم احترام الدولة".

بعد ذلك صعد نتنياهو إلى المنصة وانبرى يدافع عن القانون العنصري، وقال إن "لجميع مواطني إسرائيل اليهود وغير اليهود الحق في أن يَنتخبوا ويُنتخبوا، لكل من واجب أي مواطن أن ينصاع لقوانين الدولة، ولا يوجد حق لأحد بأن يتهم جنود الجيش الإسرائيلي الذين يدافعون عنا بأنهم مجرمو حرب".

وأردف نتنياهو مخاطبا النواب العرب "أنا أتحدث عن نفاق. لكم الحق بأن تدلوا بأقوالكم، لكن ليس واجبا علينا أن نوافق على النفاق. أنا لم أسمع كلمة منكم عما يحدث في سورية واليمن، لكن تتهمون جنود الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب".

"قانون الجمعيات"

قدم عضو الكنيست يانون ميغال، من حزب "البيت اليهودي"، قبل أسبوعين، مشروع "قانون الجمعيات" الذي يستهدف منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التي تدافع عن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وجاء تقديم هذا القانون إلى جدول أعمال الحكومة غداة نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وأراد ميغال ومؤيدو مشروع القانون الانتقام من منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، بادعاء أنها قدمت معلومات إلى لجنة تقصي الحقائق التي اتهمت الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على قطاع غزة في صيف العام الماضي. واتهمت اللجنة الفصائل الفلسطينية أيضا بارتكاب جرائم حرب.

وينص "قانون الجمعيات" على أن المنظمة التي تتلقى تمويلاً من حكومات أجنبية بمبلغ يزيد عن 50 ألف دولار ستُعرّف بأنها "جمعية خارجية"، وستُلزم بدفع 37% من أي تبرع تتلقاه كضريبة.

كذلك ينص مشروع القانون على أن تذكر المنظمة الحقوقية في كافة منشوراتها وموقعها الالكتروني الدولة التي تتبرع لها. وينص أيضا على امتناع حكومة إسرائيل وجيشها عن "التعاون مع جمعيات خارجية، بما في ذلك تحويل ميزانيات وتطبيق أنظمة الخدمة الوطنية وتنظيم مؤتمرات وأيام دراسية وإصدار نشرات مشتركة".

وفي أعقاب ذلك، أعلن وزير الزراعة، أوري أريئيل، من حزب "البيت اليهودي"، عن وقف توجيه متطوعين في الخدمة الوطنية للتطوع في منظمات حقوقية وفي مقدمتها منظمة "بتسيلم".

وقال رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في الهيئة العامة للكنيست إن الرد على تقرير لجنة تقصي الحقائق يجب أن يكون بسن "قانون الجمعيات". وأضاف أن "المصادر التي استند إليها تقرير الأمم المتحدة في حالات كثيرة هي منظمات مثل ’بتسيلم’ و’لنكسر الصمت’".

وتابع بينيت أن "الظاهرة نفسها حدثت لدى إعداد تقرير غولدستون في أعقاب عملية "الرصاص المصبوب"، أي العدوان على غزة في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009.

ويشار إلى أنه تم طرح مشروع "قانون الجمعيات" لأول مرة في دورة الكنيست الـ18.

قوانين انتقامية من الأسرى الفلسطينيين

أقرت الحكومة الإسرائيلية مشروع قانون التغذية القسرية للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم الإداري. وحمل القانون هذه المرة اسم "منع أضرار الإضراب عن الطعام" بعد أن كان يسمى في الماضي "تغذية الأسرى قسراً".

ويتيح مشروع القانون للسلطات الإسرائيلية تغذية الأسرى المضربين عن الطعام والذين يتهدد الخطر حياتهم عنوة، كما ينص على أن تتوجه الدولة للمحكمة قبل تغذية الأسير المضرب وسماع رد موكله عن أسباب استمرار الإضراب عن الطعام.

واعتبر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، الذي طرح مشروع القانون، أن "الأسرى الأمنيين معنيون بتحويل الإضراب عن الطعام إلى عملية انتحارية من نوع جديد، يهددون فيها دولة إسرائيل. لن نسمح لأي شخص بتهديدنا ولن نسمح للأسرى بالموت في سجوننا".

وتخشى إسرائيل أن تعلن مجموعة كبيرة من الأسرى إضرابا عن الطعام بعد شهر رمضان تضامنا مع الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات، الذي هدد بالإعلان عن الإضراب عن الطعام إذا قررت المخابرات الإسرائيلية استمرار منعه من التقاء أفراد أسرته.

وعقب رئيس نقابة الأطباء في إسرائيل ، الدكتور ليونيد إدلمان، على مشروع القانون بالقول إنه "ترفرف راية سوداء فوق مشروع القانون هذا. وهو لن ينقذ الأنفس وإنما سيلحق ضررا بالمضربين عن الطعام ودولة إسرائيل وصورة الطب في إسرائيل أمام العالم".

وحذر إدلمان من أن سن هذا القانون "سيؤدي إلى حملة مقاطعة دولية ضد الأطباء والطب الإسرائيلي في العالم. ونحن نذكر كيف عمل الأطباء في أنظمة ظلامية وبموجب القانون ولكن خلافا لآداب المهنة".

وقررت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع، مطلع الشهر الماضي، أن يؤيد الائتلاف في الكنيست مشروع قانون يمنع الأسرى الأمنيين من حق إجراء محادثات هاتفية مع عائلاتهم، بادعاء التخوف من إعطاء توجيهات من السجن لتنفيذ هجمات.

الجدير بالذكر أن سلطات السجون لم تطبق أبدا حق الأسرى في إجراء محادثات هاتفية منتهكة بذلك نص القانون.
وينص مشروع القانون، الذي قدمته وزيرة العدل، أييليت شاكيد، من حزب "البيت اليهودي" وباسم وزارتها، على منع الحق بإجراء محادثة هاتفية حتى عن المعتقلين بشبهة ارتكاب مخالفات خفيفة نسبيا. وإلى جانب منع الذين ارتكبوا عمليات قتل واختطاف وتجسس وتحطيم طائرة، فإن مشروع القانون يمنع هذا الحق عمن ضُبطت بحوزتهم سكين أو شاركوا في مواجهات.

وقالت مصادر في وزارة العدل إنه سيتم البحث في إمكانية التفريق بين أسرى قاصرين وبالغين "طالما أن الأمر لا يمس بأمن الدولة".

وقررت لجنة الدستور والقانون التابعة للكنيست، يوم الأربعاء الماضي، تبنى توصية الوزير إردان، بمنع الأسرى الأمنيين من إجراء مكالمات هاتفية مع عائلاتهم.

"دورة الكنيست الأكثر عنصرية"

خصصت صحيفة "هآرتس" افتتاحية عددها الصادر في 26 حزيران الفائت حول سلسلة القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي طُرحت على جدول أعمال دورة الكنيست الحالية.

وأكدت الصحيفة أن "الكنيست العشرين يبدو الأكثر عنصرية في تاريخه، وكذلك الأكثر حشدا ووضاعة. ففضيحة تلحق بفضيحة أخرى، وأعضاء الكنيست يتبارون فيما بينهم من سيأخذ هذا البرلمان إلى حضيض أكثر انخفاضا. والدور أخيراً كان... على نائب وزير الداخلية الجديد، عضو الكنيست يارون مزوز... وبلغ ذروة السخافة عندما قال (للنواب العرب): ’أنتم في دولة ديمقراطية، واحترموها’".

وانتقدت الصحيفة تفوهات نتنياهو في جلسة الكنيست نفسها، وقالت إنه "صب الزيت على النار. فبدلا من أن يوقف مزوز عند عمود العار، وهناك مكانه، توجه نتنياهو بلهجة السيد (الاستعلائية) إلى أعضاء الكنيست العرب وطالبهم بالتنديد بما يحدث في سورية واليمن، فيما يقرر هو أنه ليس لديهم ’الحق في اتهام جنود الجيش الإسرائيلي بجرائم حرب’".

وتابعت الصحيفة أنه "لا ينبغي الاشتباه بنتنياهو بأنه جاهل ويفتقر إلى فهم الديمقراطية. وواضح أنه استوعب الفائدة من التحريض العنصري ضد عرب إسرائيل، سواء خلال الانتخابات أو بعدها"، في إشارة إلى أن حزبه الليكود حقق فوزاً في الانتخابات وحصل على 30 مقعدا في الكنيست على هذه الخلفية.

ووصفت الصحيفة تعديل منع لم الشمل على "قانون المواطنة" بأنه "تعديل عنصري وقومي متشدد وتمييزي، يمنع مواطني الدولة العرب من إنشاء عائلة مع أزواج وزوجات فلسطينيين".

وانتقدت الصحيفة قائمة "المعسكر الصهيوني" التي امتنعت عن حضور جلسة التصويت على تمديد التعديل، ووصفت هذا الامتناع بأنه "سلوك ضعيف وفاسد وخيانة لدورها". وأكدت أنه "منذ أن أصبحت القائمة تدار بيدي إسحق هرتسوغ، فإنها تتدهور من حضيض إلى آخر". وشدّدت على أنه "بوجود معارضة كهذه، علينا ألا نستغرب من سلوك الائتلاف".