أحد زعماء الحركة الصهيونية والرئيس الأول لـ"الصندوق القومي اليهودي" (كيرن كييمت)، تولى عمليات "شراء" مساحات شاسعة جدا من الأراضي في فلسطين وكان من دعاة "أرض إسرائيل الكاملة على كامل الأراضي الفلسطينية". ولد في العام 1863 في بلدة دوبروفنا في روسيا البيضاء.
انتقلت عائلته إلى موسكو في العام 1871، ودرس في مدرسة عبرية فيها باسم "الريئالي". تأثّر بكتابات مفكرين صهيونيين أمثال مابو وشولمان وسمولنسكين.
في اعقاب اندلاع أحداث 1881 في جنوبي روسيا، والتي الحقت أضرارا ببعض التجمعات اليهودية ، اعلن عن تأسيس حركة "بيلو". وكان اوسيشكين احد المشاركين في تأسيس حركة مشابهة عرفت باسم "جمعية القادمين إلى أرض إسرائيل". وحتى ربيع 1882 انضوى تحت لواء هذه الجمعية حوالي 25 عضواً اظهروا استعدادهم للهجرة إلى "أرض إسرائيل" (فلسطين). ولما أنهى دراسته للثانوية العامة في صيف 1882 التحق بالكلية المهنية في موسكو، ثم أعلن عن تأسيس جمعية طلابية القى امامها محاضرة عن ثورة المكابيين وذلك لبث الروح القومية اليهودية في صفوف الطلاب.
ومع تأسيس حركة "محبو صهيون" (حوفيفي تسيون) في موسكو في العام 1884 كان اوسيشكين احد اعضاء اللجنة التنفيذية لهذه الحركة. ثم اختير لوظيفة سكرتير عام "محبو صهيون" في موسكو. وشرع اوسيشكين منذ نهاية العام 1887 بنشر سلسلة من المقالات في جريدة "همليتس" حول حركة "محبو صهيون". وتمكن اوسيشكين من التوفيق بين تياري "محبو صهيون"، التيار الديني بزعامة الحاخام موهيلبار، وبين التيار الحر المتأثر بأفكار بينسكر. وشدد اوسيشكين على ان العمل في الارض هو الامر الاساسي لجمعيات "محبو صهيون"، واهتم في الوقت نفسه بالناحية التنظيمية وجمع الاموال لبناء رصيد لهذه الجمعيات.
وعندما اعلن احاد هعام عن تأسيس جمعية "أبناء موسى" (بني موشي) العام 1889 اصبح اوسيشكين احد الأعضاء الفعالين فيها. وفي العام نفسه تخرج من الكلية المهنية بدرجة مهندس تكنولوجي. وقام بزيارة إلى فلسطين في العام نفسه، ولما عاد إلى موسكو نشر كراسة ضمنها وصفاً لفلسطين.
وعاش بين الأعوام 1891 و1906 في مدينة ياكترينوسلاف حيث استمر في جمع الاموال والدعاية الصهيونية وانشأ مكتبة عبرية واصبح عضواً في جمعية "احيآصاف". وتأثر بكتاب هرتسل "دولة اليهود"، رغم تحفظاته على قصر النشاط الصهيوني على المجال السياسي، دون الاستيطاني. وشارك اوسيشكين في المؤتمر الصهيوني الاول فلي بازل في العام 1897 وانتخب سكرتيراً باللغة العبرية وشارك في النقاشات التي دارت حول وضع نص مشروع بازل، وخاصة البند الاول السياسي، خوفاً منه أن تُكتب كلمة تثير حفيظة الدولة العثمانية في كل ما يتعلق بفلسطين، وتحديداً الاستيطان القائم فيها. وانتخب في المؤتمر الصهيوني الثاني (1898) عضواً في اللجنة التنفيذية الصهيونية وبقي في هذا المنصب حتى وفاته.
وفي المؤتمر الصهيوني الخامس اقترح اوسيشكين اقامة مصرف تحت اسم "الشركة الانجلو- فلسطينية" كفرع للمصرف الكولونيالي. وبادر إلى مشاركة اليهود الساكنين في الاماكن البعيدة، كالقفقاز. وهو نفسه كان من المعارضين لايقاف دعم البارون روتشيلد للمستوطنات في فلسطين وذلك اثر ظهور معارضة ضد البارون الذي كان يُدير المستوطنات عن طريق موظفيه، الذين تعاملوا مع المستوطنين بقسوة.
والقى اوسيشكين محاضرة في مؤتمر مينسك حول الادارة والتنظيم في العام 1902 كان لها وقع كبير في صفوف زعماء الصهيونيين وتركت اثراً على الاجهزة التنظيمية العاملة ضمن اطار الحركة الصهيونية في المستقبل.
وفي العام 1903 توجه إلى كيشينييف اثر اندلاع اعمال عنف تجاه اليهود، ومن هناك اتصل بهرتسل واقنعه بضرورة القيام بخطوة في اتجاه تنظيم اليهود في فلسطين "لأنهم العمود الفقري لقيام الدولة اليهودية"، على حدّ تعبيره. وجاء إلى فلسطين في صيف 1903 ودعا إلى اجتماع في زخرون يعقوب للتباحث في الخطوات الواجب القيام بها لتهيئة البلاد لتنفيذ المشروع الصهيوني بإقامة دولة لليهود. ولكن آماله تحطمت على صخرة اقتراح "مشروع اوغندة" (وهو عبارة عن مشروع لتوطين مجموعة من اليهود في أوغنده مؤقتا ريثما يتوفر حل أفضل لقضية اليهود في اوروبا). واعلن اوسيشكين حربا على هذا المشروع رافضاً إياه جملة وتفصيلاً، وموجها اللوم الشديد إلى هرتسل لمجرد قبوله بالفكرة. واثر وفاة هرتسل، نجح أوسيشكين في إلغاء مشروع اوغندة واعادة كل المعارضين إلى صفوف الحركة الصهيونية فانعقد المؤتمر الصهيوني السابع في العام 1905 حيث طرح فيه كراسته "برنامجنا، الذي اصبح فيما بعد الاساس للصهيونية المركبة التي تبني توجهها الفكري على الاسس الخمسة التالية: السياسة وشراء الأراضي والهجرة والاستيطان وتهيئة الشعب استعداداً لـ"يوم الخلاص". ودعا في كراسته إلى اقامة مزارع مستقلة في فلسطين بعد ان يقوم "الصندوق القومي اليهودي" "الكيرن كييمت" "بشراء" الأراضي وتملكها، وان يعمل في هذه المزارع عمال يهود دون الحاجة إلى عمال أجيرين على الاطلاق.
إلى جانب نشاطه ضمن المؤتمرات الصهيونية في جمعية "محبو صهيون"، كان أوسيشكين المبادر إلى دعم اقامة المستوطنات: عين جانيم وبئير يعقوب ونحلات يهودا.
وفي العام 1908، حول جاهدا نيل تأييد الحكومة التركية الجديدة المكونة من اعضاء "جمعية الاتحاد والترقي"، وبينهم عدد من اليهود، لتسهيل الاستيطان في فلسطين. واثناء جولته الثالثة في فلسطين في العام 1913 ألقى محاضرة بعنوان "رحلة ثالثة إلى أرض إسرائيل" شكلت، لفترة طويلة، الأساس الفكري والعملي لاقامة عدد من المستوطنات في فلسطين، وكذلك لاساليب العمل في مجال البناء. وكان قد طرح فكرة ضرورة انشاء جامعة عبرية في اسرع وقت والشروع في تجميع المبالغ اللازمة لانجاز هذا المشروع من خلال شراء أراض في القدس تخصص لهذه الغاية. وشارك مع الدكتور حاييم وايزمان في محاضرة قدمت في المؤتمر الصهيوني الحادي عشر في العام 1913 حول "الحاجة الملحة لاقامة الجامعة العبرية".
وكان اوسيشكين من أشد المعارضين لاستخدام اللغة الايديشية بدلا من العبرية، لأن اللغة العبرية - في اعتقاده – هي "الأساس الفكري والثقافي للشعب اليهودي المزمع إقامة دولة له".
وكان اوسيشكين من الموافقين على تصريح بلفور وقام بتنظيم مظاهرة حاشدة من اليهود والمؤازرين لهم في اوديسا تأييدا وترحيبا بالتصريح. واستجاب أوسيشكين لدعوة وايزمان وسوكولوف للحضور إلى باريس في شباط 1919 للتحدث باسم الشعب اليهودي أمام زعماء الدول العظمى الملتئمين في قصر فرساي للتباحث في القضايا المطروحة أمام مؤتمر فرساي في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وتحدث اوسيشكين باللغة العبرية أمام الحضور.
حضر إلى فلسطين في العام 1919 للاشراف على الخطوات الاولى لتحقيق "مشروع اقامة الوطن القومي اليهودي" بموجب تصريح بلفور، وتمكن اوسيشكين من التأثير على المندوب السامي الاول على فلسطين، السير هربرت صموئيل، بالاعتراف باللغة العبرية لغة رسمية للشعب الإسرائيلي "في وطنه". وخلال مطلع العشرينيات قام بعملية شراء أراضٍ قرب القدس اقيمت عليها مستوطنة كريات عنافيم. والخطوة الاكبر انه تمم صفقة شراء أراضي مرج ابن عامر من عائلة سرسق اللبنانية وذلك في العامين 1920-1921.
انتخب أوسيشكين رئيساً لـ"الصندوق القومي اليهودي" (الكيرن كييمت )في المؤتمر الصهيوني الثالث عشر، وبقي في منصبه هذا حتى مماته. وقام بعدة جولات بين الجاليات اليهودية في اوروبا والولايات المتحدة وكندا لجمع الاموال اللازمة من اجل شراء الأراضي في فلسطين. ونجح في شراء مساحات شاسعة من الأراضي خلال فترة رئاسته للكيرن كييمت، منها أراض في خليج حيفا وفي بيسان وغيرها. وألقى سلسلة من المحاضرات حول ضرورة "انقاذ الأراضي في أرض إسرائيل لتعود إلى أصحابها اليهود".
وتجدر الاشارة إلى نجاحه في عمليات شراء الأراضي زاد من مساحة الأراضي الإجمالية التي أصبحت تحت "ملكية" الكيرنكييمت، من 22 الف دونم إلى 561 الف دونم، وزادت مدخولات الكيرن كييمت من 70 الف ليرة فلسطينية إلى 600 الف ليرة.
وكان اوسيشكين من السبّاقين إلى الاعلان رسمياً عن اقامة الجامعة العبرية في القدس، لقطع الطريق امام حاكم القدس الانكليزي، السير رونالد ستورز، الذي رغب في اقامة جامعة انكليزية.
وكان اوسيشكين من كبار المعارضين لفكرة تقسيم فلسطين التي اقترحتها "لجنة بيل"، وذلك من منطلق "الحفاظ على سلامة أراضي فلسطين لتقام عليها الدولة اليهودية".
ورغم مشاركته في مؤتمر الطاولة المستديرة في العام 1939 للتباحث فيما آلت اليه الاوضاع في فلسطين، إلا أنه حافظ على آرائه بشأن "إقامة الوطن القومي اليهودي على كامل الأرض الفلسطينية".
وتوفى أوسيشكين في العام 1941.
المصطلحات المستخدمة:
احاد هعام, الصهيونية, زخرون يعقوب, همليتس, بني موشي, بيلو, دولة اليهود