العدد 52 من فصلية "قضايا إسرائيلية": محور خاص عن إسرائيل والسياق الإقليمي بعد الثورات العربية
هذا العام، 2014، هو الذكرى المئة لاندلاع الحرب العالمية الأولى. هذه الحرب التي انتهت بوعد بلفور، واتفاقية سايكس بيكو وضمور الإمبراطورية العثمانية إلى حدود الدولة التركية الحالية كما نعرفها اليوم.
وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد انتهت بوعد بلفور، فإنّ الحرب العالمية الثانية قد انتهت بنظام عالمي جديد من مفرزاته الأولى كان قرار التقسيم الذي ما زال تأثيره ماثلاً في حياتنا. هكذا تشكّل الشرق الأوسط على صورته الحالية كنتاج لحربين عالميتين لم يكن لنا فيهما لا ناقة ولا بعير.
في إشارتي إلى هذه الحقيقة أرمي إلى القول بمدى تشابك القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي بجملة من السياقات الدولية التي أثّرت وما زالت تؤثر فيه.
اخترنا في هذا العدد أن نركّز على العوامل الإقليمية والقوى الرئيسة في المنطقة، تحوّلاتها الداخلية، ومدى تأثير هذه التحولات الداخلية على سياستها الخارجية تجاه إسرائيل بشكل خاص، والاصطفافات الإقليمية الجديدة الممكنة بشكل عام.
منذ فترة لم يكن الشرق الأوسط على هذه الدرجة من السيولة والغليان، ومن المبكر جدًا التنبؤ بما ستؤول إليه المنطقة من تحولات وترتيبات جديدة. تاريخيًا اعتمدت إسرائيل على سياسة بن غوريون القائمة على محاصرة الحصار، أي إقامة طوق غير عربي حول دول الطوق العربي، ومن هنا كان اهتمام إسرائيل الخاص بتركيا وإيران باعتبارهما دولتين قويتين ومركزيتين في المنطقة، يشكل التحالف معهما توازنًا مع المشروع القومي العربي الممتد من مصر إلى سورية مرورًا بالعراق.
لكنّ مياهًا كثيرة جرت منذ السبعينيات: إيران لم تعد تلك الدولة التي كانت، ومصر خرجت من دائرة الصراع، والعراق وسورية تدمّران بفعل حرب أهلية دامية، وتركيا تراوح بين رغبتها في استعادة دورها العثماني في المنطقة العربية والتركيز على دورها الإسلامي من ناحية، ورغبتها في الانخراط في المنظومات العالمية بقيادة الولايات المتحدة، من ناحية أخرى. أما إيران فيبدو أنها تنحو باتجاه انفراج في علاقاتها مع الولايات المتحدة، بينما السعودية تنظر حولها لترى أنها فقدت وزنها في المنطقة، وتبحث عن موطئ قدم جديد على شاكلة استعادة تحالفها مع مصر بقيادة العسكر وتحت حكم السيسي.
عليه، اخترنا في هذا العدد أن نلقي بعض الضوء على هذه التحولات الإقليمية مركّزين على ما يحدث في إيران، تركيا، مصر، لبنان، وسورية وكيفية تأثير التحولات الداخلية في هذه البلدان على الخارطة الإقليمية بشكل عام، وعلى علاقة هذه الدول بإسرائيل وعلاقة إسرائيل بها.
بدون هذا السياق الإقليمي ستبقى محاولتنا لفهم التحرّكات الأميركية في الشرق الأوسط ودورها في العملية التفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين منقوصة.