المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1613

أكد تقرير جديد صادر عن "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" الأسبوع الفائت أن سكّان القدس الشرقيّة يعيشون منذ نحو خمسة عقود تحت وطأة واقع متواصل بالغ الشذوذ والاستثنائيّة، فكل بُعد في حياتهم متأثر بكونهم سكانًا لا مواطنين، يعيشون في منطقة محتلة ضُمّت إلى دولة هم في صراع متواصل معها. وهذا الواقع الشاذّ، الذي يصعب على الرائي من الخارج إدراكه، يُبقي الفلسطينيّين في القدس بلا حول ولا قوّة، ومُعرّضين لانتهاكات جسيمة ومتواصلة.


وأضاف التقرير أنه لا يمكن حلّ هذه الوضعيّة الشاذة حلاًّ كاملاً إلاّ بواسطة تسوية سياسيّة متفق عليها. وإلى حين بلوغ هذا اليوم، وما دامت إسرائيل تواصل التمسّك بموقفها القائل "إنّ القدس الشرقيّة هي جزء من منطقتها السياديّة"، يجب على كلّ السلطات الإسرائيليّة تحمّل كامل المسؤوليّة وإتباع سياسة تحافظ على حقوق الإنسان الخاصّة بسكّان القدس الشرقيّة.


وبغية التعويض على عقود من الإهمال وتوفير بنى تحتيّة وخدمات لائقة لصالح السكّان، يجب على بلديّة القدس استثمار ميزانيّات ضخمة في القدس الشرقيّة، ودفع عمليّة تخطيط تهتمّ باحتياجات السكّان كأفراد وكمجتمع، وإشراك الجمهور الفلسطينيّ في هذه الإجراءات.
وجاء في التقرير: إنّ بلديّة القدس، وعلى رأسها نير بركات، تعلن في السنوات الأخيرة أنّها وضعت نصب عينيْها تقليص الهوّات القائمة في القدس الشرقيّة على مرّ عقود عديدة. وبالفعل، جرى في السنوات الأخيرة تخصيص ميزانيّات جديدة لصالح السكّان الفلسطينيّين في مجالات شتّى، منها التربية والتعليم والخدمات المجتمعيّة والشوارع والمواصلات. ومع ذلك، يشير وضع الأحياء الفلسطينيّة، وخصوصًا الأحياء الواقعة وراء الجدار، إلى أنّها لم تتلقَّ بعد الميزانيّات والجهود المطلوبة. ومن خلال التحليل الميزانيّاتيّ الذي أجرته جمعيّة عير عاميم، فإنّ نسبة ما استثمرته البلديّة بمختلف أقسامها في القدس الشرقيّة، تراوحت بين 10-13% من مجمل ميزانيّة العام 2013.


وفي العام 2015 زيدت 770 مليون شيكل على الميزانيّة البلديّة، وأعلن رئيس البلدية بركات أنّ كلّ شخص من سكان القدس سيشعر بالضرورة بارتفاع ملحوظ في جودة الحياة. وفي ضوء الهوّات السحيقة القائمة في جودة الحياة بين الأحياء الفلسطينيّة والأحياء الإسرائيليّة، وفي ظلّ حجم الفقر الصارخ لدى السكّان الفلسطينيّين، ثمة واجب تتحمّله البلديّة والحكومة على حدّ سواء، بتخصيص ميزانيّات أكبر بكثير ممّا فعلت في السابق لصالح القدس الشرقيّة.


ولأوّل مرة في تاريخها، صادقت الحكومة الإسرائيليّة في حزيران 2014 على خطّة خماسيّة مخصّصة للقدس الشرقيّة، ضمن ميزانيّة تصل إلى نحو 300 مليون شيكل. وورد في النص التوضيحيّ للخطة أنّها تهدف لمواجهة الوضع الأمنيّ في القدس ودفع التطوير الاقتصاديّ- الاجتماعيّ قدمًا في الأحياء الفلسطينيّة، انطلاقًا من المعتقد القائل بوجود "علاقة وثيقة بين نطاق ومستوى العنف لدى سكان من القدس الشرقيّة، وبين مستوى الحياة في أحياء شرقيّ المدينة".


وفي ضوء ذلك، تقرّر أن يُستثمر ثلث الميزانيّة -5ر94 مليون شيكل- في الأمن، وأن يُستثمر ثلثاها -200 مليون شيكل- في البنى التحتيّة والتربية والرفاه والتشغيل.


صحيح أنّ استثمار 200 مليون شيكل بعيد كلّ البعد عن التغلب على النواقص الهائلة الموجودة، إلاّ أنّه لا خلاف على أنّنا نتحدّث هنا عن أكبر مبلغ التزمت الحكومة الإسرائيليّة باستثماره في القدس الشرقيّة، في غضون فترة من عدّة سنوات.
ويمكن لزيادة الميزانيّات الموعودة أن تؤدّي إلى حدوث تحسينات هامّة إذا اُستثمرت كما يجب- أي في الاحتياجات الحقيقيّة والحارقة. لكن، وحتى أثناء تصديق الخطة، فإننا لاحظنا أنّ بعض البنود لم تبلوَر وفقًا للاحتياجات الفعليّة، بل من أجل تلبية المصالح الإسرائيليّة الكامنة في تعزيز السيادة في القدس الشرقيّة.


ففي مجال التربية، مثلاً، سيُخصّص 38% من 47 مليونًا لصالح زيادة عدد الحاصلين على شهادة البجروت (التوجيهي الإسرائيليّ)، في حين أنّ نسبة منخفضة جدًا من طلاب الثانويّات الفلسطينيّة في القدس الشرقيّة يتقّدمون لامتحانات البجروت الإسرائيليّة.
إلى جانب ذلك، ووفقًا للخطة الخماسيّة، سيجري استثمار 3 ملايين شيكل لغرض تعزيز تدريس اللغة العبريّة في المدارس. وعلى سبيل المقارنة، سيجري استثمار 4ر5 مليون شيكل في مخططات منع التسرّب، رغم أنّ ثمة حاجة لـ 15 مليون شيكل من أجل مواجهة نطاق التسرب الاستثنائيّ في القدس الشرقيّة، وذلك وفق حسابات أجرتها مديريّة التربية في البلديّة.


إلى جانب التحسين المَرجو في مجالات البنى التحتيّة والخدمات، ثمة حاجة مُلحّة لإجراء تغيير جذريّ في مسلكيّات الشرطة وقوات الأمن في القدس الشرقيّة. هذه حاجة مُلحّة جدًا وطارئة، إذ أنّ العنف الشرطيّ واستخدام الوسائل المتاحة بشكل غير ملائم، يشكّلان خطرًا على حياة السكان وعلى سلامة أجسادهم، ناهيك بأنّ خطورة إسقاطات ذلك على القاصرين وعلى المجموعات الهشّة الأخرى هي مضاعفة.


من صلاحيات ومهام الشرطة الحفاظ على النظام والأمن، وهي تملك وسائل قوة يمكنها ممارستها ضدّ المُخلّين بالنظام والقانون. ومن واجب كلّ شرطيّ أن يحرص على عدم استخدام الوسائل المتاحة له بشكل يزيد عن الحاجة من أجل تحقيق الهدف الكامن في الحفاظ على النظام العام، وألاّ يشذّوا عن قواعد وأحكام الحذر اللازمة للحؤول دون تشكيل الأخطار الزائدة.


يجب على شرطة إسرائيل تبيّن الطريق من أجل تقليص دائرة المتضرّرين بدلاً من توسيعها، والسماح بمواصلة روتين الحياة.
إنّ تطبيق تغييرات حقيقيّة وإخراجها إلى حيّز التنفيذ يستوجبان تغييرَ توجّه جذريًّا لدى السلطات الإسرائيليّة. ويجب على هذه السلطات أن ترى في السكّان الفلسطينيّين بالقدس أشخاصًا يجب الحفاظ على كرامتهم كبشر، والدفاع عن حياتهم، ودفع حقوق الإنسان الخاصّة بهم، حتى إذا كان الصراع الدمويّ ما يزال دائرًا في شوارع القدس.


إقامة مشروطة

وورد في التقرير تحت العنوان أعلاه: يعيش في القدس 2ر300 ألف شخص فلسطينيّ، يشكّلون 8ر36% من مجمل سكّان المدينة. الغالبيّة الساحقة من سكان القدس الفلسطينيّين ليسوا مواطنين إسرائيليين بل هم مقيمون دائمون. وفي العام 2014 سحبت وزارة الداخليّة الإقامة من 107 فلسطينيّين من القدس، من بينهم 56 امرأة و12 قاصرًا. ومنذ العام 1967 سُحبت الإقامة من 14416 فلسطينيًّا مقدسيًّا. تتجسّد إسقاطات هذا الأمر على أرض الواقع بمنعهم من السكن مُجدّدًا في مسقط رأسهم.
وأضاف: في حزيران 1967 اتّخذت الحكومة الإسرائيليّة قرارًا بضمّ مناطق في القدس ومحيطها احتلّتها في حرب 1967، وذلك بواسطة فرض سريان القانون الإسرائيليّ على هذه المنطقة وسكّانها. وجرت عمليّة الضمّ خلافًا للقانون الدوليّ، الذي يحظر سياسة ضمّ مناطق اُحتلّت أثناء الحرب، من طرف واحد. ولذلك، فإنّ المجتمع الدوليّ لا يعترف بضمّ إسرائيل للقدس الشرقيّة ويعتبرها منطقة محتلة.


وفي أعقاب الضمّ، حصل الفلسطينيّون في القدس على مكانة مقيمين دائمين في إسرائيل. ونتيجة لهذه المكانة، فإنّهم لا يستطيعون الترشّح للكنيست أو التصويت لها. ويحقّ لهم الترشّح والانتخاب لبلديّة القدس، ولكنهّم يقومون بشكل مثابر بمقاطعة انتخابات المجلس البلديّ، كونهم لا يعترفون بشرعية ضمّ المدينة الشرقيّة.


منذ 48 عامًا، والسياسة الإسرائيليّة المتعلقة بالقدس الشرقيّة، على المستوييْن البلديّ والقطريّ، تُتّخذ من دون تمتّع السكان الفلسطينيّين بالقوة السياسيّة التي بوسعها التأثير على القرارات المركزيّة التي تبلور وتقرّر أنماط حياتهم. وبذا، تتجسّد المحصّلة في سياسة مُضرّة تمارَس ضدّ السكّان، وبالانتهاك الكبير والمتواصل لحقوقهم الأساسيّة.
خلافًا لمكانة المواطنة، فإنّ مكانة الإقامة الدائمة ليست دائمة. فالفلسطينيّون يطالبون، مرة تلو الأخرى، بأن يثبتوا لموظّفي وزارة الداخليّة عدم تركهم للقدس لفترات متواصلة، وبأنّ مركز حياتهم يكمن في إسرائيل، وكلّ ذلك بغية منع سحب مكانتهم والمسّ بحقوقهم المختلفة التي تنبثق من هذه المكانة.


ويؤدّي سحب مكانة الإقامة إلى منع السكان من إمكانيّة السكن مجدّدًا في مسقط رأسهم. في العام 2014 جرى سحب إقامة 107 فلسطينيّين من القدس، وفي العام 2013 سُحبت إقامة 106 فلسطينيّين.
إلى جانب السكّان المقيمين الدائمين، يقطن في القدس أيضًا فلسطينيّون من سكان الأراضي المحتلّة تزوّجوا بسكّان القدس، ومعهم أولاد وأطفال أحد والديْهم من سكان الأراضي المحتلّة. ومنذ أكثر من عقد تواجه هذه العائلات مصاعبَ وضائقاتٍ مركّبةً تنبثق عن عدم تسوية مكانتهم، نتيجة للتعديلات التي أدخلت على قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل العام 2003 وما تلاه. وقد سعت هذه التعديلات لتجميد عمليّات لمّ الشمل لعائلات في إسرائيل مع سكان الأراضي المحتلّة، والحؤول دون منح مكانة إقامة أو مواطنة لسكّان الأراضي المحتلّة، الأمر الذي يُلحق انتهاكًا جسيمًا بسلسلة من الحقوق الأساسيّة.

تخطيط مُسيء وإخلاء قسريّ   

وقال التقرير إنه إلى جانب الفشل في دفع التخطيط الملائم للأحياء الفلسطينيّة والتطوير الملائم للقدس الشرقيّة، تقوم السلطات بدفع وتطوير عدّة مشاريع جديدة في الأحياء الفلسطينيّة لا تهدف بتاتًا لتحسين رفاهية السكان الفلسطينيّين. والأخطر من ذلك أنّ هذه المشاريع تمسّ أحيانًا بالسكّان الفلسطينيّين مسًّا جسيمًا.


فعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة المواصلات العام 2012 عن خطّة خماسيّة لتطوير البنى التحتيّة للمواصلات في القدس الشرقيّة، بتكلفة تزيد عن نصف مليار شيكل.
وشدّد وزير البنى التحتيّة على أنّ هذه الخطّة ستؤدّي إلى تحسّن كبير في جودة حياة سكانّ الأحياء في القدس الشرقيّة. إلاّ أن تطوير الشوارع والطرق في بيت صفافا جرى خلافًا لمصلحة السكان، وأدّى بالذات إلى تدهور في جودة حياتهم.
وفي مطلع العام 2015 جرى فتح المقطع الجنوبيّ من شارع بيجن الدائريّ (شارع 4) أمام حركة السير. وبرغم أنّ عدم مرور شارع سريع في داخل منطقة سكنيّة من الأمور المتعارف عليها، وفي حال لم يكن مفرّ من ذلك فيجب أن يمرّ عند طرفها، إلاّ أنه تقرّر في هذه الحالة مدّ الشارع السريع ذي المسارات الستة وأكثر في منطقة مأهولة في قلب بيت صفافا.


ويقطع الشارع أوصال بيت صفافا ويمر بمحاذاة بيوتها، يدمر ويسد شوارع داخلية، ويؤدي إلى تلوث بيئي وضوضائي. ويفتقر السكان لربط مباشر مع الشارع الجديد الذي شُقّ في داخل القرية، وعليهم أن يخرجوا من بيت صفافا في حال رغبوا باستخدامه. وقد فشلت جهود السكان في محاولة تقديم اعتراضات والتماسات ضدّ مسار الشارع وعرض بدائل يمكن أن تقلّل من الضرر الناجم عن ذلك.


وثمة مثال آخر من العام الأخير نراه في مخطط إقامة موقع لدفن نفايات المنطقة (المخطط رقم 13900) بجوار أحياء رأس خميس ورأس شحادة وضاحية السلام شمال شرقي القدس، ما وراء جدار الفصل. ويدور الحديث عن أحياء لم تحظَ بخارطة هيكليّة أيًّا كانت منذ العام 1967 وحتى اليوم. ونتيجة لذلك، فمن غير الممكن تقريبًا استصدار رخصة بناء فيها، وثمة نقص كبير جدًا في المباني العامّة من كل نوع، وشبكة الشوارع فيها متضعضعة وليست هناك ارتباطات منظمة بالمياه والمجاري، وغيرها. وقد تفاقم تجاهل السلطات لسكان المنطقة في العقد الأخير، منذ تشييد جدار الفصل.


وبدلاً من دفع تخطيط هذه الأحياء من أجل رفاهية السكان فيها، تقوم السلطات الآن بدفع وتطوير مخطط هائل لإقامة موقع دفن للنفايات لخدمة المنطقة بجوار الأحياء، على مساحة نحو 520 دونمًا. ووفقًا لتعليمات المخطط، فإنّ دفن فائض التراب في الموقع سيجري كلّ يوم من السادسة صباحًا وحتى العاشرة مساءً، ولمدّة نحو 20 عامًا. ومن المتوقع أن تسير على طريق الوصول إلى مدفن النفايات نحو 168 شاحنة يوميًّا، وفي حالات معيّنة على بعد 0-5 أمتار عن المباني السكنيّة والتجاريّة. والضرر البيئيّ المتوقع سيضر أيضاً بسكان بلدة العيسوية المجاورة.
في كانون الأول 2014 ناقشت لجنة فرعيّة تابعة للجنة اللوائية للتخطيط والبناء في القدس الاعتراضات التي قُدّمت على المخطط. وحتى أيّار 2015 لم يصدر قرار بهذا الشأن.


ومن الصّعب التصديق أنّ مشروعًا كهذا، أسوة بمخطط إطالة شارع 4 في قلب حيّ بيت صفافا، كان سيخرج إلى حيّز التنفيذ في الأحياء الإسرائيليّة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات