المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 987
  • سليم سلامة

للشهر الثاني على التوالي، تشير نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" إلى ارتفاع ملحوظ في مستوى التفاؤل لدى الجمهور الإسرائيلي تجاه مستقبل الأمن ومستقبل الديمقراطية في إسرائيل. وبالإمكان ملاحظة ما يمكن وصفه باتحاد هذين المتغيرين، تحديداً، وهو ما يجسد ظاهرة معروفة من أماكن أخرى في العالم أيضاً في أوقات الحروب، ثمة من يسميها ظاهرة "الالتفاف حول العَلَم"، تسمح للدولة المعنية بعرض ما تعتبره نجاحات وإنجازات في ساحة القتال، في مقابل عدد قليل، نسبياً، من الضحايا في صفوف جنودها. ويصح هذا الكلام، بصورة خاصة، عن الفترة التي أجري فيها استطلاعا الشهرين الأخيرين؛ أي، قبل أن يبدأ الجيش الإسرائيلي بدفع أثمان يومية بأرواح جنوده وضباطه الذين يسقطون في معارك قطاع غزة، وخاصة خلال الأسبوعين الأخيرين اللذين أعقبا إجراء الاستطلاع الأخير، في الفترة الواقعة بين 27 و30 من تشرين الثاني الأخير ونشرت نتائجه يوم 5 كانون الأول الجاري. 

"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هو الاستطلاع الذي يجريه "مركز فيطربي" (في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية") للرأي العام والسياسات في إسرائيل مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد شمل استطلاع المؤشر للشهر الأخير عينة من المستطلَعين قوامها 751 شخصاً من الذكور والإناث (600 منهم من اليهود و151 من العرب، في سن 18 عاماً وما فوق). وقد تناول هذا الاستطلاع، الأخير، مجموعة من القضايا والأسئلة المتداولة في الإعلام والمطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلي، وأبرزها: مدى تأييد/ معارضة الاستجابة للحديث الأميركي حول ضرورة إيجاد حل للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يقوم أساساً على مبدأ الدولتين للشعبين؛ مدى تراصّ المجتمع الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب على قطاع غزة وتلاشي ظاهرة "الالتفاف حول العلم"؛ هل ستنطلق في إسرائيل، بعد انتهاء الحرب، حملات احتجاجية تطالب بمعاقبة وعزل كل المتورطين في ما أدى إلى يوم "السبت الأسود"، سواء من المستوى السياسي أو من المستوى العسكري ـ الأمني، وهل ستكون هذه بمثابة استكمال لحملة الاحتجاجات التي سبقت يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر واستمرت بضعة أشهر في محاولة لإحباط مشروع "الانقلاب القضائي" أو "الانقلاب على الحكم" الذي ينطوي عليه "برنامج الإصلاح القضائي" الذي بدأ الائتلاف الحكومي بتنفيذه؛ مدى التفاؤل/ التشاؤم حيال مستقبل الديمقراطية والأمن الإسرائيليين وغيرها من الأسئلة والقضايا.

في مفاعيل الحرب الدائرة في قطاع غزة وما سبقها من هجوم مباغت شنته المقاومة الفلسطينية في داخل الأراضي الإسرائيلية، برز على الساحة الدولية تحركان متعارضان، متوازيان. في الجهة الأولى، برز التجند الأميركي المطلق إلى جانب إسرائيل و"حنفيات الدعم" التي فتحها الرئيس جو بايدن وإدارته، سياسياً ومادياً وعسكرياً؛ فيما برز، في الجهة المقابلة، تجند شعبي دولي غير مسبوق دعماً لسكان قطاع غزة وللشعب الفلسطيني عامة وقضيته الوطنية. وحيال هذا الوضع المستجد، عاد الحديث حول ضرورة التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ليفرض نفسه بكل قوة، لا سيما حل الدولتين الذي عاد ليحتل مركز السجال الدولي بعد سنوات بدا خلالها وكأنه أصبح في طي النسيان. وبناء على ذلك، وجه الاستطلاع إلى المشاركين فيه السؤال التالي: "يعود الرئيس الأميركي جو بايدن ويكرر في الأسابيع الأخيرة أن المعونات الأميركية السخية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل مشروطة بالتقدم نحو حل جذري للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في إطار معادلة دولتين للشعبين. برأيك، هل يجب على إسرائيل أن توافق على السير والتقدم في هذا المسار، بعد انتهاء الحرب؟".

في الرد على هذا السؤال أعرب 47.3% من مجمل المشاركين في الاستطلاع عن معارضتهم (26%ـ كلا، بالتأكيد؛ 21%- كلا) لأن توافق إسرائيل على التقدم في هذا الاتجاه، بينما قال 38.8% إنهم يؤيدون ذلك (16.52% ـ نعم، بالتأكيد؛ 22.3% ـ نعم). وبينما شكل معارضو هذا الحل أغلبية واضحة من بين المشاركين اليهود ـ 51.6% (30.3% ـ كلا، بالتأكيد؛ 21.3% ـ كلا) والمؤيدون أقلية ـ 35.5% (12.2% ـ نعم، بالتأكيد، 23و3%ـ نعم)، كانت النتائج، بشكل طبيعي، عكسية تماماً بين المشاركين العرب الذين شكل المؤيدون من بينهم أغلبية كبيرة (تفوق نسبة المعارضين بين اليهود) ـ 54.6% (36.8% ـ نعم بالتأكيد، 17.8%ـ نعم) فيما شكل المعارضون أقلية واضحة ـ 27% (19.5% ـ كلا، بالتأكيد، 7.5% ـ كلا).

في فحص النتائج بين الجمهور اليهودي بحسب الانتماء السياسي ـ الحزبي، تبين أنه بين مصوتي "اليسار" فقط هنالك أغلبية كبيرة (75%) مؤيدة لتقدم إسرائيل في مسار يقود إلى حل الدولتين مقابل الدعم الأميركي، بينما المؤيدون من بين المصوتين لأحزاب "الوسط" هم أقل من النصف (45%) مقابل أقلية صغيرة من بين المصوتين لأحزاب اليمين (21%).

تشاؤم حيال مستقبل إسرائيل الأمني

في السؤال حول الشعور تجاه وضع إسرائيل الأمني في المستقبل المنظور، على خلفية التطورات خلال الشهرين الأخيرين تحديداً، تبين أن التشاؤم هو الشعور الغالب بين جميع المجموعات السكانية. فقد عبرت نسبة كبيرة من مجمل المشاركين عن الشعور بالتشاؤم ـ 45.5% (15.5% ـ متشائمون جداً؛ 31% ـ متشائمون)، وكذلك نسبة مماثلة من المشاركين اليهود ـ 42.4% (31.1% ـ متشائمون جداً؛ 11.3% ـ متشائمون)، بينما كانت نسبة المتشائمين بين المشاركين العرب في الاستطلاع مرتفعة جداً ـ 66.1% (35.5%ـ متشائمون جداً؛ 30.6% ـ متشائمون). أما المتفائلون بشأن الوضع الأمني في إسرائيل في المستقبل المنظور فهم، وفقاً لنتائج الاستطلاع: 46.5% من مجمل المشاركين (8.3% ـ متفائلون جداً؛ 38.2% ـ متفائلون) و49.5% من المشاركين اليهود (8.5% ـ متفائلون جداً؛ 41%ـ متفائلون) بينما يشكل المتفائلون من بين المشاركين العرب أقلية ـ 32.4% (7% ـ متفائلون جداً و25.4% ـ متفائلون).

وفي السؤال حول الشعور تجاه وضع النظام الديمقراطي في إسرائيل خلال المستقبل المنظور، بينت النتائج أن ثمة "تعادلاً"، تقريباً، بين المتفائلين والمتشائمين من بين الجمهور الإسرائيلي عامة والجمهور اليهودي خاصة، بينما تفوق نسبة المتشائمين بين الجمهور العربي نسبة المتفائلين بكثير: من بين جميع المشاركين في الاستطلاع ـ 44.1% متشائمون (15.3% متشائمون جداً؛ 28.8% متشائمون) و45.7% متفائلون (33.6% متفائلون؛ 12.1% متفائلون جداً). وبين المشاركين اليهود: 40.3% متشائمون (11.6% متشائمون جداً؛ 28.7% متشائمون) و45.6% متفائلون (13.1% متفائلون جداً؛ 35.5% متفائلون)، بينما بين المشاركين العرب في الاستطلاع: 62.3% متشائمون (32.8% متشائمون جداً؛ 29.5 متشائمون) مقابل 31.6% متفائلون (24.3% متفائلون؛ 7.3% متفائلون جداً).

 في السياق نفسه، سئل المشاركون في الاستطلاع حول تواجد قوات الشرطة المكثف جداً في البلدات العربية منذ بدء الحرب على قطاع غزة ومدى تأثير هذا التواجد في التراجع الواضح جداً الذي حصل في عدد جرائم القتل ضمن حروب عصابات الجريمة المنظمة في المجتمع العربي. والمثير للانتباه في نتائج الاستطلاع هنا أن أغلبية ساحقة من المشاركين العرب نفت أن تكون ثمة علاقة بين الأمرين ـ 62.7% (30.4% ـ لا تأثير، إطلاقاً؛ 31.3% ـ ثمة تأثير ضئيل جداً)، بينما قال 31% منهم إن ثمة تأثيراً للتواجد المكثف لقوات الشرطة في خفض عدد جرائم القتل (13.4% ـ تأثير بدرجة كبيرة جداً؛ 17.6% ـ ثمة تأثير بدرجة كبيرة). وإذا ما احتسبنا النتائج بطريقة أخرى، نجد أن نحو 64% من المشاركين العرب يرون أن لتواجد الشرطة المكثف في البلدات العربية تأثيراً ويؤدي إلى خفض جرائم القتل في المجتمع العربي. كذلك أيضاً بين المشاركين اليهود، عبرت أغلبية كبيرة عن الرأي نفسه بنسبة مساوية تماماً لتلك التي بين المشاركين العرب ـ 64% (41.7% ـ تأثير بدرجة كبيرة؛ 22.4% ـ ثمة تأثير بدرجة كبيرة جداً)، مقابل 21.4% من المشاركين اليهود قالوا إن التأثير كان معدوماً (3.9%) أو ضئيلاً جداً (17.5%).

في موازاة الوحدة التي يبديها الجمهور الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول الأخير في مواجهة "الأعداء الخارجيين"، يدور منذ الآن، بل من قبل حتى، حديث واسع حول ضرورة تنظيم وإطلاق حملة احتجاجية جماهيرية واسعة للمطالبة بمعاقبة جميع المسؤولين عن الإخفاق الإسرائيلي التاريخي في 7 تشرين الأول وعزلهم عن مناصبهم ثم محاكمتهم، سواء أكانوا من المسؤولين السياسيين أو العسكريين ـ الأمنيين.

وفي السؤال الذي وُجّه إلى المشاركين في الاستطلاع، طُلب منهم إبداء رأيهم فيما إذا كانت ستنطلق حملة احتجاجية كهذه فعلاً، أم أن كل الكلام الحالي سيذهب أدراج الرياح. ورداً على هذا السؤال، قال 71.7% من مجمل المشاركين إنهم واثقون من أن حملة كهذه ستنطلق بالفعل (38.3% ـ واثقون من ذلك؛ 33.4% ـ يعتقدون ذلك). وهو ما قاله أيضاً 73.3% من المشاركين اليهود (38.5%ـ واثقون من ذلك؛ 34.8% ـ يعتقدون ذلك) و 64.3% من المشاركين العرب (37.6% ـ واثقون من ذلك؛ 26.7% ـ يعتقدون ذلك).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات