المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
.. من تظاهرة مناوئة لنتنياهو أمام مقر إقامته في القدس، أول من أمس. (أ.ف.ب)
.. من تظاهرة مناوئة لنتنياهو أمام مقر إقامته في القدس، أول من أمس. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 964
  • برهوم جرايسي

لم يعد أمام ولاية الكنيست الحالي سوى 23 يوما، فإما أن تقر الحكومة ميزانية سريعة للعام الجاري المنتهي، وتمررها في الكنيست في غضون أيام قليلة، قبل انتهاء يوم 23 كانون الأول، أو أن يتم حل الكنيست تلقائيا، والتوجه إلى انتخابات بعد 90 يوما من يوم حل الكنيست. وهذا ما جعل رياح الانتخابات تشتد؛ وفي موازاتها، أحاديث عن اتفاقيات مؤقتة، تطيل عمر حكومة نتنياهو- غانتس بضعة أسابيع أو أشهراً قليلة، فالانتخابات التالية لن تخدم سوى قائمة واحدة، تضم أحزاب المستوطنين، فيما الأحزاب الباقية إما ستراوح مكانها أو تخسر من مقاعدها.

فقد أعلن رئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، أنه سيعرض على الكنيست يوم الأربعاء القريب، الثاني من كانون الأول، مشروع قانون لحل الكنيست والتوجه لانتخابات. ولكن لن يكون بمقدور لبيد عرض مشروع القانون على الكنيست، إلا إذا ضمن الأغلبية المطلقة، لأنه في حال سقط مشروع القانون، لن يكون بإمكانه عرضه لاحقا، إلا بمرور ستة أشهر، حسب النظام البرلماني القائم. وكي يضمن أغلبية، فإن لبيد وباقي أحزاب المعارضة بحاجة إلى أصوات كتلة "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس. وسيتضح موقف الكتلة في الساعة الأخيرة قبل التصويت في الكنيست، في حال تم عرضه فعليا؛ إذ تكثر الأحاديث عن بوادر اتفاق جديد بين بنيامين نتنياهو وشريكه بيني غانتس، يهدف إلى تجاوز عقبة إقرار الموازنة العامة، للعام الجاري 2020، على أن تشرع الحكومة مباشرة، بإقرار ميزانية العام المقبل 2021. وهذا سيكون في إطار صفقة تشمل أيضا التوافق على تعيينات هامة جدا في جهاز الحكم، مثل المدعي العام، وقائد الشرطة، ومديرين عامين في عدد من الوزارات، وغيرها.

وكما يبدو، في هذا تعبير عن عدم رغبة الطرفين بالانتخابات المبكرة، على الأقل حتى نهاية آذار المقبل. ولكل أسبابه، خاصة على ضوء نتائج الاستطلاعات، التي تشير إلى خسارة مقاعد جديّة لحزب الليكود، والحال ذاتها تسري على كتلة "أزرق أبيض"، فيما الرابح الوحيد من هذه الانتخابات سيكون تحالف "يمينا" الذي يضم أحزاب مستوطنين من التيار الديني الصهيوني. وسنأتي لاحقا هنا على تفاصيل هذا الجانب، في الطريق إلى الانتخابات.

ورغم أن توقيت الانتخابات في مطلع الربيع المقبل، لن يخدم نتنياهو من عدة نواح، خاصة وأن الحملة الانتخابية ستجري في الوقت الذي يكون جالسا فيه على مقعد المتهمين في المحكمة، إلا أنه يواصل تأزيم العلاقات مع شريكه بيني غانتس. وهذا يبرز ليس فقط في نقض الوعود لإقرار الموازنة العامة، وإنما أيضا في تحييد غانتس من الأمور الأشد حساسية، وكان آخرها عدم معرفة غانتس بسفر نتنياهو إلى السعودية، والالتقاء بولي العهد محمد بن سلمان، سوية مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ورئيس جهاز الموساد يوسي كوهين.

ومسألة عدم إبلاغ غانتس مسبقا، ظهرت في وسائل الإعلام بعد وقت قليل من كشف مسألة اللقاء، وهذه المرّة الثالثة التي يتفاجأ فيها غانتس بتحركات نتنياهو الإقليمية، مثل الاتفاق مع الإمارات، ولاحقا مع السودان.

في المقابل فإن أداء بيني غانتس ومعه شريكه وزير الخارجية غابي أشكنازي، يُظهر مدى ضعفهما السياسي، فهما هددا بأنه لن تكون حكومة في حال لم تقر الميزانية في الحكومة حتى نهاية تشرين الأول، ولكن ها قد مرّ التشرينان الأول والثاني، والحكومة ما تزال قائمة، بالشلل الذي هي فيه. وهذا يقلل كثيرا من شأن التهديدات التي تظهر بوتيرة ليست قليلة، على ألسن أعضاء "أزرق أبيض".

وحاول غانتس في الأسبوع الماضي، الظهور كمن أنه هو صاحب قرار في وجه نتنياهو، بتشكيل لجنة فحص في وزارة الدفاع، بشأن ما عُرفت باسم "قضية الغواصات"، وهي تعود إلى أن شخصيات في محيط نتنياهو، بينهم مستشارون وابن خاله، أصروا على شراء غواصة حربية سابعة من ألمانيا، رغم إعلان الجيش الإسرائيلي عدم حاجته لها؛ وتبين لاحقا أن في هذه الصفقة قضايا فساد ورشاوى، ولكن لا الشرطة ولا النيابة وجدت نتنياهو متورطا بالقضية، رغم أصوات كثيرة في الوزارة والجيش، وبينهم وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون، يصرّون على تورط نتنياهو، ولهذا قرر غانتس تشكيل لجنة فحص داخلية، ولجنة كهذه لا صلاحيات لها سوى تقديم استنتاجات، وهو الأمر الذي أثار غضبا لدى نتنياهو.

أزمة الميزانية

بموجب الاتفاق المبرم بين حزب الليكود وكتلة "أزرق أبيض"، فقد كان على الحكومة أن تقر وتمرر ميزانيتي العامين الجاري والمقبل، حتى يوم 25 آب الماضي، إلا أنه بعد تشكيل الحكومة، بدأ نتنياهو في مناوراته الهادفة لحل الحكومة، على أن تجري الانتخابات في نهاية العام الجاري، وبذلك يستبق نتنياهو بدء محاكمته، في الاستماع لشهود الإثبات في الشهر الثاني من العام المقبل 2021.

إلا أن نتنياهو واجه ضغوطا من داخل حزبه، على ضوء استطلاعات الرأي التي تتنبأ، وحتى الآن، بخسارة الليكود ما بين 6 إلى 10 مقاعد، من أصل مقاعده الـ 36 الحالية، وهذا يعني أن نوابا لن يعودوا إلى مقاعدهم، وأن وزراء سيفقدون حقائبهم. وفي اليوم الأخير الذي سبق الموعد النهائي لحل الكنيست في نهاية آب، وافق الليكود على مشروع قانون جاء من الائتلاف الحاكم، لتمديد فترة إقرار الموازنة حتى 23 كانون الأول القريب، ورغم هذا التمديد فإن نتنياهو واصل استخدام الموازنة العامة ليتحكم بمصير حكومته، رغم ما يراه من خسائر لحزبه في استطلاعات الرأي، في حين أن التحالف الأقرب لليكود، "يمينا"، يضاعف قوته، لتتجاوز 20 مقعدا في الاستطلاعات، بدلا من 6 مقاعد حاليا.

وقانون تمديد موعد إقرار الميزانية، مطروح على جدول أعمال المحكمة العليا، التي طلبت من الحكومة تقديم ردها على الالتماسات ضد قانون التمديد، حتى يوم 15 كانون الأول المقبل، وسط تلميحات انتقادية من رئيسة المحكمة لهذا القانون. ولكن تأخر المحكمة في النظر بالالتماسات التي قدمت لها غداة إقرار قانون التمديد في الكنيست، وموعد رد الحكومة للمحكمة، يؤكد مجددا على نهج المحكمة في المرحلة الأخيرة، بالابتعاد قدر الإمكان عن المواجهة الصدامية مع الحكومة. فأي قرار سيصدر عن المحكمة، سيكون قد تلاقى مع الموعد الأخير للتمديد أو حتى تجاوزه، ما يعني أن قرار المحكمة سيكون من حيث المبدأ، ولن يكون له مفعول إبطال.

نتنياهو بين المحكمة والجائحة

كما يبدو، راهن نتنياهو في الأسابيع الأخيرة على احتمال أن تقرر المحكمة تأجيل بدء الاستماع لشهود الاثبات، بعدة أسابيع أو حتى بضعة شهور، بعد أن تقدم للمحكمة باعتراض على أداء النيابة، بزعم أن طاقم المحامين لم يطلع على كامل الأدلة التي لدى النيابة. وقد قبلت المحكمة ادعائه، ولكنها قررت تأجيل بدء الاستماع لشهود الاثبات إلى الأسبوع الأول من شهر شباط، بمعنى تأجيله لثلاثة أسابيع. وهذا موعد من المفترض أن يكون محرجا لنتنياهو، لأنه في حال جرت الانتخابات في شهر آذار، فإن جُل أيام الحملة الانتخابية سيمضيها في قاعة المحكمة، وهناك شك في أن ينجح في تأجيل المحاكمة، بذريعة الانشغال بالمحاكمة.

صحيح أن نتنياهو خاض ثلاث جولات انتخابات برلمانية في ظل التحقيقات، ولاحقا بعد توجيه الاتهام رسميا له في ثلاث قضايا فساد، إحداها تلقى فيها الرشاوى، وأنه لم يتضرر بقوته الانتخابية؛ إلا أن الوضع الآن قد يبدو مختلفا، إذ أن الجلوس على مقعد الاتهام، يخلق انطباعا ليس مريحا لدى قسم من الجمهور، ولكن الأخطر من ناحية نتنياهو، هو أنه في جلسات الاستماع لشهود الإثبات ستتكشف أمور، من بينها ما سيكون على لسان من كان من أقرب المقربين له، مدير مكتبه، وتحوّل إلى شاهد ملك.

أيضا انتخابات في آذار القريب، ستكون في أجواء جائحة كورونا، وتحت وطأة الأزمتين الصحية والاقتصادية، وهناك شك في أن تكون إسرائيل قد حصلت حتى ذلك التاريخ على الكمية الكافية من التطعيم، حتى تفتح آفاقا وأملاً بالخروج من الأزمتين.

محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرتر، كتب في مقال أخير له أن نتنياهو كان يفضل إجراء الانتخابات في نهاية شهر حزيران، فحتى ذلك الحين يكون قسم كبير من الجمهور قد تلقى التطعيم، وذلك التاريخ يكون بعيدا بخمسة أشهر عن اليوم الذي كان من المفترض أن ينهي فيه نتنياهو منصبه، لينقله لشريكه بيني غانتس، في إطار اتفاقية التناوب، التي بات حولها إجماع على أنها لن تتم.

الانتخابات جيدة لتحالف وحيد

إذا نظرنا إلى معدل استطلاعات الرأي العام الصادرة في الأسابيع الأخيرة، وحتى الأسبوع الماضي، فإن كل الكتل البرلمانية الحالية ستتعرض لخسارة مقاعد أو أنها ستراوح مكانها مع تقدم طفيف، باستثناء تحالف "يمينا" الذي يضم رسميا ثلاثة أحزاب، كلها ترتكز على التيار الديني الصهيوني، وأيضا على قاعدة المستوطنات، ويتزعم التحالف الوزير السابق النائب حاليا، نفتالي بينيت، الذي تمنحه الاستطلاعات مضاعفة مقاعده بثلاث وحتى أربع مرات.

ونرى الليكود سيهبط في تمثيله من 36 اليوم، إلى ما بين 31 وحتى 27 مقعدا، وكتلة "أزرق أبيض" من 15 مقعدا اليوم، إلى ما بين 10 وحتى 8 مقاعد. وستحافظ كتلتا اليهود الحريديم شاس (9) ويهدوت هتوراة (7) تقريبا على قوتيهما.
وفي أحزاب المعارضة البرلمانية، فإن تحالف "يوجد مستقبل- تلم" سيرتفع من 16 مقعدا اليوم، إلى ما بين 17 وحتى 19 مقعدا. وحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، إما سيحافظ على مقاعده الـ 7، أو أنه سيرتفع بمقعد واحد أو اثنين. وحزب ميرتس، الذي يتمثل الآن بـ 3 مقاعد، سيحصل على ما بين 5 إلى 7 مقاعد، تقريبا بعدد المقاعد التي حصل عليها في تحالفه مع حزب العمل في الانتخابات الأخيرة، في حين أن العمل الذي يتمثل بـ 3 مقاعد، سيختفي عن الساحة، إذا لم يرتبط بتحالف انتخابي.

أما القائمة المشتركة، فإن استطلاعات الرأي تتنبأ بخسارتها ما بين مقعدين وحتى 4 مقاعد، من أصل المقاعد الـ 15 التي لها اليوم، على ضوء الأزمة الداخلية، وبوادر انشقاق القائمة العربية الموحدة (الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية) التي يرأسها عضو الكنيست منصور عباس، الذي يكشف تباعا عن مدى استعداده للتعاون مع حزب الليكود وبنيامين نتنياهو، مقابل تحقيق مطالب مدنية للجماهير العربية في إسرائيل.

كما ورد سابقا، من السابق لأوانه حسم النتيجة من خلال استطلاعات الرأي، ففي بعضها نتائج عليها علامة سؤال كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالقوة المجتمعة لليكود وتحالف "يمينا"، فهاتان القائمتان، القوتان الأكبر في اليمين الاستيطاني، حصلتا في آخر 5 انتخابات، بمعنى منذ العام 2013 وحتى آذار 2020، على ما بين 38 مقعدا وحتى 42 مقعدا، كأقصى حد، فيما جمهورهما يشارك في التصويت بأعلى نسبة. أما الآن فتتحدث استطلاعات الرأي عن قوة مجتمعة تتراوح ما بين 48 مقعدا، وحتى 53 مقعدا، وهي زيادة ليس مفهوما مصدرها.

بطبيعة الحال، فإن مشهد التحالفات الأخيرة التي ستخوض الانتخابات سيكون له تأثير على النتيجة النهائية. ورغم كل ما سبق، فإن الاستطلاعات تُظهر توجها واضحا، وهو أن الحلفاء المباشرين لليكود، بمعنى تحالف "يمينا" وكتلتي اليهود الحريديم، ستكون لهم أغلبية مطلقة، دون حاجة لحزب "إسرائيل بيتنا".

ورغم هذه الأغلبية، التي نظريا ستفيد الليكود ورئيسه نتنياهو، إلا أن التجارب السياسية منذ وصول نفتالي بينيت إلى البرلمان في العام 2013، وقبله التعامل مع ممثلي التيار الديني الصهيوني الذي يتطرف دينيا عدا تطرفه السياسي الأساس، تشير إلى أن هذا لا يضمن استقرارا سياسيا لنتنياهو، بل سيكون أمام مماحكات صعبة في حكومة تضمهم، خاصة إذا كانت هناك رياح تغيير ما مع دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض.

إن كل يوم من الآن وحتى 23 كانون الأول المقبل، قد يكون مقررا بشأن موعد الانتخابات، التي يبدو أنها ستجري في بحر العام القادم، ويبقى السؤال: متى؟

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات