تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1617

تكمن إحدى مميزات المعركة الانتخابية الحالية في إسرائيل في انتظار السياسيين والجمهور قرارات حاسمة بشأن عودة سياسيين اثنين أدينا بالفساد، وحتى أن أحدهما قبع في السجن لسنوات.
ويدور الحديث على رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، وعلى رئيس حزب شاس والوزير السابق أرييه درعي. وقد حُسم الأمر بالنسبة للأخير بعودته إلى قيادة شاس. ويتوقع أن يعلن أولمرت قراره بشأن عودته إلى الحياة السياسية أو عدم عودته في منتصف الأسبوع الحالي.
ورافقت احتمال عودة أولمرت ودرعي حملة من جانب جمعيات تعنى بجودة الحكم ونظافة يد السياسيين في إسرائيل. لكن بات واضحا أن هذه الحملة لن تنجح في حالة درعي، الذي تم الاتفاق داخل شاس على عودته إلى موقع قيادي في الحزب. كذلك فإن القانون يسمح له بالعودة إلى الحياة السياسية بشكل لا يوجد أي لُبس فيه.


لكن في حالة أولمرت تبدو الأمور أكثر تعقيدا. فقد أعلنت النيابة العامة عن قرارها تقديم استئناف إلى المحكمة العليا ضد تبرئته في المحكمة المركزية في قضيتي الفساد الأساسيتين اللتين اتهم بهما. ولا يزال يوجه قضية الفساد "هوليلاند" المتهم فيها بتلقي رشى. وهناك تحليلات قانونية تشدد على أنه ليس في إمكان أولمرت، في وضعه القانوني هذا، أن يتولى منصب رئيس الحكومة.

 

شاس- حزب بدون رئيس

ينبغي الإشارة بداية إلى أن التحليلات الإسرائيلية في كل ما يتعلق بشاس شبيهة إلى حد كبير في جميع وسائل الإعلام، وتؤكد ما يلي: الوزير إيلي يشاي لم يعد رئيسا أوحد للحزب؛ الخلافات بين يشاي ودرعي كبيرة جدا بعد أن سادت قطيعة بينهما طوال الـ 12 عاما الماضية؛ بعد عودة درعي إلى شاس ازدادت قوة هذا الحزب بنائبين أو ثلاثة نواب (وقد ظهر هذا في استطلاعات الرأي العام الأخيرة)؛ عودة درعي إلى صفوف قيادة الحزب تعني أن شاس لم يعد في جيب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، علما أنه لا يتوقع أن ينضم شاس إلى حكومة وسط - يسار.

وأفادت التقارير الصحافية بأنه على أثر قرار درعي العودة إلى الحياة السياسية، إذا أمكن من خلال حزب شاس وإلا من خلال حزب جديد يؤسسه، دخل الزعيم الروحي لحركة شاس، الحاخام عوفاديا يوسيف، في حالة خوف شديد على مستقبل حركته. لكن الجهود التي بذلها القيادي في شاس، الوزير أريئيل أتياس، ونجاحه في التوصل إلى تسوية بين درعي ويشاي، أزالت مخاوف الحاخام يوسيف. وفي المقابل وضعت أتياس في الصف القيادي الأول، إلى جانب درعي ويشاي. بل أصبحت قيادة حزب شاس مؤلفة من ثلاثة رؤساء: يشاي ودرعي وأتياس. وقد تساءلت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، أنه ماذا سيحدث بعد صدور نتائج الانتخابات؟ لمن من بين الرؤساء الثلاثة سيتوجه رئيس الحكومة المقبل من أجل تشكيل التحالف؟

من جانبه، رأى محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، أنه "من الواضح للجميع أنه خلال فترة قصيرة سيصبح درعي سيد الحزب، سواء تبوأ المكان الأول في قائمة الحزب الانتخابية أو المكان الثاني أو المكان الخامس، وسواء تم تعريفه كنصف رئيس للحزب أو كثلث رئيس. وسيتم إقصاء يشاي جانبا من خلال قص جناحيه، وسيفقد سلطته في الحزب قطعة بعد أخرى. وسيُدفن حيا. وحتى أنه في صورة المصالحة التي تم التقاطها في منزل الحاخام عوفاديا يوسيف، جلس درعي في الوسط، وهو المكان المخصص عادة وفقا للتقاليد المتبعة عندنا للزعماء، وإلى يمينه جلس يشاي المحرج وهو يبتسم مضطرا كأنه يقول لنفسه ’لا أصدق أن هذا حصل لي’، وإلى يساره جلس أتياس".

 

نتنياهو يتوجس من درعي

إن الأمر الأهم بالنسبة إلى شاس كحزب هو أن عودة درعي إلى قيادته من شأنها أن تزيد من قوته البرلمانية. ويتفق جميع المحللين دون استثناء على أن زيادة قوة شاس ستكون على حساب حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو. ووفقا لفيرتر فإن عودة درعي بالنسبة إلى نتنياهو تشكل "صداعًا مع احتمال بأن يتحول إلى شقيقة (ميغرينا)".

وتشير التوقعات إلى أن درعي لن يكون أداة طيعة في يد نتنياهو مثل يشاي. فقد كان يشاي في جيب نتنياهو، وهو شريك مريح للغاية في التحالف الحكومي، وحليف طبيعي في حكومة اليمين، ولم يُثر مشاكل ولم يبحث عن مشاكل.

لكن درعي هو العكس تماما من يشاي. فهو متقلب وغير متوقع، ويتمتع بقدرة عالية جدا في حياكة المكائد والدسائس، إضافة إلى أن لديه تطلعات بعيدة المدى. والأنكى من ذلك، بالنسبة إل نتنياهو، أن لدرعي أصدقاء في معسكر الوسط - اليسار، الأمر الذي يجعله شخصا مشبوها يتوجس نتنياهو منه.

وفي المقابل، فإن الآمال التي علقها معسكر الوسط - اليسار على عودة درعي إلى الحياة السياسية، وعلى احتمال أن يؤسس حزبا جديدا ويتحول إلى كاسر للتوازن بعد الانتخابات ويمنح هذا المعسكر أغلبية لتشكيل حكومة، قد تحطمت. وكتب فيرتر أنه "ما دام درعي في شاس، فإنه سيعمل وفقا لسياسة شاس [وهو الحزب الذي انزاح نحو اليمين تحت رئاسة يشاي]. ولن يتأثر بصديقه العزيز [الوزير السابق وأحد رموز معسكر الوسط - اليسار] حاييم رامون. ولذلك فإنه في الخلاصة بإمكان نتنياهو أن يكون هادئا. كتلة أحزاب اليمين ستبقى معه، وشاس أيضا. ولن يكون الوضع سهلا، لكن الحياة ليست بطاقة اعتماد".

 

طموحات درعي: محاربة العنصرية ضد اليهود الشرقيين

طرح درعي، خلال مقابلة إذاعية، تم بثها يوم الخميس الماضي، غاية لطموحاته في سياق المعركة الانتخابية، تتمثل في محاربة العنصرية التي يواجهها اليهود الشرقيون في المؤسسات التعليمية الحريدية. وتعهد بتفكيك المؤسسات التعليمية الأشكنازية التي تميز ضد الطالبات من أصول شرقية، كتلك التي تواجهها الطالبات الشرقيات في مدرسة حريدية للبنات في مستوطنة "عمانوئيل" [في الضفة الغربية].

وروى درعي في المقابلة الإذاعية أن رؤساء مدارس دينية أشكنازية تفاخروا أمامه بأن 10% من الطلاب في مدارسهم هم سفاراديم، أي من أصول شرقية. وقال "إنني أستشيط غضبا. عشرة بالمئة؟ ما هذا؟ قبل 40 - 50 عاما كان بالإمكان القول: ’حسنا، [دمج] أولاد المهاجرين مع العائلات العلمانية هو أمر صعب’. لكن يا إله العالمين، اليوم هذه عائلات تحافظ على فرائض التوراة، وطلاب الحكماء، وطلاب المعاهد الدينية. ما الفرق، هل هو لون البشرة؟ ما هذا؟ يجب الانتفاض ضد هذا الأمر وعدم التنازل. فليخجلوا. يجب أن يعرفوا أن عليهم أن يخجلوا". 

وأضاف درعي أنه حصل على إذن من زعيم الحريديم الليتوانيين، الحاخام يوسف شالوم إلياشيف، وهو زعيم أكبر طائفة حريدية في إسرائيل، بمنع إعطاء ميزانيات للمؤسسات الحريدية الأشكنازية التي تميز ضد السفاراديم.

وتابع درعي "إن أحد أهم المواضيع التي دفعتني إلى العودة إلى مجمل العمل في المجال العام، هو المعاناة الفظيعة لعائلتنا". وتحدث عن التوجهات إليه وعن "بكاء أبناء طلابنا في المعاهد الدينية، وهم جيل ثان من طلاب المعاهد، الذين تعلموا في ييشيفوت [أي معاهد دينية يهودية] أشكنازية في الخليل وفونفيج [في القدس]، وهم أبناء توراة صالحون للغاية. وأولادهم في سن الثالثة، ولم يبدؤوا بعد في التعرف على الحياة، وقد دخلوا في كوتا السفاراديم والأشكناز".

وقال درعي "أتعهد بصفة شخصية أنه في هذه المشكلة لن أهدأ ولن أستكين، وسوف أنفذ خطوات صعبة جدا. وأعرف أنني سأتورط، وسأفعل كل شيء من أجل تفكيك المؤسسات التعليمية الحريدية وسأهتم بأن تبقى المدارس الابتدائية مدارس جهوية حتى الصف الثاني عشر. وأعرف أنني أدخل هنا في حرب عالمية، وسأهتم، بمشيئة الله، مع زملائي، وسننفذ ذلك، وسنمنع ميزانيات، ولدي إذن من العبقري الرابي يوسف شالوم إلياشيف رحمه الله. وسوف نمنع الميزانيات عن المؤسسات التي تقوم بالتمييز وسنحارب حتى النهاية".

عودة أولمرت غير مؤكدة

وبالنسبة إلى أولمرت تشير التوقعات إلى أنه سيعلن في منتصف الأسبوع الحالي عن قراره فيما إذا كان سيعود إلى الحياة السياسية أم لا. ويرى المحللون أن كل يوم يمر يخفض من احتمالات عودته، إذ أن العقبات أمام خطوة كهذه تتراكم، بدءا من قرار النيابة العامة الاستئناف على تبرئته، وقضية "هوليلاند"، والخلاف في وجهات النظر القانونية بشأن إمكانية أن يشكل حكومة، بسبب الاستئناف وكونه ما زال متهما، وبسبب إدانته بخيانة الأمانة في قضية "مركز الاستثمارات". ولعل العنصر الأهم في قراره هو أن أي استطلاع للرأي تم نشره حتى الآن لم يتنبأ بأنه سيكون خلفه، في معسكر الوسط - اليسار - العرب، 61 نائبا يمكنونه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

إضافة إلى ذلك، فإنه من أجل أن يعود أولمرت إلى الحياة السياسية كمرشح لرئاسة الحكومة من خلال حزب جديد، هو بحاجة إلى خليفته في رئاسة حزب كاديما، تسيبي ليفني.

وقد التقى أولمرت وليفني، يوم الاربعاء الماضي، ولكن على ما يبدو، وبحسب المؤشرات، فإنهما لم يتفقا على شيء. وأولمرت بحاجة إلى اكتساب شرعيته من ليفني، بينما بنت هذه الأخيرة نفسها كشخصية سياسية نظيفة اليدين من خلال حملة شعواء ضد أولمرت بعد اتهامه بقضايا الفساد، عندما كان رئيسا لحزبها وللحكومة، التي تولت فيها منصب وزيرة الخارجية.

ويجمع المحللون، في هذه الحالة أيضا، على أن ليفني ليست بانتظار قرار أولمرت. ويبدو أنها لا تريد أن تكون في المكان الثاني في حزب يرأسه.

ووفقا لفيرتر فإن أولمرت وليفني يستدعيان استطلاعات رأي خاصة بهما، وكل منهما يدقق في وضعهما في حال خاضا الانتخابات سوية أو كلا منهما على حدة. وتشير الاستطلاعات التي بحوزة ليفني إلى أنه في حال خاضت الانتخابات لوحدها فإنها ستحصل على عدد مقاعد في الكنيست أكثر من أولمرت.

كذلك تدل هذه الاستطلاعات على أنه في حال انضمت ليفني إلى حزب العمل برئاسة شيلي يحيموفيتش، أو إلى حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، فإن هذين الحزبين سيحصلان على عدد مقاعد أكبر من خوضها الانتخابات في حزب واحد مع أولمرت. ولذلك فإن ليفني تميل إلى خوض الانتخابات بدون أولمرت، خاصة وأن الاستطلاعات التي بحوزتها تشير إلى أن حزبا جديدا برئاستها سيحصل على 14 مقعدا في الكنيست. لكن حزبا كهذا لن يجعلها مرشحة لرئاسة الحكومة ولا حتى لمنصب وزيرة الخارجية.

ويبدو، بحسب المحللين، أنه لا تزال تتردد في محيط ليفني فكرة انضمامها إلى لبيد، لكن بشرط أن تترأس هي القائمة.

ورأى محللون أن ما قد يغير توجهات ليفني نحو أولمرت هو نشر استطلاعات للرأي لا تدع مجالا للشك بأن أولمرت كرئيس لحزب جديد بإمكانه أن يسقط نتنياهو عن الحكم، إما من خلال عدد النواب الذي سيفوز به الحزب الجديد، وإما من خلال عدد النواب الذين سيحصل عليه معسكر أحزاب الوسط - اليسار وأحزاب تنتقل من دعم نتنياهو إلى دعم أولمرت.

لكن كدمون أشارت إلى أن العقبة الكبرى أمام أولمرت هي صورته لدى الجمهور. وأضافت أنه من الجهة الأخرى، يبدو أولمرت مقتنعًا بأنه يوجد تفهم لدى الجمهور بأنه كان رئيس حكومة موزونا ويتحلى بمسؤولية أكبر من نتنياهو، وكان شجاعا أكثر، ونفذ عمليات عسكرية، في إشارة إلى حرب لبنان الثانية والحرب على غزة، وكانت لديه الجرأة للتوجه إلى عملية سلام مع الفلسطينيين وإجراء محادثات مع السوريين. ويعتبر أولمرت أنه ملتزم تجاه الأجيال المقبلة، وأنه لا يرى بين جميع المرشحين من يمكنه أن يشكل بديلا من حكومة نتنياهو.

 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

 
"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا  يعكس آراء الاتحاد الاوروبي"