تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1854

تصدّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حملة تحريض واسعة وغير مسبوقة ضد نواب حزب التجمع الوطني الديمقراطي في القائمة المشتركة، شارك فيها جميع أحزاب اليمين والوسط واليسار الصهيونية بدون استثناء، وكذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية، وذلك في أعقاب لقاء عقده نواب حزب التجمع مع عائلات شهداء القدس، الذين تحتجز إسرائيل جثامينهم وترفض تسليمها إلى عائلاتهم من أجل دفنها.

وكان النواب في الكنيست جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس التقوا مع عائلات شهداء القدس في منتصف الأسبوع الماضي، بعد أن وجهت العائلات دعوة إلى نواب القائمة المشتركة للالتقاء بهم من أجل بحث ما يمكن أن تفعله القائمة المشتركة من أجل تحرير الجثامين.

وشارك في اللقاء نواب التجمع. وأعلنوا أنه فور عودتهم من لقاء عائلات الشهداء، توجهوا إلى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، وقدموا طلبا بتحرير جثامين الشهداء بناء على طلب عائلاتهم.

وأصدر النواب الثلاثة بيانا، أمس الأحد، قالوا فيه إنه "بعد أن فهم نتنياهو أن لا مخالفة قانونية أو جنائية في اللقاء المعقود لتحرير الجثامين، يحاول الآن أن يحوّل كل الضجة الفارغة إلى مكسب سياسي لنفسه، من خلال تقديم مشروع قانون يهدف إلى ضرب التمثيل السياسي للأقلية العربية، وتقويض فضاء العمل السياسي".

وأضافوا أن "نتنياهو يعرف جيدا أن هدف اللقاء هو تحرير الجثامين، لكنّه مستمرّ في تزوير الحقائق والتحريض من خلال كيل الاتهامات الملفّقة بحقّ نواب التجمّع؛ القضيّة هي تحرير الجثامين، وكل ما عدا ذلك هو تلفيق وكذب".

وجاء هذا البيان في أعقاب تصريحات نتنياهو لدى افتتاحه اجتماع حكومته الأسبوعي، صباح أمس، حيث اعتبر أن "ثلاثة نواب من حزب التجمع الوطني الديمقراطي ذهبوا ليعزوا أهالي إرهابيين قتلوا مواطنين إسرائيليين. أعتقد أن الكثيرين من المواطنين الإسرائيليين لا يشعرون بأن هؤلاء النواب يمثلونهم. إننا نبذل جهودا كبيرة من أجل دمج المواطنين العرب في المجتمع الإسرائيلي بينما هؤلاء النواب يقومون بعكس ذلك. إنهم يبنون أسوارا من الكراهية. أحاول أن أتخيل ماذا كان رد الفعل في البرلمان البريطاني أو في الكونغرس الأميركي لو وقف نواب دقيقة صمت حدادا على مقتل إرهابيين قتلوا مواطنين بريطانيين أو أميركيين. أعتقد أن هذا كان سيثير غضبا كبيرا وبحق".

وتابع نتنياهو "لقد تحدثت مع المستشار القانوني للحكومة وطلبت منه أن يدرس اتخاذ خطوات قانونية بحق هؤلاء النواب. سأطلب النظر في إدخال تعديلات جديدة وقوية في القانون تسمح لنا بمنع كل من يتصرف بهذا الشكل من أن يكون عضوا في الكنيست. أعتقد أن هذا الأمر مهم لأنه يصف المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه. وفي موازاة ذلك سأقدم اليوم مع رئيس الكنيست يولي إدلشتاين شكوى إلى لجنة الآداب البرلمانية، وأتوقع من جميع نواب المعارضة الذين عبروا عن استيائهم من هذا التصرف أن يدعموا المقترحات المختلفة التي سنطرحها".

وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية، مساء أمس، أن التعديل القانوني الذي ينوي نتنياهو تمريره في الكنيست ينص على إمكانية إقصاء نائب من عضوية الكنيست في حال أيد ذلك 90 عضو كنيست، وأن نتنياهو اتفق مع رؤساء أحزاب الائتلاف حول ذلك.

محاولة دق أسافين بين النواب والأقلية العربية

تأتي حملة التحريض الواسعة ضد النواب العرب في الكنيست عموما ونواب التجمع خصوصا، في أعقاب اللقاء مع عائلات الشهداء، في ظل الأجواء المعادية للفلسطينيين والمعادية للديمقراطية السائدة في إسرائيل منذ عودة نتنياهو إلى الحكم، في العام 2009، وتصاعدت بشكل كبير في الانتخابات العامة الأخيرة وبعد تشكيل حكومة نتنياهو الحالية.

وفي إطار الحملة الحالية، حاول وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، دق أسافين بين النواب العرب والأقلية العربية في إسرائيل، واعتبر أن "المواطنين العرب يطمحون إلى الانخراط في المجتمع الإسرائيلي، لكن هناك مجموعة قليلة من المتطرفين الذين يمثلهم نواب التجمع يعيقون انخراط الآخرين والتمتع بالميزات التي تمنحها إسرائيل إلى مواطنيها".

ودعا إدلشتاين الجمهور الإسرائيلي إلى تقديم شكاوى ضد نواب التجمع إلى لجنة الآداب في الكنيست، وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس، إن قرابة 200 شكوى جرى تقديمها إلى هذه اللجنة.

كذلك استغل وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، من "البيت اليهودي"، حملة التحريض من أجل مهاجمة القائمة المشتركة، معتبرا أن "المجتمع العربي ليس مثل النواب"، ودعا "المواطنين العرب لأن يكونوا جزءا من دولة إسرائيل الموحدة"، وأن يرفضوا لقاء "أعدائنا وقاتلينا".

وقال عضو الكنيست من كتلة "المعسكر الصهيوني" المعارضة، إيال بن رؤوفين، إن "على الكنيست ألا يمر مرور الكرام على زيارة نواب التجمع، بسبب الرسالة الواضحة للزيارة وهي التشجيع على الإرهاب. يجب إدانة هذه الزيارة باعتبارها خطيرة للغاية"، معتبرا هو الآخر أن "هذه الزيارة غير مقبولة على شرائح واسعة من المواطنين العرب".

وادعى زميله في "المعسكر الصهيوني"، إيتاي بروشي، أن "زيارة نواب التجمع تشكل وصمة عار على جبين المجتمع العربي، ويجب التصدي لها وإدانتها بشدة".

بدوره اعتبر رئيس حزب "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)"، أفيغدور ليبرمان، أنه "لا داعي لوجود أدلة أخرى لإثبات أن نواب القائمة المشتركة بشكل عام ونواب التجمع بشكل خاص هم ممثلون للتنظيمات الإرهابية في الكنيست. إن لقاءهم مع عائلات المخربين الذين قتلوا مواطنين إسرائيليين هو تذكير لكل من يحتاج إلى تذكير أن علينا طردهم من الكنيست وكذلك من دولة إسرائيل".

وقال وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتس، إن "زيارة نواب التجمع خطيرة جدًا، وتبلغ حد الخيانة".

وقال وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، الذي يصر على عدم تسليم جثامين الشهداء لعائلاتهم، إنه طلب ترحيل أسر الشهداء إلى غزة، لكن اعتراض المستشار القانوني منع تنفيذ ذلك، وطلب من الحكومة فحص إمكانية أن يكون لقاء نواب التجمع يشكل مخالفة قانونية، وما إذا كانت هذه المخالفة تعتبر "تحريضا على العنف والإرهاب".

ودعا وزير الداخلية ورئيس حزب شاس، أرييه درعي، إلى طرد النواب من الكنيست، وقال إن "هذه الزيارة تعتبر تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء. نواب التجمع ليسوا جديرين بالتواجد في الكنيست".

وأدانت كتلة "المعسكر الصهيوني" اللقاء وقالت في بيان إن "هذه الزيارة تشجع الفلسطينيين على تنفيذ المزيد من العمليات ضد إسرائيل"، واتهمت نواب التجمع "بالتحريض على الإرهاب".

وادعت عضو الكنيست تسيبي ليفني أن "زيارة نواب التجمع ليست تضامنًا مع الفلسطينيين إنما تضامن مع الإرهاب، هذه الخيارات السيئة تهدم الخير الذي نحاول بناءه هنا".

وزعم رئيس حزب "يش عتيد (يوجد مستقبل)"، يائير لبيد، أن "نواب التجمع يستخدمون حصانتهم البرلمانية من أجل تأييد الإرهاب والتحريض. ولا شك في أنه يوجد هنا استخدام سيء لكونهم أعضاء كنيست يحملون حصانة برلمانية في دولة ديمقراطية، ويحظر الموافقة على ذلك".

وادعى رئيس كتلة حزب ميرتس، عضو الكنيست إيلان غيلئون، أن "نواب التجمع فقدوا البوصلة" معتبرا أن لقاءهم مع أسر الشهداء هو بمثابة "إضعاف لأصوات السلام في إسرائيل".

تحريض الإعلام

وصدرت صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من نتنياهو، أمس، بعنوان رئيسيّ على صفحتها الأولى تدعو فيه إلى "معاقبة النواب"، وبحسب الصحيفة فإن لجنة الكنيست ستجتمع اليوم، الاثنين، من أجل اتخاذ قرار تتوجه فيه إلى لجنة الآداب في الكنيست وتطالبها باتخاذ إجراءات عقابية ضد نواب التجمع. ونقلت عن رئيس لجنة الكنيست، دافيد بيطان، من حزب الليكود، قوله إنه يعتزم المصادقة على مطالبة لجنة الآداب بمعاقبة النواب.

واعتبرت "يديعوت أحرونوت" أن التدقيق الذي سيجريه المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، سيكون "امتحان الحصانة" للنواب، في إشارة إلى ما إذا كان التدقيق سيقود إلى سحب الحصانة البرلمانية عنهم أم أنها ستحميهم. ووصفت الصحيفة لقاء النواب بأسر الشهداء بأنه تصرف "غير لائق" و"يفتقر إلى الحساسية".

من جانبها، أكدت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها أن استمرار احتجاز جثامين الشهداء هو أمر مرفوض، وأن "توجيه الغضب نحو نواب التجمع هو تعتيم على الإجراء الحقيقي المرفوض وهو احتجاز جثامين المخربين ومنع دفنهم".

وانتقدت "هآرتس" احتجاز جثامين شهداء القدس، وأشارت إلى أن ذلك يتعارض مع موقف جهاز الأمن، الذي عبر عنه يعلون، بأن احتجاز الجثامين لا يردع أحدا وإنما يصعد التوتر الأمني.

وقالت الصحيفة إن "نتنياهو يفضل تجاهل السياق المحلي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، المستوطنات والاحتلال، ويتمسك بلازمة أن العمليات جزء من ظاهرة عالمية للإسلام المتطرف"، مشددة على أن عائلات الشهداء "ليست مذنبة بأعمال أبنائها". كذلك استهجنت الصحيفة في زاوية نقدها لأداء وسائل الإعلام، "حالة الذعر" التي انتابت الإسرائيليين حيال وقوف النواب دقيقة حداد على أرواح شهداء فلسطين.

واستغلت "يسرائيل هيوم" الحملة من أجل تجميل صورة إسرائيل، وخصوصا حكومة نتنياهو، التي سنت قوانين وبادرت إلى طرح مشاريع قوانين تميزت بالعنصرية ضد العرب. وكان نتنياهو نفسه قد أطلق تصريحات عنصرية ضد العرب أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة وفي يوم الانتخابات، بقوله إن "العرب يتجهون بحشودهم نحو صناديق الاقتراع".

واعتبر الخبير القانوني، حاييم شاين، في مقال نشرته "يسرائيل هيوم"، أمس، أن وقوف النواب الثلاثة دقيقة حداد أثناء لقائهم مع عائلات الشهداء، كان "دقيقة حداد لذكرى جهد إسرائيلي لصنع إمكانية للتعايش بين اليهود والعرب في الدولة. وأعضاء الكنيست هؤلاء يلعبون بنار ساخنة وملتهبة، وهي نار قد تحرق وتتسبب بانهيار الجسور التي بنيت على مدار السنين".

وتابع شاين أن "تشكيل القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة الذي يعتبر معتدلا، منحت الأمل بأن مواطني إسرائيل العرب استوعبوا الثمن الذي يدفعونه جراء خيانة قيادتهم لمصالحهم... لكن القائمة المشتركة انجرت وراء حزب التجمع، وأيمن عودة ليس معتدلا مثلما حاولوا تصويره في وسائل الإعلام. والأمل تحوّل إلى وهم".

وأضاف شاين أنه "ينبغي الترحيب بالوحدة الإسرائيلية المفاجئة ردا على اللقاء. لقد توحد اليمين واليسار، بعد أن استوعبا أنه طفح الكيل. فهناك مرحلة يبدأ اليهود فيها بإدراك خطورة المشكلة ويتحدون من أجل إيجاد حل لها".

ودعا شاين إلى تلقين الأقلية الفلسطينية في إسرائيل درسا، وكتب أن "ثمة أهمية لأن تعالج سلطات القانون وتطبيقه بسرعة ونجاعة موضوع خرق النواب العرب للقانون. وهناك عدد من قوانين العقوبات التي تجرم سلوكهم. كما أنه يتوجب على الكنيست الرد بحزم ودراسة فرض عقوبات عليهم. ومن شأن القيام بإجراءات سريعة وحازمة أن تعود بالفائدة على الجمهور العربي في دولة إسرائيل، الذي ينبغي أن يفهم معنى تماثل قيادته مع مخربين قتلة".


لجنة المتابعة تحذر من تصعيد العنصرية

في المقابل دانت لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية حملة التحريض بقيادة نتنياهو، وقالت في بيان "تدين لجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العربية الهجوم العنصري، الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ضد نواب التجمع الوطني الديمقراطي، في القائمة المشتركة، جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس، على خلفية لقائهم بعائلات الشهداء، لغرض البحث في سبل تحرير جثامين أبنائهم".

ورأت "المتابعة" أن "هذا الهجوم يندرج في حملة التحريض المستمرة التي يقودها نتنياهو ضد جماهيرنا العربية، التي تصر على التصدي لسياسة حكومته العنصرية، سياسة الحرب والاحتلال".

وأكدت أن "لقاء النواب زحالقة وزعبي وغطاس مع العائلات كان لغرض بحث قضية إعادة جثامين أبنائهم، وهذا بالضبط ما يعرفه نتنياهو، ورئيس الكنيست يولي إدلشتاين، الذي برز هو أيضا في جوقة التحريض، وغيرهما من وزراء ونواب في الائتلاف والمعارضة. وأكثر من هذا، فإن النواب عرضوا القضية على الجهات ذات الشأن في الحكومة الإسرائيلية لغرض حلها بعد ذلك اللقاء".

وشددت "المتابعة" على أن "جماهيرنا العربية وأطرها السياسية ليست ضمن الخطاب الإسرائيلي والصهيوني الرسمي المعادي لشعبنا، ولا نستأذن أحدا في شكل ممارسة الأدوات السياسية المشروعة في الدفاع عن حقوقنا وحقوق شعبنا عامة".
وحذرت من مغبة تصعيد الخطاب العنصري، مؤكدة "إننا لن نسكت أمام محاولات كم الأفواه، وأمام مجرد التفكير في ضرب نشاطنا وحراكنا السياسي، بموازاة ما تخطط له الحكومة وأذرعها، لشن ضربات متعددة الاتجاهات ضد جماهيرنا العربية، من تدمير آلاف البيوت واقتلاع قرى بأكملها وغيره".