تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1466

صادق مؤتمر حزب العمل الذي عُقد مساء يوم 7 شباط 2016 بالإجماع على خطة أطلق عليها اسم "خطة الانفصال عن الفلسطينيين" سبق أن طرحها رئيس الحزب وتحالف "المعسكر الصهيوني" زعيم المعارضة في الكنيست الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، وتشمل انفصالًا أحاديّ الجانب عن مناطق في الضفة الغربية.

ومنذ أن طرح هيرتسوغ هذه الخطة في مؤتمر "معهد أبحاث الأمن القومي" الذي عقد في النصف الثاني من شهر كانون الثاني 2016، لا ينفك يؤكد أن الهدف الأرأس منها هو "الحفاظ على أغلبية يهودية في دولة إسرائيل" و"تعزيز الأمن"، وأن طرحها يأتي في ضوء أنه من المستحيل في الوقت الحالي التقدّم نحو تطبيق حل الدولتين للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لكون رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مكبلين بأيدي جهات متطرفة.

وكرّر تأكيده هذا أمام كبار المسؤولين في فرنسا وفي مقدمهم الرئيس فرانسوا هولاند، وذلك عشية إعلان وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطينية في حال إخفاق جهود تزمع القيام بها لمحاولة إنهاء الجمود المسيطر على عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

حتى الآن كان البرنامج السياسي لحزب العمل ينص على تأييد حل الدولتين.

وبمصادقة الحزب على هذه الخطة يكون العمل قد غيّر موقفه السياسي.

في الوقت نفسه قرر حزب العمل الحؤول دون الوصول إلى ما يسميه "واقع الدولة الواحدة"، والدفع قدمًا باتجاه التوصل إلى رؤيا الدولتين في نهاية الأمر.

"خطة هيرتسوغ"


تستند "خطة هيرتسوغ" كما عرضها بنفسه إلى أربعة مبادئ رئيسة هي:
أولاً، استكمال عملية إنشاء الجدار الأمني الفاصل المحيط بالمستوطنات في الضفة الغربية؛

ثانياً، اتخاذ قرار بشأن الانفصال عن 28 قرية فلسطينية محيطة بالقدس الشرقية المحتلة؛
ثالثاً، اتخاذ خطوات لبناء الثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في مجالي الأمن والاقتصاد؛
رابعاً، عقد مؤتمر إقليمي بمشاركة كل من مصر والأردن لبحث قضايا أمنية وإستراتيجية.

وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية ("هآرتس" و"يديعوت أحرونوت"، 20/1/2016) قال هيرتسوغ في مؤتمر "معهد أبحاث الأمن القومي" المارّ ذكـره: "أريد أن ننفصل عن أكبر عدد من الفلسطينيين في أسرع وقت ممكن، بحيث يكونون هم هناك ونحن هنا، وأن نبني جدارًا كبيرًا بيننا. هذا هو التعايش الممكن الآن - أنتم هناك ونحن هنا. حسناً فعل أريئيل شارون عندما أقام جدارًا منع تسلل المخربين والانتحاريين، لكنه لم يكمل المهمة. ونحن نريد استكمال المهمة وبناء جدار يفصل بيننا وبينهم. نستطيع أن نسمي ذلك تحديد خط الأمن، الخط الأحمر. لكن يتعين على إسرائيل الانفصال عن نتنياهو كي يكون في الإمكان الانفصال عن الفلسطينيين".

ودعا هيرتسوغ أيضًا إلى فصل القرى العربية عن القدس، وقال: "حينئذ نوحّد من جديد القدس الحقيقية من دون مئات آلاف الفلسطينيين الذين سيكونون في الجانب الثاني من الجدار. العيسوية ليست جزءًا من عاصمة إسرائيل الأبدية ولن تكون، ولا مخيم شعفاط للاجئين".

ووفقًا لكلامه، فإن الهبة الفلسطينية الشعبية الحالية هي انتفاضة ثالثة. وأوضح قائلًا "إذا واصلنا عدم اعترافنا بالحقيقة، فإنها يمكن أن تتحول إلى انتفاضة أكثر وحشية من سابقتيها، انتفاضة بروحية تنظيم داعش". وأضاف: "إن شعبين لديهما وعي قومي عميق ويقولان إن لهما حقوقًا في هذا البلد، لا يستطيعان العيش جنبًا إلى جنب بسلام في دولة واحدة".

وأشار إلى أنه حذّر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من اندلاع انتفاضة ثالثة، وأضاف: "لم أجد في نتنياهو شريكًا، ولا في عباس. وهكذا وصلنا إلى انعدام الأمن الذي يعاني منه اليوم مواطنو إسرائيل".

وتضمنت خطة هيرتسوغ المبادئ التالية:


أ - في الوضع الحالي من غير الممكن تحقيق حل الدولتين. وبرغم ذلك ستحافظ إسرائيل على المبدأ، الذي وفقًا له لن تقدم على خطوات تقضي على رؤيا الدولتين من ناحية جغرافية وسياسية.

ب - العمليات الأمنية ضد عناصر حركة "حماس". قال هيرتسوغ: "لن تكون لهم أي حصانة، ويجب أن يدفعوا ثمنًا غاليًا عن كل هجوم. المطلوب ليس قصفًا جويًا لا معنى له لأماكن خالية. يجب أن نستخدم قبضة حديدية فعالة ونقوم بإسكات تلفزيونهم وإذاعتهم، ولن يكون لديهم إنترنت ولا هاتف خليوي. وهكذا لن يكون في إمكانهم توجيه الأوامر للمخربين. وسنتخذ خطوات قاسية وحادة تشمل زعاماتهم".

ج- استكمال بناء جدار الفصل حول كتل المستوطنات في الضفة الغربية. قال هيرتسوغ: "جدار الفصل سيمنع الهجمات على كتل المستوطنات التي ستبقى معنا. وسيكون الوضع واضحًا للجميع: نحن هنا، والفلسطينيون هناك. عيشوا حياتكم، وحسنوا اقتصادكم واحرصوا على عملكم. الكتل التابعة لسيادة إسرائيل ستكون جزءًا من حلّ دائم. وستستخدم في المستقبل كحل لاستيعاب سكان المستوطنات الواقعة خارج الكتل".

د - فصل القرى الفلسطينية عن القدس. أشار هيرتسوغ إلى أن خطة استكمال بناء الجدار في منطقة القدس يجب أن تشمل بقاء القرى الفلسطينية خارج المدينة. وقال: "يجب الانفصال عنهم. يجب أن نبني

جدارًا بحيث لا يستطيع المخربون الوصول إلى اليهود. أما الذين يريدون أن يعملوا ويسعوا إلى كسب رزقهم، لا أن يقوموا بهجمات طعن، فأترك أمرهم لاعتبارات المؤسسة الأمنية".

هـ - القيام بخطوات بانية للثقة حيال الفلسطينيين. قال هيرتسوغ: "سيكون من حق الفلسطينيين أن يفعلوا ما يشاؤون من الناحية المدنية وليس العسكرية. يستطيعون بناء مدن جديدة، وتوسيع المدن الموجودة، وتطوير الزراعة والصناعة والعمالة". وبالرغم من ذلك فقد أشار إلى ضرورة أن يواصل الجيش سيطرته على جميع أنحاء الضفة الغربية لمنع الإرهاب، وقال: "سيواصل الجيش تمركزه في غور الأردن. وبعد بضع سنوات في حال استمر الهدوء والأمن، نتحدث عما يجب أن يحدث لاحقًا".

و- عقد مؤتمر للأمن الإقليمي بمشاركة "دول عربية معتدلة". قال هيرتسوغ "إن مثل هذا المؤتمر يستطيع أن يغيّر الوضع في المنطقة". وتابع: "معًا نستطيع أن نبني جبهة أمنية موحدة ضد الإرهاب الإسلامي المتشدّد في الشرق الأوسط، بحيث يكون الانفصال عن الفلسطينيين جزءًا من ذلك".

مدلولات الخطة
بينما اعتبرت أوساط حزب العمل ومؤيدوه هذه الخطة بمنزلة "تفكير شجاع من خارج الصندوق"، نظرًا إلى ضرورة البحث عن بدائل جديدة في ضوء واقع أن اتفاقات أوسلو لم تؤدِ إلى سلام نهائي بعد أكثر من عشرين سنة على توقيعها، رأى منتقدوها أنها تعبير عن تفاقم مسار الانزياح نحو اليمين الذي يسير فيه معسكر "اليسار- الوسط" في الآونة الأخيرة، كما يتبدّى ذلك في الأداء السياسي لكل من هيرتسوغ نفسه، ورئيس حزب "يوجد مستقبل" عضو الكنيست يائير لبيد.

وتشير صحيفة "هآرتس" في مقال افتتاحي جديد (2/2/2016) إلى أن انزياح هيرتسوغ نحو اليمين انعكس أيضًا في مطالبته الحكومة بعدم انتظار تحقق تهديد الأنفاق التي تُحفر من غزة إلى النقب وشنّ عملية وقائية ضدها وتدميرها.

وقالت الصحيفة إنه "بالاستناد إلى هذه الدعوة للحرب، يمكن تخيّل أنه لو تحققت أمنية هيرتسوغ في حفر نفق إلى حكومة نتنياهو والتسلل إلى داخلها في منصب وزير للخارجية مثلًا، فإنه سيكون ممثلاً لليمين". وتابعت: "يتعزز هذا الانطباع لدى رؤية الخطة السياسية التي طرحها هيرتسوغ قبل ذلك، وفي أساسها هدف أسمى هو فك الارتباط وبأسرع وقت ممكن عن أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين في ظل انعدام الأمل في تحقيق حل الدولتين".

بيد أن المدلول الأهم لخطة هيرتسوغ وأدائه السياسي يكمن في مماشاة سياسة نتنياهو. وهي سياسة لا تهدف إلى إنهاء الاحتلال بل إلى جعله أكثر راحة لها.

على المستوى الداخلي تعرّض هيرتسوغ إلى انتقادات حادّة كان أهمها أن خطته تشفّ عن تخليه عن دور زعيم المعارضة، ذلك بأن المعارضة- وفقًا لما أكد أحد الانتقادات- يُفترض أن تعرض رؤيا، و"حتى لو كانت تعرف بأنه في الانتخابات التالية الهدف الحقيقي هو زيادة عدد مقاعدها وليس تشكيل الحكومة، فإنها تدعو إلى تغيير الحكم. وحتى لو كانت تعرف بأنه لأسباب خارجية وداخلية سيكون من الصعب الوصول إلى تسوية تتضمن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل بشروط مقبولة عليها، فإنها لا تكتفي بالدعوة إلى خطوات انتقالية وتأجيل الحل إلى أيام المسيح".

وبحسب نقد آخر، فإن زعيم المعارضة لا يحاول تجاوز الائتلاف من اليمين كي يأسر لب ناخبيه، لكون اليمين أفضل من اليسار (أو "من الوسط"، كما يحرص هيرتسوغ على أن يسمي "المعسكر الصهيوني") في أن يكون يمينًا. والمعارضة الجديرة تبدأ برؤيا كبيرة، وتشرح لماذا لا يؤدي الطريق الحالي إليها وتعرض خطوات للتقدم في الاتجاه المرغوب فيه، وهي تشدد على الممكن وليس على المتعذر، ليس فقط كتكتيك انتخابي بل كفكر.

وحدّد صاحب هذا النقد ما الذي ينبغي للمعارضة أن تقوله بما يلي: أنها ترى إنهاء الاحتلال كمصلحة وطنية وأخلاقية؛ أنها تحترم التطلعات الوطنية للفلسطينيين؛ أن سياسة الضم الزاحف للأراضي

الفلسطينية يجب أن تتوقف على الفور؛ أنها ترى في السلطة الفلسطينية ليس المشكلة بل فرصة الحل؛ أن تكون بديلًا وأن تعرض أملًا.

أسباب تعزّز المقاربات أحادية الجانب


جاءت "خطة هيرتسوغ" على خلفية تعزّز المقاربات أحادية الجانب في الحلبة السياسية الإسرائيلية.

وسنتوقف بقدر مناسب من التفصيل عند آخر هذه المقاربات.
على أثر طرح خطة رئيس العمل، أعلن عامي أيالون وغلعاد شير وأورني بتروشكا قادة حركة "مستقبل أزرق أبيض" أنه برغم الانتقاد الذي تعرضت له هذه الخطة من اليمين ومن اليسار، فهي تشير إلى طريق واقعي بلا أوهام، للحفاظ على "الرؤيا الصهيونية"، ولخلق واقع الدولتين بخطوات تؤدي إلى الانفصال إلى دولتين قوميتين.

ويعتقد هؤلاء أن ابتعاد إسرائيل عن المبادئ التي أدت إلى قيامها كما وردت في قرار التقسيم سنة 1947، هو السبب الأساس لتآكل مكانتها الدولية وشرعية وجودها. لكن ليس من أجل هذا علينا أن نتحرّك، بل ببساطة لأن حل الدولتين لشعبين أفضل لإسرائيل ولأمنها القومي.

وهم يقولون "إن السياسة التي تنتهجها حكومة إسرائيل الحالية ستؤدي إلى خسارة هويتنا في دولة يهودية ديمقراطية كما جاء في وثيقة الاستقلال. إنها حكومة "تدير النزاع" (لكن فعلياً النزاع هو الذي يديرها) وتقدس الجمود السياسي لأنها لا تريد القيام بالتنازلات المطلوبة، وهي تدفن بيديها الرؤيا الصهيونية وستؤدي إلى كارثة الدولة الثنائية- القومية".

ويضيفون: "إذا كان من الصعب في الوقت الحاضر التوصل إلى اتفاق سلام مع جيراننا الفلسطينيين- ويا ليت هذا يحدث- فيتعين علينا أن نأخذ مصيرنا بأيدينا، ونتخذ خطوات مستقلة شجاعة ومدروسة، ونسعى إلى انفصال أكيد عن الفلسطينيين من أجل مصلحتنا، وإلى ترسيم حدودنا وفقًا لما هو الصحيح بالنسبة إلينا، بحيث تصبح حدودًا لدولة إسرائيل آمنة يهودية ديمقراطية مزدهرة ومستقلة".

وهم يشيرون في الوقت عينه إلى أن الفراغ الذي يتسع بين إسرائيل وبين العالم والواقع، وهو فراغ نشأ نتيجة لانعدام الفعل، يمتلئ بمبادرات سيئة، وقد تكون نهايته أن يفرضوا على إسرائيل حلا قسريًا لا يراعي لا مصالحها القومية ولا اعتباراتها الأمنية. وهكذا، مثلًا، تنطوي المبادرة الفرنسية ("إما مؤتمر دولي أو دولة") حسب الصيغة التي أيديهم على عديد من المشاكل.

وقبل خطة رئيس حزب العمل، طرح عضو الكنيست عومر بار ليف من الحزب في نهاية العام الفائت خطة بعنوان "الانفصال" تتحدث عن خطوات عدة.

الخطوة الأولى بينها هي التوقف التام عن البناء خارج الكتل الاستيطانية، والثانية إقرار قانون إخلاء ـ تعويض للمستوطنين الذين يعيشون خارج الكتل. ويعتمد بارليف على استطلاعات تقول إن 30 في المئة من سكان هذه المستوطنات مستعدّون لإخلاء بيوتهم مقابل تعويضات مالية بشكل فوري، والخطوة الثالثة هي توسيع المنطقة ب (أراضي الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة أمنية إسرائيلية وسيطرة مدنية للسلطة الفلسطينية)، والفكرة هي توسيع التواصل الجغرافي والفرص الاقتصادية للفلسطينيين الذين سيكون بوسعهم إنشاء مناطق صناعية وتجارية في المناطق التي ستسلم لسيطرتهم المدنية من دون أي مجازفة أمنية، لأن السيطرة ستبقى للجيش الإسرائيلي في المنطقة.

وأشارت تقارير صحافية إسرائيلية إلى أن هذه الفكرة الأخيرة حاول بحثها وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، لكن رئيس الحكومة نتنياهو رفضها.

وبالتزامن مع خطة بارليف، طرح يوعاز هندل، الذي خدم في الماضي كناطق بلسان نتنياهو أو بلقبه الرسمي "رئيس طاقم الإعلام القومي"، خطة إسرائيلية من طرف واحد منحها عنوان "خطة الفصل القومي". وهدفه المركزي هو منع نشوء دولة ثنائية القومية، تكون غير يهودية وعلى ما يبدو غير ديمقراطية أيضاً. وهو يقترح خطوات أحادية الجانب من إسرائيل لمنع هذا الوضع. وأولاها ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية بشكل تدريجي إلى دولة إسرائيل. وهو يقترح أن يبدأ الضمّ من غوش عتسيون، وليس صدفة ـ فهذه المنطقة أيضًا سبق للفلسطينيين في إطار جولات المفاوضات المختلفة أن وافقوا على أن تضمّها إسرائيل في الاتفاق المستقبلي مقابل تبادل أراضٍ بنسبة 1 : 1- وهو شرط غير موجود في خطة هندل. وبعدها يقترح ضم غور الأردن، في الأساس على قاعدة المبرر الأمني لأهمية المنطقة.

في موازاة هذه الخطوات، يقترح هندل الإعلان عن السلطة الفلسطينية كدولة منزوعة السلاح في حدود مؤقتة. وهذا بالتحديد يشكل أكثر تجميلًا لفكرة "أكثر من حكم ذاتي" التي سبق لليمين أن عرضها في

الماضي، قبل أن يُلقي نتنياهو خطاب بار إيلان. وتسيطر السلطة الفلسطينية حالياً على حوالي 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية، أي على منطقتي أ و ب. ويعتقد هندل أنه ينبغي تمكين الفلسطينيين من الإعلان عن هاتين المنطقتين دولة. وهو يقول: "من جانبي فليعلنوها إمبراطورية". فضلًا عن ذلك، هو يقترح أن يتم إخراج أحياء فلسطينية قائمة حاليًا خارج الجدار الفاصل من الحدود البلدية للقدس.

ولا يكتب هندل ذلك صراحة، لكن عمليًا، مغزى خطوة كهذه هو الاعتراف بأن هذه الأحياء ستكون تحت سلطة فلسطينية، وبذلك يتجسّد، ظاهرياً، الطموح الفلسطيني لـ"عاصمة في القدس"، لكن هذا سيتم في هوامش هامش المدينة، بعيداً عن البلدة القديمة والأماكن المقدسة التي ستبقى تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل.

ويُفترض بخطة هندل أن تخلق، بعد زمن، وضعاً تقع فيه حوالي 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية تحت سيطرة فلسطينية، وحوالي 22 في المئة - الكتل الاستيطانية وغور الأردن- تحت السيطرة الإسرائيلية. وتجدر الإشارة إلى أن توصيفه لـ "الكتل الاستيطانية" أوسع بكثير وهو لن يكون أبدًا مقبولًا لدى الأسرة الدولية. أما باقي المنطقة، حوالي 38 في المئة من الضفة الغربية، فيقترح هندل اعتبارها "منطقة متنازعًا عليها"، يتقرّر مصيرها في المستقبل عبر مفاوضات تنظم بين الطرفين. وحتى ذلك الحين، يعتبر الفلسطينيون في هذه المناطق مواطنين في فلسطين ويصوّتون في انتخاباتها، إذا جرت هناك مثل هذه الانتخابات، والمستوطنون في تلك المنطقة (حوالي 100 ألف شخص) يبقون مواطنين في إسرائيل. أما السيطرة الأمنية على الأرض فتبقى بيد الجيش الإسرائيلي.

ويصف هندل مزايا خطته على هذا النحو: "مثل هذه العملية ستمنح الفلسطينيين فرصة أخرى لبناء مجتمع حرّ من دون عراقيل إسرائيلية. إنها مشروع ألون مقلّص. بسبب أن فرضية الانطلاق هي أنه ليس هناك حل للصراع وليس هناك حل لمسألتي اللاجئين والقدس، فإن السلطة الفلسطينية ليست ملزمة بالاعتراف بإسرائيل. وإذا أفلح الفلسطينيون في تحقيق الازدهار والنمو في الحدود المؤقتة، فسيكون بالوسع

إجراء مفاوضات حول التسوية النهائية. وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فإن الدولة منزوعة السلاح سوف تنهار بسرعة".

ويواصل هندل كلامه بأن "ميزة خطة الفصل القومي تكمن في كونها مبادرة إسرائيلية تحث الطرفين عبر خطوات صغيرة، من دون اتفاقيات سلام كبيرة غير قابلة للتحقيق. وإسرائيل تحقق فصلًا اقتصاديًا وسياسيًا، وليس أمنيًا. والنزاعات تتقلص، والكتل الاستيطانية وغور الأردن تتعزز، وتتم الحيلولة دون إنشاء دولة ثنائية القومية. والمقامرة الإسرائيلية في هذه الخطة متدنية. وليست هناك حدود يمكن عبرها تهريب أسلحة في حال سيطرة حركة حماس. كما أنه ليس هناك إخلاء لمستوطنات تجعل من الخطة أمرًا لا يمكن العودة عنه، وإذا ما استمرّ الإرهاب فسيكون من حق إسرائيل العمل".

وردًّا على حقيقة أن فرص أن توافق الأسرة الدولية على ضمّ إسرائيل لمناطق واسعة في الضفة الغربية ضئيلة، يقول هندل إن خطته تشمل ضمًّا تدريجيًا وليس دفعة واحدة وحتى إذا صدرت انتقادات واحتجاجات في العالم، "فسوف يكون واضحًا لنا، نحن الإسرائيليين، على الأقل ما نحن نتساجل ونحارب من أجله أمام العالم. وحاليًا ليست لإسرائيل حقًا خطة عمل. فنحن مع حل الدولتين، ولكننا لا نقول كيف ستبدوان، وهذا يسمح للعالم بالتشديد والإصرار على حدود 1967. إن خطتي تعرض خريطة ترسمها إسرائيل لنفسها. وهذا يتيح لنا إمكان إدارة السجال غير السهل مع العالم من موقع أقوى ومريح لنا".

هل إسرائيل لا تملك خطة عمل؟

علينا أن نشير عند هذا الحدّ إلى أن طرح خطط تتضمن خطوات إسرائيلية من جانب واحد تواتر بعد قيام رئيس الحكومة نتنياهو بزيارة إلى الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2015.

فقد سئل نتنياهو في ندوة عُقِدت في أحد مراكز الأبحاث في واشنطن عن رأيه في خطوات من طرفٍ واحدٍ من جانب إسرائيل كبديل للمفاوضات، وكان جوابه: "من الجائز أن هذا محتمَل، وفقاً لاعتبارات الأمن الإسرائيلية". وهذا يعني أن الباب مفتوح. لكن بعد يوم من ذلك، وعقب حملة سياسية ضدّه من جانب

منافسيه اليمينيين، وخصوصاً نفتالي بينيت رئيس "البيت اليهوديّ"، سارع نتنياهو إلى تصحيح الانطباع وتوضيح كلامه، وأكد رئيس الحكومة مرة أخرى أنه لن يُخلي أبدًا أي مستوطنة، وأعلن أنه قصد فقط "خطوات تعزّز الأمن" الإسرائيلي.
فضلًا عن ذلك من التبسيط القول إن حكومة نتنياهو لا تملك خطة عمل.

وحتى الكثير من المحللين في إسرائيل يعتقدون بأن ما توصف بأنها "سياسة عدم الفعل" لنتنياهو هي خطوة سياسية فاعلة، وهي تجري في ظل تثبيت دائم للمستوطنات وتقويض دائم لصلاحية السلطة الفلسطينية، وفي نهاية المطاف فإن هدفها التصفية التدريجية لفكرة الدولتين واستبدالها بفكرة حكم ذاتي فلسطيني مهزوز آخذ في التقلص ويعيش إلى جانب إسرائيل استيطانية متمدّدة.

 

هذا التقرير بالتعاون مع دائرة شؤون المفاوضات