تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 23
  • وليد حباس وياسر مناع
  • تصفح الملف

منذ تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في نهاية 2022، يشهد النظام السياسي تحوّلًا نحو نمط سلطوي مغلق، ويتم خلاله المصادقة على تشريعات جديدة تُقيد الرقابة الدولية، وتُقنن حصانة الجيش والمستوطنين، وتستهدف المجتمع المدني الفلسطيني والإسرائيلي الحقوقي. الهامش المحدود الذي أُتيح سابقًا للفلسطينيين للتوجه إلى الحماية الدولية أو المحكمة العليا الإسرائيلية يتآكل تدريجيًا، ويُستبدل بتشريعات تُجرّم الرقابة الدولية وتمنع أي مساءلة، مما يُنتج نظامًا يعزل الفلسطينيين كـ "حالة استثناء" خارجة عن القانون.

تستعرض ورقة تقدير الموقف الحالية مجموعة من التشريعات الإسرائيلية الجديدة وتُقدّم قراءة تحليلية في دلالاتها السياسية والقانونية.

تنقسم الورقة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول يتناول ثلاثة قوانين تم إقرارها وتنفيذها، وهي: (1) قانون وقف نشاطات وكالة الأونروا، (2) قانون حظر فتح ممثليات دبلوماسية في القدس الشرقية لتقديم خدمات للفلسطينيين، و(3) قانون منع منح تأشيرات دخول لمن يدعم محاكمة جنود أو مسؤولين إسرائيليين أمام محاكم دولية.

القسم الثاني، يتناول خمسة مشاريع قوانين لا تقل خطورة، لا تزال قيد التشريع، وتستهدف: (1) منع عمل منظمات إنسانية في غزة، (2) حظر توثيق أعمال الجنود، (3) فرض ضرائب باهظة على الجمعيات الحقوقية، (4) تجريم التعاون مع العقوبات الدولية، و(5) حظر تقديم أدلة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.

القسم الثالث والأخير يناقش تداعيات مسار التشريعات الإسرائيلي الجديد، والذي لا يقتصر على تقليص الحريات أو قمع الفلسطينيين، بل يُعيد إنتاج بنية قانونية تُحصّن إسرائيل من المساءلة الدولية، ويعيد تعريف العلاقة مع الفلسطينيين، ويستهدف المجتمع المدني الحقوقي ويحد من إمكانية التدخل أو الرقابة الدولية.

 

أولا: التشريعات الإسرائيلية المقرّة

يستعرض هذا القسم 3 قوانين تمت المصادقة عليها في الكنيست، وأدرجت ضمن قوانين دولة إسرائيل بعد أن دخلت حيز التنفيذ.

  1. قانون وقف نشاطات الأونروا- 2024

تم قبوله بالقراءة الثالثة وتحول الى قانون في 30 تشرين الأول 2024.[1] ينص القانون على إنهاء العمل بالاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل ووكالة الأونروا منذ العام 1967، وفرض حظر شامل على أي تواصل رسمي مع الوكالة أو موظفيها. ينص القانون أيضًا على عدم إعفاء موظفي الأونروا من الملاحقة القضائية بشأن أي شبهات متعلقة بـ"أعمال إرهابية" أو دعم مزعوم لهجوم 7 أكتوبر 2023. دخل القانون حيز التنفيذ الكامل في تشرين الأول 2024، في خطوة تستهدف تصفية دور الأونروا في فلسطين.

من المهم الإشارة الى أن القانون كان عبارة عن شقين، والشق الأول تمت المصادقة عليه من قبل 92 نائبًا مقابل 10 رافضين، بينما أن الشق الثاني مر بمصادقة 87 نائبًا مقابل 9 رافضين، مما يشير الى أن هذا القانون يحظى بشبه إجماع إسرائيلي يتعدى كتلة اليمين الحاكم.

يؤثر القانون بشكل مباشر وفوري على عمل الأونروا داخل "القدس الشرقية" (المناطق التي تقع تحت السيادة الإسرائيلية حسب القانون الإسرائيلي)، حيث يُمنع عملها نهائيًا هناك. لكنه يؤثر بشكل غير مباشر على عمليات الأونروا في الضفة الغربية وغزة، من خلال إلغاء اتفاقية "تبادل الرسائل" (اتفاق كومي-ميشلمور) الموقعة عام 1967، والتي كانت تضمن حرية حركة موظفي الأونروا وتسهيل دخول البضائع وتقديم الحماية، ويتم حظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفي الأونروا. هذا يعني أنه سيتم الحظر على البنوك الإسرائيلية التعامل مع الأونروا، مما يهدد دفع الرواتب وسلاسل الإمداد. ولن تُصدر وزارتا الداخلية والخارجية تأشيرات دخول للموظفين الدوليين. سيؤدي الأمر على المدى القريب الى خلق فجوة خدماتية وإغاثية في الأرض المحتلة، إذ إن استبدال الأونروا بوكالات أخرى تظل محدودة بسبب افتقارها إلى الخبرة والقدرة اللوجستية التي تتمتع بها الاونروا.

 

تأثير مباشر

تأثير غير مباشر

 

القدس

الضفة الغربية

قطاع غزة

المخيمات

1

19

8

المدارس

6 مدارس

(إسرائيل أمرت بإغلاق 3 مدارس بالإضافة الى معهد قلنديا في شباط 2025)

96 مدرسة

284

المعلمون

112

1,519 معلمًا

9400 معلم

عدد الطلاب

2056

45,195

294,000

عدد المراكز الصحية

3

43

22

(حوالى 5 لا تزال تعمل)

الطاقم الصحي

54

498 موظفًا

1160 موظفًا

 

الجدول (1): أعمال الأونروا في الأرض المحتلة (الضفة الغربية، والقدس، وقطاع غزة)، حسب بيانات الأونروا من 2025

(المصدر: UNRWA Situation Report #160 on the Humanitarian Crisis in the Gaza Strip and the West Bank, Including East Jerusalem, February 21, 2025.)

  1. تعديل قانون أساس "القدس- عاصمة إسرائيل" بحيث يشمل حظر فتح ممثليات دبلوماسية في القدس الشرقية لتقديم خدمات للفلسطينيين

تم قبوله بالقراءة الثالثة وتحول إلى قانون في 30 تشرين الأول 2024.[2] جرى التعديل على مادة (رقم 3) من "قانون-الأساس: القدس عاصمة إسرائيل"، أقره الكنيست في 2 تشرين الأول 2024، ونُشر في السجل الرسمي بتاريخ 30 تشرين الأول 2024. يضيف التعديل بندًا جديدًا (6أ) ينص على أن أي تمثيل رسمي لدولة أجنبية في القدس يجب أن يكون بعثة دبلوماسية معتمدة لدى إسرائيل، ويمنع قيام ممثيلات أجنبية موجهة للفلسطينيين، كجزء من سياسة تهويد القدس وتكريس السيادة الإسرائيلية عليها.

نص مشروع القانون لا يؤثر على القنصليات الأجنبية القائمة حاليًا في القدس والتي تقدم خدمات للفلسطينيين، لكنه يحظر فتح قنصليات أجنبية جديدة تخدمهم. وتشير التحليلات إلى أن القانون جاء، في جانب منه، كرسالة إلى المرشحة السابقة للرئاسة الأميركية كامالا هاريس، التي وعدت بإعادة فتح القنصلية الأميركية للفلسطينيين في القدس، لأن الأمر يعتبر اعترافًا ضمنيًا بالقدس عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية.[3]

تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قطعت العلاقات مع القنصلية الإسبانية في القدس ومنعتها من تقديم خدمات للفلسطينيين بعد اعتراف إسبانيا بدولة فلسطين وعاصمتها القدس.  وفي 21 نيسان 2025، ألغت وزارة الداخلية الإسرائيلية تأشيرات دخول 27 نائبًا ومسؤولًا فرنسيًا قبل زيارتهم المقررة إلى إسرائيل والضفة الغربية بيوم واحد على الرغم أن الزيارة تمت بدعوة من القنصلية الفرنسية في القدس لتعزيز التعاون والسلام.[4] في بداية 2025، طالب عضو الكنيست عن الليكود دان إيلوز وزير الخارجية جدعون ساعر بإغلاق القنصلية البلجيكية في القدس، بعد شكوى جنائية في بلجيكا ضد وزير الشتات تسببت بإلغاء زيارته.[5]

تجدر الإشارة الى أن هناك تسع قنصليات عامة في القدس (أميركا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، بريطانيا، تركيا، بلجيكا، إسبانيا، السويد) تعمل دون الحصول على تصريح مباشر بممارسة المهام القنصلية من قبل إسرائيل (أو مع يعرف بـexequatur ). والسبب هو أن هذه القنصليات (التي يعود بعضها إلى ما قبل إنشاء إسرائيل)، تستند إلى قرار الأمم المتحدة 181 (1947) الذي دعا لجعل القدس منطقة دولية Corpus Separatum. رغم وجود هذه البعثات التي تتعامل مباشرة مع السلطة الفلسطينية، ترفض الدول نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس من منطلق أن وضع المدينة يجب أن يُحسم عبر مفاوضات نهائية.[6]

في بداية العام 2025، دعا الباحث الإسرائيلي في القانون الدولي، أفراهام شيلو، إلى استغلال فترة ولاية ترامب الثانية كفرصة لـ"إغلاق القنصليات الأجنبية المعادية" في القدس الشرقية، والتي يعتبرها تهديدًا للسيادة الإسرائيلية، واعتبر أن استمرار عملها لصالح السلطة الفلسطينية دون موافقة وزارة الخارجية الإسرائيلية يشكل خرقًا لقانون "القدس عاصمة إسرائيل" الذي عُدّل في تشرين الأول 2024 (مع أن شروحات القانون تؤكد أن التعديل لا يشمل القنصليات القائمة أصلا وإنما قنصليات جديدة).[7]

  1. قانون يمنع تأشيرة دخول لإسرائيل لشخص أو ممثل جهة تؤيد مقاطعة إسرائيل

تم قبوله بالقراءة الثالثة وتحول إلى قانون في 23 شباط 2025.[8] وهو بمثابة تعديل على قانون الدخول إلى إسرائيل (تعديل رقم 40 لسنة 2025). يمنح التعديل السلطات الإسرائيلية الحق في رفض منح تأشيرة أو تصريح إقامة لأي شخص غير مواطن إسرائيلي أو لا يحمل إقامة دائمة إذا كان هو أو الجهة التي ينتمي لها قد قاموا بواحد أو أكثر من الأمور التالية: 1) الدعوة العلنية لمقاطعة إسرائيل، بموجب "قانون منع الأضرار عن طريق المقاطعة"، 2) إنكار المحرقة، بموجب "قانون حظر إنكار الهولوكوست" (1986)، 3) إنكار مجزرة 7 أكتوبر 2023، وفق "قانون حظر إنكار أحداث 7 أكتوبر"، 4) التعبير عن دعم محاكمة جنود أو مسؤولين إسرائيليين أمام محاكم دولية على خلفية أفعال ارتكبوها خلال الخدمة العسكرية أو الأمنية.

الهدف من التعديل هو الحد من دخول النشطاء الأجانب أو العاملين في منظمات حقوقية أو إنسانية ينتقدون إسرائيل، وخصوصًا من يتحدثون عن المقاطعة، الهولوكوست، أحداث غزة، أو محكمة الجنايات الدولية. وهو جزء من نهج تشريعي أوسع يربط المواقف السياسية بمعايير الدخول إلى البلاد.

ثانيًا: تشريعات مقترحة لا تزال في المسار التشريعي

بالإضافة إلى التشريعات المقّرة، هناك أيضا مشاريع مطروحة حاليا في الكنيست، وهي لا تزال في مسار التشريع وقد تتم المصادقة عليها بالقراءة الثالثة وتتحول إلى قانون، أو قد يتم دمجها مع مشاريع قوانين أخرى، أو قد يتم تعديلها وفقًا لتوصيات اللجان التي تفحصها، أو قد يتم إلغاء مسار التشريع إما بسبب رفض المشروع في التصويت داخل الكنيست أو بسبب سحب مقدم المشروع مقتَرَحَه.[9] وتشمل:

  1. مشروع قانون يمنع السلطات الإسرائيلية من السماح بعبور إغاثة إنسانية لمنطقة تحت سيطرة "عدو"

وهو مشروع قانون مدرج حاليًا في الكنيست تحت رقم (ف/25/5471)، وقد وصل إلى القراءة التمهيدية بتاريخ 3 شباط 2025. قدّم المقترح أعضاء من اليمين الإسرائيلي (إيتمار بن غفير، يتسحاق كرويزر، ليمور سون هار-ملك).[10] ينص المقترح على منع إسرائيل من تقديم أو السماح بمرور أي مساعدات إنسانية (سواء كانت إسرائيلية أو أجنبية) إلى أي منطقة تسيطر عليها "دولة عدو" أو "منظمة إرهابية"، طالما لا يزال هناك أسرى أو مختطفون إسرائيليون محتجزون هناك.

يُعرّف المقترح "المساعدات الإنسانية" لتشمل كل شيء من غذاء وماء ودواء وكهرباء ووقود وحتى الملابس والملاجئ. يمنع القانون المقترح تمرير هذه المساعدات عبر إسرائيل أو حتى من دول أخرى برًا، بحرًا أو جوًا، بما يشمل المناطق الخاضعة لسيطرة حماس في غزة، ما دامت تحتجز مختطفين إسرائيليين.

يبرر القانون نفسه بهجوم 7 أكتوبر 2023، حيث يتهم القانون حماس بارتكاب "مجزرة"، ويزعم أن استمرار إدخال المساعدات سمح لحماس بإعادة التسلح والتنظيم، ويقوض محاولات الضغط عليها لإطلاق سراح المختطفين.

  1. مشروع قانون يحظر توثيق أعمال الجنود في الضفة والقطاع ويعاقب بالسجن من يسلمها لجهات خارجية وقضائية عالمية

وهو مشروع قانون مدرج حاليًا في الكنيست تحت رقم (ف/25/5643)، وقد وصل إلى القراءة التمهيدية بتاريخ 17 آذار 2025. تم تقديم المقترح من عضو الكنيست موشيه سعده.[11] يسعى القانون إلى تجريم جمع أو نقل معلومات عن إسرائيليين – خاصة جنود الجيش – إلى جهات أو سلطات أجنبية، إذا كان الهدف منها فرض عقوبات على إسرائيل أو محاكمة جنودها في الخارج. ويتضمن مشروع القانون المضامين التالية:

  • تجريم التعاون مع عقوبات أجنبية: يمنع نقل معلومات إلى "جهة أجنبية" إذا كانت قد تستخدم في فرض عقوبات على إسرائيل أو محاكمة جنودها. عقوبة نقل المعلومات قد تصل حتى 5 سنوات سجن. أما إذا كانت المعلومات تخص جنود الجيش الإسرائيلي وتهدف لمحاكمتهم فقد تصل العقوبة حتى 10 سنوات سجن.
  • تجريم الاتصال بالسلطات الأجنبية: أي شخص يتصل بجهة أجنبية لتوصية أو اقتراح فرض عقوبات يُعامل كما لو أنه نقل معلومات بطريقة غير قانونية.
  • ضرائب على الجمعيات الإسرائيلية التي "تتعاون" مع عقوبات أو تحقيقات خارجية: يُمنح وزير المالية صلاحية تصنيف جمعية كـ"كيان معادٍ" إذا شاركت في تقديم معلومات قد تؤدي إلى عقوبات أو محاكمة جنود. يتم فرض ضريبة بنسبة 50% على أي تبرعات تتلقاها من جهات أجنبية.

جاء المشروع ردًا على العقوبات المفروضة على مستوطنين ومؤسسات إسرائيلية تعمل في الضفة الغربية، ويهدف إلى مواجهة ما يصفه القانون بـ"التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي"، وخاصة نشاط المنظمات الإسرائيلية اليسارية التي تنقل معلومات لمحكمة الجنايات الدولية أو حكومات أجنبية.

  1. مشروع قانون يفرض ضريبة 80% على الجمعيات الممولة كليًا من جهات خارجية، ويُقصد الجمعيات الحقوقية

وهو مشروع قانون مدرج حاليًا في الكنيست تحت رقم (ف/25/5222)، قدمه عضو الكنيست أريئيل كالنر، وقد تم إعداده للقراءة الأولى بتاريخ 19 شباط 2025.[12] يقترح القانون فرض ضريبة بنسبة 80٪ على أي تبرع تتلقاه جمعية إسرائيلية من "كيان سياسي أجنبي" (مثل دولة أجنبية أو منظمة دولية مرتبطة بدولة)، إلا إذا كانت الجمعية تحصل أيضًا على تمويل مباشر من الحكومة الإسرائيلية. يستثنى من القانون المقترح الجمعيات المعترف بها كمؤسسات عامة وتتلقى تمويلًا من الدولة أو الجمعيات ذات إيراد سنوي أقل من 100,000 شيكل. كما يحظر مشروع القانون التوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية من قبل الجمعية التي تحصل على غالبية تمويلها من كيانات أجنبية ولا تموَّل من الدولة، بحيث أنها لا يمكنها تقديم دعاوى قضائية أمام المحاكم الإسرائيلية.

يرى المقترح أن التبرعات الأجنبية لبعض الجمعيات (خصوصًا الحقوقية واليسارية) تُستخدم كـ"أداة للتأثير السياسي الخارجي"، وتهدف لتغيير السياسات من الداخل خدمة لأجندات دول أجنبية، ما يشكل خطرًا على السيادة الوطنية. ويعتبر أن منح هذه التبرعات إعفاءً ضريبيًا يمثل "تشجيعًا غير مبرر" لنفوذ خارجي.

  1. مشروع قانون يحظر على أي جهة إسرائيلية فرض قيود على إسرائيلي فرضت عليه عقوبات دولية

وهو مشروع قانون مدرج حاليًا في الكنيست تحت رقم (ف/25/5012)، قدمه عدد من أعضاء الكنيست اليمينيين وهم: دان إيلوز، موشه سعدة، أبيحاي آبرهام بوارون، وموشيه بيسيل، وتم قبوله بالقراءة التمهيدية بتاريخ 11 تشرين الثاني 2025.[13] يهدف القانون المقترح إلى منع أي جهة إسرائيلية (سواء كانت مؤسسة حكومية، شركة، جمعية...) من التعاون مع عقوبات تفرضها دول أو منظمات أجنبية على أفراد إسرائيليين – سواء أكانت العقوبات مباشرة أو غير مباشرة، اقتصادية أو سياسية – بحجة أنها غير عادلة وتمس بالسيادة الوطنية. ويعاقب مقترح القانون كل من يتعاون مع تلك العقوبات بغرامات ومطالبات مالية بحيث يمكن للمتضرر الإسرائيلي من هذه العقوبات أن يطالب بتعويض مقطوع قيمته 500,000 شيكل، دون الحاجة لإثبات الضرر. ويسمح للوزير المختص (وزير الاقتصاد) بمنح استثناءات إذا كان التعاون يخدم "المصلحة الوطنية".

جاء القانون في سياق رد الفعل الإسرائيلي على العقوبات المتزايدة التي تفرضها دول أو منظمات دولية على مستوطنين في الضفة الغربية، أو على مسؤولين متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان، سواء من خلال تجميد الأصول أو حظر الدخول أو منع التعاون معهم.

  1. مشروع قانون يحظر على أي جهة إسرائيلية رسمية أو خاصة تقديم أدلة للمحكمة الدولية ضد إسرائيل

وهو مشروع قانون مدرج حاليًا في الكنيست تحت رقم (ف/25/4711)، قدمه عضو الكنيست عمّيت هاليفي، وقد تم إعداده للقراءة الأولى بتاريخ 19 شباط 2025.[14]  

يهدف مشروع القانون المقترح إلى منع المحكمة الجنائية الدولية (ICC) من ممارسة أي نشاط داخل أراضي إسرائيل، عبر حظر التعاون معها، أو تسليمها مستندات أو معلومات، أو تسليم أي مواطن إسرائيلي إليها. كما ينص القانون على معاقبة أي فرد أو جهة تتعاون مع المحكمة بالسجن أو بحرمانهم من الامتيازات، بالإضافة إلى التزام الدولة بتمويل الدفاع القانوني عن أي شخص يُلاحق من قبل المحكمة. يحظر القانون على أي مؤسسة إسرائيلية—سواء كانت حكومية أو بلدية أو أكاديمية—التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية دون الحصول على إذن رسمي. ويعاقب بالسجن مدة تصل إلى خمس سنوات كل من يزوّد المحكمة بمعلومات أو يقدم لها خدمات، وترتفع العقوبة إلى السجن المؤبد في حال كانت المعلومات المُسلّمة مصنفة كـ"سرية". كما يُمنع على المحكمة أو ممثليها فتح مكاتب أو ممارسة أي نشاط داخل إسرائيل، ويُحظر على أي أجنبي يعمل لصالحها دخول البلاد أو الحصول على إقامة فيها. ويسمح القانون بمصادرة أصول المحكمة أو أي جهة متعاونة معها داخل إسرائيل، ويمنع تقديم أي تمويل أو دعم قانوني للمؤسسات أو الأفراد المتعاونين مع المحكمة. كما تتكفل الدولة بتغطية تكاليف الدفاع القانوني لأي مسؤول أو جندي إسرائيلي يتعرض للملاحقة أمام المحكمة. ويُدرج تقديم المعلومات أو الخدمات للمحكمة ضمن الجرائم الاقتصادية المشمولة بقانون "مكافحة غسيل الأموال".

يأتي هذا القانون في سياق الرد الإسرائيلي على إعلان مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية عزمه إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع، على خلفية اتهامهما بارتكاب جرائم حرب في غزة. ويعتبر مقترحو القانون أن المحكمة منحازة، تمثل أداة سياسية ذات طابع معادٍ للسامية، وتشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة إسرائيل وقيادتها السياسية والعسكرية.

ثالثًا: تقدير موقف

عند تأمل رزمة التشريعات المقرة والمقترحة في ضوء أجندة اليمين الجديد في إسرائيل، يتضح أننا لا نواجه مجرد صراع سياسي داخلي أو تعديلات قانونية عابرة، بل لحظة مفصلية في إعادة تعريف طبيعة النظام الحاكم. فالمسار التشريعي الحالي يتجاوز استهداف الحريات العامة والفلسطينيين في الداخل والضفة الغربية، ليصل إلى تقويض مبدأ فصل السلطات، وتفريغ مؤسسات الحكم الديمقراطي من مضمونها، وتجريم الرقابة الدولية والمحلية، ومنح الجيش والمستوطنين حصانة شبه مطلقة. بذلك، لا تكتفي إسرائيل بالتحول إلى نظام سلطوي مغلق، بل تُنشئ بنية قانونية تُؤسّس لتفوّق يهودي ممنهج وتُعطّل أي إمكانية للمساءلة المستقبلية داخليًا ودوليًا. لهذا المسار تداعيات تستدعي الالتفات إليها:

  1. التبعات على علاقة إسرائيل بالفلسطينيين

يعكس هذا المسار تحولًا جذريًا في التصوّر الإسرائيلي للفلسطينيين: من كونهم طرفًا سياسيًا تفاوضيًا يسعى إلى إقامة دولة (رغم المعارضة الإسرائيلية لذلك)، إلى تصنيفهم كـ"عدو دائم" مما يتطلب معالجة أمنية مستمرة. هذا التحول لا يُعيد فقط تعريف طبيعة العلاقة، بل يعيد إنتاج المنظومة القانونية والسياسية التي تحكمها. فالتعامل مع "العدو" يجري وفق منطق أمني إقصائي، يستبعد إمكانيات الشراكة أو الحلول المرحلية، ويؤسس العداء بوصفه القاعدة الحاكمة.

نتيجة لذلك، يجري تقليص ما تبقى من أدوات الرقابة والتدخل القانوني، بما فيها الآليات الحقوقية الدولية التي- رغم محدوديتها- شكّلت إحدى المساحات القليلة للضغط الخارجي. بل إن التشريعات الجديدة تهدف إلى تجريم هذا التدخل وإنهاء "الحصانة" (حتى لو كانت افتراضية) التي لازمت الحالة الفلسطينية في ظل نظام الفصل العنصري المتصاعد. وبالتوازي، تواصل إسرائيل تعميق سياسات العنف والتوسع الاستيطاني، وتحويل الفلسطينيين إلى "حالة استثناء"، مع تشديد الرقابة على الحيّز العام، ورفض متزايد لأي مساءلة أو رقابة دولية، بما يشمل الأمم المتحدة والمحاكم الدولية.

  1. استهداف وجود منظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية

تنشط في إسرائيل والأراضي الفلسطينية مجموعة متنوعة من المنظمات الحقوقية غير الحكومية التي تُعنى بتوثيق الانتهاكات ومناهضة الاحتلال. وتشمل هذه المنظمات مؤسسات تعمل على تقديم التماسات للمحاكم الإسرائيلية، وكشف ما يجري فعليًا على الأرض، وتوثيق السياسات الاستعمارية الإسرائيلية وفضحها أمام المجتمع الدولي. تستعرض القائمة أدناه أبرز هذه المنظمات، مع الإشارة إلى أنها غير حصرية ولا تشمل المنظمات القاعدية أو البعثات والمنظمات الدولية.

تواجه هذه المنظمات (انظري الجدول 2) منذ سنوات ضغوطًا متصاعدة من قبل اليمين الإسرائيلي الحاكم، تتراوح بين فرض قيود قانونية، وتهديدات بعرقلة التمويل أو تجفيف مصادره، إلى حملات نزع الشرعية والتجريم، خاصة عندما يتركز نشاطها على نقد السياسات الحكومية أو تسليط الضوء على ممارسات الاحتلال. غير أن الهدف من هذه الضغوط لا يقتصر على تقييد عمل هذه المنظمات أو التضييق عليها في مهام معينة، بل يتعداه إلى محاولة إنهاء وجودها بالكامل في الحيز العام الإسرائيلي، وإقصائها من المجال الحقوقي والإعلامي والسياسي. وفي العام 2022، صنّفت الحكومة الإسرائيلية ست منظمات فلسطينية غير حكومية على أنها "منظمات إرهابية"، وهو ما أدى إلى تقويض شديد لقدرتها على العمل وتلقي التمويل.

التركيز الرئيسي

أهم العاملين

المجال

المناصرة القانونية والتمثيل والتقاضي في المحاكم الإسرائيلية والدولية

عدالة، الميزان، المرصد، هموكيد، يش دين، چيشاه/مسلك.

قانوني

توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة

بتسيلم، لنكسر الصمت، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مخسوم ووتش

مراقبة الاحتلال

حقوق الأرض ومراقبة المستوطنات وتوثيق مصادرة الأراضي

السلام الآن (الأهم في رصد الاستيطان وأحيانًا مصدر المعلومات الوحيد)، كرم نافوت، المرصد (هضبة الجولان)

التوسع الاستيطاني

مناصرة واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التنقل وتكوين الجمعيات والمساواة

جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، بتسيلم، عدالة، الحق، الميزان

حقوق الإنسان

الصحافة الاستقصائية والتوثيق والتوعية العامة بحقوق الفلسطينيين وكيفية سلب إسرائيل لها

+972، مجلة العين السابعة، محادثة محلية (سيخا مكوميت)

إعلام

حقوق الطفل والأسرى وحرية الحركة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية)

المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، الضمير (حقوق الأسرى)

آخرون

 

الجدول (2): قائمة بأهم المنظمات الحقوقية الإسرائيلية والفلسطينية التي تعمل الحكومة الإسرائيلية على تقليص عملها أو إنهاء وجودها

  1. هل تكون "الحصانة الدبلوماسية" لإسرائيل على المحك؟

في الوقت الذي تتفاقم فيه جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي- بما يشكّل، من الناحية القانونية، شرطًا كافيًا للتدخل الدولي أو لإنهاء "الحصانة الدبلوماسية" التي تتمتع بها إسرائيل- تواصل إسرائيل التصادم المباشر مع المؤسسات الحقوقية، سواء الإسرائيلية أو الدولية أو التابعة للأمم المتحدة، متحدية صلاحياتها ومُقللة من شأنها. وفي ظل غياب رد فعل جاد من المجتمع الدولي، وعدم ترجمة حالة "إسرائيل المنبوذة" إلى نتائج ملموسة على مستوى العلاقات السياسية أو الدبلوماسية معها، فإن ذلك قد يعني أن مستقبل الفلسطينيين سيُعاد تعريفه باعتباره شأنًا إسرائيليًا داخليًا، يخضع حصريًا لمعادلات "السيادة" و"الأمن القومي"، وليس لمبادئ القانون الدولي. ووفق هذا المنطق، لن تجد إسرائيل سببًا لتعديل سياساتها، ما دام القانون الدولي لا يُشكّل قيدًا فعليًا، ولا يرتّب عليها تكلفة مباشرة.

  1. إعادة تشكيل المجتمع المدني في إسرائيل

إن المسار التشريعي الذي تنتهجه إسرائيل يشير إلى تقييد متسارع لمساحة المجتمع المدني الحقوقي، مما يعرقل قدرته على أداء دوره في الرصد والمساءلة والدفاع عن الحقوق. غير أن هذا التحوّل لا يكتمل فهمه من دون التطرق إلى بروز فاعلين جدد داخل مشهد المجتمع المدني الإسرائيلي، ينتمون إلى تيارات يمينية معادية للفلسطينيين، ويتبنون أيديولوجيا صهيونية- تفوقية يجري تكريسها داخل منظومة قانونية وتشريعية. يحظى هذا التيار برعاية رسمية وشرعية متزايدة من قبل اليمين الحاكم في إسرائيل، ويُقدَّم كمصدر معرفي للحكومات الإسرائيلية، من خلال تقديم توصيات ومرافعات تُغذّي السياسات العامة والخطاب السائد. وبهذا، يُعاد تشكيل الحقل الحقوقي ليصبح أحادي الاتجاه: تُقمع الأصوات النقدية المدافعة عن الفلسطينيين، بينما يُمنح الخطاب التحريضي المعادي لهم حضورًا مؤسسيًا وغطاءً قانونيًا آخذًا في الاتساع.

 

[1] "قانون لوقف عمل الأونروا، لعام 2024"، كتاب القوانين الإسرائيلي، عدد 3296، 30 تشرين الأول 2024، ص. 4. أنظر/ي:  https://fs.knesset.gov.il/25/law/25_lsr_5106948.pdf

[2] "قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل (التعديل رقم 3)، لعام 2024"، كتاب القوانين الإسرائيلي، عدد 3299، 30 تشرين الأول 2024، ص. 10. أنظر/ي:  https://fs.knesset.gov.il/25/law/25_lsr_5106966.pdf

[3] يهونتان ليس ونوعا شبيغل، "الكنيست تصادق على قانون يمنع فتح قنصلية أميركية للفلسطينيين في القدس"، هآرتس، 29 تشرين الأول 2024. أنظر/ي: https://www.haaretz.co.il/news/politics/2024-10-29/ty-article/.premium/00000192-d90c-d775-a59b-d9be49850000

[4] "إسرائيل تلغي تأشيرات دخول 27 نائبًا فرنسيًا من اليسار – تقرير"، The Jerusalem Post، 21 نيسان 2025. أنظر/ي: https://www.jpost.com/breaking-news/article-850859#google_vignette

[5] ديفيد إسرائيل، "عضو الكنيست دان إيلوز يطالب بإغلاق القنصلية البلجيكية بسبب تهديد بالقبض على وزير إسرائيلي"، Jewish Press، 29 كانون الثاني 2025. أنظر/ي: https://www.jewishpress.com/news/global/europe/eu/likud-mk-demands-closing-belgiums-consulate-over-arrest-threat-against-israeli-minister/2025/01/29/

[6] إيلون أصلان- ليفي، "القدس تضم العديد من السفارات — لكنها ليست لإسرائيل"، The Tower، آذار 2017. أنظر/ي: https://www.thetower.org/article/jerusalem-already-has-plenty-of-embassies-just-not-to-israel/

[7] أفراهام شيلو، "فترة ولاية ترامب هي الوقت المناسب لوقف السفارات المعادية في القدس الشرقية"، مكور ريشون، 6 شباط 2025. أنظر/ي: https://www.makorrishon.co.il/opinion/813024/

[8] "قانون الدخول إلى إسرائيل (التعديل رقم 40)، لعام 2025"، كتاب القوانين الإسرائيلي، عدد 3374، 23 شباط 2025، ص. 314. أنظر/ي:  https://fs.knesset.gov.il/25/law/25_lsr_5752352.pdf

[9] للمزيد، راجعي: برهوم جرايسي، "القوانين التمييزية والداعمة للإحتلال والاستيطان: التقرير الأول في الكنيست الـ 25"، الراصد القانوني، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 2023. أنظر/ي: https://tinylink.info/10ALS

[10] مشروع قانون منع تقديم المساعدة الإنسانية للعدو، لعام 2025، الكنيست الخامسة والعشرون، مشروع قانون خاص، رقم ف/5471/25. أنظر/ي: https://main.knesset.gov.il/activity/legislation/laws/pages/lawbill.aspx?t=lawsuggestionssearch&lawitemid=2227475

[11] مشروع قانون مكافحة العقوبات ضد دولة إسرائيل، لعام 2025، الكنيست الخامسة والعشرون، مشروع قانون خاص، رقم ف/5643/25. أنظر/ي: https://main.knesset.gov.il/activity/legislation/laws/pages/lawbill.aspx?t=lawsuggestionssearch&lawitemid=2228790

[12] مشروع قانون الجمعيات (تعديل – التبرعات من كيان سياسي أجنبي)، لعام 2024، الكنيست الخامسة والعشرون، مشروع قانون خاص، رقم ف/5222/25. أنظر/ي: https://main.knesset.gov.il/activity/legislation/laws/pages/LawBill.aspx?t=lawsuggestionssearch&lawitemid=2224634

[13] مشروع قانون حظر التعاون مع عقوبات دول أجنبية ضد مواطني إسرائيل، لعام 2024، الكنيست الخامسة والعشرون، مشروع قانون خاص، رقم ف/5012/25. أنظر/ي: https://main.knesset.gov.il/activity/legislation/laws/pages/lawbill.aspx?t=lawsuggestionssearch&lawitemid=2221943

[14] مشروع قانون لحماية المسؤولين الإسرائيليين من نشاط المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد دولة إسرائيل، لعام 2024، الكنيست الخامسة والعشرون، مشروع قانون خاص، رقم ف/4711/25. أنظر/ي: https://main.knesset.gov.il/activity/legislation/laws/pages/lawbill.aspx?t=lawsuggestionssearch&lawitemid=2219393