رام الله- نظم المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، يوم 22 حزيران 2022، ندوة إلكترونية حول كتاب "’مصيدة’ المكان.. دراسة نقدية لحقل الفنون التشكيلية في إسرائيل" للباحث والناقد الفني محمد جبالي، أدارها الباحث والكاتب أنطوان شلحت، وشملت تعقيباً على الكتاب للفنان خالد حوراني.
ووصف شلحت الكتاب الصادر عن مركز "مدار" حديثاً بـ"الريادي"، لكونه "يتناول حقل الفنون التشكيلية في إسرائيل، ليس من المنطلق التعريفي المجرّد، وليس فقط من المنطلق النقدي، إنّما يتناوله في علاقته الجدلية أولاً بالمشروع الصهيوني الاستعماري، وثانياً في علاقته الجدلية بالمكان". وأشار شلحت إلى أن من بين نقاط قوة هذا الكتاب وهي متعددة طرحه للكثير من الأسئلة، التي تحث على التفكير العربي النقدي في حقل الفنون التشكيلية في إسرائيل، مشيراً إلى تطرّق المؤلف تحديداً إلى ما يسمى بـ"الفن التشكيلي الاحتجاجي"، وهو أمر إذا ما توسع ليطال الثقافة الإسرائيلية بشكل عام فإنه بحاجة إلى نقاشات خاصة، وما إذا كان وصف "الاحتجاجي" ينطبق عليها، باعتبارها في جزء منها "تحتج" على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في العام 1967، إلا إنها لا تعود إلى جذور ما قبل ذلك بكثير، وهي أسئلة تم التطرق إليها بشكل ريادي في هذا الكتاب.
ولفت جبالي في مداخلته إلى أن كتابه "’مصيدة’ المكان" يهدف بالأساس إلى رسم خطوط عريضة في الكتابة عن الحقول الفنية الإسرائيلية، والعمل على تغييرها، خصوصاً لدى الكتاب والباحثين الفلسطينيين والعرب، بالاعتماد على منهجيات حديثة، بغية صياغة مفاهيم تمكننا من الربط بين أحداث وطرق أداء وأحاسيس ومفاهيم سياسية واجتماعية.
وأشار جبالي في حديثه المفصّل إلى أن الكتاب يوثّق لبعض الأعمال الفنية الإسرائيلية في الخمسة عشر عاماً الأخيرة، والتي هي مبنية على الفن الأدائي والإنشائي والأعمال التركيبية التي تتسع مساحتها مع الوقت في الفن التشكيلي والفنون البصرية عامة في إسرائيل، وهي أعمال مستوحاة من فعاليات فنية إسرائيلية تم تنظيمها على حدود البلدة القديمة في القدس، وبالقرب من المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، لا سيما وأن الكتاب يسلط الضوء في جزء منه على انشغال الفن الإسرائيلي ومحاولاته الانغماس في السؤال حول المعاني الدينية والسياسية للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وكذلك انغماسه في حالات أخرى بالعمل على تقديم الإسرائيلي بصورة الضحية ما بين "غيتو وارسو" و"الحاضر الإسرائيلي في تل أبيب والقدس"!
واستعرض جبالي محاور عدة في الكتاب كما الملحق الصوري له، مقدماً توضيحات وتساؤلات كثيرة حول "’مصيدة’ المكان" الذي يحاول تشكيل إطار يجيب على سؤال ذي شقيّن، أولهما حول ماهية الفن الإسرائيلي المعاصر، وكيفية كتابة تاريخ تشكيله، وثانيهما حول الآليات الجماليّة والحسيّة التي يقوم الحقل الفني الإسرائيلي بتطبيقها على المجتمع الإسرائيلي، وكيفية رسمه لليهود في العالم، وصورة إسرائيل فيه، وعلى أرض فلسطين ولدى شعبها، علاوة على تلك العلاقة الجدلية مع تكوين مفهوم "إسرائيل" ومفهوم "الشعب اليهودي" في العالم ككل من جهة، وعلاقتها بممارسة سلطة إسرائيل وسيطرة "الشعب اليهودي" على أرض فلسطين من جهة أخرى.
وقدّم الفنان خالد حوراني مداخلة حول الكتاب في الندوة، كشف فيها أن الكتاب كان بعنوان "معاناة مستعمر"، وهو عنوان لا يقل بلاغة عن عنوان "’مصيدة’ المكان"، مشيراً إلى أنه يأخذ المهتم بالشؤون الإسرائيلية والفنية إلى نقاط مفصلية في تاريخ الفن في الدولة المٌقامة على أنقاض شعب آخر، كمعرض "فقر المادة" المحوري في هذا التاريخ.
وبحسب حوراني، نجح الكتاب في ذلك عبر استعراض تاريخ الفن في إسرائيل، وإشكالياته المتعلقة بالزمان والمكان والصيرورة، فهو يقدّم جردة حساب لتاريخ الفن الإسرائيلي ومقدماته، من دون أن يغفل السياقات التي تقف وراء هذا العمل أو ذاك المعرض، ومن دون تقديم معادلات موضوعية توضيحية حول المُتناول في الكتاب، بالاعتماد على منهج التحليل بدون أحكام مسبقة.
وختم حوراني قائلاً: كفلسطيني وفنان، فهمت إسرائيل أكثر من هذه الدراسة، ولعلّ نافذة دراسة المجتمع، أي مجتمع، من خلال الفن، أعمق وسيلة لدراسة السياسة، وهذا الكتاب دراسة لافتة تدين المُستعمر أيا كان، وتدين الذات "المُبدعة" على حساب الآخرين، موصياً بالعمل على تدريسه لطلاب الفنون في الجامعات الفلسطينية والعربية، لدوره في التفريق بين الفن كفعل إنساني ودوره الدعائي للقائم بفعل الاستعمار.