المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
.. من حفل إطلاق الألعاب الأولمبية في طوكيو.  (وكالات)
.. من حفل إطلاق الألعاب الأولمبية في طوكيو. (وكالات)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2175
  • وليد حبّاس

في الـ 23 من تموز انطلقت الألعاب الأولمبية في طوكيو بعد تأجيلها مدة عام بسبب فيروس كورونا. في حفل الافتتاح، الذي يعتبر مهرجانا أمميا يشاهده مئات الملايين من كافة أرجاء العالم، وقف المشاركون دقيقة صمت في ذكرى مقتل 11 لاعبا إسرائيليا في الألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 1972 في مدينة ميونيخ في ألمانيا الغربية. جاءت هذه الوقفة بموافقة رسمية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية والتي صاغت رسالة التأبين على النحو التالي: "المجتمع الأولمبي يتذكر بشكل خاص أولئك الذين فقدوا حياتهم خلال الألعاب الأولمبية. إحدى الفرق لا تزال تحمل مكانة خاصة في ذاكرتنا.... وهي البعثة الأولمبية الإسرائيلية التي فقدنا أعضاءها في ميونيخ العام 1972". اعتُبرت هذا الدقيقة إنجازا كبيرا بالنسبة لإسرائيل التي توظف مشاركاتها في المسابقات الدولية الرياضية والموسيقية والأكاديمية وغيرها لتحسين صورتها أمام العالم.

تأبين ميونيخ يأتي بعد 49 عاماً

في العام 1972، احتجزت مجموعة فلسطينية تابعة لـتنظيم "أيلول الأسود" البعثة الإسرائيلية في مدينة ميونيخ وطالبت بإجراء تبادل أسرى. قامت القوات الألمانية بمحاولة فاشلة لتحرير الرهائن الإسرائيليين، الأمر الذي أدى الى استشهاد خمسة فلسطينيين بالإضافة إلى مقتل 11 لاعبا إسرائيليا (ستة مدربين وخمسة لاعبين)، وشرطي ألماني واحد. حاولت إسرائيل في الدورة الأولمبية التالية (العام 1976 في مدينة مونتريال، كندا) أن تحثّ اللجنة الأولمبية الدولية على إحياء ذكرى القتلى الإسرائيليين، ودفعت بأنكي سبينسر (أرملة أحد القتلى الإسرائيليين) نحو ترؤس حملة دولية لإقناع اللجنة الأولمبية الدولية بذلك. بحسب سبينسر، كان رد اللجنة الأولمبية الدولية في العام 1976 بأنه "لدينا 21 بعثة عربية مشاركة في الأولمبياد، وجميعهم سيرحلون إذا قلنا كلمة واحدة عن اللاعبين الإسرائيليين القتلى".هارييت شيروود، مذبحة ميونيخ الأولمبية: المعركة من أجل إحياء الذكرى، الجاردينر، 2012. على الرابط https://bit.ly/3wVrQRD

لقد بالغت سبينسر بقولها إن اللجنة الأولمبية تخشى 21 بعثة عربية. لكنها لم تجاف الحقيقة عند قولها إن اللجنة الدولية تخشى أن يغادر العرب المسابقات في حال قامت بتأبين اللاعبين الإسرائيليين. في الواقع كان هناك عدد أقل من البعثات العربية، وجزء منها كان فعلا قد قاطع الألعاب الأولمبية في مونتريال العام 1976 لكن لأسباب أخرى تتعلق بالأبارتهايد في جنوب أفريقيا. في تلك السنة، كان من المفترض أن تشارك 11 دولة عربية في الألعاب الأولمبية هي مصر، الكويت، لبنان، المغرب، السعودية، تونس، الجزائر، العراق، ليبيا، السودان وسورية. لكن حصلت مقاطعة كبيرة لحفل الافتتاح في تلك السنة وشملت حوالي 29 دولة معظمها من أفريقيا وآسيا. من ضمن المقاطعين كانت كل البعثات العربية باستثناء الكويت ولبنان والسعودية. وسبب المقاطعة هو الغضب من اللجنة الأولمبية الدولية لأنها سمحت لبعثة نيوزيلاندا بالمشاركة في تلك الدورة رغم معرفتها بأن دولة نيوزيلاندا كانت أول من كسر المقاطعة الرياضية المفروضة على جنوب أفريقيا بعد أن شاركت معها في لعبة ديغبي وبحضور ومباركة من رئيس وزراء نيوزيلاندا.ستيف غادي، اثنان وعشرون دولة أوروبية تقاطع حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، نيويورك تايمز، 1976. على الرابط https://nyti.ms/36WNN8e لم يكن واضحا ما إذا كان رفض اللجنة الأولمبية لطلب سبينسر بتأبين القتلى الإسرائيليين سببه الخشية من مقاطعة باقي البعثات العربية في الدورات التالية، أم لأنها قارنت ما بين إسرائيل (9 سنوات بعد النكسة و28 سنة بعد النكبة) وما بين نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. لكن الواضح هو أن مكانة إسرائيل عالميا لم تكن في أفضل حالاتها، وكانت على الأقل بنظر اللجنة الأولمبية الدولية دولة غير طبيعية، حتى إن لم تعلن اللجنة عن ذلك جهاراً.

ومع ذلك، لم تيأس إسرائيل من محاولاتها لحث اللجنة الأولمبية على تأبين قتلى ميونيخ. فقد كانت محاولات إسرائيل، والتي تجندت لها سبينسر نفسها، تتجدد مرة كل أربع سنوات وقبيل كل دورة ألعاب أولمبية وفي كل مرة يتم رفض الطلب الإسرائيلي.
كان الاختراق الأول الذي حققته إسرائيل في هذا الأمر غير مُرض بالنسبة لها. وحصل الاختراق في العام 2004 في دروة ألعاب أثينا. على هامش الدورة، التقى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية بالسفير الإسرائيلي في اليونان وقدم تعازيه بقتلى ميونيخ. ورئيس اللجنة، جاك روج، كان لاعبا مشاركا في دورة ميونيخ العام 1972 قبل أن يصبح رئيس اللجنة الأولمبية العام 2004.دافيس ماثيو، أثينا 2004 تتذكر ميونيخ 1972، بي. بي. سي، 2004. على الرابط http://news.bbc.co.uk/2/hi/europe/3581866.stm

حصل في العام 2012 تطور جديد في دورة الألعاب الأولمبية في لندن. في تلك السنة، استمرت اللجنة الأولمبية في رفض تأبين القتلى الإسرائيليين من خلال الإعلان عن دقيقة صمت في أثناء حفل الافتتاح، لكنها قبلت وللمرة الأولى تأبين القتلى في حفل تأبين رسمي وصغير أقيم في ساحة محاطة بالأشجار بالقرب من حفل الافتتاح، وبعيدا عن الأنظار. في هذا التأبين الذي جرى على استحياء، تم تكريم أهالي وأقارب القتلى الإسرائيليين.كارلوس غرومان، بعد 49 سنة الأولمبياد تتذكر في حقل افتتاحها إسرائيليين قتلوا في العام 1972 في أثناء ألعاب ميونيخ، رويترز، 2021. على الرابط https://reut.rs/2V9snSN

لقد كانت دقيقة الصمت التي أعلن عنها في طوكيو هذا العام بمثابة إنجاز تاريخي بالنسبة لإسرائيل. وقال رئيس الحكومة نفتالي بينيت: "أرحب بهذه اللحظة التاريخية والمهمة". أما حيلي تروبر، وزير الثقافة الرياضة عن حزب "أزرق أبيض"، فأسماها بأنها لحظة "العدالة التاريخية". لا يمكن إنكار الجهود التي بذلتها إسرائيل في السنوات السابقة لإحداث تغيير حقيقي في موقف اللجنة الأولمبية الدولية. ولا يمكن إهمال الدور الذي لعبته موجات التطبيع مع أربع دول عربية خلال العام السابق، بالإضافة إلى تقارب وجهات نظر مع دول عربية أخرى، في موافقة اللجنة على الإعلان عن دقيقة صمت لتأبين قتلى ميونيخ. فلم يعد هناك بعثات عربية تخشى اللجنة الأولمبية من مقاطعتها، خاصة وأن الفلسطينيين أنفسهم استمروا أيضاً في مشاركتهم بعد سماع التأبين.

الرياضة في خدمة السياسة الإسرائيلية

أنهى الاسرائيلي يوآف دوبينسكي في العام 2018 أطروحة دكتوراه تحت عنوان "استخدام إسرائيل للرياضة لتلميع صورتها وللقيام بالدبلوماسية العامة". يرى دوبينسكي أن صورة إسرائيل عالميا لاقت تراجعا حادا بعد أحداث سياسية هامة مثل حرب العام 1967، واجتياح لبنان العام 1982، وانتفاضة الأقصى العام 2000. بعض الأحداث لم تنقشع آثارها السلبية حتى اليوم بل ما تزال تلازم صورة إسرائيل في العالم باعتبارها دولة عنصرية وعدوانية. ويستخلص الباحث أن إسرائيل، ومنظماتها وأذرعها، مثل اللجنة الأولمبية الإسرائيلية، الحركة الصهيونية، ومنظمات صهيونية دولية أخرى تستخدم الألعاب الأولمبية (بالإضافة الى مسابقات أممية أخرى غير رياضية) لمحاصرة حركة المقاطعة (BDS) والترويج لدولة إسرائيل باعتبارها تتبع لدول العالم الحر، وتقديم صورة إنسانية عن نفسها، والمفاخرة بإنجازاتها. ولا تخلو هذه الدعايات من "ذم" لإعداء إسرائيل ومحاولات لإثبات عدم أحقيتهم في معاداة إسرائيل وممارساتها.يمكن الاطلاع على الأطروحة وتحميلها على الرابط التالي: https://trace.tennessee.edu/utk_graddiss/4868/

مثلا، مع انطلاق الألعاب الأولمبية هذه المرة، بدأت حملة تقودها منظمة "مسيرة الحياة" (وهي إحدى أهم مؤسسات "المجتمع المدني السيء"لمعرفة المزيد عن المجتمع المدني السيء، يمكن الاستماع إلى بودكاست مدار، الحلقة 8، على الرابط: https://bit.ly/3hZWqFl التابعة لليمين الصهيوني والتي تنشط في الساحة الدولية)، بالإضافة الى حركة مكابي العالمية (أكبر تجمع رياضي صهيوني، يتبع للمنظمة الصهيونية ويضم 450 ناديا في كل أنحاء العالم) والمكابياه (المكابياه هي ألعاب أولمبية خاصة بإسرائيل وتنظم مرة كل أربع سنوات). تهدف الحملة الى محاربة "معاداة السامية". وتستند الحملة التي جندت أموالا طائلة إلى حث رياضيين بارزين ومشهورين على اتخاذ موقف علني ضد "معاداة السامية" والعنصرية وجميع أشكال الكراهية. وتم الإعلان عن الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والترويج لها دولياً خلال دورة الألعاب الأولمبية تحت عنوان Athletes say no to antisemitism (أي "الرياضيون يقولون لا لمعاداة السامية")، وتم تدشين الحملة إلكترونيا أيضا وبالتزامن مع سير الألعاب الأولمبية (من 23 تموز وحتى 8 آب 2021) عبر الهاشتاغNeverMeansNever (أي "أبدا يعني أبدا") والهاشتاغ AthletesAgainstAntisemitism (أي "الرياضيون ضد معاداة السامية").انظر الإعلان عن انطلاق الحملة على الرابط https://www.motl.org/athletes-say-no-to-antisemitism/

لا بد من الإشارة الى المقالات العديدة والكتابات الوفيرة التي أصدرها مركز مدار خلال السنوات السابقة والتي تبين كيف أن إسرائيل تحاول مؤخرا إعادة تعريف "معاداة السامية" لتعني كل ما هو مناهض لإسرائيل وسياساتها بما يشمل أي انتقاد لعدوانيتها وجرائمها. بمعنى آخر، رفض معاداة السامية يعني إقناع المجتمع الدولي برفض أي انتقاد ضد إسرائيل، وتوسعها الاستيطاني في الضفة، ومحاصرتها لقطاع غزة، ونظامها العنصري بحق فلسطينيي الداخل.راجع تقرير مدار الاستراتيجي 2021: المشهد الإسرائيلي 2020، تحرير هنيدة غانم (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، 2021). ومع قبول عدة دول أوروبية بالتعريف الجديد لمفهوم "معاداة السامية"، فإن إسرائيل تحاول حصد نتائج سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة (التطبيع مع الدول العربية، إعادة تعريف معاداة السامية) للحصول على قبول دولي أوسع من خلال إطلاق حملة "تنظيف صفحة إسرائيل" في أكبر احتفال دولي يقام منذ بدء تفشي الكورونا قبل عامين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات