سددت الحرب، التي لم تنل تصديقًا دولياً، ضربة كبيرة إلى القانون الدولي وإلى دور الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع لها. وفي الواقع فإن هذه الحرب قد تدخل كتاب التاريخ بوصفها نقطة تحول من وضع القوة المتعاظمة والاحترام اللذين اكتسبهما المجتمع الدولي إلى وضع تكون فيه القوة العظمى الوحيدة ليس فقط الطرف الذي يتجاهل الشرعية الدولية، بل الذي يستبدل بها الأحادية. تستند عملية سلام الشرق الأوسط إلى الشرعية الدولية وإلى الحاجة إلى التمسك بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتطبيقها. والآن نرى الدولة ذاتها التي تشرف على عملية السلام قد أشاحت بوجهها عن المنبر الدولي وقررت أن تسلك السبيل الذي اختارته منفردة.
يتوجه، يوم الثلاثاء القادم، حوالي 3000 ناشط يهودي، إلى مقرَّ الكونغرس الأمريكي، من أجل إقناع أعضاء الكونغرس بمواصلة دعم دولة إسرائيل. وهذه الخطوة ستكون إختتامًا للمؤتمر السنوي للجنة "اللوبي لدعم إسرائيل ("أيباك")، الذي ينعقد سنويًا في واشنطن، بحضور مسؤولين رفيعين من النظام الأمركي وممثلين إسرائيليين كُثُرٍ. ولكن في هذه المرة، يبعث الآلاف من أعضاء اللوبي ببلاغ مُركّب لأعضاء الكونغرس، على غير العادة. ومع أنهم سيشددون على توقعاتهم من المشرعين الأمريكيين المصادقة على المعونات الأمريكية الخاصة لإسرائيل، إلا أنه من غير الواضح ما سيقولونه بصدد مسألة الخطة السياسية و"خارطة الطريق" الخارجة عن الحكومة الأمريكية.ويقول مراسل "هآرتس" في واشنطن (26/3) إن هناك إنتقادات تُسمع في أوساط المجموعات اليهودية الأمريكية على مضمون "الخارطة"، وعلى توقيت نشرها أيضًا، "ولكن من الصعب إسماع الانتقادات في وقت كهذا، تخوض فيه أمريكا الحرب".
من مفارقات الأقدار وسخرياتها ان بغداد رفعت في حربها ضد إيران شعار <<الطريق الى القدس يمر بطهران>>. ثم دارت دورة الزمن وإذا بنا نفاجأ بإسرائيل وقد رفعت شعار <<الطريق الى القدس يمر ببغداد>>. وأخشى ما أخشاه ان يكون الفرق بين الحالتين بحجم المسافة بين الهزل والجد.
حروب المنطقة كلها كانت تصب في خدمة السياسة الإسرائيلية وفي منبع التآمر الأمريكي على الشعوب العربية وتطورها، فحرب العراق وإيران جاءت لتخدم المشروع الإسرائيلي الأمريكي في الإنفراد بالمنطقة، وكذلك ديمومة التفوق الإسرائيلي على جميع أنظمة الحكم في الشرق الأوسط. ونتائج الحرب العراقية - الإيرانية وبدايتها كما نهايتها كانت مؤسفة ومخجلة، وكانت تعبر عن جهل وقلة تفكير الذين فرضوها على شعوبهم وعلى المنطقة وعلى العالم.
الصفحة 966 من 1047