قضايا إسرائيلية عدد 29" ملف التعليم في إسرائيل.. جهاز التعليم كمبلور للقوة: الاستمرارية حيال التجديد "، تحول جهاز التعليم في إسرائيل منذ التسعينيات إلى واحد من أبرز مجالات الصراع بين اتجاهات أيدلوجية- فكرية وقوى اجتماعية واقتصادية وسياسية مختلفة. وإلى حد كبير أعاد هذا الصراع إلى الأذهان محاولات بن غوريون المتكررة لتوحيد تيارات التعليم التي نشطت قبل قيام إسرائيل. إلا أن نجاح هذه المحاولات كان محدوداً رغم سن القوانين التي تنظم عملية التعليم وتشكل القاعدة القانونية لإنشاء جهاز تعليم حكومي موحد.
فالعلاقة الخاصة بين الدولة والمتدينين، من جهة، والعلاقة الخاصة بينها وبين قطاع الكيبوتسات، من جهة أخرى، منعت وما زالت تمنع توحيد تيارات التعليم وخاصة مناهجه. وبعد أن تبين فشل جهاز التعليم في مهمة "فرن الصهر" وإنتاج شخصية يهودية- إسرائيلية مختلفة عن شخصية اليهودي في "الشتات"، وفشله الذريع في تقليص الفجوات الثقافية والمهنية والاقتصادية بدأت سلسلة من محاولات "الإصلاح" لم تنته حتى يومنا هذا.
ضمنت هذه الإصلاحات نوعاً من الهدنة بين التيارات المختلفة والشرائح الاجتماعية المختلفة، حتى أواسط الثمانينيات، عندما بدأت الطبقة الوسطى في إسرائيل تعلن تذمرها من الإصلاحات وبشكل أكثر حدة من مستوى جهاز التعليم وعجزه عن تقديم الخدمات التعليمية والتربوية والثقافية على مستوى التطورات الحاصلة في العالم.
واندلع الصراع بشكل حاد في التسعينيات إثر الزيادة الهائلة في المعطيات ونتائج الأبحاث التي تشير إلى الفجوات الكبيرة في مستوى التعليم وتأثيرها في خلق الفجوات الاقتصادية الكبيرة. فالتحولات البنيوية في سوق العمل أدت إلى زيادة الفجوات في الدخل وتحويل أعداد كبيرة من ذوي التعليم المتدني إلى باطلين عن العمل لفترات طويلة ثم تسربهم نهائياً من قوة العمل. إلا أن هذا الصراع اندلع أيضاً بسبب التعديلات الكبيرة على مناهج التعليم: كان أهم ما في هذه التعديلات إدخال مضامين تعليمية ذات أبعاد فكرية- أيدلوجية هامة. وكان لا بد من إجراء ثورة في جهاز التعليم تتلاءم مع التحولات الاقتصادية والمتطلبات المهنية في سوق العمل، وكذلك التحولات العميقة في السياسات الاجتماعية التي تجسدت في انحسار دور الدولة في تقديم الخدمات ومنها التعليم. نظراً لكل هذه التطورات أصبح الصراع على جهاز التعليم من أبرز الصراعات التي تشهدها إسرائيل في السنوات الأخيرة وتزيد من حدتها المعطيات حول تراجع تحصيل الطلاب وتخوف الكثيرين من أن تفقد الدولة واحد من أهم مقومات قوتها.
في هذا العدد من "قضايا إسرائيلية" نكرس مساحة واسعة للأبحاث والتقارير التي تناقش وتعالج مجال التعليم في إسرائيل من زوايا مختلفة وفي المراحل التعليمية المختلفة. ونلفت انتباه القارئ إلى أن المقال الذي يفتتح هذا العدد كتبه واحد من أبرز الأكاديميين الإسرائيليين الذين ساهموا مساهمة كبيرة في بلورة جهاز التعليم الإسرائيلي. فهو يعتبر حتى الآن من أبرز الباحثين في المجال وهو الذي وضع خطة الإصلاح المشهورة (الدمج) من عام 1968 لجسر الفجوات بين الشرقيين والغربيين، ثم تحول إلى أحد أبرز منتقدي هذه الخطة منذ الثمانينيات. كما أننا خصصنا تقريراً لشرح قضية الصراع على الجهاز القضائي في إسرائيل، وهو صراع حاد ستكون لنتائجه أبعاد مهمة على المجتمع الإسرائيلي في السنوات القادمة. ونعالج في هذا العدد عدد من القضايا الساخنة التي برزت في النقاش الشعبي والإعلامي في المدة الأخيرة ومن بينها علاقة الإعلام الإسرائيلي بالانتخابات الأميركية. وأخيراً، فإن القراءات الموسعة للإصدرات الجديدة في إسرائيل تتناول بعض أهم خصائص المجتمع الإسرائيلي النفسية والاجتماعية والإثنية والأيدولوجية.