تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1692
  • برهوم جرايسي

اندفع قادة اليمين الإسرائيلي، وخاصة قيادات المستوطنين في الكنيست وفي المستوطنات، إلى الترحيب الحار بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية. ورأى كثير منهم أن هذا الفوز سيلغي مطلب حل الدولتين، كما أن السياسة الأميركية المستقبلية ستكون داعمة للاستيطان من خلال غض الطرف عنه. وينتظر ساسة إسرائيليون من ترامب المحاط بمستشارين يهود من اليمين المتشدد أن ينفذ وعوده، المأخوذة بحسب أحد المحللين الإسرائيليين من

البرنامج السياسي لبنيامين نتنياهو في انتخابات 2015. وبرغم هذا فإن عدة محللين إسرائيليين ينصحون حكومتهم بالتريث، فالوعود الانتخابية التي قطعها ترامب لإسرائيل قد تكون كهشاشة "قشرة الثوم".

نذكر هنا أنه على الرغم من هذه الفرحة العارمة لدى اليمين الإسرائيلي وأوله نتنياهو، إلا أن استطلاعا لشبكة "سي. إن. إن"، أظهر أن 71% من الأميركيين اليهود أدلوا بأصواتهم لهيلاري كلينتون، ولمرشحي الحزب الديمقراطي للكونغرس ومجلس الشيوخ. وهذه نتيجة لافتة على رغم الحملة التي شنتها مجموعات يمينية، مدعومة من إسرائيل، منذ العام 2012 ولاحقا، بإقناع غالبية اليهود بالتصويت للحزب الجمهوري.

ردود الساسة

كان بيان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مقتضبا، تطغى عليه الرسمية، في حين أن وزراء بارزين في حكومته، وأعضاء كنيست من الائتلاف الحاكم، وخاصة من تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، جاهروا أكثر في رؤيتهم لانعكاسات فوز ترامب، بناء على المواقف الصادرة عنه في ما يخص القضية الفلسطينية والاستيطان و"الدولة اليهودية".

فقد قال بيان نتنياهو "أهنئ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. الرئيس المنتخب ترامب هو صديق حقيقي لإسرائيل. سنعمل معا من أجل دفع الأمن والاستقرار والسلام في منطقتنا. إن العلاقة المتينة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مبنية على قيم ومصالح مشتركة وعلى مصير مشترك. إنني متأكد بأن الرئيس المنتخب ترامب وأنا سنواصل تعزيز التحالف الفريد من نوعه القائم بين إسرائيل والولايات المتحدة وسنقوده إلى قمم جديدة".

أما وزير التربية والتعليم، رئيس تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، فقد قال: "إن انتصار ترامب هو فرصة هائلة لإسرائيل للإعلان فورا عن التراجع عن فكرة إقامة دولة فلسطين في قلب البلاد، ما يشكل مسّا مباشرا بأمننا وعدالة طريقنا. فهذه هي توجهات الرئيس المنتخب كما تظهر في برنامجه السياسي، وبالطبع يجب أن تكون هذه طريقنا بشكل حاد وبسيط وواضح. انتهى عهد الدولة الفلسطينية".

وقالت زميلته وزيرة العدل من "البيت اليهودي"، أييليت شاكيد: "إن هذه فرصة الإدارة الأميركية كي تنقل سفارتها إلى القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، فهذا الأمر سيرمز إلى العلاقة الوثيقة والصداقة الشجاعة بين الدولتين".

وقال عضو الكنيست المتطرف بتسلئيل سموتريتش ("البيت اليهودي")، الذي يرأس "جمعية رغافيم" الاستيطانية: "إنني أدعو رئيس الوزراء والحكومة كلها إلى دعم الاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة المحتلة)، والإعلان اليوم عن بناء آلاف البيوت (في المستوطنات)، والدفع بمخططات لإقامة مستوطنات جديدة، وإزالة عار الإدارة الأميركية السابقة، التي طلبت وصم الاستيطان بأنه عقبة أمام السلام". وأضاف "إنني آمل بأن تواصل الولايات المتحدة الأميركية قيادة العالم الحر بروح قيمها، لنحو عالم أفضل وأخلاقي أكثر".

وقال رئيس "مجلس مستوطنات منطقة نابلس"، يوسي داغان: "إنني أبارك انتخاب دونالد ترامب، إنه يوم عيد ليس فقط للولايات المتحدة الأميركية، وإنما أيضا لدولة إسرائيل والاستيطان في يهودا والسامرة". وأضاف "إن هذه ساعة الاستيطان في السامرة (منطقة نابلس) التي ستحظى الآن برئيس (أميركي) مؤيد ومحب لإسرائيل".

ودعا رئيس "مجلس مستوطنات جبل الخليل" يوحاي داماري إلى ضم الضفة الغربية المحتلة إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية".

وقال القيادي البارز في جمهور المستوطنين، عضو الكنيست الأسبق إلياكيم هعتسني، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "المفضل بالنسبة لي هو ترامب، وذلك من زاوية نظر واحدة فقط: إنه أفضل لليهود ولدولتهم". ويضيف: "لماذا أيدت ترامب؟ كي نرتاح قليلا، على سبيل التغيير، من صيغة على الرغم من ذلك، ونحلم بالعم سام الذي يدعم بود وبلا ضغط وبلا شروط. لقد وعد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة خالدة وغير مقسمة لإسرائيل وبنقل السفارة إلى المدينة، وهو لن يزعجنا بحل الدولتين، كما أنه يعارض كل تسوية مفروضة من مجلس الأمن، ويحافظ على سلامة المشروع الاستيطاني، ويؤيد سياسة نتنياهو تجاه إيران ويقاتل ضد الإسلام الإرهابي".

محللون ينصحون بالتريث

على الرغم من المواقف اليمينية المتشددة الصادرة عن ترامب ومستشاريه، والمتوافقة كليا مع مواقف اليمين الإسرائيلي الأشد تطرفا، إلا أن بعض المحللين الإسرائيليين ينصحون ساسة الحكم الإسرائيلي بالتريث، ومنهم من وصف وعود ترامب، مثل نقل السفارة إلى القدس، بأنها أوهن من "قشرة الثوم".

ويقول المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" باراك رافيد: "ظاهريا يستطيع نتنياهو أن يكون مسرورا من فوز ترامب، فللمرة الأولى خلال تولي نتنياهو الحكم تكون أمامه إدارة أميركية برئاسة الحزب الجمهوري، وإذا لم يكفه هذا فإن للحزب أغلبية في مجلسي الشيوخ والكونغرس". وحسب رافيد، فإنه في ظل حكم الحزب الجمهوري في البيت الأبيض وفي مجلسي الكونغرس والشيوخ، فإن نتنياهو لا يستطيع أن يلوح لليمين المتطرف والمستوطنين باحتمالات الضغط على إسرائيل من واشنطن، وسيعمل حسابات لاحتمال أن تزداد عليه ضغوط المستوطنين للبناء أكثر في المستوطنات.

ويضيف: "أيضا حينما نقرأ الوثيقة السياسية التي نشرها قبل أسبوعين مستشارا ترامب للشؤون الإسرائيلية، جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان، نكتشف أن البنود المكتوبة كأنه تم نسخها مباشرة من الرسالة التي نشرها نتنياهو قبل الانتخابات الإسرائيلية في ربيع العام 2015، حينما انعطف نتنياهو يمينا، ثم يمينا ثم يمينا. فقد جاء في الوثيقة أن ترامب يعتقد أن حل الدولتين ليس ممكنا طالما أن الفلسطينيين لا يعترفون بإسرائيل دولة يهودية، ولا يوقفون التحريض. كذلك جاء في الوثيقة أن ترامب لا يقبل الادعاء بأن إسرائيل تحتل الضفة الغربية، وأن كل انسحاب إسرائيلي سيكون فقط إلى الحدود التي تحددها إسرائيل، ويكون من الممكن الدفاع عنها". ويشير رافيد إلى أن حدود 1967 لم يتم ذكرها إطلاقا في وثيقة ترامب هذه.

ويقول المحلل العسكري والسياسي في موقع "واينت" الإخباري، رون بن يشاي: "إنه في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، من الممكن التقدير بأن صيغة دولتين لشعبين ستدخل إلى حالة تجميد شديد لأمد طويل. ومن المعقول أن نتوقع أن ترامب الذي تلقى دعما سخيا في حملته الانتخابية من حوت المال اليهودي الأميركي شلدون إدلسون، لن يحاول أن يفرض على الجانبين أي حل، ولا حتى مفاوضات سلام، وبطبيعة الحال ليس أيضا حلا مبنيا على تنازلات إسرائيلية".

ويضيف بن يشاي: "إن الربط بين الحكومة الإسرائيلية الحالية وبين إدارة ترامب يبشّر بجمود كبير في الاتصالات الفلسطينية، خلافا ولربما بسبب الجهود الكبيرة التي بذلها الرؤساء الأميركيون السابقون. وعلى الرغم من هذا، علينا أن نذكر أن الجمود في المسار السياسي من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع العنف في الحلبة الإسرائيلية- الفلسطينية، وإلى انفجار كبير ودموي، ومن المجدي الاستعداد له".

ويرى المحلل إيتمار آيخنر، في مقال له في موقع "واينت"، أن نتنياهو قد يكون احتفل في بيته بفتح زجاجة نبيد معتق. وينقل الكاتب عمن أسماهم "مسؤولين إسرائيليين كبارا يعرفون الرئيس الأميركي الجديد" قولهم، "إنه مؤيد واضح لإسرائيل، ويعرف أساسا قوتها الاقتصادية، وهو على ارتباط برجال أعمال إسرائيليين، وبالأساس في مجال العقارات".

ويتابع آيخنر "من الممكن الافتراض أنه حينما سيجلس ترامب في البيت الأبيض، سيعرض العلاقة الأكثر حرارة تجاه إسرائيل، وسيكون الحليف بأقصى الدرجات لكل مبادرة وعمل إسرائيلي، إن كان على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، وسيكون مختلفا عن الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. فترامب محاط بيهود كثر، والكثير من أصدقائه يهود. ولربما الأقرب إليه من بينهم هو نسيبه، زوج ابنته ايفانكا، جيراد كوشنير، الذين من المفترض أن يقود مهمة هامة جدا، وهي العلاقة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ومن المتوقع أن يتحول كوشنير إلى شخص مركزي، في العلاقة الشخصية الوثيقة مع سفير إسرائيل في واشنطن، رون ديرمر. ووالد كوشنير، وهو رجل أعمال في مجال العقارات يدعى تشارلي كوشنير أمضى في السجن فترة ما على محاولة ابتزاز ارتكبها، صديق مقرّب لنتنياهو حينما كان الأخير سفير إسرائيل في الأمم المتحدة".

ويقول آيخنر إنه على الرغم من كل ذلك، إلا أن جهات في المؤسسة الإسرائيلية لديها تخوف ما من ترامب، بوصفه "رجل المفاجآت"، فهم يذكرون كيف صرّح ذات يوم، خلال حملته الانتخابية، بأن من يتلقى الدعم من الولايات المتحدة الأميركية عليه أن يدفع، بما في ذلك إسرائيل، على الرغم من أن ترامب تراجع عن ذكر إسرائيل في هذا الموقف لاحقا، إلا أن هذا يبقى بمثابة تحذير من مستقبل العمل مع ترامب.

ويكتب آيخنر "لا يوجد أي شخص في إسرائيل يوهم نفسه بأن وعود ترامب ومستشاريه خلال الحملة الانتخابية، تساوي أكثر من قشرة ثوم. وأحد هذه الوعود هو نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وأيضا تصريح ترامب بأنه سيلغي الاتفاق النووي مع إيران، وأنه سيزيد الدعم العسكري لإسرائيل، ويعترف بضم المستوطنات (لما يسمى "السيادة الإسرائيلية")، واستمرار البناء فيها، وغيرها من الوعود". ويضيف "من المعقول جدا الاعتقاد أن ترامب سيسير على نهج الإدارات الأميركية السابقة، ولن يرى في المستوطنات أمرا شرعيا، ورغم هذا من المعقول أيضا الاعتقاد بأن ترامب لن يسارع إلى استنكار أي قرار لإسرائيل بالبناء في المستوطنات، كما كانت الحال في إبان إدارة اوباما، كذلك من الممكن جدا أن ترامب لن ينشغل بعملية السلام بل سيتركز في جانب العلاقات الاقتصادية ضمن العلاقات الخارجية الأميركية".

هل يتجه نتنياهو إلى انتخابات؟

يرى رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستعد لانتخابات مبكّرة، لربما في هذا العام، أو في العام المقبل، "والتي فيها سيتطرف أكثر في مواقفه، وفي حربه ضد اليسار المتطرف، الذي يتخيله في وسائل الإعلام.... إن نجاح ترامب، وانهيار وسائل الإعلام المركزية ومعها استطلاعات الرأي في أميركا، كما في إسرائيل في العام الماضي، سيعزز ثقة نتنياهو بنفسه، في طريقه نحو الولاية الخامسة في رئاسة الوزراء. ونتنياهو ليس وحيدا، بل أيضا نجد لاعبين سياسيين وآخرين يتصرفون وكأنهم في أوج حملة انتخابات: نفتالي بينيت وموشيه كحلون وأيمن عودة ويائير لبيد، فكلهم منشغلون في صياغة الروايات التي سينشرونها في حملاتهم".

وتنضم لتقدير الانتخابات الإسرائيلية المبكّرة، المحللة السياسية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيما كدمون، إذ كتبت "من المجدي أن نهيئ أنفسنا منذ الآن لانتخابات قريبة. وهي لن تبدو أفضل من الانتخابات الأميركية. فليس فقط نتنياهو يعرف ماذا يريد الشعب. هناك أيضا متنافسون آخرون يتعلمون هذه الصيغة. في الانتخابات المقبلة، لن يهتم نفتالي بينيت بتوجيه مصوتيه لحزب الليكود، كي يكون اليمين في الحكم، بل سيوجه طلقة وحشية لنتنياهو. كذلك فإنه في الانتخابات المقبلة سيتعلم الدرس أيضا كحلون ولبيد ولربما حتى هيرتسوغ. ومن ليس قادرا على مواجهة هذا الوضع، من المجدي له أن يخرج منذ الآن من الغابة".

وتوجهات تحذير نتنياهو من الاحتفال المبكر، كانت أيضا في صحيفة "معاريف"، إذ كتب المحلل الأمني يوسي ميلمان "من السابق لأوانه الانطلاق باحتفالات النصر. فإن ترامب، كما أثبت هذا حتى خلال حملة الانتخابات، هو إنسان مفاجئ، وهذا طابع قد يجعله يدير ظهره لإسرائيل. فهو كرجل أعمال يؤمن بأنه لا توجد وجبات مجانية. وهو يستطيع أن يكون مستغربا من أن إسرائيل هي المفضلة الأكبر في الدعم الأميركي الخارجي، 3,8 مليار دولار سنويا، وسيسأل ما إذا هذا الاستثمار الكبير ينتج ثمارا للمصالح الأميركية؟".

ويضيف ميلمان "إذا ما حاول ترامب- وتوجد "إذا ما" كبيرة- ورغم الصعوبات الكبيرة تنفيذ وعوده الانتخابية، بما في ذلك دعم إسرائيل على وجه الخصوص، وتحويلها إلى سياسة في الشرق الأوسط، قد يجد نفسه أمام مسار صدامي غير مسبوق مع كل الدول العربية ومع إيران. وهذا يبدو مخاطرة كبيرة جدا، ومهمة غير ممكنة".

وتقول صحيفة "هآرتس" في مقال أسرة التحرير الصادر اليوم الخميس، إن اليمين، وبالأساس اليمين المتطرف الذي يشكّل الحكومة، يرى في نتائج الانتخابات الأميركية ما هو جيد لإسرائيل، ومن جهة أخرى، فإن اليسار يقدّر بأنه منذ الآن لن يكون هناك احتمال لعملية السلام وللضغط الأميركي على بنيامين نتنياهو، ليس فقط في الشؤون السياسية وإنما أيضا بشأن انهيار الديمقراطية الإسرائيلية.

وتضيف الصحيفة "إلا أنه من السابق لأوانه إطلاق صرخات الفرحة أو الندب. فأيضا ستسري على ترامب المقولة المتعقلة (أطلقها أريئيل شارون عام 2001): "ما نراه من هنا ليس ما كنا نراه من هناك"، والمصلحة الأميركية ستكون ماثلة أمام الرئيس الجديد، وهي ليست قائمة بالضرورة على احتياجات إسرائيل فقط"!.