مدخــل
تحاول هذه الورقة أن تجيب عن سؤالين: أي إسرائيل تسعى إليها قائمة تحالف "كحول لفان" ("أزرق أبيض") في حال نجاحها في استبدال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحُكم الليكود في ختام الانتخابات العامة للكنيست الـ21، التي ستجري يوم 9 نيسان المقبل؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تغيير حُكم اليمين أصلاً؟.
وستفعل ذلك من طريق عرض المبادئ الرئيسية لبرنامج هذه القائمة الذي جرى إشهاره أخيراً من جهة، والاستشهاد ببعض التحليلات التي تطرقت إلى هذا الموضوع من جهة أخرى.
وتتألف القائمة من تحالف بين ثلاثة أحزاب هي: "مناعة لإسرائيل" ("حوسن ليسرائيل") بزعامة رئيس هيئة الأركان العامة السابق للجيش الإسرائيلي بيني غانتس، و"يوجد مستقبل" ("يش عتيد") بزعامة عضو الكنيست يائير لبيد، و"الحركة القومية الرسمية" ("تلم") بزعامة رئيس هيئة الأركان العامة السابق موشيه يعلون، ثم انضم إليها رئيس سابق آخر لهيئة الأركان العامة هو غابي أشكنازي.
وأعلنت القائمة في أوائل آذار 2019 برنامجها الانتخابي الذي يتشكّل من 24 موضوعاً تتناول مختلف مناحي الحياة، وبرنامج عملها بعد الانتخابات. وأكد البرنامج أنه لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب مرة أُخرى من مناطق فلسطينية محتلة، كما جرى العام 2005 حين انسحبت إسرائيل من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية في إطار ما يُعرف باسم "خطة الانفصال". وتعهّدت القائمة بأن تكون أي عملية سلمية مع الفلسطينيين مرهونة بالمصادقة عليها في استفتاء شعبي عام. وامتنع البرنامج من ذكر أي تفاصيل بشأن تلك العملية السلمية، كما امتنع من ذكر حل الدولتين وكذلك من ذكر تعبير دولة فلسطينية. ووفقاً للبرنامج، ستعمل قائمة "أزرق أبيض" على تعزيز الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، والحفاظ على القدس الموحّدة كعاصمة أبدية لإسرائيل.
وكان قادة القائمة زاروا منطقة الحدود مع سورية قبل إشهار البرنامج وتعهدوا بعدم التنازل عن هضبة الجولان إلى الأبد، وعدم السماح لإيران بالتموضع عسكرياً بالقرب من الحدود الإسرائيلية الشمالية. وفي إثر هذه الزيارة ذكرت تقارير إعلامية متطابقة أن الزيارة جاءت في إطار قيام القائمة ببذل جهود كبيرة من أجل عدم تنفير الناخبين ذوي الميول اليمينية، وأشارت إلى أن برنامج القائمة سيتجنّب ذكر حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وكذلك سيتجنب ذكر تعبير دولة فلسطينية.
"إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي"
يمتد برنامج "أزرق أبيض" على 45 صفحة طرح هذا التحالف من خلالها رؤيته وخططه المستقبلية في مجالات الحياة المختلفة في 27 فصلاً تبدأ بمقدمة تليها العناوين التالية: السياسي ـ الأمني؛ الحرب ضد الفساد؛ الاقتصاد؛ العمل والتشغيل؛ التربية والتعليم؛ الصحة؛ المواصلات؛ القضاء والتشريع؛ الدين والدولة؛ تقليص عدم المساواة، الرفاه وحقوق الأشخاص ذوي المحدوديات؛ السكن؛ الحوكمة؛ الضواحي؛ الحكم المحلي؛ الأمن الداخلي؛ المستقلون والمصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة؛ حماية البيئة؛ النساء؛ المتقاعدون؛ تشجيع اندماج الحريديم (اليهود المُتشددين دينياً) في المجتمع الإسرائيلي؛ الشبيبة والطلاب الجامعيون؛ الاستيطان العمالي والزراعي؛ المثليون؛ يهود المهاجر واستيعاب المهاجرين (اليهود)؛ مساواة الأقليات؛ الثقافة والفنون، بالإضافة إلى مقدمة.
يفتتح تحالف "أزرق أبيض" مقدمة برنامجه الانتخابي بجملة يؤكد من خلالها أن "إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي وإسرائيل هي بيتنا جميعاً. ونحن نحبّها، فخورون بها وملتزمون بالمحافظة على صورتها وعلى هويتها كدولة يهودية وديمقراطية، بصورة مطلقة".
وتضيف المقدمة: "إسرائيل 2019 هي دولة قوية ومزدهرة. لكن إسرائيل 2019 هي، أيضاً، دولة مقسَّمة ومتألمة. البلاد جيدة، لكن رياحاً سيئة تهب فيها. تتعمق فيها الفجوات بين اليهود وغير اليهود، بين الأغنياء والفقراء، بين السفاراديم (الشرقيين) والإشكنازيين (الغربيين) وبين المتدينين والعلمانيين. تتباعد فيها المسافات بين المركز والأطراف، بين اليسار واليمين وبين الإنسان والإنسان. ثمة تآكل مثير للقلق في ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة وبهيئات حفظ القانون وتطبيقه، إلى جانب التدهور المستمر في سلة الخدمات العامة المقدَّمة للمواطنين وفي جودتها. ولهذا حان الوقت لإعادة توحيد إسرائيل من جديد ولضمان مستقبلها".
وتوضح المقدمة أن "تحالف أزرق أبيض يقوم على ثلاثة أسس مركزية هي: 1. الأمن ـ حيال الأخطار والتحديات المحيطة بنا، سنرفع قبضة حديدية في وجه كل من يريد السوء لنا. وفي موازاة ذلك، سنعمل بحكمة ومسؤولية لاستنفاد أية فرصة للمفاوضات الجدية والناجعة، بالتعاون مع الجهات المعتدلة في العالم العربي وفي الدول الغربية؛ 2. الرسمية - إسرائيل بحاجة إلى الرسمية. إذا لم ننجح في إعادة بلورة أنفسنا من جديد كشعب واحد وأمّة واحدة، وإذا لم نجد لنا جميعاً مكاناً في دولة واحدة، لن يكون بمقدورنا مواجهة التحديات المستقبلية. على الدولة احترام الفرد، احترام الجماعات، احترام التنوع الجندري، احترام جميع القطاعات، جميع الأسباط وجميع الأقليات. على الدولة احترام التقاليد، التراث والغنى الإنساني المميز للفسيفساء الإسرائيلية. على الدولة حماية مؤسساتها. فقط من خلال تبني روح جديدة من الحوار والتوجه الداعم للوحدة ـ التعددية سيكون بمقدورنا تحقيق الرسمية الصحيحة في تلك التي تُعلي شأن الفرد، تحترم المجموع وتجدد التحالف الإسرائيلي. نحن نضع المملكة قبل الملكية. سنعمل بكل الوسائل من أجل تعزيز الروابط بين أجزاء الشعب المختلفة؛ سنحارب الفساد؛ سنحرص على حماية حقوق جميع المواطنين؛ سندافع عن مؤسسات الدولة، عن القضاء والقانون؛ 3. الاقتصاد والمجتمع – نحن ملتزمون بتحقيق النمو الاقتصادي المستمر وبتقليص الفقر، ملتزمون ببناء مجتمع يتيح فرصاً حقيقية لكل مواطنة ومواطن. سنعمل على تعزيز المنظومات الجماهيرية العامة، وخصوصاً في مجالات التعليم، الصحة والرفاه. سنعمل على زيادة النمو والإنتاجية من خلال تطوير واسع للبنى التحتية العامة، الاستثمار في الرأسمال البشري، تقليص البيروقراطية وبناء بيئة داعمة للاستثمارات التجارية. سنعمل على خفض تكاليف الحياة من خلال حلول في قطاع السكن والإسكان، زيادة التنافسية وتحسين الانتاجية".
ويختتم تحالف "أزرق أبيض" مقدمة برنامج الانتخابي بالتأكيد: "اخترنا خوض غمار العمل السياسي ـ الحزبي لأن إسرائيل، بالنسبة لنا، قبل كل شيء وفوق كل شيء. إننا نتعهد بالعمل بأمانة ونزاهة، بصورة رسمية وبكل قوتنا من أجل حماية إسرائيل وتطويرها".
البرنامج السياسي ـ الأمني
تحت العنوان أعلاه جاء في برنامج "أزرق أبيض" ما يلي:
إسرائيل هي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط. ليس ثمة من ينافس قوتها العسكرية، الاقتصادية والديمقراطية في دائرة قطرها آلاف الكيلومترات حول حدودها. مع ذلك، وبعد 70 عاماً من استقلالنا، لا يزال بعض جيراننا يرفض الاعتراف بحقنا في الوجود. المحيط القريب، كما المحيط الأبعد قليلاً، يضعان أمام إسرائيل تحديات أمنية كبيرة ومركّبة. أول هذه التحديات، بالطبع، هو عدوانية إيران، القوة العظمى إقليمياً، التي تعلن جهاراً نيتها لتدمير إسرائيل. إيران تقف خلف التهديدات الإرهابية والعسكرية القائمة على حدودنا، تزود حزب الله بالأسلحة المختلفة، بما فيها مئات آلاف الصواريخ والقذائف الموجَّهة نحو المدن الإسرائيلية، كما تموّل النشاط الإرهابي الذي يمارسه تنظيما "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة. ولم تتخل إيران، بعد، عن مشروعها النووي الذي ـ إن تحقق ـ سيضع إسرائيل أمام خطر وجودي غير مسبوق.
لم تعد الجيوش النظامية الكبيرة وحدها هي المتموضعة عند حدودنا، بل يزداد التحدي الأمني تعقيداً، بصورة كبيرة. فقد أصبح تهديد الصواريخ والقذائف يشكل خطراً جدياً غير مسبوق على الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ تحاول التنظيمات الإرهابية المسّ بنا، على الحدود وفي داخل أراضي الدولة. يستخدم العدو السكان المدنيين كدروع واقية ويسعى إلى إحباط جزء كبير من قوتنا العسكرية ونزع فاعليتها. يقف الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الأخرى أمام الحاجة الدائمة إلى التغيير والتكيف مع الواقع المعقد المستجد بغية ضمان الأمن في واقع أكثر تعقيداً بكثير عما عرفته وواجهته من قبل.
أكثر ما ينقص إسرائيل هو قيادة سياسية تأخذ زمام المبادرة، تعمل لاستغلال الفرص ولتغيير الواقع في المنطقة عموماً وعند حدودنا بوجه خاص. حركة "حماس"، التي لا يمكن مقارنة قدراتها بقدرات الجيش الإسرائيلي، تواصل التحرش بنا واستفزازنا وتنغيص حياة السكان في جنوب إسرائيل. ورغم المعركة الناجحة التي يخوضها الجيش الإسرائيلي ضد تعاظم قوة حزب الله، الذي يمثل القوة الأقوى في لبنان اليوم، وضد التمركز الإيراني في سورية، إلا أن ثمة واقعاً مركباً مليئاً بالتهديدات ينشأ ويتبلور خلف حدودنا الشمالية. النشاط الإسرائيلي لا يؤتي أية ثمار في التأثير على الطريقة التي يصوغ بها (فلاديمير) بوتين، (رجب طيب) أردوغان و(حسن) روحاني التسوية الجديدة في سورية.
في الوقت ذاته، يتشكل بين البحر ونهر الأردن واقع قد يشكل تهديداً خطيراً للرؤية التي قامت دولة إسرائيل على أساسها: دولة يهودية وديمقراطية، بيت قومي للشعب اليهودي في المكان الوحيد في العالم الذي يمكنه فيه العيش والبقاء؛ دولة متنورة، متقدمة وديمقراطية يرغب شبابها في العيش فيها، لأنها المكان الأفضل في العالم.
لدينا صديق كبير ووفيّ في البيت الأبيض، لكن إسرائيل لم تعد كما كانت ـ موضوعاً خارج الخلافات في السياسة الأميركية. سياسة الحكومة الحالية في قضايا الدين والدولة أحدثت صدعاً عميقاً بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة الذين تشكل العلاقة معهم ومع يهود العالم أجمع جزءاً أساسياً لا يتجزأ من أمننا القومي.
يؤمن تحالف "أزرق أبيض" بأن الأساس المتمثل في الحفاظ على الأمن وتعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الأخرى ينبغي أن يتكامل مع أساس آخر ـ هو السياسي. ثمة اليوم مصالح حيوية مشتركة لنا وللعديد من دول المنطقة التي تسعى إلى الاستقرار وتواجه تهديدات شتى من الإسلام المتطرف المتمثل في إيران و"داعش". من المغرب حتى الخليج الفارسي ومن الرياض حتى القاهرة وعمان ـ هذه الدول أصبحت مستعدة اليوم للتعاون معنا في بلورة شرق أوسط آخر يلجم العدوانية الإيرانية ويهزم الإسلام المتطرف.
يتعين على إسرائيل، القوة الأكبر في المنطقة، تولّي دفة القيادة. كجزء من مفهوم الأمن القائل بأن القوة منوطة بالقدرة على التحكّم بالسيرورات، سنعمل من أجل بلورة واقع جديد يثبّت الأغلبية اليهودية في إسرائيل ويكرس الهوية اليهودية لدولة إسرائيل. سنعزز الكتل الاستيطانية ونتيح إمكانية الحياة الطبيعية في أي مكان يعيش فيه إسرائيليون. ستكون منطقة غور الأردن الحدّ الأمني الشرقي لدولة إسرائيل. ستكون القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية. بهدي هذه المبادئ، سنبحث في خطة السلام التي سيعرضها الرئيس دونالد ترامب، عند طرحها.
لن يكون ثمة انفصال ثانٍ. أي إجراء يجري تنفيذه بصورة أحادية الجانب سيدفع العدو، بالضرورة، إلى الاستنتاج بأن مقاومته العنيفة هي التي هزمتنا وحسمت الأمر. لن نكرر هذا الخطأ. أي قرار سياسي تاريخي سيُعرض على الشعب في استفتاء عام لإقراره، أو سيجري إقراره في الكنيست بأغلبية استثنائية.
سنبادر إلى عقد مؤتمر إقليمي سوية مع الدول العربية الطامحة إلى الاستقرار، سنعمق إجراءات الانفصال عن الفلسطينيين من خلال المحافظة غير المساوِمة على مصالح إسرائيل الأمنية وعلى حرية عمل الجيش الإسرائيلي في أي مكان.
سيُطرح على جدول أعمال المؤتمر الإقليمي، أيضاً، موضوع لا يقل أهمية: مكانة إسرائيل الإقليمية، كقوة رائدة، إلى جانب الأطراف ذات المصالح المشتركة. لن يكون بعد اليوم وضع تجرى فيه مداولات حول الاتفاق النووي مع إيران أو حول التسوية النهائية في سورية دون أن تعرض هذه الأطراف ذات المصالح المشتركة، وفي مقدمتها إسرائيل، مصالحها ودون أن تتم تلبيتها.
لن نسمح، أبداً، بأي تهديد وجودي على دولة إسرائيل. انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، والذي بدأ في عهد الإدارة الأميركية السابقة ولا يزال مستمراً هذه الأيام أيضاً، يحمل أخطاراً جسيمة على إسرائيل وشركائها. علينا أن نضع أمام الرئيس ترامب صفقة القرن الحقيقية: شرق أوسط تقوده وتشكّله الدول الحليفة للولايات المتحدة، وليس محور المتطرفين. هكذا فقط يمكننا إعادة صديقتنا الهائلة القوة إلى المنطقة وضمان تحقيق المصالح الإسرائيلية في كل مكان.
في الصراع مع "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، أيضاً، ستكون إسرائيل مبادِرة، لا مجرورة. في غزة، علينا القيام بإجراء مزدوج: رد بكامل القوة على أي استفزاز أو عمل عنيف ضد أراضينا، من جهة، وتحرك مشترك مع جهات إقليمية يطرح أمام سكان غزة إمكانية لحياة أفضل، من جهة أخرى، بما يوضح لهم أن ما يحول بينهم وبين هذه الحياة الأفضل هو عدوانية "حماس" تجاه إسرائيل. القاعدة الأولى في الحرب ضد الإرهاب هي زرع الخلاف بين السكان، من جهة، وبين التنظيم الإرهابي الذي ينشط بينهم من جهة أخرى. يمكن لهذا أن يحصل فقط إذا اعتمدنا سياسة المبادرة في كلا المستويين، العسكري والسياسي ـ الاقتصادي؛ لا تناقض في هذا، إطلاقاً، بل العكس هو الصحيح: ذراعان يكمل أحدهما الآخر.
هضبة الجولان هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وهذه مسألة غير خاضعة للمفاوضات. سنطوّر المنطقة وسنكثف الاستيطان فيها.
على الجبهة الشمالية، سنصعّد المعركة المتواصلة ضد التمركز الإيراني وضد تعاظم حزب الله وسنحضّر الجيش الإسرائيلي لاحتمال نشوب معركة (جديدة).
سنكثف ونصعّد العمل المتواصل ضد إيران وحزب الله وسنعززها بعمل سياسي مقابل روسيا لتحقيق مطلب إسرائيل بإبعاد إيران ووكلائها عن الأرض السورية.
سيبحث تحالف "أزرق أبيض" بجدية وسيبذل جهوداً متواصلة لإعادة الأسرى والمفقودين، من منطلق الالتزام لهم ولعائلاتهم وللمجتمع الإسرائيلي برمّته.
طبقاً لمفهوم الأمن القومي، على إسرائيل تعميق وتوثيق علاقاتها الخارجية في أي مكان في العالم. سنُصلح ونعزز وزارة الخارجية ونثبت، في نص قانوني، مكانتها بوصفها الهيئة القيادية والتنفيذية في مجال السياسة الخارجية والدبلوماسية العامة. إسرائيل هي قوة عظمى في مجال التجديد والابتكار، يرنو العالم كله إليها: سنستغل هذا الوضع لإحداث انطلاقة سياسية جديدة. سنزيد حجم الاستثمار في مساعدة الدول النامية، في إطار السعي إلى خلق قاعدة متينة لعلاقات طويلة المدى.
سنحافظ على التعاون الاستراتيجي وعلى منظومة العلاقات المميزة بيننا وبين الولايات المتحدة، سنعود إلى تلك الأيام التي كانت إسرائيل فيها موضوعاً خارج الخلافات في السياسة الأميركية، سنوطد العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الأوروبية، الآسيوية، الأفريقية والأميركية الجنوبية.
سنضمد الجراح التي سببتها الحكومة الحالية في العلاقات مع اليهود في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة. إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي كله. حكومة إسرائيلية مُبادِرة على الصعيدين الخارجي والداخلي تأخذ في الحسبان، في أي عمل تقوم به، تأثيراته وانعكاساته على اليهود في العالم ـ هي المفتاح لتوثيق هذه العلاقة الحيوية جداً.
مساواة الأقليات ودمجها في المجتمع الإسرائيلي
ومما جاء في البرنامج تحت العنوان أعلاه:
رغم التقدم المستمر الذي سُجِّل في دمج عرب إسرائيل والمجتمع الدرزي في المجتمع وسوق العمل في دولة إسرائيل، إلا أن الطريق إلى دمج هؤلاء ومساواتهم التامة في المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين ما تزال طويلة ومليئة بالمعيقات. لدمج الرجال والنساء العرب وتحسين أوضاعهم الشخصية والمهنية أهمية حيوية للنمو، للقوة الاجتماعية ولتقليص الفقر والفجوات في إسرائيل.
ثمة بعض العوائق المركزية التي تعيق اندماج السكان العرب والبدو في سوق العمل: التعليم وغياب المهارات المهنية؛ معيقات دينية؛ اللغة والآراء المسبقة؛ التقاليد الاجتماعية التي تحول دون خروج النساء العربيات إلى سوق العمل بأعداد كبيرة ونقص المواصلات إلى أماكن العمل.
من أجل تحسين مستوى الحياة في الوسط العربي والبدوي واندماجه في المجتمع الإسرائيلي، ثمة حاجة إلى حلول في مجالات أخرى أيضاً: خفض مستويات العنف وكميات الأسلحة غير القانونية في هذا الوسط؛ معالجة نقص الخرائط الهيكلية المصادَق عليها ومعالجة ظاهرة البناء غير المرخص؛ رفع مستوى الحذر على الطرقات وتطوير البنى التحتية في مجال الشوارع، إضافة إلى التربية على نمط حياة سليم.
سيقود تحالف "أزرق أبيض" خطة متعددة السنوات لتعميق دمج الأقليات في المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين ولرفع نسبة مشاركة النساء في سوق العمل بمستويات مرتفعة من المداخيل، كما سيركز على الاستثمار في التعليم بما يتيح امتلاك مهارات مهنية عالية وعلى الاستثمار في البنى التحتية المادية.
وفيما يتعلّق بـ"قانون القومية" جاء في البرنامج: سنكرّس قيمة المساواة ونشرّعها في قانون أساس ـ كما ورد في فصل "القضاء والتشريع" في هذا البرنامج. وفي البند المشار إليه هنا من فصل "القضاء والتشريع"، ورد ما يلي: سنكرّس، في قانون أساس، مبدأ المساواة في حقوق الفرد في إسرائيل. "قانون القومية" ثبّت كون إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، التي يحقق فيها، بصورة مميزة، حقه في تقرير مصيره القومي. لكن مبدأ المساواة في حقوق الفرد سقط من هذا القانون. ولذا، سنشرّع مبدأ المساواة في قانون أساس، بروح "وثيقة الاستقلال".
"أزرق أبيض" سيفعل كل ما يفعله نتنياهو لكن بلوني العلم!
رأت عدة تحليلات أن هذا البرنامج يؤكد أن تحالف "أزرق أبيض" لن يفعل سوى ما يفعله نتنياهو لكن باللونين الأزرق والأبيض، لوني العلم الإسرائيلي.
وكتب مراسل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" حاييم ليفنسون (6/3/2019) أنه من خلال البرنامج من الصعب معرفة آراء هذا التحالف المشترك. وأكد أن البرنامج مجموعة أقوال تبدو جيدة لكن من دون أي رابط إيديولوجي أو خطط ملموسة وهدف واضح. وبرأيه ربما هذا هو ما تريده أغلبية ناخبي الوسط: أشخاص جيدون وشخصيات لها قيمة معنوية، وليس إيديولوجيات نارية تصطدم بالواقع.
وأضاف ليفنسون أن الجزء السياسي من البرنامج غامض. فصحيح أن التحالف يعلن نيته القيام بخطوات سياسية، لكن ماهيتها الدقيقة غير معلنة وسرّية. فهو يقول إنه سيتعاون مع الدول العربية المعتدلة، وهو ضد الإسلام المتطرف، وسيسمح بحياة طبيعية في كل المستوطنات، لكنه لا يفصّل ماهية الحياة الطبيعية. والتحالف لن ينفّذ انفصالاً عن المناطق المحتلة، وسيبادر إلى عقد مؤتمر إقليمي، وسيحافظ على القدس الشرقية، وفي الواقع هو سيفعل كل ما يفعله بنيامين نتنياهو، فقط باللونين الأزرق والأبيض، لوني العلم.
على صعيد آخر قالت تحليلات إن غانتس وقيادة "أزرق أبيض" يواصلان التعاون مع حملة نزع الشرعية عن التمثيل السياسي للعرب في الكنيست، التي يقوم بها نتنياهو. ففي إطار المقابلات التي أدلى بها غانتس إلى قنوات التلفزة الإسرائيلية الثلاث يوم 21/3/2019 قال إنه لن يُجري أي حوار سياسي مع ممثلي الأحزاب العربية. وأضاف لقناة التلفزة "كان" أن "الزعامة السياسية للعرب في إسرائيل ارتكبت خطأ كبيراً. فهي تتحدث ضد دولة إسرائيل، ولذا لا أستطيع إجراء حوار سياسي معها".
وتعقيباً على ذلك أنشأت صحيفة "هآرتس" مقالاً افتتاحياً بعنوان "يرفض أن يكون بديلاً" قالت فيه إن غانتس فشل حتى الآن في موضوعين أساسيين لا يمكن التساهل بهما. الموضوع الأول هو تهرّبه من إعطاء رد واضح يوضح ما إذا كانت قائمته تؤيد حل الدولتين. وتساءلت الصحيفة: لماذا لا يبدي الشخص الذي يدّعي أنه يمثل البديل من حكم بنيامين نتنياهو استعداده للكشف عن موقفه من موضوع مصيري وهو حل المشكلة الفلسطينية؟. لماذا لا يجرؤ من يدّعي أنه البديل من نتنياهو وأنه أكثر اعتدالاً منه، على التعبير عن تأييده لحل حتى نتنياهو أيّده؟ وبرأيها فإن البديل الوحيد من حل الدولتين هو حل الدولة الواحدة، وثمة شك في أن غانتس يتبناه، والتهرب من تأييد الحل الوحيد المتبقي لا يثير أملاً كبيراً بالشجاعة السياسية لمن يدّعي أنه البديل.
أما الموضوع الثاني والأخطر بحسب الصحيفة فهو موقف غانتس من الأحزاب العربية، والذي وصفته بأنه "يجعلنا نشك في أن غانتس ينوي جدياً إسقاط نتنياهو".
إجمال
ما يظهر من أداء تحالف "أزرق أبيض" حتى الآن هو أنه غير جاد فعلاً في إسقاط نتنياهو، ولعل الدليل الأكبر على ذلك هو تنائيه مسبق البرمجة عن طرح أي بديل لسياسته العامة، ولا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والمواطنين العرب.
وأكد برنامج التحالف، الذي أعلنه في أوائل آذار 2019، أنه لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب مرة أُخرى من مناطق فلسطينية محتلة، كما جرى العام 2005 حين انسحبت إسرائيل من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية في إطار ما يُعرف باسم "خطة الانفصال". وتعهّد بأن تكون أي عملية سلمية مع الفلسطينيين مرهونة بالمصادقة عليها في استفتاء شعبي عام. وامتنع البرنامج من ذكر أي تفاصيل بشأن تلك العملية السلمية، كما امتنع من ذكر حل الدولتين وكذلك من ذكر تعبير دولة فلسطينية. ووفقاً للبرنامج، ستعمل قائمة "أزرق أبيض" على تعزيز الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، والحفاظ على القدس الموحّدة كعاصمة أبدية لإسرائيل.
وحتى لو افترضنا جدلاً أن تحالف "أزرق أبيض" سينجح في استبدال نتنياهو فإن هذا لن يؤدي إلى تغيير يطول حُكم اليمين، الذي على ما يبدو سيستمر في القبض على عنان السياسة الإسرائيلية العامة لكن ربما من دون نتنياهو.
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, وثيقة الاستقلال, الليكود, تلم, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون, يائير لبيد