يقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اليوم الاثنين، بزيارة خاطفة إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث سيلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تأتي هذه الزيارة على خلفية موضوع واحد، هو زيادة ضلوع روسيا في سورية، ونقل قوات روسية وعتاد عسكري ثقيل، دبابات ومضادات جوية وطائرات مقاتلة، إلى الأراضي السورية.
وينبغي الإشارة بداية إلى أن العلاقات الإسرائيلية – الروسية جيدة، رغم وجود بعض التوترات في هذه العلاقة، التي تحكمها مصالح تحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، امتنع نتنياهو عن تلبية دعوات الكرملين لزيارة موسكو كي لا يظهر بأنه يؤيد روسيا ضد الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا. كذلك فإن هناك خلافا جوهريا بين إسرائيل وروسيا حول الاتفاق النووي مع إيران وحول القضية الفلسطينية. لكن بصورة عامة، تحكم هذه العلاقة المصالح الجافة للدولتين.
في سياق هذه المعادلات للعلاقات الإسرائيلية – الروسية، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية أبلغت الإدارة الأميركية، منذ أسبوعين تقريبا، بشأن نية نتنياهو زيارة موسكو، على خلفية التوجس الإسرائيلي من تزايد التدخل الروسي في سورية، وخصوصا التدخل في الناحية العسكرية، وحتى أن نتنياهو تحدث حول ذلك مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري.
والتوجس الإسرائيلي يتركز بالأساس في تقييد ما يسميه الإسرائيليون بـ"حرية العمل" في سورية، في إشارة إلى الغارات الإسرائيلية في سورية، خلال السنوات الأخيرة، بادعاء منع نقل أسلحة متطورة من سورية إلى حزب الله في لبنان. وتتخوف إسرائيل من أن نصب مضادات جوية روسية متطورة إلى جانب وجود طائرات حربية روسية سيمنع الطيران الحربي الإسرائيلي من تنفيذ غارات في الأراضي السورية في المستقبل.
إضافة إلى ذلك، فإن المحللين العسكريين الإسرائيليين، الذين يستمدون المعلومات من أجهزة الأمن بصورة مباشرة ومتواصلة، ذكروا في أكثر من مناسبة أن لا مصلحة لإسرائيل في سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، من جهة، لكنها تريد بقاءه ضعيفا كما هي حاله الآن، من الجهة الأخرى.
من جهة ثانية، يبدو أن الوضع في سورية التي تنهشها الحرب الأهلية الدموية، وخصوصا وجود المليشيات الإسلامية الراديكالية، مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة" وغيرهما، يخدم سياسة نتنياهو في الناحية الفلسطينية، وذلك على ضوء تصريحاته المتكررة التي يدعي فيها أن أي انسحاب من الضفة الغربية سيحدث فراغا تتسلل إليه تنظيمات الإسلام المتطرف.
أهداف زيارة نتنياهو إلى موسكو
نقل موقع "واللا" الالكتروني، أمس الأحد، عن ضابط كبير في سلاح الجو الإسرائيلي قوله، على خلفية زيارة نتنياهو إلى موسكو، إنه في أعقاب تزايد النشاط العسكري الروسي في سورية، بدأ سلاح الجو بإنشاء هيئة لتنسيق النشاط الجوي الإسرائيلي مع الجيش الروسي، وذلك بهدف منع مشاكل بين الجانبين، وخصوصا فيما يتعلق بالتعرف على الطائرات المقاتلة. وأشار إلى أنه تنشط في المجال الجوي السوري طائرات حربية أميركية وروسية وسورية وإسرائيلية.
ووفقا لـ"واللا"، فإن هدف زيارة نتنياهو هو "رسم خطوط عمل عامة للعلاقات بين الجيشين الإسرائيلي والروسي في سورية". وقال الضابط إن "الهدف هو الاتفاق على روح الأمور بأعلى مستوى بين إسرائيل وروسيا، وعندما ينزل هذا الاتفاق من الزعماء إلى الميدان ستبدو الأمور مختلفة. وفي نهاية الأمر فإن هذه مصلحة الجانبين".
ويرافق نتنياهو في زيارته إلى موسكو كل من رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي، والوزير زئيف إلكين، المقرب جدا من نتنياهو وسيستخدم وجوده لغرض الترجمة كونه من أصل روسي.
وبحسب "واللا" فإن نتنياهو سيستعرض أمام بوتين "الخطوط الحمراء الإسرائيلية" في كل ما يتعلق بالنشاط العسكري في الأراضي السورية. وتشمل هذه الخطوط إحباط إطلاق نار من الأراضي السورية باتجاه الجنود والمواطنين الإسرائيليين في منطقة هضبة الجولان المحتلة، ومنع نقل أسلحة تصفها إسرائيل بأنها "كاسرة للتوازن" من سورية إلى حزب الله، ومنع نقل أو استخدام أسلحة كيميائية.
إضافة إلى ذلك، سيستعرض هليفي معلومات استخباراتية حول ما تصفه إسرائيل بأنه تدخل إيراني في هضبة الجولان.
وقال الضابط في سلاح الجو الإسرائيلي إن "المكان الوحيد في هضبة الجولان السورية (أي الجزء غير المحتل) الذي يصدر منه إرهاب هو المنطقة التي تقع تحت سيطرة نظام الأسد. والإيرانيون يمولون، يوجهون ويدفعون هذا الإرهاب وثمة أهمية لأن يعرف الروس الصورة الكاملة".
وأضاف الضابط أن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي تشير إلى أن وتيرة نشاط الجيش السوري ستتغير عندما يصعّد المتمردون في سورية، وفي مقدمتهم تنظيم "داعش"، هجماتهم ضد القوات الروسية ويلحقون بها خسائر كبيرة. ولذلك فإن التنسيق بين الجيشين الإسرائيلي والروسي له أهمية حاسمة بدءا من المرحلة الحالية.
من جانبه، كتب المراسل السياسي في صحيفة "هآرتس"، باراك رافيد، يوم الجمعة الماضي، وبشكل صريح أنه "في إسرائيل يتخوفون من أن وجود طائرات مقاتلة روسية ومنظومات صاروخية روسية في سورية من شأنه أن يقيد حرية عمل سلاح الجو (الإسرائيلي) في المنطقة أو أن يتسبب بصدامات غير مقصودة بين الجيش الإسرائيلي والروسي. ووفقا لتقارير إعلامية أجنبية، فإن سلاح الجو الإسرائيلي أغار عدة مرات في السنوات الأخيرة على شحنات أسلحة كانت في طريقها من سورية إلى حزب الله في لبنان".
وأضاف رافيد أن نتنياهو سيطرح أمام بوتين مرة أخرى تخوف إسرائيل من تزويد روسيا أسلحة لسورية، وخاصة منظومات صاروخية متطورة مضادة للطائرات. وقال بيان صادر عن مكتب نتنياهو، يوم الأربعاء الماضي، إن نتنياهو "سيستعرض التهديدات على إسرائيل بسبب ضخ متزايد للأسلحة المتطورة إلى الحلبة السورية وبسبب تسرب أسلحة فتاكة إلى حزب الله والمنظمات الإرهابية الأخرى".
وأشار رافيد إلى أن نتنياهو أجرى محادثتين هاتفتين صعبتين مع بوتين في الشهور الأخيرة، حول الاتفاق النووي مع إيران، وتطرق فيهما إلى نية روسيا بيع إيران صواريخ مضادة للطائرات من طراز "إس 300". واحتج نتنياهو على نية موسكو هذه خلال المحادثة مع بوتين. وفي أعقاب المحادثة الثانية بين الاثنين، في نهاية تموز الماضي، وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي بصيغته النهائية، صدر عن مكتبي نتنياهو وبوتين بيانين عبرا عن مواقف متناقضة بالكامل.
"تزايد شرعية إيران"
أشار المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، يوم الجمعة الماضي، إلى أنه منذ أن بدأ يتضح حجم الوجود العسكري الروسي في سورية، "بواسطة تسريبات أميركية وإسرائيلية"، انشغل ضباط الاستخبارات والخبراء الأكاديميون والمحللون في إسرائيل في مسألة مركزية واحدة، وهي ما إذا كان من شأن هذا الوجود العسكري أن يشكل نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية لصالح نظام الأسد.
لكن النقطة الأساسية التي تناولها هرئيل في تحليله تتعلق بإيران. وأشار إلى تقارير نُشرت مؤخرا وتحدثت عن زيارة ثانية إلى موسكو لقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني. وكتب المحلل أن التقديرات في إسرائيل هي أن مباحثات سليماني مع المسؤولين الروس تركزت بالأساس حول الحلبة السورية.
وربط هرئيل ذلك بزيارة نتنياهو إلى موسكو، واعتبر أنه "في الوقت الذي يتردد فيه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في ما إذا كان ينبغي التباحث في الاتجاهات الجديدة في سورية بصورة مباشرة مع الرئيس بوتين، يبدو أن لا توجد لدى رئيس الحكومة نتنياهو ترددات كهذه".
وأضاف هرئيل أنه على الرغم من القلق الإسرائيلي من الوجود العسكري الروسي في سورية، إلا أن النقطة الأهم بالنسبة لإسرائيل في هذا السياق تتعلق "بالشرعية الفعلية التي تحصل عليها إيران، كقوة إقليمية، لأنشطتها المختلفة في الشرق الأوسط، حتى قبل تطبيق الاتفاق النووي".
وتابع أن "لقاء المصالح المعلن بين روسيا وإيران في سورية، يستوعب في إسرائيل على أنه مؤشر أولي، إزاء ضعف الغرب المتزايد. إذ ليس الولايات المتحدة فقط هي التي تواجه صعوبة في اتخاذ قرار حيال الاتجاه المفضل بالنسبة لها وتستبدل مطلبها بإسقاط الأسد بموافقة صامتة على استمرار حكمه. وإنما هذه أوروبا التي تتخبط على ضوء موجات اللاجئين التي تتدفق على أبوابها وبالتأكيد فقدت الرغبة في المبادرة إلى أي خطوات في سورية".
الحفاظ على المصالح الأميركية
من جانبه، أشار رئيس جهاز الموساد الأسبق، إفرايم هليفي، في مقال في "يديعوت أحرونوت"، أمس، إلى أنه "توجد لدى الجانبين (الإسرائيلي والروسي) رغبة في منع التدهور، ومن هنا ينبع القرار بإجراء اتصالات أمنية – عسكرية فورية والتي قد تتسع وتتحول إلى مفاوضات حول مستقبل سورية، بما في ذلك الوجود الإيراني في أراضيها".
وأضاف هليفي أن بوتين لا يفصح عن أهدافه من التدخل العسكري في سورية، عدا عن الحفاظ على بقاء نظام الأسد. "وهو بالتأكيد يريد الاطلاع على توقعات إسرائيل، التي لا يمكنه تجاهلها".
وأردف أن "واشنطن أيضا ستتابع اللقاء ونتائجه، لكي تفهم وجهة رئيس الحكومة. فهل سينشغل بالمواضيع الحالية فقط، أي السلاح المتطور الذي أعطي لسورية والإيرانيين وحزب الله والحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي بالسلاح في جميع الأحوال؟ وهل سيضع إسرائيل كلاعب نشط وقوي ينبغي أن تؤخذ احتياجاته الإستراتيجية بالحسبان، خاصة فيما يتعلق بإيران؟".
وتابع هليفي أنه في هذه المحادثات يتعين على نتنياهو أن يهتم بالحلف الإسرائيلي – الأميركي "وألا يصور نفسه كلاعب محايد بين الدول العظمى المتنازعة في الشرق الأوسط". وخلص إلى أن أداء نتنياهو في المحادثات مع بوتين سينعكس على شكل استقباله في البيت الأبيض في تشرين الثاني المقبل.
تقسيم سورية
نشر الباحثان في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الوزير السابق غدعون ساعر وغابي سيبوني، مقالا في "يديعوت أحرونوت" يوم الجمعة الماضي، اعتبرا فيه أن تقسيم سورية هو أمر لا يمكن منعه في المستقبل.
وكتبا أنه "في جميع الأحوال، فإن أي جهد من أجل البحث عن حل للأزمة يجب أن يعترف بأن سورية، كدولة ذات سيادة، لم تعد موجودة. وفي أراضي هذه الدولة لن تقوم في المستقبل المنظور دولة واحدة ذات سيادة، مع حكم مركزي فعال".
واعتبرا أنه "لهذا السبب، ينبغي التركيز على إيجاد بديل عملي للدولة السورية وبلورة خطة قابلة للتطبيق، تكون خطوطها العامة متفقا عليها ومقبولة على من يقودون المعركة الإقليمية والعالمية. وأية خطة إستراتيجية، ستتبلور بهدف جلب الهدوء إلى سورية ورسم مستقبلها، يجب أن تنطلق من نقطة واضحة، وهي أن سورية المفككة والمقسمة لا يمكن إعادة توحيدها".
وأضافا أن سورية مقسمة حاليا "بشكل فعلي" إلى مناطق سيطرة، "ومميزاتها الأساسية ديمغرافية... وفي هذه الظروف، يبدو أن تقسيم سورية إلى عدة كيانات منفصلة، على أساس إثني - ديني، هو الخطوة المطلوبة والطبيعية"، بادعاء أن من شأن ذلك أن يسهم في "استقرار الحلبة السورية ويوقف الحرب المتواصلة".
واعتبر ساعر وسيبوني أنه يجب تقسيم سورية إلى أربعة كيانات: الكيان السني، الذي سيسيطر على معظم الأراضي السورية؛ الكيان العلوي، الذي سيسيطر على غرب البلاد والساحل ويشمل الأقلية الشيعية؛ الكيان الدرزي في جبل العرب؛ والكيان الكردي عند منطقة الحدود مع تركيا. ودعا الاثنان إلى حماية الأقلية المسيحية المنتشرة في المدن الكبرى ولا يمكن إقامة دولة خاصة لها.
وأضافا أنه بالإمكان، لكن ليس بالضرورة، أن تدخل هذه الكيانات في اتحاد فدرالي أو كونفدرالي، وأن "تسوية كهذه ستمنع الاحتكاكات بين المجموعات السكانية وتقلص احتمالات حرب متواصلة، كما أنها تزود حماية لمجتمعات الأقلية من قوى إسلامية راديكالية، بينها ’الدولة الإسلامية’".
وتابعا أن لفكرة تقسيم سورية جذورا تاريخية، وأشارا على وجه الخصوص إلى استقلال الدروز في جبل العرب لمدة سنتين تحت الانتداب الفرنسي في العام 1920.
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, يديعوت أحرونوت, هآرتس, باراك, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, زئيف إلكين