تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

*كوهين هو رئيس "ييشيفاة فرات يوسف" في البلدة القديمة في القدس ويسكن في الحي اليهودي داخل الأسوار، وفي الوقت نفسه هو خصم لدود للصهيونية – الدينية*

بعد مرور ستة شهور على وفاة الحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة شاس لليهود الحريديم السفاراديم (الشرقيين)، تم تعيين الحاخام شالوم كوهين، 83 عاما، خلفا له كرئيس لـ"مجلس حكماء التوراة" لحركة شاس.لكن كوهين ليس بقامة يوسف، وهو شخصية مجهولة خارج العالم الحريدي في إسرائيل. كما تعالت انتقادات بأن رئيس حزب شاس، أرييه درعي، هو الذي عيّن كوهين في المنصب الجديد، بينما ينفي درعي ذلك ويقول إن القيادة السياسية في الحركة لا تتدخل في شؤون القيادة الروحية.


وفي الناحية السياسية، فإن الرئيس الروحي يبتعد عن السجال السياسي إلا في حال المس بالمجتمع الحريدي. وقد برزت أقواله في سياق مبادرة الحكومة الإسرائيلية الحالية لتجنيد الحريديم إلى الخدمة في الجيش الإسرائيلي. وفي هذا السياق هاجم الحكومة، لكنه شن هجوما شديدا للغاية ضد التيار الصهيوني – الديني وحزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، الذي أيد قانون تجنيد الحريديم، ووصف أتباع هذا التيار بأنهم "عماليق"، وهي تسمية توراتية لمن يسعون إلى مهاجمة اليهود، ونصت التوراة على واجب قتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم.

رئيس "أم الييشيفوت"

وُلد الحاخام شالوم كوهين في "ييشيفاة فرات يوسف"، التي تأسست في العام 1923 في الحي اليهودي في البلدة القديمة في القدس. وبعد حرب العام 1948 أصبح مقر هذه الييشيفاة (معهد ديني يهودي عال) في القدس الغربية، وعادت إلى مكانها الأول داخل الأسوار في أعقاب احتلال القدس في حرب العام 1967.

وتعتبر "ييشيفاة فرات يوسف" أهم معهد ديني يهودي للسفاراديم وتوصف بأنها "أم الييشيفوت" السفارادية. ويرأس الحاخام شالوم كوهين هذه الييشيفاة حاليا، بعد أن تربى ونشأ وقضى معظم حياته فيها. ولا يزال يسكن في الحي اليهودي حتى اليوم. وكان والده، الحاخام عيزرا كوهين، أحد حاخامات هذه الييشيفاة.

والحاخام كوهين هو شخصية غير معروفة خارج العالم الحريدي. وهو، خلافا للحاخام عوفاديا يوسف، لم يؤلف كتبا ولم يتول مناصب رسمية أبدا. وعمل طوال حياته في مجال التعليم وله مكانة متميزة بين طلاب الييشيفوت السفاراديم.

رغم ذلك، اشتهر كوهين خارج دوائر الحريديم من خلال تصريحات أطلقها خلال السنوات الأخيرة، ووصف فيها أتباع التيار الصهيوني – الديني، الذين يعتمرون القلنسوات المنسوجة، بأنهم "عماليق"، وقال إن من يصوت لحزب "البيت اليهودي" سيذهب إلى جهنم. وقال كوهين خلال عظة أسبوعية، بحضور الحاخام يوسف، العام الماضي، إن "كرسي الرب غير مستقر ما دام هناك عماليق. وطالما هناك قلنسوة منسوجة فإن الكرسي غير مستقر. إنهم عماليق. متى سيستقر كرسي الرب؟ عندما لا تكون هناك قلنسوة منسوجة".

وكان الحاخام كوهين قد تطرق إلى الحاخام شموئيل إلياهو، حاخام مدينة صفد العنصري الذي أصدر فتوى دينية تمنع اليهود من بيع أو تأجير بيوت وأراضي للعرب. وجاء تطرق كوهين لإلياهو عندما رشح هذا الأخير نفسه لمنصب الحاخام السفارادي الأكبر لإسرائيل، العام الماضي. وقال كوهين حينذاك "سنكون مساكين إذا كان [إلياهو] حاخامنا. وقد قلت ذلك لوالده، وبحضور الحاخام دروكمان [أحد قادة التيار الصهيوني – الديني] وجميع العماليق. أيعتبر هؤلاء يهودا؟".

"الحاخام كوهين – حريدي أكثر وإسرائيلي أقل"

شارك كوهين في شهر شباط الماضي في اجتماع واسع ومشترك لأعضاء مجالس كبار حكماء التوراة للأحزاب الحريدية الثلاثة، شاس و"أغودات يسرائيل" و"ديغل هتوراة"، الذي عقد في مدينة بني براك في وسط إسرائيل، ضد قانون تجنيد الحريديم للجيش.

وذكرت صحيفة "هآرتس" أن كوهين وقف أمام كبار الحاخامين من التيارات الثلاثة، وأجهش في البكاء وقال: "أطلب أن نخرج من هنا بقرار، ’هذه فترة عصيبة ليعقوب’، ولا تهمنا أموالهم، لا يهمنا أي شيء، تهمنا التوراة، وهذا ما يريده الله تعالى". وتقرر خلال هذا الاجتماع إجراء تظاهرة كبيرة يعبر فيها الحريديم عن رفضهم للتجند للجيش، ووقعت حينها صدامات بين المتظاهرين وقوات الشرطة وأصيب واعتقل خلالها العشرات.

لكن خطاب كوهين أمام هذا الاجتماع كان بمثابة كشف أولي عن "الوجه الجديد" للزعيم الروحي القادم لشاس أمام قيادة الحريديم الأشكناز، التي تتعامل مع الحريديم السفاراديم كوصية عليهم، إذ أن عوفاديا يوسف لم يشارك في حياته في اجتماع كهذا ولم يحظ بإلقاء خطاب أمام القيادة الحريدية الأشكنازية والسفارادية.

رغم ذلك، فإن "مجلس حكماء التوراة" كان يعمل دائما في ظل الحاخام عوفاديا يوسف. ولم ينظر أحد إلى هذا المجلس على أنه هيئة قيادية تتمتع بنفوذ شعبي أو ديني، لكن يتوقع أن تتغير مكانته الآن. ومثلما هي حال القيادة الحريدية الأشكنازية، فإن الحاخامين السفاراديم يواجهون في السنوات الأخيرة تراجعا في قوتهم.

وقالت "هآرتس" إنه لهذا السبب توجد أهمية، رمزية بالأساس، لتعيين كوهين رئيسا لـ "مجلس حكماء التوراة": "[تعيين] الحاخام شالوم كوهين هو تعبير عن اختيار شاس للحريدية اليشيفاتية، وليس للإسرائيلية. وهذا [التعيين] هو استمرار مباشر لتصريحات مختلفة أطلقتها قيادة شاس الروحية في السنوات الأخيرة ضد الخدمة في الجيش وضد المتدينين القوميين، وتأييدا للحريدية".

درعي يسيطر على "مجلس حكماء التوراة"

تم تعيين كوهين رئيسا لـ "مجلس حكماء التوراة"في حركة شاس، الخميس الماضي، بمراسم متواضعة، ولم تتحدث معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية عن ذلك.

وتشير التقديرات إلى أن تعيين كوهين من شأنه أن يحصن سيطرة درعي على شاس، لكنه يبعد درعي عن حلمه الذي عبر عنه مرارا بتأسيس حركة سياسية اجتماعية – شرقية – متدينة.

ورأى محلل الشؤون الحريدية في "هآرتس"، يائير أتينغر، أنه "على ما يبدو أن درعي بات مقيدا بالحريدية أكثر من أية مرة في الماضي. وفيما هو يحيط نفسه بحاخامين مثل كوهين، فقد نشأ جيل ثان وجيل ثالث من الحريدية السفارادية التي لا تعرف لغة غير لغة الحريديم".

ويقول مقربون من درعي، إنه في إطار عودته إلى قيادة الحزب، يسعى إلى بلورة نواة صلبة مكونة من أبناء الييشيفوت، ويأمل بألا يتخلى عنه جمهور المتدينين.

ومنذ وفاة الحاخام عوفاديا يوسف، في تشرين الأول الماضي، لم يتم تعيين رئيس لـ "مجلس حكماء التوراة" رغم أن كوهين كان الوجه الأبرز الذي مثّل المجلس. ويقول المقربون من درعي إنه اعتقد أن الحزب بحاجة إلى"رب للبيت" من الناحية الروحية. ورغم أن مكانة كوهين ستكون أقل من المكانة التي تمتع بها يوسف، إلا أنه سينظر إليه على أنه الزعيم الروحي لحزب شاس.

وفيما رفض درعي التحدث إلى الصحافة حول الموضوع، إلا أن حزب شاس أعلن أن كوهين هو الأرفع مستوى بين أعضاء "مجلس حكماء التوراة"، وأن المجلس بحاجة إلى قيادة واضحة. كذلك قال مقربون من درعي إن مطلب تعيين كوهين جاء من بين أعضاء "مجلس حكماء التوراة" ومن أوساط الييشيفوت السفارادية.

وكان الحاخام كوهين يعتبر دائما أنه مقرب من درعي. وخلال السنوات التي ترأس خلالها عضو الكنيست إيلي يشاي حزب شاس، مارس كوهين ضغوطا على الحاخام عوفاديا يوسف من أجل إعادة درعي إلى الحزب.

وقالت "هآرتس" إن درعي يسيطر اليوم بشكل كامل على "مجلس حكماء التوراة"، إذ أنه بعد مرور أيام الحداد السبعة على وفاة يوسف، عين درعي صديقه المقرب الحاخام دافيد يوسف، نجل الحاخام عوفاديا، عضوا في"مجلس حكماء التوراة".

ومع أن هذين التعيينين، كوهين ويوسف الابن، يعززان قوة درعي، إلا أنهما يضعفان مكانة قسم من عائلة يوسف عارض هذه التعيينات في شاس.

وليس أقل أهمية من ذلك أن تعيين كوهين يبعد الحاخام السفارادي الأكبر السابق، الحاخام شلومو عمار، الموجود في صراع مع درعي، عن احتمال الانضمام إلى قيادة شاس الروحية في المستقبل.

انتقادات داخل شاس لتعيين كوهين

من جهة ثانية، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوم الخميس الماضي، إن تعيين الحاخام شالوم كوهين زعيما روحيا جديدا لحزب شاس ورئيساً لـ "مجلس حكماء التوراة" لم يمر بهدوء وإنما أثار انتقادات شديدة.

ونقلت الصحيفة عن قيادي في شاس قوله "ما هذا الوضع الذي وصلنا إليه، بأن يعيّن رئيس شاس رئيس مجلس حكماء التوراة؟. الأمر يجب أن يكون بالعكس تماما. وهذا أمر مسلٍ ومزعزع في الوقت نفسه".

وأضافت الصحيفة أن مصادر في حزب شاس ادعت أن قسما من أعضاء "مجلس حكماء التوراة" سمع بتعيين كوهين من وسائل الإعلام. وأشارت المصادر نفسها بغضب إلى أن تعيين كوهين تم قبل مرور عام على وفاة عوفاديا يوسف"لأن الرئيس [أي رئيس شاس، درعي] يفقد من مكانته وهو بحاجة إلى دعم روحاني، والحاخام كوهين يعتبر مقربا جدا من درعي".

وأوضحت حركة شاس أنه "لم تجر مراسم رسمية كبيرة لتعيين كوهين بسبب عدم مرور عام على وفاة الحاخام عوفاديا يوسف، لكن كانت هناك حاجة ماسة لقيادة روحية لأنه توجد مواضيع كثيرة مطروحة على جدول أعمال الحركة وتحتاج لأن يحسم الحاخامون بشأنها. كذلك فإن منصب رئيس مجلس حكماء التوراة يتم بناؤه خلال فترة طويلة وليس من خلال بيان، رغم أنه ليس مستبعدا صدور بيان كهذا في الأسابيع القريبة المقبلة".

كذلك أصدر مكتب درعي بيانا مقتضبا جاء فيه أن"المستوى السياسي في حركة شاس لا ينشغل في مثل هذه الأمور. وأمور كهذه تخضع فقط لقرار أعضاء مجلس حكماء التوراة".

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"

المصطلحات المستخدمة:

بني براك, هآرتس, الكنيست, يسرائيل هيوم