تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

صادقت الحكومة الإسرائيلية، أمس الأحد، على خطة الغاز، التي تقضي بزيادة كمية الغاز الطبيعي التي ستستخرج من حقل "تمار" وتطوير حقول الغاز الطبيعي "لفيتان" و"كريش" و"تنين" وحقول غاز طبيعي أخرى في البحر الأبيض المتوسط.

وأيد الخطة 17 وزيراً. وعارضها وزير واحد هو وزير شؤون البيئة أفي غباي من حزب "كولانو" (كلنا)، ولم يشارك ثلاثة وزراء في التصويت بسبب منع تناقض مصالح، وهم موشيه كحلون ويوءاف غالانت من حزب "كولانو"، وحاييم كاتس من حزب الليكود.

وأيد وزير الاقتصاد أرييه درعي (شاس) الخطة، ولم يعلن عن استخدام البند 52 من قانون القيود الاقتصادية، الذي يعني الالتفاف على المسؤول عن تقييد الاحتكارات، الذي عارض خطة الغاز. ويتوقع تغيير هذا المسؤول وتعيين مسؤول آخر يؤيد الخطة، وبذلك لا يتم طرحها على الكنيست. وأعلن درعي أن الخطة التي أقرتها الحكومة اليوم هي "الأقل سوءاً"، التي تمكن الطاقم الوزاري برئاسة الوزير يوفال شتاينيتس من التوصل إليها.

وبرغم أن خطة الغاز ترسخ الاحتكار في هذا الفرع بأيدي شركتي "ديلك" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأميركية، اللتين تطوران وستستخرجان الغاز من الحقلين العملاقين في البحر المتوسط "تمار" و"ليفيتان"، إلا أن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وصف إقرار الخطة بـ"القرار التاريخي"، معتبرا أن "هذا القرار سيدخل على مواطني الدولة، وعلى خزينة الدولة، مئات مليارات الشواكل. وهذا المال سيذهب لصالح التعليم، الصحة، الرفاه وحاجات وطنية أخرى".

وقال نتنياهو إن الخطة ستؤدي إلى "خفض كبير في الثمن الذي ستدفعه الدولة على تطوير استخراج الغاز، إضافة إلى تغييرات أخرى ستحسن الخطة كثيرا".

وحول الانتقادات لخطة الغاز من جانب سياسيين، في الائتلاف والمعارضة، وخبراء اقتصاديين، أضاف نتنياهو "أنني لا أتأثر من الشعبوية، وهذه شعبوية وحسب بنظري، رغم أنه ربما هناك أشخاص يؤمنون بما يقولون، لكن الدولة بحاجة إلى الغاز".

وتابع أن "موارد الغاز ستتطور في منطقتنا بهذا الشكل أو ذاك، وعلينا أن نهتم بأن تستخرج مواردنا بأقصى سرعة. علينا أن نخرج الغاز من البحر. وهذا القرار هو علامة هامة في الطريق. ونحن نتغلب على العقبات خطوة تلو الأخرى، ولن يوقفوا هذه العملية. وسيخرج الغاز من أعماق البحر وسيصل إلى مواطني إسرائيل، للصناعة في إسرائيل والاقتصاد الإسرائيلي، لمصلحة مواطني إسرائيل".

ووفقا لنتنياهو فإنه "عندما يكون الأمر صائبا ينبغي تنفيذه، وهو أمر مصيري جدا للاقتصاد الإسرائيلي وللوضع الإستراتيجي لدولة إسرائيل، ولذا فإن هذا الأمر لن يتم إيقافه".

من جانبه، قال رئيس قائمة "المعسكر الصهيوني" وزعيم المعارضة الإسرائيلية، إسحاق هرتسوغ، بعد إقرار خطة الغاز، إن "أي قرار حول خطة الغاز الحالية هو بمثابة توقيع على قالب ثلج".

وأضاف أن "حكومة برئاستي ستقر خطة غاز نزيهة ومنطقية بالنسبة لمواطني إسرائيل وتشمل إشرافا على الأسعار وتعبر عن قلق حقيقي على مستقبل دولة إسرائيل".

احتكار الغاز يحظى بمزيد من التسهيلات

يشار إلى أن الطاقم الوزاري برئاسة الوزير شتاينيتس توصل إلى صيغة خطة الغاز التي صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية أمس بعد مفاوضات مع شركتي "ديلك" و"نوبل إنرجي"، اللتين تشكلان احتكار الغاز في إسرائيل.
ويتبين من الخطة أن الحكومة قدمت تنازلات وتسهيلات لهذا الاحتكار.

ووصفت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية (تابعة لـ"هآرتس") مضمون هذه المفاوضات ونتائجها على النحو التالي: "تأجيل آخر للموعد الأخير لتطوير حقل ليفيتان، شروط تجميلية وحسب لتعهد أصحاب الحقول بالالتزام بالجدول الزمني لتزويد الغاز، تقليص متوقع ومؤقت لفترة مراقبة سعر الغاز في السوق وإلزام متأخر ومقلص بالالتزام بشأن البيع للسوق المحلية".

ويتهم خبراء ومحللون اقتصاديون الحكومة الإسرائيلية بالرضوخ لضغوط شركات الغاز، وفي مقدمتها "نوبل إنرجي"، وبعدم أخذ ملاحظات مراقب الدولة ومحافظة البنك المركزي الإسرائيلي بالحسبان، رغم مطالبتهما بتصحيح الخطة.

ورغم حديث نتنياهو عن ضرورة استخراج الغاز بسرعة، إلا أن الخطة التي صادقت عليها الحكومة، أمس، تنص على إرجاء الموعد الأخير للانتهاء من تطوير حقل "ليفيتان" إلى شهر آذار العام 2020، بدلا من نهاية تموز العام 2019 كما نصت الخطة في صيغتها الأولية، علما أن التعهد الأولي من جانب شركات الغاز كان إنهاء تطوير هذا الحقل في آذار العام 2018، ما يعني أن الخطة أرجأت ذلك لعامين.

كذلك فإن الموعد النهائي لتطوير حقل "ليفيتان" في العام 2020 ليس مؤكدا أيضا. وفي حال تأخر تطوير حقل الغاز، فإن الخطة لا تقضي بفرض أية عقوبات على شركات الغاز، رغم أنه يرجح ألا تلتزم الشركات، وخصوصا "نوبل إنرجي"، باستثمار مبلغ كبير يتراوح ما بين 6 – 7 مليارات دولار في تطوير الحقل في المرحلة الحالية.
وأدى هذا الأمر إلى تدخل مراقب الدولة، الذي طلب من الحكومة إجراء تصحيح في الخطة في هذه النقطة بالذات. كذلك دعت محافظة البنك المركزي الحكومة إلى تصحيح هذه النقطة قبل المصادقة على الخطة.

وتنص الخطة على استثمار الشركات حتى نهاية العام 2017 مبلغ 1.5 مليار دولار في شراء عتاد وخدمات من أجل تطوير حقل "ليفيتان"، رغم أن الحكومة طالبت بأن يكون هذا المبلغ ملياري دولار، لكنها رضخت للشركات في نهاية الأمر.

ورغم أن الحكومة لم تفرض عقوبات على الشركات بسبب تأخير محتمل، إلا أنها تعهدت، في المقابل، بعدم دخول شركات أخرى مكان الشركات الحالية. ووفقا للخطة فإنه سيكون بإمكان الحكومة دراسة الخطة مجددا وإدخال تعديلات عليها فقط بعد ست سنوات.

وطالب مراقب الدولة ومحافظة البنك المركزي الحكومة بأن تضع خطة بديلة إزاء احتمال فشل شركات الغاز في الوفاء بتعهداتها، لكن الحكومة لم تتطرق إلى هذه النقطة بسبب ضغوط مارستها الشركات.

وتتضمن الخطة بندا حول بيع الغاز لشركات خاصة تعمل في مجال تمويل الكهرباء، الأمر الذي يثير تخوفات برفع أسعار الغاز وبالتالي رفع أسعار الكهرباء للمستهلكين.

وفيما يتعلق بحقل "تمار"، فإن الخطة تنص على أنه سيكون بإمكان شركات الغاز تصدير الغاز "غير المستغل"، أي الغاز الذي لم تشتره شركة الكهرباء الإسرائيلية، بدلا من بقائه كاحتياطي.

وتلغي خطة الغاز الجديدة قرارا اتخذته الحكومة الإسرائيلية قبل سنتين، وقضى بعدم تصدير الغاز من حقل "تمار" إلى مصر قبل الانتهاء من تطوير حقل "ليفيتان" والبدء بضخ الغاز منه. كذلك فإن الخطة تنص على دعم حكومي والمشاركة في تكلفة مد أنبوب غاز إلى مصر.

ولفتت صحيفة "كالكليست" (تابعة لـ"يديعوت أحرونوت") أمس، إلى تقرير اقتصادي تم تقديمه إلى الحكومة الإسرائيلية، وأشرف على إعداده نائب رئيس المجلس الاقتصادي الوطني موريس دورفمان.

ووفقا للتقرير فإن دخل الخزينة الإسرائيلية من الضرائب التي يتوقع جبايتها من بيع الغاز في العقود القريبة المقبلة سيصل إلى 100 مليار دولار، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن هذه التوقعات أقل من تقديرات سابقة بما بين 20 – 30 مليار دولار.

المستفيدون من خطة الغاز

وقالت صحيفة "كالكليست" اليوم، الاثنين، إن المستفيدين الأساسيين من المصادقة على خطة الغاز هم مجموعة صغيرة من الأثرياء الذين يعتزمون إقامة محطات خاصة لتوليد الكهرباء حتى نهاية العقد الحالي.

ويعتزم هؤلاء الأثرياء إقامة أربع محطات لتوليد الكهرباء، الأولى سيقيمها رجل الأعمال أبراهام نينيكشفيلي في منطقة جنوب السهل الساحلي، والثانية ستقيمها شركة "دور ألون"، بينما سيقيم المحطتين الأخريين رجل الأعمال عيدان عوفر الذي يملك شركة الكيماويات الإسرائيلية وهو شريك في مصفاة تكرير النفط في خليج حيفا.

ووفقا للخطة الحكومية، فإن بإمكان محطات توليد الكهرباء الجديدة هذه أن توقع في آذار المقبل على اتفاقيات غاز جديدة، وأن تدفع ثمنا أساسيا بقيمة 4.7 دولار مقابل وحدة الطاقة، وهو مبلغ رخيص نسبيا إذ أن شركة الكهرباء الإسرائيلية تدفع 5.8 دولار مقابل وحدة الطاقة.

وسيبلغ ثمن وحدة الطاقة الذي ستدفعه محطات توليد الكهرباء الخاصة 5.5 دولار في نهاية العقد الحالي، بينما ستدفع شركة الكهرباء في ذلك الوقت 7 دولارات.

وتقترح الحكومة فتح سوق الكهرباء للمنافسة، بحيث يصبح بإمكان محطات توليد الكهرباء الخاصة، في المستقبل، تزويد المواطنين بالكهرباء وليس المصانع فقط، كما هي الحال اليوم.

"نتنياهو على خطى برلسكوني وبوتين"

رأى المحلل الاقتصادي في "ذي ماركر"، إيتان أفريئيل، أنه بدفعه خطة الغاز قدماً انضم نتنياهو إلى أسلوب الحكم الذي اتبعه رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، والرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، اللذان "فعلا كل ما يحلو لهما" في دولتيهما.

وأضاف أن "برلسكوني جعل من نفسه قوة عظمى جمعت الثالوث رأس مال - سلطة - صحيفة. وكان رئيس حكومة، وثرياً وظّف أعضاء برلمان في شركاته، ويمتلك صحفا وشبكات تلفزيون، ولديه فريق كرة قدم لامع- ميلانو".

وتابع المحلل أن "الأمر نفسه ينطبق على بوتين، حاكم روسيا منذ 15 عاما. فقد سيطر المقربون منه على أملاك كثيرة للدولة، خاصة في فرعي النفط والغاز، ورأس المال الذي يسيطر عليه يبلغ عشرات مليارات الدولارات. ورغم أنه ليس لدى بوتين صحف وقنوات تلفزيون، لكن في بداية حكمه جعل الأوليغاركيين من أصحاب الصحف والذين عارضوه يهربون من روسيا وبيعت وسائل إعلامهم للمقربين منه (بوتين)".

وكتب أفريئيل أن "نتنياهو يريد في مكتبه هو الآخر رزمة رأس المال - سلطة - صحيفة".

وأوضح أنه بعد فوز نتنياهو بولايته الحالية سعى إلى السيطرة على وسائل إعلام، وخاصة قنوات التلفزيون، إلى جانب صحيفة "يسرائيل هيوم" التي أسسها الملياردير الأميركي شيلدون أدلسون من أجل دعم سلطة نتنياهو.

وفي أعقاب ذلك سعى نتنياهو إلى إقالة المسؤول عن تقييد الاحتكارات، وأقال الأسبوع الماضي رئيسة سلطة الكهرباء، من جرّاء معارضتهما خطة الغاز.

ورأى أفريئيل أن "الجوهر الأساس في خطة الغاز هو تسليم أملاك الدولة إلى احتكار خاص من دون مراقبته".