سر اللامساواة في إسرائيل
بقلم: سيفر بلوتسكر
[كبير المحللين الاقتصاديين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"]
"إسرائيل موجودة في واحد من أكثر المستويات المتدنية في مسألة التكافل الاجتماعي في العالم الغربي، فهي تحل في المرتبة 27 من أصل 34 دولة تم تدريجها في البحث"- هذا ما قاله البروفسور ستيفان ووفل، مدير أحد المشاريع الأكثر تشويقاً في صندوق بارتليسمان الألماني. وقد طوّر هذا الصندوق جهاز رقابة على مدى التكافل الاجتماعي، ويتابع عدة توجهات لدى الجمهور في المجتمع الانساني.
ويتضح من المعطيات التي تكشفت أمام صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن الإسرائيليين موجودون في قاع التدريج الاجتماعي الغربي، فهم متشككون، وليسوا متسامحين تجاه الغير والمختلف، وهم يثقون فقط بقلة من المؤسسات الاجتماعية والدولة، وهم لا يحترمون على نحو خاص المقاييس الاجتماعية، ويقللون من مد يد المساعدة إلى الناس، وهم على قناعة بأن الحياة في المحيط الاجتماعي ليست عادلة.
"النقطة الوحيدة التي يتميز بها الجمهور، هي التضامن مع الدولة و/ أو المجتمع"، حسب ما يقوله معدو التدريج، الذين يفسرون، أو يحاولون تفسير، مكانة إسرائيل السيئة في تدريج التكافل الاجتماعي بـ "الأوضاع السياسية".
وعلى رأس التدريج نجد الدول الاسكندنافية، تليها الدول الناطقة بالإنكليزية: أستراليا وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا، ثم مركز أوروبا، أما بعد إسرائيل فتحل دول: قبرص وبلغاريا واليونان ورومانيا. كما يتضح أيضا من المقارنة الدولية أن التكافل الاجتماعي يتزايد كلما ارتفع مستوى معدل الناتج للفرد، وينخفض مستوى التكافل، كلما تعمقت اللامساواة الاقتصادية وتزايد الفقر في الدولة، وكما هو معروف فإن إسرائيل تبرز في اللائحة السوداء في مسألة اللامساواة.
إن ظهور إسرائيل كدولة متفرقة وممزقة، على أساس مقاييس قومية (يهود وعرب)، ودينية (متزمتون- حريديم- وليسوا حريديم)، نراه أيضا في تقارير دولية أخرى، مثل صندوق النقد الدولي، وتقارير منظمة التعاون للدول المتطورة OECD، وهذا ساري المفعول حتى المرحلة الأخيرة. وتوصي هذه المنظمات وغيرها من المنظمات العالمية حكومات إسرائيل بأن توظف أقصى ما يمكن من جهد من أجل تقليص الفقر ورفع مستوى الانخراط في العمل، في مجتمعي العرب والحريديم، وهو ما سيساهم في تخفيض مستوى التوترات الاجتماعية الداخلية، وتحسين مكانة إسرائيل في تدريج الفقر واللامساواة العالمي.
لكن الأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي- غالبية من اليهود دون الحريديم- لديها رؤية مختلفة لجوهر شكل المجتمع ومشاكله، فهي تتركز في المصير المر (حسب وجهة نظرها) للشريحة الوسطى اليهودية، وليس الحريديم، أما مصير العرب والحريديم الاقتصادي فهو لا يهز تلك الأغلبية، التي تعيش في ترف أوهام وكأن "شريحة الواحد بالمئة" تمتص دماء كل اليهود الباقين من غير الحريديم، وفقط إذا أخرجنا تلك الشريحة من داخلنا فستعم العدالة الاجتماعية في البلاد.
وفق الإحصائيات الواقعية لا أساس لهذا الاعتقاد، وكذلك بموجب التقارير المتوالية لبنك إسرائيل، في الأجزاء التي تعالج القضايا الاجتماعية، وأيضا تقارير الفقر واللامساواة في المجتمع اليهودي، من دون الحريديم. وهي تقارير ليست سيئة مقارنة مع مستويات الدول المتطورة، إلا أن ما يجعل إسرائيل تحتل مراتب قياسية في الفقر واللامساواة، هما المجتمعان الفقيران فيها، أي العرب المسلمون واليهود الحريديم، وها هي بعض المعطيات:
· نصف الفقراء في إسرائيل وفق معطيات العام 2010، هم من العرب، و18% من الفقراء عامة هم من اليهود الحريديم، وفقط الثلث هم فقراء يهود من دون الحريديم، على الرغم من أن نسبة اليهود من دون الحريديم في إسرائيل نحو 73%.
· 25% من إجمالي الجمهور في إسرائيل يعيشون تحت خط الفقر، ولكن فقط 5ر11% من اليهود من دون الحريديم، يعيشون تحت خط الفقر، ونسب الفقر بين اليهود من دون الحريديم شبيهة بالنسب في الدول المتطورة، ما عدا فنلندا والدانمارك.
· اقتباس من بنك إسرائيل المركزي: "إن استفحال اللامساواة في إسرائيل من العام 1997، نابع بالأساس من تزايد اللامساواة بين المجموعات"، بمعنى اتساع الفجوات بين العرب والحريديم من جانب واحد، وبين اليهود من دون الحريديم من جانب آخر.
الاستثمار المجدي...
إن أبناء الأقلية العربية يشكلون خُمس الجمهور العام في إسرائيل، ولكنهم يشكلون 13% فقط من القوة العاملة، و10% من الذين يعملون. وفي العام 1973، كانت نسبة العاملين من الرجال العرب نحو 75% من الرجال في جيل العمل، وقد انخفضت النسبة حاليا إلى 60%، بينما نسبة مشاركة النساء العربيات 22% وهي نسبة متدنية جدا.
لدى أقلية من العرب مؤهلات ما فوق مدرسية، وفقط 15% من الرجال العرب بحوزتهم شهادات أكاديمية أو إدارية (مقابل 42% من اليهود)، ولهذا فإن معدل راتب الرجل العربي أقل بنسبة 43% من راتب الرجل اليهودي.
ويقول البروفسور عيران ياشيف، المحاضر في الاقتصاد في جامعة تل أبيب، إن ثلثي العاملين والعاملات العرب موجودون في أدنى مستويات انتاجية العمل، وكذا أيضا الرواتب، وهذه مشكلة تنعكس على كامل الاقتصاد".
وقد أنهى البروفسور ياشيف مع الباحثة الاقتصادية نيتسا كتسير، رئيسة قسم العمل وسياسة الرفاه في بنك إسرائيل، العمل في تقرير شامل حول سوق العمل للعرب في إسرائيل، ويشمل التقرير توصيات مفصلة: تطوير مراكز عمل، وتطوير التعليم، وتوسيع وتطوير نطاق التأهيل المهني، وتشجيع النساء على الخروج إلى العمل، واستثمارات كبيرة في البنى التحتية والمواصلات، وسن قوانين ضد التمييز، والشروع بحملة إعلامية من أجل تقديم امتيازات ضريبية، ودعم متعدد الأطراف، من أجل إحداث تغيير تكنولوجي، وتشجيع طلب العرب للعمل في القطاع العام.
وقد أرفق الباحثان بكل توصية تسعيرة، على المدى القصير والمدى البعيد، وبحسب تقديراتهما فإن تمويل الخطة يحتاج في كل سنة من السنوات المقبلة إلى ملياري شيكل (550 مليون دولار)، ومن خلال كل التوصيات المعروضة يأمل ياشيف وكتسير برفع سريع لنسبة المشاركين العرب في سوق العمل، وانتقال النساء إلى سوق العمل مع انتاجية أكبر، وراتب أعلى.
وفي رد على سؤال ما إذا ستكون هناك جدوى من هذا الاستثمار؟ يقول البروفسور ياشيف: "بالتأكيد، فالاستثمار في المجتمع العربي سيؤدي إلى رفع نسبة النمو في الاقتصاد عامة، وإلى رفع إضافي في الناتج العام، وحينما نقيس الزيادة المتوقعة للناتج حتى العام 2030، بنحو 35 مليار شيكل تراكمي (حوالي 7ر9 مليار دولار)، مقارنة مع الميزانية المطلوبة للاستثمار، فإن الاقتصاد سيربح بشكل صاف ما نسبته 5ر6% وحتى 5ر7% سنويا، وهذه زيادة وطنية جيدة جدا".
وأضاف: "في احتساب التكلفة أمام الجدوى، فإن الاستثمار لتطوير المجتمع العربي ذو جدوى كبيرة جدا للجميع، إن خطتنا محافظة، لأننا لا نتجاهل الصعوبات: فالمجتمع العربي يعاني من اهمال منذ سنوات كثيرة، ومن غياب قيادة ناجعة، والانقلاب لن يكون سريعا، ولكنه سيحدث، فانظر إلى الاندماج الخارج عن المألوف للعرب في جهاز الصحة، من الصيدلة إلى المستشفيات".
لقد ذكّرت البروفسور ياشيف بأنه في العام 2000 أقرت حكومة إسرائيل خطة متعددة السنوات لتطوير المجتمع العربي بقيمة 4 مليارات شيكل (كانت تساوي في حينها مليار دولار تصرف على أربع سنوات- الترجمة)، فقال البروفسور إنه لم يخرج من هذا أي شيء (عمليا لم تنفذ- الترجمة). أما خطة حكومة بنيامين نتنياهو السابقة بقيمة 800 مليون شيكل، لمشاريع تطويرية خاصة في 13 بلدة عربية ودرزية وشركسية، والتي عرضتها في العام 2010 على أيدي وزير المالية في حينه يوفال شتاينيتس، ووزير شؤون الأقليات في حينه أفيشاي برافرمان، فقد أقرت بالفعل للتنفيذ، وحتى تم توسيعها في اطار توصيات لجنة تراختنبرغ.
(نشر هذا المقال في ملحق "مامون" الاقتصادي التابع
لصحيفة "يديعوت أحرونوت". ترجمة خاصة بتصرف)