مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، وقُبيل وبعد قمّة جدّة المنعقدة في السعودية، تناولت وسائل إعلامية عدّة الترتيبات الجديدة في العلاقة الإسرائيلية-السعودية وأُفق هذه العلاقة، بعد أن تحدّثت العديد من المصادر عن زيارات وعلاقات سريّة بينهما على مدار السنوات الماضية، ودون أن يكون هناك أي تصريح مُعلن لدى الطرفين. في هذه المساهمة، سنحاول تسليط الضوء على المستجدّات الأخيرة بخصوص قضية جزيرتي تيران وصنافير والموقف الإسرائيلي منها الذي تم تداوله خلال الأيام الماضية وأبعاد هذا الموقف في حال ثبتت صحّته.
في العام 2017 وافق البرلمان المصري والمحكمة العليا المصرية على نقل السيادة على الجزيرتين من مصر إلى المملكة العربية السعودية، ذلك بعد أن كانت المملكة قد قبلت بالسيادة المصرية عليها خلال خمسينيات القرن الماضي. وفي الفترة التي سبقت حرب حزيران 1967، قرر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية ما دفع إسرائيل والغرب إلى تضمين بند "حرية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر" عبر هاتين الجزيرتين في معاهدة السلام الموقّعة بين مصر وإسرائيل في أعقاب حرب 1973، وهي المعاهدة التي كان من أبرز مخرجاتها إخراج مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل وتوقيع معاهدة سلام معها، وحيث تضمّنت المعاهدة- من ضمن ما تضمّنته- إقراراً مصرياً بضرورة الحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة فتح البحر الأحمر وطريق الشحن الوحيد إلى إيلات ضمن معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية (1979). ومنذ ذلك الحين، تعمل قوات دولية متعدّدة الجنسيات على تسيير دوريات في الجزيرتين للحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر ومن خلال هذه المضائق نظراً لموقعها الاستراتيجي وتأثيرها.
في أعقاب القرار المصري بالموافقة على نقل السيادة المصرية على هاتين الجزيرتين إلى السعودية في العام 2017، وحتى قبل ذلك، كان هناك شبه إجماع لدى المحللين والمتابعين أن هذا القرار جاء في أعقاب موافقة إسرائيلية من حيث المبدأ (وإن لم تكُن موافقة مُعلنة) على نقل السيادة المصرية على هاتين الجزيرتين إلى السعودية. إن الترتيبات الأمنية الخاصة المُشار إليها تتمحور على ما يبدو حول قبول إسرائيل بتواجد القوات متعدّدة الجنسيات المقيمة في الجزيرتين في الأراضي المصرية، حيث أن السعودية، وبحسب التسريبات، لا ترغب في استمرار وجود هذه القوات بعد استعادة السيطرة على الجزر بشكل فعلي.
مؤخراً، سرعان ما عادت التسريبات حول هذه القضية مع وصول بايدن إلى السعودية في إطار جولته في المنطقة منذ أيام. فقد نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية قبل الزيارة بأيام أنه من المقرّر أن توافق إسرائيل خلال الفترة المقبلة على ترتيبات أمنية خاصّة ستسمح بالسيادة السعودية على الجزيرتين بعد نقلهما من مصر إليها. وبالفعل عادت المصادر نفسها لتُشير في أعقاب الزيارة إلى أن بايدن اتفق مع السعودية على صفقة تتضمّن مغادرة المراقبين الدوليين والقوات متعدّدة الجنسيات الجزيرتين اللتين ستتحولان بموجب الصفقة إلى مواقع سياحية وتجارية، مع الإعلان عن فتح المجال الجوي السعودي أمام الطائرات الإسرائيلية.
وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، فإن الترتيبات الجديدة تتضمّن الإبقاء على الترتيبات الأمنية القائمة مع إدخال تغييرات عليها (بموافقة إسرائيلية) تحفظ "حقّ إسرائيل في الملاحة" عبر هذه المضائق تحت بند "ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر"، وهو ما سيُسهم أيضاً في تحويل الجزيرتين إلى مناطق سياحية وتجارية، تستفيد منها السعودية في عملية التحديث الاقتصادي المنوي من خلالها تحويل المملكة إلى رائدة في مجالات التكنولوجيا والتصنيع خلال السنوات المقبلة. وبحسب المصادر الإسرائيلية أيضاً، فقد أعطت إسرائيل موافقتها على نقل المراقبين الدوليين من الجزيرتين إلى شرم الشيخ في مصر مقابل التزام سعودي تقبل بموجبه الالتزامات الواردة في المُلحق العسكري لمعاهدة السلام مع مصر، والتعهّد بالحفاظ على حرية الملاحة في تيران، ووافق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس على الخطوط العريضة الأمنية للاتفاقية قبل عام تقريباً.
من الناحية المُقابلة، لا يُمكن النظر لهذه الصفقة وهذه الترتيبات بمعزل عن التوجّه السعودي الجديد تحت مسمّى "رؤية 2030" الذي يشمل مشاريع عدّة للتطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ودفع التنمية في السعودية، حيث أن "مشروع البحر الأحمر" الذي يُشكّل ركيزة أساسية في هذه الرؤية يسعى لتحويل هذه المنطقة برمّتها بما في ذلك الجزر المُحيطة (28 ألف كيلومتر مربّع من الأراضي والبحيرات) إلى وجهة سياحية عالمية تشمل فنادق ووحدات سكنية ومرافق ومشاريع ترفيهية.
وعلى الصعيد التكنولوجي، يسود فهم على نطاق واسع، وإن كان يشوبه العديد من المغالطات، بأن مساعي تطوير القطاعات التكنولوجية في البلدان العربية تبدأ من البوابة الإسرائيلية وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهذا كلّه يحدث بموازاة تزايد المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى الدفع نحو تخلّي الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية.