واجه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال الأيام القليلة الماضية، تقارير تتعلق بقضايا تُشتم منها رائحة الفساد، وتتعلق إحداها بسفرياته والأخرى بزوجته.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية في بيان، الأحد، أنها جمعت قاعدة أدلة وأنها توصي بتقديم زوجة رئيس الحكومة، سارة نتنياهو، إلى المحاكمة بشبهة الحصول على أغراض وخدمات بالاحتيال وفي ظروف خطيرة في ثلاث حالات.
كذلك أعلنت الشرطة أنها وجدت قاعدة أدلة تمكنها من تقديم لوائح اتهام في قضية الكهربائي آفي فحيمة المقرب من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والمشتبه به بتنفيذ أعمال في بيت عائلة نتنياهو الخاص في بلدة قيساريا، ولكن أصدر فواتير تظهر أن الأعمال أجريت في المنزل الرسمي لرئيس الحكومة في القدس، وتسديد الفاتورة من ميزانية رئيس الحكومة.
وقالت الشرطة أيضا إنها جمعت أدلة تسمح بتقديم لائحة اتهام في قضية نقل أثاث من المنزل الرسمي لرئيس الحكومة إلى المنزل الخاص في قيساريا.
يشار إلى أنه فيما يتعلق بالقضيتين الأخيرتين لم تذكر الشرطة أسماء ولم توضح موقفها حيال ضلوع زوجة رئيس الحكومة فيهما.
ووفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن الشرطة أخفت حقيقة أن الحديث يدور عن ثلاث قضايا مختلفة، مثلما أخفت أسماء الذين تم التحقيق معهم وتوصياتها بشأنهم.
لكن في حالة واحدة أوصت الشرطة بمحاكمة سارة نتنياهو، بسبب طلبها طعاما وطهاة على حساب المنزل الرسمي لرئيس الحكومة.
وأوصت الشرطة في حالة ثانية بتقديم لائحة اتهام في قضية الممرضة التي اعتنت بوالد سارة نتنياهو على حساب ميزانية منزل رئيس الحكومة الرسمي.
وهناك قضية ثالثة ليست واضحة بعد.
"بيبي تورز"
نشر مراقب الدولة الإسرائيلية، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، يوم الثلاثاء الماضي، تقريرا حول القضية المعروفة باسم "بيبي تورز"، وتتعلق بتمويل سفريات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عندما كان يتولى منصب وزير المالية، خلال الأعوام 2003 - 2005.
وحوّل المراقب مواد إلى المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، تتعالى منها شبهات حول تمويل مزدوج للسفريات وتحويل تمويل إلى غير أهدافه، إضافة إلى انعدام وضوح بشأن تسديد حسابات لشركة الطيران الإسرائيلية "إل عال" لقاء استخدام عائلة نتنياهو نقاط استحقاق تابعة للدولة واستخدمت لسفرات خاصة وفقا للشبهات.
لكن هذه المواد التي تشمل شبهات بارتكاب مخالفات جنائية ليست جزءا من تقرير المراقب.
ويتبين من تقرير المراقب أن عشر جهات مختلفة، بينها حكومات دول أجنبية ومنظمة "البوندس" وهيئات عامة ورجال أعمال وأشخاص، مولوا سفريات نتنياهو وعائلته أو مولوا المكوث في فنادق فاخرة خارج البلاد.
وأظهر تحقيق المراقب أن أكثر من نصف سفريات نتنياهو، كوزير مالية، شملت تمويلا أجنبيا، وأنه في جميع السفريات لم يتوجه نتنياهو إلى "لجنة الهدايا" من أجل الحصول على تصريح والتدقيق في ما إذا كان الحصول على التمويل الخارجي يعتبر حصولا على هدايا يحظر أخذها.
والممول الرئيسي لسفريات نتنياهو وعائلته هي منظمة "البوندس"، وهي منظمة تبيع سندات دين إسرائيلية، وممولة بكاملها من الخزينة الإسرائيلية.
ومولت "البوندس" سفرة لنتنياهو وعائلته، في العام 2004، وُصفت بأنها سفرة خاصة، ومكثا حينذاك في نيويورك. وبرر نتنياهو تمويل سفرته الخاصة بأنه قام بنشاط عام لصالح "البوندس"، لكن تقرير المراقب وجد "عيبا عندما حصل السيد نتنياهو على تمويل من البوندس بدون تصريح من أجل المكوث خارج البلاد في رحلة وُصفت بأنها خاصة، وحتى لو تخللها نشاط عام لهذه المنظمة".
وأكد تقرير المراقب أن مصاريف زوجة نتنياهو في عدة سفريات مولتها منظمة "البوندس" أو جهات أخرى، وتم تمويل سفرة نتنياهو، للرحلة نفسها، من جانب الحكومة أو منظمة أخرى، أي أنه جرى تمويل مزدوج للسفرة ذاتها.
وأضاف التقرير أن رجال أعمال شاركوا في تمويل السفريات.
ففي العام 2003 سافر نتنياهو وزوجته إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وموّل أحد مديري أعمال ملياردير يهودي أميركي معروف رحلات زوجة نتنياهو، سارة، الجوية إلى الدول الثلاث بمبلغ 4795 دولار.
وفي سفرة أخرى إلى بريطانيا، في بداية العام 2005، موّل رجل أعمال آخر مكوث الزوجين نتنياهو وابنهما بمبلغ 8500 جنيه إسترليني. ورجل الأعمال هذا هو أحد المتبرعين لحملات نتنياهو الانتخابية، وهو ناشط في أوساط المنظمات اليهودية في لندن ولديه أعمال في مجالي العقارات والسياحة في إسرائيل.
وشدد تقرير المراقب على أنه "على ضوء الصلاحيات الواسعة بيدي وزير المالية (نتنياهو في هذه الحالة) مع الأخذ بالحسبان مصالح محتملة للجهات المختلفة التي موّلت السفريات، وكان لديها علاقات من أنواع مختلفة مع وزير المالية في حينه أو مع الاقتصاد الإسرائيلي، فإنه كان يجدر بنتنياهو أن يتخذ قدرا من الحذر ويتوجه إلى لجنة إصدار تصاريح من أجل أن تفحص ما إذا كانت ستمنحه تصريحا للسفر".
وإضافة إلى تمويل رجال أعمال لسفريات نتنياهو، فإن معهد أبحاث أميركيا دفع 23700 دولار، عام 2004، لصالح رحلة جوية لنتنياهو وزوجته إلى الولايات المتحدة. وتكرر مثل هذا التمويل إلى أكثر من دولة.
تسلسل القضية
آذار 2011: الصحافي والمحلل السياسي في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، رافيف دروكر، يكشف قضية "بيبي تورز"، وفي أعقاب ذلك فتح مراقب الدولة في حينه، القاضي المتقاعد ميخائيل ليندنشتراوس، تحقيقا.
أيلول 2012: مراقب الدولة الجديد، يوسف شابيرا، يقيل المحقق في القضية في مكتبه، ضابط الشرطة السابق ناحوم ليفي.
كانون الأول 2012: مراقب الدولة يحول مواد التحقيق في القضية إلى المستشار القانوني للحكومة في حينه، يهودا فاينشتاين.
صيف العام 2013: المراقب والمستشار القانوني يتفقان على أن يوقف شابيرا التحقيق لحين اتخاذ فاينشتاين قرارا بخصوص القضية.
أيلول 2014: فاينشتاين يعلن أنه يغلق الملف، وإعادة القضية إلى مكتب المراقب.
كانون الثاني 2015: تقديم مسودة تقرير المراقب إلى نتنياهو من أجل الحصول على تعقيبه.
أيار 2015: المراقب يحول إلى المستشار القانوني مواد جديدة في القضية.
كانون الأول 2015: شابيرا يحذر أمام فاينشتاين من وجود شبهات جنائية في القضية.
أيار 2016: المراقب ينشر التقرير حول القضية، والمستشار القانوني مندلبليت يعلن أنه سيدرس مواد لم يجر التدقيق فيها.
مماطلة من أجل تبرئة نتنياهو
وكتب الصحافي الاستقصائي في صحيفة "هآرتس"، غيدي فايتس، يوم الأربعاء الماضي، أن تقرير المراقب حول تمويل سفريات نتنياهو هو "نهاية لعملية المماطلة الكبرى ودليل آخر على الضرر العام البالغ اللاحق بالمجتمع، جراء اختيار رئيس الحكومة الموظفين الذين يفترض أن يقيّدوا قوته. وهناك شريكان في هذه المماطلة، هما مراقب الدولة يوسف شابيرا، والمستشار القانوني السابق يهودا فاينشتاين".
وأشار فايتس إلى اتفاق فاينشتاين وشابيرا، في العام 2003، على أن يوقف الأخير التحقيق في قضية "بيبي تورز" إلى حين يتخذ المستشار القانوني قرارا بشأنها، وكتب أن الاتفاق بينهما كان خطيا، وأنه "ليس فقط أن الرسالة صيغت بحذر فائق، رغبة منهما بألا ينسبا لنتنياهو ولو حتى ذرة غبار جنائي في حال اكتشاف هذه الرسالة، وإنما طلب شابيرا من المحامي شيمرون، محامي نتنياهو، أن يصادق على أن صيغة الرسالة مقبولة عليه".
ضابط الشرطة المتقاعد، ناحوم ليفي، وهو المستشار السابق لمراقب الدولة لشؤون الفساد والذي بدأ التحقيق في قضية "بيبي تورز" إلى أن أقاله شابيرا، انتقد تقرير المراقب، وقال إن "التلاعب بين المراقب والمستشار لم يحسِن لهذه القضية كلها والنتيجة هي أنه لا توجد نتيجة".
وحول احتمال إجراء تحقيق جنائي ضد نتنياهو حول هذه القضية، قال ليفي إن "إجراء تحقيق اليوم لن يفضي إلى شيء فيما جميع المواد والشبهات أصبحت معروفة، وجرى تصوير نسخ من مكتب المراقب من أجل التعقيب على التقرير. هذه قصة كان بالإمكان أن تنتهي بشكل مختلف، لكن في هذا الوضع لن ينتج عنها أي شيء".
وانتقد ليفي أيضا الفترة غير المشمولة في تقرير المراقب، وتولى نتنياهو خلالها منصب رئيس المعارضة، خلال الأعوام 2005 – 2009. وادعى مكتب المراقب أن لا صلاحية لديه بإجراء تحقيق في نشاط أعضاء الكنيست ولذلك تم تحويل المواد حول هذه الفترة إلى المستشار القانوني.
لكن المراقب الأسبق ليندنشتراوس كان قد قرر التدقيق في هذه الفترة وضمّنها في مسودة التقرير الأولي، وقال ليفي إنها تضمنت شبهات مشابهة ضد نتنياهو. وأضاف "لقد تم التدقيق في عشرين سفرة، وكان هناك تمويل مزدوج من جانب رجال أعمال، وتمويل جهة ما لسفرة نتنياهو وتمويل جهة أخرى لسفرة زوجته".
يشار إلى أن رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، أدين بتهم مشابهة في إطار قضية "ريشون تورز" إضافة إلى قضايا فساد أخرى بينها تلقي رشاوى.
لكن المستشار السابق لشؤون الفساد في مكتب المراقب، الدكتور مئير غلبواع، قال لـ"هآرتس" إن "المراقب تساهل مع نتنياهو. والتساهل الأساس هو أنه لم يؤكد على أن تمويل جهات خاصة يثير شبهات، بل شبهات كبيرة أيضا، بارتكاب مخالفة رشوة".
وكتب المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، أنه "لن ينتج شيء عن التحقيق الذي تجريه سلطات تطبيق القانون في قضية الزوجين نتنياهو، وحتى أنه في أي استفتاء يتم إجراؤه في الشارع أو استطلاع للرأي العام سيحظى نتنياهو بلقب الضحية الملاحقة من قبل وسائل الإعلام".
وأشار شيفر إلى المماطلة في حسم هذه القضية، وكتب أنه "بعد مرور سنين طويلة جرى خلالها التدقيق في تفاصيل قضية بيبي تورز لدى مراقب الدولة والمستشار القانوني للحكومة تقادمت المواد، والموضوع لا يهم الجمهور".
"اليسار محبط لأن نتنياهو لن يسقط"
اعتبر المحلل السياسي اليميني حاييم شاين في مقال ظهر في صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من نتنياهو، أن "اليسار محبط لأن تقرير المراقب لن يسقط نتنياهو" عن الحكم. و"اليسار" بنظر هذا المحلل لا يقتصر على السياسيين فقط وإنما يشمل الإعلاميين والمحللين أيضا.
وكتب أنه "عندما شاهدت الإحباط، الغضب والمرارة على وجوه الإعلاميين والمحللين في قنوات التلفزيون المختلفة، أدركت أن مراقب الدولة لم يزود البضاعة المطلوبة".
وأضاف شاين أنه "كان مناسبا أن يتصرف رئيس الحكومة بتواضع أكثر خلال سفراته وسفرات أبناء عائلته، وكان من شأن تواضع كهذا أن يبعث برسالة هامة إلى المجتمع الإسرائيلي، لكن من هنا وحتى وجود شبهات جنائية ثمة مسافة كبيرة".
واعتبر شاين أن قضية "بيبي تورز" هي قضية كيدية سياسية بادر إليها معارضو نتنياهو، وكتب أن "اليسار الإسرائيلي لن يصفح أبدا لبنيامين نتنياهو واليمين لأنهما مرة تلو الأخرى، وبانتخابات ديمقراطية، أرسلاه إلى المعارضة. واليسار لن يسامح على استبدال النخب في المجتمع الإسرائيلي الذي زجه في الهامش".
وتابع "كيف يمكن لليسار أن يستسلم لأولئك الذين يقفون بفخر أمام رؤساء وزعماء دول في الدفاع عن المصالح الإسرائيلية وأثبتوا أن شعارات السلام الجوفاء لليسار فارغة من مضمون".
واعتبر شاين أنه "من أجل مواجهة حكم اليمين بقيادة نتنياهو، يتمسك اليسار وممثلوه بأية قشة، ويكتشفون فجأة أن عدة سفرات لرئيس الحكومة لمصلحة منظمات هامة ومصلحة الدولة والجاليات اليهودية موّلها أفراد، وكأنه يفترض بنتنياهو أن يعرف من هو المتبرع الذي مول السفرة لمصلحة المنظمة".
الصحافي رافيف دروكر، الذي كشف قضية "بيبي تورز" قبل خمس سنوات، نشر مقالا في "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، سرد فيه تسلسل القضية.
واعتبر دروكر أن نشر تقرير المراقب، في منتصف الأسبوع الماضي، جاء في توقيت "جعله عديم الأهمية"، في إشارة إلى تركيز وسائل الإعلام على توسيع حكومة نتنياهو وتعيين أفيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع.
وأشار دروكر إلى أن تقرير المراقب تم نشره من دون أن يشمل قسما من القرائن "الخطيرة للغاية"، ليخلص إلى أنه "بكل بساطة، فاينشتاين وشابيرا أنقذا نتنياهو. وأنا حقا آمل في أنهما فعلا ذلك بسبب إهمال أو خوف وليس لأسباب أخرى" في إشارة إلى تآمر.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, المستشار القانوني للحكومة, يديعوت أحرونوت, هآرتس, يسرائيل هيوم, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان