تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1365
  • سليم سلامة

نشرت وزيرة العدل الإسرائيلية، أييلت شاكيد، أمس الأحد، قائمة المرشحين الـ 28 الذين سيتنافسون على احتلال أربعة مقاعد في المحكمة العليا الإسرائيلية، حال شغورها خلال العام 2017 القريب مع بلوغ ثلاثة من القضاة الحاليين سن التقاعد واستقالة رابع، بصورة مفاجئة.

وسيتم اختيار المرشحين الأربعة، الذين سينضمون إلى طاقم القضاة في الهيئة القضائية الأعلى في إسرائيل، من قبل "لجنة تعيين القضاة" التي يُفترض أن تلتئم خلال الأسابيع القليلة القادمة للبت في الأمر وحسم مسألة في غاية الحساسية شكلت، ولا تزال، موضع خلاف عميق جدا بين الوزيرة من جهة، والمحكمة العليا ممثلة برئيستها الحالية، مريام ناؤور، من جهة أخرى. وهو خلاف "تقليدي" يدور حول تركيبة هيئة القضاة في المحكمة العليا، ظهر بين وزراء عدل سابقين ورؤساء سابقين للمحكمة العليا، لكنه انفجر بصورة علنية وحادة هذه المرة، وخاصة على خلفية المساعي التي تبذلها شاكيد لدفع مشروع قانون جديد يُدخل تغييرا جوهريا بعيد الأثر في نظام عمل "لجنة تعيين القضاة" وآلياته بحيث يصبح في الإمكان تعيين قضاة جدد بدون موافقة القضاة الثلاثة الأعضاء في "لجنة تعيين القضاة"، كما هي الحال حتى الآن، وهو ما يعني إلغاء "حق النقض" الذي يتمتع به قضاة المحكمة العليا أعضاء "لجنة تعيين القضاة". وهذا فضلا عن أن انتخاب القضاة الأربعة الجدد الآن من شأنه أن يحدد تركيبة القضاة في المحكمة العليا للسنوات العشر القادمة، على الأقل. وهذا، في حد ذاته، هو ما تسعى إليه شاكيد والحكومة بوجه عام: تشكيل المحكمة العليا، بقضاتها وشخوصها، على شاكلة الحكومة ووزرائها، بل إخضاع المحكمة وقضاتها للحكومة ووزرائها. وهي محاولة متجددة، كانت قد سبقتها محاولات مماثلة في السابق.


ويأتي نشر لائحة المرشحين من جانب وزيرة العدل، بصفتها رئيسة "لجنة تعيين القضاة"، بينما لا تزال تتردد أصداء الانفجار الذي حصل بينها وبين رئيسة المحكمة العليا، القاضية مريام ناؤور، وبلغ ذروته في رسالة وجهتها ناؤور إلى شاكيد الأسبوع الماضي وسط تعمّد تسريبها إلى وسائل الإعلام التي نشرت عنها بصورة بارزة ومكثفة، وخاصة على خلفية البلاغ/ التهديد الذي ضمّنته ناؤور في رسالتها بوقف قضاة المحكمة العليا الثلاثة الأعضاء في "لجنة تعيين القضاة" أي تنسيق أو تشاور بينهم وبين وزيرة العدل بشأن قائمة القضاة المرشحين.

وبينما اعتبر البعض أن شاكيد تعمدت نشر قائمة المرشحين في هذا التوقيت بالذات إمعاناً منها في بث أجواء عمل "عادية" و"طبيعية" تبث، أيضا، عدم الاكتراث بانتقادات ناؤور وزملائها وبتهديدهم، أشار آخرون إلى أن نشر قائمة المرشحين قد يكون خطوة مشتركة ومنسّقة بين شاكيد وناؤور، بما يمثل "صفقة" لإنهاء الخلاف الحالي بينهما، تقوم على أساس "دفن" مشروع القانون الجديد، أو تجميده على الأقل، مقابل استئناف التنسيق والتشاور بين الطرفين في محاولة متجددة للتوصل إلى تفاهم واتفاق بشأن هوية القضاة الأربعة الذين سيتم اختيارهم في جلسة "لجنة تعيين القضاة" القريبة، من بين المرشحين الـ 28. وزاد هؤلاء (الآخرون) أنه "إذا لم يتوصل الطرفان إلى تفاهمات، كما ذُكر، فإن الوزيرة تحتفظ لنفسها بحق العودة إلى دفع مشروع القانون الجديد ومساعي تشريعه"!

وفي هذا السياق، قال أحد المواقع الإسرائيلية، مساء أمس، أن شاكيد وناؤور توصلتا إلى هذه "الصفقة" في ختام جلسة مشتركة عقدت بينهما ظهر أمس الأحد، بمبادرة من رئيسة المحكمة العليا نفسها، أوضحت الوزيرة شاكيد خلالها أن "الطريق الأسلم لتعيين قضاة جدد في المحكمة العليا هي طريق التفاهم والاتفاق بين الطرفين"، لكنها "غير مستعدة لقبول وضع يؤدي إلى شلّ عمل المحكمة العليا، في حال عدم تحقق التفاهم والاتفاق المذكورين". ونقل الموقع نفسه ("والا") عن الوزيرة قولها، خلال الجلسة المذكورة، إنها "تنوي تأجيل مشروع القانون الجديد لبضعة أشهر لإتاحة الفرصة أمام محاولة الوصول إلى تعيينات متفق عليها". ولكن، إذا لم يتم التوصل إلى التفاهم والاتفاق حتى موعد خروج القضاة الأربعة الحاليين إلى التقاعد، "فستقوم الوزيرة بتمرير مشروع القانون وتعيين القضاة الجدد وفق ما ترتئيه"!

"لجنة تعيين القضاة" ـ المرجعية وميزان القوى

"لجنة تعيين القضاة" في إسرائيل هي إحدى الجبهات الرئيسة في المعركة المتواصلة على صورة ما يسمى "الجهاز القضائي في إسرائيل"، أي السلطة القضائية، بما يشمل من محاكم مختلفة الدرجات والمستويات والصلاحيات في مقدمتها وعلى رأسها المحكمة العليا، وخاصة حينما تمارس مهامها القضائية بصفة "محكمة العدل العليا" (التي تبحث وتبتّ في كل ما يتصل بالقضايا الدستورية وما يدور في صلبها من حقوق وحريات أساسية)، وليس مجرد هيئة استئناف أخرى (وأخيرة) على ما يصدر من قرارات حكم قضائية عن ما دونها من محاكم.

ولأنها كذلك، فهي تشكل ميدانا أساسيا للتجاذبات المختلفة، السياسية ـ الحزبية والقضائية، تسعى الأطراف المعنية إلى إحكام سيطرتها عليها، أو إلى زيادة نفوذها فيها إلى الحد الأقصى الممكن. وتشكل هذه اللجنة، اليوم تحديداً، مركزاً حيوياً بالنسبة لأحزاب اليمين في إسرائيل، وذلك في سياق الحرب الشعواء التي تشنها هذه الأحزاب وتنظيماتها وقياداتها المختلفة على الجهاز القضائي في إسرائيل، وفي مقدمته تحديدا "محكمة العدل العليا"، سعيا إلى تقليص صلاحياتها بالحدّ من قدرتها على إلغاء قوانين غير دستورية يسنها الكنيست والحدّ من قدرتها على توفير الحماية (ولو الجزئية والمنقوصة) للأقليات والفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع الإسرائيلي بما يضمن حقوقها وحرياتها الأساسية.

ثمة في اسم هذه اللجنة ما يحمل دلالة كثيفة على مدى أهميتها: "لجنة تعيين القضاة". فهي التي تنتخب القضاة في جميع المحاكم، في جميع الدرجات والمستويات، في جميع المجالات ومن جميع الأنواع، بما في ذلك تعيين رئيس المحكمة العليا أيضا. أما التعيين الرسمي للقضاة في مناصبهم ـ بعد انتخابهم من قبل هذه اللجنة ـ فيتم من قبل رئيس الدولة.

وتقوم هذه اللجنة بهذا الدور بتخويل صريح من "قانون أساس: القضاء"، الذي حدد تركيبتها الدقيقة كما حدد مهامها، وذلك بالنص التالي: في البند 4 (أ): "يقوم رئيس الدولة بتعيين قاض، بناء على انتخاب لجنة تعيين القضاة". وفي البند 4 (ب): "تتألف اللجنة من تسعة أعضاء، هم: رئيس المحكمة العليا، قاضيان من قضاة المحكمة ينتخبهما قضاة المحكمة العليا، وزير العدل ووزير آخر تعيّنه الحكومة، عضوا كنيست ينتخبهما الكنيست وممثلان عن نقابة المحامين ينتخبهما المجلس القطري للنقابة. ويترأس هذه اللجنة وزير العدل".

وعلى الرغم من أن تركيبة اللجنة، كما حددها القانون، توخت تقليص التأثيرات والضغوطات السياسية على عملية انتخاب القضاة في إسرائيل، إلا أن تطورات الواقع السياسي والخارطة الحزبية في البلاد، كما فرضتها قوى اليمين، وضع هذه التركيبة في عين العاصفة ورفعها إلى مصاف القضايا الوجودية تقريبا!

والواقع أن تركيبة اللجنة، كما حددها النص القانوني، استهدفت تحقيق غايتين مركزيتين: الأولى ـ ضمان أن يتمتع القضاة بمستوى مهني رفيع; والثانية ـ توفير غطاء من الشرعية الجماهيرية العامة على عملية انتخاب القضاة، من خلال ضمان تمثيل للسلطات الثلاث (التنفيذية / الحكومة، التشريعية / الكنيست والقضائية / المحاكم)، من جهة، إلى جانب ضمان التمثيل لكتل الائتلاف والمعارضة على قدم المساواة، من جهة أخرى.

وتتشكل تركيبة هذه اللجنة في دورتها الحالية، منذ ما بعد الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي، على النحو التالي: وزيرة العدل أييلت شاكيد - رئيسة اللجنة، ووزير المالية موشيه كحلون (ممثلا الحكومة)، عضوا الكنيست نوريت كورن، من حزب "الليكود"، وروبرت إيلاتوف من حزب "إسرائيل بيتنا" (ممثلا الكنيست)، رئيسة المحكمة العليا القاضية مريام ناؤور، قاضي المحكمة العليا إلياكيم روبنشطاين، قاضي المحكمة العليا سليم جبران (ممثلا الجهاز القضائي / المحكمة العليا)، المحامي خالد حسني زعبي والمحامية إيلانه ساكر (ممثلا نقابة المحامين).

ويتضح من هذه التركيبة أن أحزاب اليمين المشاركة في الائتلاف الحكومي تحظى بتمثيل كامل في هذه اللجنة (4 أعضاء، هم الوزيران وعضوا الكنيست)، وهي المرة الأولى التي لا يكون فيها لأحزاب المعارضة البرلمانية، السياسية، أي تمثيل في هذه اللجنة! فقد جرى ضم عضو الكنيست روبرت إيلاتوف إلى هذه اللجنة ممثلاً عن حزب "إسرائيل بيتنا" (بزعامة أفيغدور ليبرمان) قبل انضمامه إلى الحكومة، وكأنه ممثل عن "المعارضة"!!

السعي إلى تغيير تركيبة المحكمة والصراع مع قضاتها

تضم قائمة المرشحين لكرسي القضاء التي نشرتها الوزيرة شاكيد أمس مرشّحَين اثنين يُطرح أحدهما (وهو البروفسور غدعون سبير، أستاذ القانون الدستوري في جامعة بار إيلان) صراحة، باعتباره ممثلاً عن اليمين المتشدد، سياسياً وقضائياً، ولذا فهو يحظى بدعم علني وصريح من جانب أعضاء "لجنة تعيين القضاة" الأربعة الممثلين للحكومة والكنيست (أحزاب اليمين) بينما يثير معارضة شديدة لدى الأعضاء الآخرين في هذه اللجنة. أما المرشح الآخر فهو القاضي يوسف إلرون، الرئيس الحالي للمحكمة المركزية في حيفا، الذي يُعتبر مرشحاً "شخصياً" من قبل وزير المالية، موشيه كحلون، ويحظى بدعم ممثلي الحكومة والكنيست الثلاثة الآخرين أيضا.

ويأتي طرح هذين المرشحين استمرارا وتنفيذا للخط الذي تعتمده الوزيرة شاكيد منذ توليها منصب وزيرة العدل، والذي عبرت عنه مراراً في توجيه انتقاد مباشر لقضاة المحكمة العليا الحاليين، وكذلك للمحامين في النيابة العامة للدولة، بقولها إن هؤلاء "يغيّبون الاعتبارات القومية في قراراتهم"!! وإن "على المحكمة أن تضع الحق في دولة قومية (يهودية) كحق دستوري يوازي ويقابل حقوق الإنسان الأخرى المختلفة"!!

ومن نافل القول، طبعاً، إن ما تقوله شاكيد في انتقادها هذا لا يقترب من الحقيقة، إطلاقاً، إذ ثمة في تركيبة قضاة المحكمة العليا اليوم عدد لا بأس من القضاة الذين أقل ما يُقال في وصفهم إنهم "محافظون متشددون"، ليس في مجال حقوق الإنسان فقط وإنما في القضايا السياسية و"القومية" اليهودية، أيضا. ويكفي أن نذكر، مثلا، رئيسة المحكمة الحالية، مريام ناؤور، زوجة أرييه ناؤور، عضو مركز حركة "حيروت" وإدارتها، والذي أشغل منصب سكرتير حكومة مناحيم بيغن بين 1977 و 1982؛ والنائب الحالي لرئيسة المحكمة العليا، القاضي إلياكيم روبنشطاين، الذي أشغل منصب سكرتير الحكومة في عهد إسحاق شمير، ثم المستشار القانوني للحكومة في عهد حكومة بنيامين نتنياهو الأولى؛ والقاضي نوعام سولبيرغ، المستوطن المقيم في مستوطنة "ألون شفوت" في "غوش عتصيون".

ومن المقرر أن تنتخب "لجنة تعيين القضاة"، في الأسابيع القليلة القادمة، أربعة قضاة جددا يحلون مكان القضاة الثلاثة الذين سيخرجون إلى التقاعد خلال العام القريب 2017 (وهم: رئيسة المحكمة، مريام ناؤور، نائب الرئيسة، إلياكيم روبنشطاين، القاضي سليم جبران) والقاضي الرابع الذي أعلن استقالته من كرسي القضاء بصورة مفاجئة، القاضي تسفي زيلبرطال. وخلال العام التالي، 2018، من المقرر أن تنتخب اللجنة نفسها قاضيا خامساً، ليحل مكان القاضي أوري شوهم الذي سيخرج إلى التقاعد في العام نفسه.

الوضع القانوني الذي يحكم عمل هذه اللجنة وأنظمتها، حتى اليوم، يتيح لأعضائها من قضاة المحكمة العليا تشكيل "جسم مانع" واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد تعيين أي مرشح لا يروق لهم، وذلك لأن انتخاب أي مرشح في هذه اللجنة يتطلب تأييد سبعة من أعضائها التسعة، على الأقل. ففي اللحظة التي يقرر فيها قضاة المحكمة العليا الأعضاء في اللجنة معارضة تعيين مرشح ما، يسقط ترشيحه بشكل فوري، إذ يتعذر عندئذ حصوله على الأصوات السبعة المؤيدة، المطلوبة كحد أدنى.

وهذا هو الوضع الذي تنوي وزيرة العدل، شاكيد، تغييره، بسن قانون جديد ينص على أن انتخاب قاض جديد يتم بأغلبية عادية من بين أعضاء "لجنة تعيين القضاة" (5 من 9)، بما يلغي ضرورة حصول المرشح على الأغلبية الاستثنائية (7 أصوات من أصل 9)، مما يسحب سلاح "الفيتو" من أيدي قضاة المحكمة العليا ويساوي بين أصواتهم وأصوات الأعضاء الآخرين في اللجنة. ومشروع القانون المقصود هو مشروع خاص قدمه عضو الكنيست روبرت إيلاتوف (عضو لجنة تعيين القضاة)، لكن شاكيد سارعت إلى إعلان تأييدها له وعزمها على دفعه قدما وتجنيد دعم ائتلافي له. وهذا هو، بالتحديد، ما أثار حفيظة قضاة المحكمة العليا ورئيستها، بل غضبهم الشديد، الذي انعكس في رسالة رئيسة المحكمة، ناؤور، إلى الوزيرة شاكيد، والحرص الواضح على تسريبها إلى وسائل الإعلام.

وقد لفتت الانتباه، بشدة، اللهجة الحادة التي اعتمدتها ناؤور في رسالتها إلى الوزيرة، إذ اعتبرت مشروع القانون المذكور بمثابة "وضع المسدس على الطاولة"!! وقالت ناؤور إن هذا الوضع "لا يسمح لنا، قضاة المحكمة العليا الأعضاء في لجنة تعيين القضاة، بمواصلة المشاورات معك ومحاولة التوصل إلى تفاهمات واتفاقات"! وأوضحت إنه "ليس في الإمكان مواصلة العمل بالطريقة السابقة طالما أن قواعد الحسم قد تتغير في الأثناء وخلال العمل"!