المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1257
  • برهوم جرايسي

قالت التقارير الصادرة في مطلع هذا الأسبوع إن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى سلسلة إجراءات من شأنها أن تؤجل موجة الغلاء القريبة، المتوقعة بدءا من مطلع العام الجديد المقبل، 2019، إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، إذ أن موجة الغلاء هذه تأتي في الوقت الأكثر حرجا لحكومة بنيامين نتنياهو في عام الانتخابات.

والإجراءات التي يجري الحديث عنها هي تعويض مرحلي لأصحاب المخابز، للجم ارتفاع أسعار الخبر، وإجراءات للجم ارتفاع أسعار الكهرباء، ما سينعكس مباشرة على أسعار المياه، بمعنى ليست إجراءات جذرية من شأنها أن تمنع الغلاء كليا.

وتعصف بالشارع الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، الأنباء التي تصدر تباعا، وتعلن عن ارتفاعات في أسعار البضائع والخدمات الأساسية، بنسب لم يشهدها الشارع الإسرائيلي منذ سنوات، وبشكل خاص، منذ العام 2011، الذي شهد في صيفه حملة احتجاجات شعبية على كلفة المعيشة. والصخب أساسا يعود إلى أن الحديث عن موجة غلاء عامة، تبدأ من المياه والكهرباء، وكذلك من المنتوجات الغذائية الأساسية، مثل الخبز ومنتوجات الحليب وغيرها.

ويجري الحديث عن أن موجة الغلاء الكبرى ستبدأ في الأيام الأولى من العام المقبل 2019، مثل ارتفاع أسعار الكهرباء بنسب مختلفة تتراوح ما بين 5ر6% وحتى 8%. في حين سترتفع أسعار المياه بالمعدل بنحو 6%. وكان هذان الإعلانان المتلاحقان سببا مركزيا في الاحتجاجات التي بدأت تصدر أصواتا وليس أفعالا حتى مطلع الأسبوع الجاري، في حين تهدد أطر شعبية وحزبية بشن معركة احتجاجات شعبية ضد موجة الغلاء، التي توجه أصابع الاتهام بشأنها إلى الحكومة.

لكن الغلاء سيطال تقريبا كافة نواحي السوق، وبشكل خاص المواد الغذائية، التي تشهد منذ مطلع العام الجاري ارتفاعا زاحفا في الأسعار. فبعد ارتفاع أسعار منتوجات الحليب لدى الشركات الكبرى في منتصف هذا العام، بنسب تتراوح ما بين 5ر2% وحتى 5ر4%، فإن الحديث يدور الآن عن ارتفاع آخر، وبنسب مشابهة.

كذلك أعلنت شركة المواد الغذائية الإسرائيلية الأكبر "أوسم" عن عزمها رفع أسعار عدة منتوجات لديها بنسب مختلفة، لكنها في محيط 5ر4%. وتقول التقارير إن شركات صغيرة كثيرة تنتظر الشركات الاحتكارية لتقول كلمتها، بمعنى رفع الأسعار، لتتبعها بخطوة مماثلة، بمعنى أنه لم تعد هناك منافسة في الأسعار.

وتقول التقارير الصحافية الاقتصادية إنه في مطلع العام المقبل، بعد أيام، تكون ما لا يقل عن 10 شركات مواد غذائية، وهي الشركات الإسرائيلية الأكبر، منتجة أو مسوّقة، قد أعلنت عن رفع أسعار بضائعها.

ويدعي أصحاب الشركات الكبرى أن السبب في رفع الأسعار هو الحكومة، التي لم تتخذ إجراءات للجم كلفة الإنتاج والتسويق؛ ويدّعون أن نسبة الأرباح الصافية لشركات قطاع المواد الغذائية، تتراوح ما بين 7% إلى 8%، وهي نسب أرباح متدنية، حسب زعمهم، مقارنة مع معدلات الأرباح في العالم. كما يدّعون أن ارتفاع الأسعار في المواد الغذائية ناجم أيضا عن نسبة القيمة المضافة، 17%، وهي من أعلى النسب على المواد الغذائية في العالم.

وكما هو معروف فإن ضريبة القيمة المضافة موحّدة في إسرائيل، وتسري على كافة البضائع، باستثناء الخضراوات والفواكه المعفية من هذه الضريبة، في حين أن الكثير من دول العالم إما أنها تعفي المواد الغذائية من هذه الضريبة، أو أنها تفرضها بدرجة أقل. ويقول مسؤولون في الشركات الكبرى إن من بين مسببات ارتفاع كلفة الإنتاج ارتفاع الحد الأدنى من الأجر بنسبة 30% في غضون عامين.

كذلك يطرح أولئك المسؤولون القضية المزمنة، التي تثور بشكل خاص في كل مرّة تُطرح فيها مسألة أسعار المواد الغذائية، وهي كلفة ضمان "الحلال اليهودي"، التي تؤكد الكثير من الأبحاث، على مر السنين، أنها تقف وراء 20% من ارتفاع كلفة المواد الغذائية بشكل عام، وفي 30% في أسعار اللحوم بشكل خاص.

وهذه احدى القضايا الملتهبة، التي واجهتها كل الحكومات الإسرائيلية على مر السنين، لكن الحديث عنها بات أوسع في السنوات الأخيرة. وقد نجح المتدينون، وخاصة "الحريديم"، في إحباط سلسلة من الإجراءات الحكومية ومشاريع القوانين، التي سعت إلى خفض كلفة الحلال، وكسر احتكار المؤسسة الدينية المتشددة لشهادات الحلال.

الحكومة تسارع إلى إجراءات

كما ذكر، فإن الحكومة، وخاصة وزارتي المالية والاقتصاد، تسعى إلى إجراءات من شأنها أن تلجم بعض الأسعار المهددة بالارتفاع، وخاصة المياه والكهرباء. فهذا يُعد ملفا ملتهبا في وجه وزير المالية موشيه كحلون، زعيم حزب "كولانو (كلنا)"، ومعه وزير الاقتصاد من حزبه، إيلي كوهين، المسؤول المباشر عن الصناعة والتجارة، ومعهما أيضا وزير البناء والإسكان من ذات الحزب، يوآف غالانت. وهذا يعني أن المتضرر الأول في الحكومة من موجة الغلاء العامة، التي بضمنها استمرار ارتفاع أسعار البيوت، هو حزب "كولانو"، الذي قد يواجه سهاما في الانتخابات المقبلة تتهمه بالفشل الاقتصادي. لكن لا يمكن أن يكون بنيامين نتنياهو، الذي يقف على رأس الحكومة، وهو المسؤول الأول عن السياسة الاقتصادية، بعيدا عن هذه السهام، إذ أنه لطالما تفاخر على مدى السنين بسياسته الاقتصادية.

لكن الأنظار ستتجه في هذه المرحلة إلى مدى نجاح حملة الاحتجاجات الشعبية، في حال اندلعت، خاصة وأن استطلاعات الرأي العام ما تزال تمنح قوة أكبر لحزب الليكود والائتلاف الحاكم. كذلك فإن حملة احتجاجات كهذه ستتأثر لا محالة من المنافسة الحزبية التي احتدت أكثر في الأشهر الأخيرة أمام الأجواء الانتخابية التي باتت تطغى على المشهد السياسي.

كذلك فإن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، بين اليهود وحدهم، ومن دون "الحريديم"، تبقى بالمجمل أقرب إلى النسب القائمة في الدول الأوروبية المتطورة، ما يعني أن الغالبية الساحقة في هذا الجمهور تبقى ضمن الشرائح العليا من الطبقة الوسطى، ما قد يؤثر على زخم الاحتجاجات الشعبية في حال اندلاعها في هذه المرحلة.

وبحسب التحليلات الاقتصادية، التي انتشرت في الأيام الأخيرة، فإن الحديث عن رفع أسعار الكهرباء بما بين 5ر6% إلى 8%، هو من أبرز الأسباب التي ساهمت في الحديث عن رفع أسعار المياه بمعدل 6%، وأيضا رفع أسعار الخبز الأساسي بمعدل 4ر3%.

ومن بين الإجراءات التي تحدثت عنها مصادر الحكومة، عرض وزير الاقتصاد إيلي كوهين على أصحاب المخابز دفع تعويض بقيمة 18 مليون شيكل (8ر4 مليون دولار)، من أجل منع رفع أسعار الخبز الأساس. إلا أن أصحاب المخابز ليسوا متحمسين لهذا العرض، ويطالبون برفع القيود عن باقي أصناف الخبز، بشكل يضمن رفع أسعارها بنسب أعلى، ما يعوّض عن رفع أسعار الخبز الأساس الخاضع كليا للرقابة الحكومية.

وقالت مصادر في وزارة المالية إن وزيرها موشيه كحلون يبحث مع المسؤولين المختصين في وزارته بشأن تغيير تركيبة الحسابات التي تحدد أسعار الكهرباء، بشكل يلجم رفع الأسعار، وتكون بنسبة أقل. كذلك فإن كحلون يعتزم إصدار قرار يمدد فيه فترة تخفيضات جمركية على سلسلة من البضائع الكهربائية، إلى نهاية العام 2019، بكلفة إجمالية للخزينة العامة تصل إلى 5ر1 مليار شيكل، بما يعادل تقريبا 400 مليون دولار.

وتثير مسألة رفع أسعار الكهرباء غضبا بشكل خاص، فقد تم وعد الجمهور الإسرائيلي، بعد اكتشاف حقول الغاز الضخمة في البحر الأبيض المتوسط، التي سيطرت عليها إسرائيل، بخفض أسعار الكهرباء، في سعي لصد الاحتجاجات على منح الحكومة هذه الحقول لاحتكار حيتان مال كبار. إلا أنه يتضح أن الغاز الذي تشتريه شركة الكهرباء الإسرائيلية من هذه الحقول أعلى بأربعة أضعاف من سعره في العالم، وأعلى بذات القدر مما تبيعه شركات الغاز لدول أخرى، مثل الأردن ومصر ودول أوروبية.

غير أن مسؤولين في وزارة المالية يدّعون أن سعر الكهرباء للمستهلك تتداخل فيه عدة مركبات، وليس فقط سعر مواد الطاقة المنتجة للكهرباء، ولذا فإن الوزارة تسعى إلى "تحسين" التركيبة التي تحدد أسعار الكهرباء، بهدف لجم الارتفاع أو حتى إلغائه. وتعتقد أوساط حكومية أنه في حال تم لجم رفع أسعار الكهرباء وبالتالي المياه، فإن من شأن هذا لجم ارتفاع أسعار أخرى، وبضمنها المواد الغذائية الأساسية.

التضخم المالي يتراجع

وكانت مكتب الإحصاء المركزي قد أعلن في منتصف الشهر الجاري أن التضخم المالي سجل في شهر تشرين الثاني الماضي انخفاضا بنسبة 3ر0%، وهو ذات الانخفاض الذي تم تسجيله في ذات الشهر من العام الماضي 2017. وجاء التراجع انعكاسا لتراجع أسعار موسمية.

وبهذا يكون التضخم المالي منذ مطلع العام الجاري 2018، قد سجل ارتفاعا بنسبة 1ر1%، في حين سجل التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة ارتفاعا بنسبة 2ر1%. لكن هذه النسب تبقى في الحد الأدنى من الهدف، وهو 1% إلى 3%. وحسب التقديرات، فإن التضخم المالي في الشهر الأخير الحالي من هذا العام سيتراوح ما بين 0% إلى انخفاض طفيف، بفعل تراجع أسعار الوقود بنسبة 2ر7%، وتراجع أسعار موسمية، وبدء حملات التخفيضات في قطاع الملابس والأحذية الشتوية. وهذا يعني أن اجمالي التضخم في العام الجاري سينتهي قريبا من توقعات بنك إسرائيل، بأن يكون في محيط 8ر0%.

واللافت أن هذا العام، وخلافا للأعوام الأربعة التي سبقت، لم تشهد الأشهر الـ 11 السابقة سوى تراجع التضخم في شهرين فقط، في الشهر الأول والشهر الماضي، بينما الارتفاعات الشهرية كانت متفاوتة. وحسب التقديرات فإن إجمالي التضخم في الشهرين المتبقيين سيكون "سلبيا".

وكان بنك إسرائيل قد فاجأ، في نهاية الشهر الماضي، برفع الفائدة البنكية من 1ر0% إلى 25ر0%، وذلك لأول مرة منذ العام 2011، وبعد أن استمرت الفائدة المتدنية فترة 45 شهرا متواصلا. وبحسب التقديرات، فإن البنك أقدم على رفع الفائدة كخطوة استباقية لموجة الغلاء العامة، التي باتت على الأبواب، عدا عن الارتفاعات التي شهدتها السوق في الأشهر الأخيرة.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات