تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 2668
  • انطوان شلحت

مدخــل

تحاول هذه الورقة تحليل المشهد الانتخابي في إسرائيل على أعتاب الانتخابات الإسرائيلية العامة، التي ستجري يوم 9 نيسان المقبل، ولا سيما بعد إعلان الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال احتياط بيني غانتس، رئيس حزب "مناعة لإسرائيل" ("حوسن ليسرائيل")، عن خوضه الانتخابات بشكل رسمي، وقيامه بعرض الخطوط العريضة لبرنامجه السياسي والانتخابي.

وكشف غانتس عن برنامجه، في أول خطاب له ألقاه أمام حشد كبير من المؤيدين له في تل أبيب يوم 29/1/2019، وأعلن فيه أيضاً عن إقامة تحالف انتخابي مع رئيس سابق آخر لهيئة الأركان العامة هو الجنرال احتياط موشيه يعلون.

وطلب غانتس الحصول على ثقة الناخبين في الانتخابات العامة حتى يتمكن من "قيادة شعب إسرائيل"، وبعث بتهديدات إلى قائد حركة "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار، والتزم بأن تسعى الحكومة تحت رئاسته للسلام، وتعهّد بعدم تفويت أي فرصة إقليمية للسلام، وبالعمل ضد الفساد وضد حملات الهجوم على سلطات القانون، وهاجم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشدّد على أنه لا يمكن أن يتولى شخص قُدمت ضده لائحة اتهام منصب رئيس الحكومة.

وأشار غانتس إلى مسيرته العسكرية الطويلة وأكد أنها تؤهله لقيادة إسرائيل، كما أكد أن إسرائيل لن تقف مكتوفة اليدين أمام التهديد على سيادتها من جانب إيران أو وكلائها. وقال إن على قادة المنظمات الإرهابية أن يعلموا أن أحمد الجعبري ليس الأول ولن يكون بالضرورة الأخير، في إشارة إلى القائد السابق للجناح العسكري لحركة "حماس" الذي قتلته إسرائيل في غزة خلال ولاية غانتس كرئيس لهيئة الأركان. وأشار في الوقت عينه إلى أنه سيعمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وإلى أن الحكومة التي سيقودها ستسعى للسلام ولن تفوت أي فرصة لإحداث تغيير في المنطقة، وإذا لم تظهر مثل هذه الفرصة "ستوجد واقعاً جديداً".

وأضاف غانتس أنه سيقوم بتعزيز وضع إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وبتعزيز الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، وشدّد على أن إسرائيل لن تتنازل عن هضبة الجولان وغور الأردن، وعلى أن القدس الموحدة ستظل عاصمة إسرائيل والشعب اليهودي إلى الأبد.

ووجه غانتس تحذيراً مباشراً إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقال إنه سيتم إحباط مؤامرات طهران ضد إسرائيل على الحدود الشمالية والجنوبية. وخاطب رئيس "فيلق القدس" قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قائلاً إنه حان الأوان لوقف جموحهما الإقليمي.

تشكّل كتلة معارضة لنتنياهو
وقد بات واضحا في أوساط المعارضين لرئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم اليمين بنيامين نتنياهو أن إنهاء حكم هذا الأخير يكون من خلال بناء جسم تحالفي كبير يضم قوائم سياسية وشخصيات لها رصيد شعبي، بينما تنافس القوائم الانتخابية بشكل انفرادي في الانتخابات لن يضمن لها القدرة على تغيير نتنياهو. وما يؤكد ذلك أن استطلاعات الرأي العام، التي أجريت في أعقاب خطاب غانتس المذكور، أعطته حتى حوالي 24 مقعداً في الانتخابات.
فمثلاً، بحسب استطلاع التلفزيون الإسرائيلي الرسمي "كان"، في حال إجراء الانتخابات الآن، سيفوز حزب الليكود بـ31 مقعداً، يليه "مناعة لإسرائيل" حيث يحصل على 23 مقعداً، بينما يحصل حزب "يوجد مستقبل (يش عتيد)" برئاسة يائير لبيد على 9 مقاعد.

وبعد تفكيك تحالف "المعسكر الصهيوني"، أشار الاستطلاع إلى أن حزب العمل يحصل على 8 مقاعد، في حين لا يتجاوز حزب "الحركة (هتنوعا)" برئاسة تسيبي ليفني نسبة الحسم. كما يحصل حزب "اليمين الجديد" برئاسة الوزيرين نفتالي بينيت وأييليت شاكيد (من حزب "البيت اليهودي" سابقاً) على 8 مقاعد. وأظهر الاستطلاع أن القائمة المشتركة تحصل على 6 مقاعد، وهو عدد المقاعد نفسه الذي تحصل عليه كل من قائمة يهدوت هتوراه الحريدية، وقائمة ميرتس، وقائمة عضو الكنيست أحمد طيبي المنشقة عن القائمة المشتركة، بينما تحصل قائمة حزب "إسرائيل بيتنا (يسرائيل بيتينو)" برئاسة أفيغدور ليبرمان على 5 مقاعد.

ويحصل كل من حزب "البيت اليهودي"، وحزب "كلنا (كولانو)" برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، وحزب شاس الحريدي برئاسة وزير الداخلية أرييه درعي على 4 مقاعد، بينما يفشل حزب "جسر (غيشر)" برئاسة عضو الكنيست أورلي ليفي- أبكسيس المنشقة عن حزب ليبرمان في تجاوز نسبة الحسم.

واقترب غانتس، في هذا الاستطلاع وغيره، من شعبية نتنياهو كمرشح لرئاسة الحكومة، فقد قال 47% من المستطلعين إن نتنياهو هو الشخص الأنسب لتولي منصب رئيس الحكومة، وقال 41% إن غانتس هو الأنسب، فيما قال 12% إن أياً من الاثنين غير مناسب. وحصل لبيد على نسبة 14% في مواجهة نتنياهو، الذي حصل في مواجهة رئيس "يوجد مستقبل" على دعم 49% من المستطلعين. وشمل الاستطلاع عينة مؤلفة من 538 مستطلعين، وبنسبة خطأ تصل إلى 4.5%.

وتشير نتائج هذا الاستطلاع واستطلاعات أخرى جرت في نفس الفترة، أي بعد خطاب غانتس الأول، إلى أن زيادة مقاعده جاءت على حساب حزب العمل، وحزب "يوجد مستقبل"، وحزب "كلنا"، بينما لم يؤثر ترشح غانتس ولا خطابه على تمثيل حزب الليكود في الكنيست، كما أوضحت ذلك استطلاعات الرأي العام. علاوة على ذلك هاجمت كتل اليمين الصلب، مثل حزب بينيت وشاكيد الجديد "اليمين الجديد"، غانتس، حيث اعتبر بينيت أن غانتس يفضل حياة المواطنين الفلسطينيين على حياة الجنود الإسرائيليين. وكانت هناك الكثير من الإشارات إلى أن هذا اليمين يرى في غانتس تهديداً لحكمه، وإلى أنه مستعد لبقاء نتنياهو على مضض، في مقابل عدم تمكين غانتس من استبداله، وذلك على الرغم من أن الخطاب السياسي لهذا الأخير كان يمينيا وقوميا، وفي جزء منه كان فاشيا، في وضعه الدولة فوق الجميع، واستعمل مصطلحات يمينية مثل "الوطني".

وهذا هو ما توقفت عنده المراسلة السياسية لصحيفة "هآرتس"، نوعا لانداو، حيث كتبت أن غانتس ليس يساريا، وإنما هو "يمين قديم". وأضافت أن "رد الفعل الببغائي لنتنياهو والليكود، والقائل ’هو يساري’، بدا بالأمس سطحيا وصبيانيا في مقابل أقواله. عدا ذلك، فإن رد الفعل هذا هو بكل بساطة غير صحيح، لأن من يتعمق في أقوال غانتس بجدية، وخاصة في الأجزاء السياسية – الأمنية، سيكتشف بسهولة أنه ليس يساراً أبداً. وعملياً، هو اليمين القديم".

ورأت لانداو أن غانتس عرض وجهة نظر لليكودي ليبرالي من الماضي، ولرجل الأمن الذي يمدّ يده إلى السلام، ولا يخاف من التحدث عن قيم مثل المساواة والفصل بقدر الإمكان بين الدين والدولة، ويؤمن باقتصاد حرّ إلى جانب أمن اجتماعي. وهو كرّر مقولة "نصنع سلاماً آمناً"، مثلما عزفت ذات مرة دعاية انتخابية مختلفة لنتنياهو مغاير لما هو عليه الآن.

وحول البرنامج السياسي – الأمني لغانتس أشارت لانداو إلى أنه أدلى بتصريح وطني عسكري عام، لا يمكن البدء بأي خطاب من دونه اليوم، كي يوضح "أنا صهيوني". وبعد ذلك انتقل إلى تهديد إيران. وغانتس يتبنى بذلك رواية نتنياهو الأساسية، ومؤداها أن هذا الموضوع هو المركزي في الأجندة الأمنية. وبعد ذلك انتقل إلى غزة. ووجّه تهديداً واضحاً إلى حياة قادة "حماس"، أي لوّح بالعودة إلى سياسة الاغتيالات. وبرأي لانداو "باستثناء اللسعات الموجّهة إلى نتنياهو حول تحويل المال القطري، لا توجد هنا أي بشرى يسارية خاصة".

ولفتت لانداو إلى رؤية غانتس لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وإلى أنها تتمثل بالانفصال عن الفلسطينيين لمصلحة إسرائيل "يهودية وديمقراطية"، وتعزيز "الكتل الاستيطانية"، والاحتفاظ بغور الأردن كحدود شرقية، والتشديد على الأمن، وتصريح عام حول ضرورة بقاء السيادة في هضبة الجولان، وبالطبع ’بقاء القدس الموحدة عاصمة الشعب اليهودي إلى الأبد’. وخلصت إلى القول: "هذا ليس برنامجا سياسياً – أمنياً ’يسارياً’. هذا برنامج كان سيؤيده الكثيرون في الليكود القديم، وبينهم نتنياهو بنفسه، وعملياً هكذا فعلوا أيضاً".

حلفاء غانتس

وما يؤكد أيضاً أن غانتس يحمل توجهات يمينية، هو انضمام وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، إلى قائمته. فيعلون معروف بأنه من اليمين القومي الليبرالي، ولا يؤيد قيام دولة فلسطينية، ويعتقد أنه يجب تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، وربما ينتمي يعلون إلى التيار القديم في اليمين الإسرائيلي. كما انضمت إلى غانتس شخصيتان يمينيتان معروفتان، هما يوعز هندل، وهو كاتب وصحافي يميني معروف عمل رئيساً لطاقم نتنياهو الإعلامي في ديوان رئاسة الحكومة ويقف الآن على رأس "معهد الإستراتيجيا الصهيونية" الذي كان من أشد الذين دفعوا قدماً بسن "قانون القومية" الإسرائيلي، وتسفي هاوزر، وهو بيروقراطي يميني عمل بجانب نتنياهو كسكرتير للحكومة. وتشترك هذه الشخصيات الثلاث (يعلون وهندل وهاوزر) في أنها عملت جميعاً مع نتنياهو، وتتبنى مواقف أيديولوجية يمينية واضحة، وتستطيع التحدث عن فكرة اليمين أيديولوجياً بطلاقة ومعرفة مقارنة مع أغلب أعضاء الليكود الحاليين.

ورأى محللون كثر في إسرائيل أن غانتس حاول إرضاء الجميع في خطابه.

وكتبت موران أزولاي، محللة صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قائلة إنه "بدل أن يوضح مواقفه، فضَّل شعارات عامة مقبولة على اليمين واليسار".

وشبّه المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، غانتس بالسنوات الأولى لولاية الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، وقال إنه "فجأة نزلت عليه الكاريزما".
واعتبر رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، أنه "يوجد بديل" لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.

وبينما اتهم نتنياهو ومقربوه غانتس بأنه يساري يحاول أن يظهر بأنه يميني، رحَّبت المعارضة بتصريحاته، على الرغم من خيبة أملها من أنه لم يعلن بصراحة عدم استعداده للانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو.

وعلَّق نتنياهو على شعار غانتس الرئيسي "لا يمين ولا يسار"، قائلاً: "من يقول إنه ليس يمينياً وليس يسارياً، فهو يساري". وأصدر حزب الليكود بياناً جاء فيه أن غانتس سيشكل حكومة يسارية بعد الانتخابات مع رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وباقي أحزاب اليسار. وقال رئيس الائتلاف الحاكم، ديفيد أمسالم من حزب الليكود: "حينما تُقارن بين نتنياهو وغانتس، فإنني أعتقد أن الفرق بينهما كالفرق بين الطائرات والزوارق".

كما هاجمه، مثلما ذكرنا، وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، رئيس حزب "اليمين الجديد". وقال بينيت إن "غانتس يتحدث بشكل جميل لكنه ضعيف جدا في الأفعال وفي جميع الاختبارات التي واجهها، ومنها التخلي عن جيش لبنان الجنوبي بالانسحاب من لبنان، والتخلي عن الجندي الإسرائيلي مدحت يوسف في نابلس، وتحرير آلاف المخربين، وإخفاق عملية الجرف الصامد، حيث كان مترددا ومتلعثما. إنه رجل طيب، لكنه ضعيف جدا".

إجمــال

في أعقاب خطاب غانتس وإعلان ترشحه لرئاسة الحكومة، تتجه المعارضة الإسرائيلية حالياً نحو هدف واحد هو تغيير نتنياهو.

فماذا يعني ذلك؟
يعني قبل أي شيء أن المشروع الأساس في هذه الحملة الانتخابية هو إسقاط نتنياهو الشخص، وليس إسقاط مشاريع سياسية، ولا طرح بدائل سياسية. ولذلك فإن هذا الهدف يُجمّع حوله شخصيات من خلفيات أيديولوجية مختلفة. وكما سبقت الإشارة فإن هندل هو يمين حقيقي ليس أقل من غالبية أعضاء الليكود. وفي ضوء هذا يتجه المشهد الانتخابي الإسرائيلي نحو توحيد قوائم وربما تشكيل قائمة واحدة تخوض الانتخابات لتحصل على تمثيل أعلى من الليكود من شأنه أن يوكل لها عملية تشكيل الحكومة الجديدة. ومن المتوقع أن تحدث تكتلات جديدة في نفس الإطار أو ضمن إطار جديد من أجل بناء جسم يقوم على أساس تغيير نتنياهو، خصوصاً بعد انهيار حزب العمل حسب استطلاعات الرأي وتآكل مكانة رئيسه آفي غباي.

وفي كل الأحوال سوف تتضح الصورة حول شكل التكتلات القادمة بعد التأكد من استمرار ازدياد قوة حزب غانتس في استطلاعات الرأي، وتراجع الآخرين.

وبلا شك هناك تأثير لقرار المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت بشأن تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو بشبهات فساد أو عدم تقديم لائحة اتهام. وأصبح من الجليّ أن المستشار القانوني سيحسم رأيه في هذا الأمر قبل موعد الانتخابات. وقد بلّغ مندلبليت طاقم الدفاع عن نتنياهو أنه لا يرى مانعاً في حسم الملفات ضد موكله قبل الانتخابات، ما معناه رفضه طلب محامي الدفاع عن رئيس الحكومة تأجيل القرار إلى ما بعد الانتخابات خشية من تأثير القرار على الناخبين الإسرائيليين.

ويمكن القول إن قرار المستشار القانوني قد يجعل المشهد الانتخابي يتحرك في اتجاه آخر، وذلك على الرغم من أن أحزاب اليمين بما في ذلك أحزاب المتدينين الحريديم أعلنت أنه لا مشكلة لديها في الائتلاف مع حكومة يقودها نتنياهو حتى لو تم تقديم لائحة اتهام ضده، لكن تقديم لائحة اتهام سوف يعطي ذخيرة لغانتس ومن معه لإحراج أحزاب ولمحاولة جذب أصوات من اليمين الليبرالي الذي ينسجم في توجهاته مع غانتس من جهة ومع يعلون من جهة أخرى.

في المحصلة الأخيرة، وبموجب تقديرات كثيرة وأيضاً وقائع متراكمة، سوف تركز الحملة الانتخابية هذه المرة على شخص نتنياهو وليس على طروحات سياسية، حيث أن الخطاب السياسي الإسرائيلي يتبنى في معظمه طروحات اليمين، بدءاً بغانتس، مروراً بلبيد، وصولاً إلى غباي نفسه.